الضلع القاصر .. بين الأمس واليوم
كان أجدادنا على وعي بالعلاقات العاطفية بين الرجل والمرأة ... اخترعوا نظام التعليلة الذي يبيح لقاء الشاب بالفتاة قرب أطناب بيتها . واشترطوا وجود رفيق للعاشق يحميه ويبعد عن الفتاة شبهة الخلوة التامة التي يمكن أن تتطور إلى الأسوأ ... إذا اكتشف الأهل ذلك العاشق المتسلل لا تزيد عقوبته عن بدن ساخن وبهدوء أقرب إلى الصمت ... فهو بعد وقبل كل شيء أساء إلى سمعة العشاق الحذرين . فكل الرجال الذين ضربوه عشاق مثله ... فرض القضاء العشائري عقوبة المغتصب أو من يحاول الاغتصاب . أشد كثيرا من عقوبة السجن المؤبد هذه الأيام ... تصل نتائج تلك العقوبة إلى قبيلة الجاني كلها . غرامة أكثر من المحتمل . جلوة عن مناطق قبيلة المجني عليها . كساء بيت والد الضحية بالقماش الأبيض وزرع مضارب القبيلة بالرايات البيضاء لمدة ثلاثة أشهر . اعترافاً بنقاء العرض من الدَّنس ... ولهذا أشادوا بفاعل الطيبات وقالوا ... رايتك بيضاء ... حينما تهجنت البوادي والقرى مع المدن ... تاهت الأعراف والتقاليد ... أصبحت المرأة وحدها ضحيّة الهاتف النقال ووسائل الصوت والصورة . وضحية التأخير عن العودة إلى الزريبة بعد بيات الدجاج ... وضحية الإشاعة على الإنترنت أو حديث الشارع ... في الربع الأخير من العام الماضي والشهر الأول من هذا العام قتل الرجل عشر إناث من مختلف الأعمار بداعي الشرف الرفيع الذي يجب أن يسيل الدم على جوانبه ... والغريب أن الرجل نفسه هو الذي طالب بوظيفة المرأة ودراستها الجامعيّة وهما حقل الاختلاط اليومي مع الذكور ... لم يتعرض الرجل الذي غرر بالأنثى وضعفها الإنساني . مع وعود بالزواج قبل العنوسة إلى ضربة كف أو بصقة على وجهه ... بينما الأجداد عروه من ملابسه وأركبوه بعيراً مدهوناً بالقطران ... قرر القاضي طيّب الله ثراه بتر كل عضو علق به القطران في جسمه ... وآخر فرض عليه أن يحلق نصف شاربه لمدة عام كامل وألا يتلثم في المجالس والطرق أمام الناس ... وأي فخر كان لأجدادنا بشواربهم التي يحلفون بها ... ومن شاربي هذا لأفعل ... هذا المرض العربي تفشى زمن الحروب الأهليّة التي لم تزل قائمة حتى يومنا هذا ... حينما تحررت مجموعة من النساء السبايا من أسر عصابة مسلَّحة . لم يستقبلهن ذووهن بالمودة . ولم يجيشوا أطباء النفس لعلاجهن . بل شجعوهن على الانتحار ... ومن آثرت الاحتفاظ بحياتها . قاموا بقتلها غسلاً للعار ... العار الذي جبن الرجال أنفسهم عن تلافيه بالدفاع عن إناثهم ... هربوا للنجاة بأرواحهم وتركوا المرأة تدفع الثمن مرتين ... تزايدت جرائم القتل في مجتمع يشعر أنه محاصر ومضغوط بحالة اقتصاديّة غير مسبوقة ... تعامل معها الأجداد سنوات القحط والاستعمار والاحتلال بالصبر والحيلة . أكلوا جلود المواشي وجذور الأعشاب ... ولكنهم لم يضحّوا بنسائهم كما هي الحال أيامنا هذه ... عاش أجدادنا زمناً من الغزوات القبليّة حتى أنهم لم يجدوا وقتاً لدفن قتلاهم ... تركوهم طعاماً للوحوش والكواسر ... أشادوا بالشجاع الذي يشبع السباع من جثث قتلاه ...
مرحوم يا مشبع سباع مجيعات
عز الله من عقبكم زاد خوفي
ضبع المويلح عازمة ضبع حوران
افلح هداك الله على ما يواتي
ولكنهم تجنبوا القتال قرب المضارب حيث النساء والأطفال . ولم يكتب تاريخهم في أربعة قرون من الزمن حالة اعتداء واحدة على امرأة ... ترى ما هو مصير الضلع القاصر في قادم الأيام والسنين ... ؟؟؟