مقدمة
شكل تاريخ إعلان الاستقلال مفصلا جوهريا في الحالة الكيانية الفلسطينية، وإن لم ينتج عنه دولة على الأرض؛ فبالإضافة إلى جملة الوثائق الأساسية ذات الطبيعة الدستورية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وأبرزها الميثاق الوطني والنظام الأساسي، جاءت وثيقة الإستقلال لترسم الملامح العامة للنظام السياسي-الدستوري للدولة الفلسطينية المنشودة، وليكون لهذا الحدث جملة من التبعات الرسمية كتشكيل الحكومة، وتسمية رئيس الدولة، والأهم من ذلك هو الشروع في صياغة دستورها، ولأجل هذا الغرض شكلت لجنة خاصة من قبل المجلس الوطني.
حتى ذلك الوقت لم يُثر نقاش جديّ حول العلاقة المتوقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية (الكيان المعنوي) والدولة الفلسطينية (الكيان المنشود)، وكأن التعاطي مع هذا الأمر يأتي في باب الترف الفكري. زاد الأمر تعقيدا وجود كيان ثالث وسطي بين الكيان المعنوي والكيان المنشود، وذلك بقيام السلطة الفلسطينية (1994) بموجب قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير (1993)، وبالاستناد إلى مرجعية تفاهمات السلام الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كسلطة حكم ذاتي.
كان من شأن هذا الحدث توسيع مدى الإطار الدستوري لـ "الكيانية الفلسطينية"؛ فبالإضافة إلى الأحكام ذات العلاقة في الاتفاقيات الفلسطينية-الإسرائيلية التي ارتضاها الجانب الفلسطيني لحالته الكيانية، بشكل أقرب إلى الأحكام الدستورية، وإن كانت مؤقتة، كان لا بد للكيان الوسطي القائم على الأرض (السلطة الفلسطينية) أن تسن له وثيقة دستورية، ذات طبيعة سامية على التشريعات التي بدأ بسنها لتنظيم مختلف شؤون الحياة العامة على الأرض التي يحكمها؛ فأقر المجلس التشريعي "القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية" عام 1997، وتأخر إصداره خمس سنوات، حتى صدر في العام 2002، وصدرت نسخة معدلة له في العام 2003، ولحقها تعديل لبعض الأحكام في العام 2005.
في الإجمال، بات لدى الفلسطينيين إشكال واقعي أكثر تشبيكا من السيناريوهات التخيلية للحالات الدراسية المفترضة، بما يدعو إلى حسم طبيعة العلاقة بين ثلاثة أشكال من الكيانات: منظمة التحرير الفلسطينية كحركة تحرر وطني، وبما تمثله من كيان معنوي؛ السلطة الفلسطينية كسلطة حكم ذاتي، وما تمثله من حالة أو مرحلة انتقالية على خطى تقرير المصير؛ ودولة فلسطين بما تمثله من كيان منشود كأحد أبرز أهداف تقرير المصير.