السياسة الخارجية الفلسطينية في الأمم المتحدة ما بعد حصول فلسطين على عضوية الدولة المراقب
تحليل سياسات
-
الثلاثاء, 8 تشرين الثاني (نوفمبر), 2016
(أعدّ هذه الورقة كل من: ثائر رباح، عز الدين عبد الصمد، محمد حمدان، نور السويركي، ضمن إنتاجات المشاركين/ات في البرنامج التدريبي "إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي").
****************************
مقدمة
ليست الدولة الفلسطينية مجرد مطلب شعبي أو شعار نضالي، بل هي وفقًا لقواعد القانون الدولي حق للشعب الفلسطيني في تقرير مصيره كما أكده العديد من قرارات الأمم المتحدة. ومرت مكانة فلسطين في الأمم المتحدة بالعديد من محطات النضال الوطني التراكمي الذي حقق بعض الإنجازات، ابتداءً من عهد عصبة الأمم، ووصولًا إلى عهد الأمم المتحدة، فكانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل الشعب الفلسطيني في أروقة الأمم المتحدة بصفة كيان مراقب، إلى أن قام المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الاستثنائية التاسعة عشرة المعقودة في الجزائر بإعلان وثيقة الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية في 15 تشرين الثاني 1988.
[1]وبناء على هذا الإعلان، أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم (176/43) المؤرخ في 15 كانون الأول 1988
[2]، الذي رحبت فيه بنتائج الدورة الاستثنائية التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، ودعت لعقد المؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط برعاية الأمم المتحدة على أساس قراري مجلس الأمن (242) و(338)، والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره، والقرار رقم (177/43)
[3] الذي أقرت فيه بأن يستعمل لفظ اسم "فلسطين" اعتبارًا من 15 كانون الأول 1988 بدلًا من اسم "منظمة التحرير" باستثناء حق التصويت في قرارها رقم (52/250) المؤرخ في 7 تموز 1998
[4]، وبذلك فإن الدولة الفلسطينية أنشئت – مبدئيًا على الأقل- اعتبارًا من العام 1988.
في العام 1993، توصّل الفلسطينون والإسرائيليون إلى "اتفاق أوسلو" الذي قضى بمنح الشعب الفلسطيني حكمًا ذاتيًا لمدة خمس سنوات، يتم خلالها الاتفاق على كافة قضايا الحل النهائي، ونظرًا لوصول العملية السلمية إلى طريق مسدود، واستمرار العدوان الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، قامت القيادة الفلسطينية في العام 2011 "بنقل ملف القضية الفلسطينية مجددًا إلى المنبر الأممي لإقامة الدولة على حدود 1967"
[5]، "إذ قام رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس في 23 أيلول 2011 بإرسال طلب للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وعرض الطلب على مجلس الأمن، وانتهى الأمر في 11 تشرين الثاني 2011 بفشل هذا الطلب في الحصول على الأصوات التسعة المطلوبة في مجلس الأمن، بما فيها الدول الخمس دائمة العضوية، لعرضه على التصويت.
[6]وفي العام التالي، شرعت القيادة الفلسطينية في التقدم بطلب الحصول على صفة الدولة غير العضو المراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
[7] وبتاريخ 29 تشرين الثاني 2012، عقدت الجمعية العامة جلستها السابعة والستين وصوتت بالإيجاب على طلب فلسطين، وأصدرت قرارها رقم (67/19) الذي يقضي بمنح فلسطين وضع الدولة غير العضو المراقب.
[8]يمكن القول إن حصول فلسطين على صفة الدولة المراقب يمثل محطة في رحلة النضال الديبلوماسي في هيئة الأمم المتحدة بوصفه حقًا واستحقاقًا فلسطينيًا طال انتظاره، وبما يعزز النضال من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس. وبمعنى آخر، فإن ترقية المركز القانوني لفلسطين في الأمم المتحدة من شأنها تغيير النظرة السياسية والقانونية للقضية الفلسطينية في أروقة المنظمة الأممية، ويتيح هذا الوضع الجديد بأن تتقدم دولة فلسطين بطلب الانضمام إلى عضوية سائر الوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة، وأن تصبح طرفًا في الاتفاقيات الدولية العامة.
وقد تم البناء على خطوات سابقة باتجاه الحصول على العضوية الكاملة في المنظمات الدولية، حيث تم التصويت على عضوية فلسطين في اليونسكو بتاريخ 31 تشرين الأول 2011، وحصلت على العضوية الكاملة فيها.
[9] وتعزز هذا المنحى لاحقًا بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات، منها اتفاقيات جنيف الأربع للعام 1949، وبروتوكولها الأول للعام 1977، واتفاقية لاهاي المتعلقة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية للعام 1907، ومرفقها اللائحة المتعلقة بقوانين وأعراف الحرب البرية، والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها للعام 1973، والاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري للعام 1965، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها للعام 1948، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للعام 1966، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للعام 1966، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة للعام 1984، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة للعام 1979، واتفاقية حقوق الطفل للعام 1989، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الاعاقة للعام 2006، واتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للعام 2003، واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات للعام 1969، واتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية للعام 1961، واتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية للعام 1963، ونظام روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية للعام 1998.
ما سبق يوجب على القيادة الفلسطينية بلورة إستراتيجية وطنية، وخطة عمل على المستوى الأممي يتم مشاركتها مع كافة الهيئات والأجسام المختصة في منظمة التحرير والسلطة، تقوم على فكرة الانتقال والمواجهة إلى المنظمة الأممية لاكتساب وانتزاع المزيد من حقوق الشعب الفلسطيني، للخروج من حالة الالتباس والتوهان في السياسة الخارجية الفلسطينية، ومن أجل استثمار كافة المكتسبات الناجمة إثر منح فلسطين المكانة الجديدة في الأمم المتحدة.
المشكلة
يعتبر تفعيل السياسة الخارجية الفلسطينية إحدى أهم القضايا الراهنة التي يلزم الاعتماد عليها لتحقيق أهداف السياسة العامة الفلسطينية، بحيث تقوم على إستراتيجية وطنية واضحة في التعامل مع المستوى الدولي، وهو الأمر الغائب حتى الآن.
وتتجلى المشكلة في تغييب السياسة الخارجية الواضحة والمقرة من قبل الهيئات والأجسام المعنية، والاعتماد لغاية الآن على توجهات سياسية - وأحيانًا فردية - على المستوى الأممي، وتحديدًا بعد حصول فلسطين على صفة الدولة المراقب، وذلك لانعدام الإرادة الحقيقية من قبل القيادة الفلسطينية الحالية لخوض معركة ديبلوماسية على المستوى الأممي لبلورة مكتسبات قرارت الأمم المتحدة على أرض الواقع، بالإضافة إلى غياب الرؤية الإستراتيجية الوطنية الشاملة التي بموجبها يمكن التعامل مع المستوى الأممي، ولتعاطي القيادة الفلسطينية الحالية مع الآثار القانونية والسياسية للقرار رقم (67/19) كتكتيك للعودة إلى المفاوضات وتحسين شروطها، وليس كإستراتيجية لمحاسبة وعزل ومقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
يبرز ما سبق من خلال عدم استكمال إجراءات الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات والوكالات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وعدم الجدية في توظيف هذه المكتسبات على مستوى الأمم المتحدة. كما أن سحب الصلاحيات من المنظمة ممثلة بالدائرة السياسية ومنحها للسلطة ممثلة بوزارة الخارجية فيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية؛ يعد من الأسباب المؤثرة بشكل جلي على السياسة الخارجية الفلسطينية في الأمم المتحدة بعد حصولها على صفة الدولة المراقب، مع الإشارة إلى أن ضعف الكادر البشري الراسم والمنفذ للسياسة الخارجية الحالية ينعكس على أدائها وفاعليتها.
الأهداف
تقدم هذه الورقة آليات وبدائل سياساتية لتعديل مسار السياسية الخارجية الفلسطينية لتمكينها من الاستفادة من قرار الجمعية العامة رقم (67/19) الذي بموجبه منحت فلسطين صفة الدولة المراقب.
البدائل
البديل الأول: بلورة إستراتيجية وطنية شاملة قائمة على أساس مشروع تحرر وطني، من خلال المواءمة بين الحقوق التاريخية للقضية الفلسطينية والواقع الحالي القائم من أجل اتباعها على المستوى الأممي، وتتضمن خطة زمنية وأدوات وأهداف وملفات محددة قائمة على ما يأتي:
أولًا: التشخيص الدقيق للخطر المهدد للقضية الفلسطينية، ومن ثم مواجهته، والتخلص منه بكافة الوسائل المتاحة في إطار القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. ففلسطين خضعت لاحتلال إجلالي "إحلالي" قام على فكرة نزع الصفة السياسية والقانونية عن الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية، لذلك لا بد من مواجهة هذه التهديدات عبر أدوات عدة ممثلة بالقانون الدولي الإنساني: اتفاقية جنيف الرابعة، والبرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الخاص بجدار الفصل العنصري، والعديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، مع الاشارة إلى أن هذه الأدوات تحتاج إلى تعبئة وحشد من كافة أطياف الشعب الفلسطيني، وليتحمل الإقليم والمجتمع الدولي مسؤولياته.
ثانيًا: إعادة توجيه البوصلة نحو تحقيق الهدف المركزي للديبلوماسية الفلسطينية للمرحلة الحالية وصياغته بشكل أكثر وضوحًا، وهو الحصول على مكانة الدولة الفلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وكاملة السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس؛ ولذلك لا بد من تفعيل كافة الهيئات المختصة بالعلاقات الخارجية الفلسطينية لكسب التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، والعمل داخل أروقة الأمم المتحدة على كسب مزيد من الحقوق، ومن ثم تجسيدها على أرض الواقع، إلى جانب العمل بشكل متوازٍ على صعيد بناء مؤسسات الدولة.
ثالثًا: وضع أساس واضح ومتفق عليه، داخليًا ودوليًا، للمفاوضات، على أن تكون تحت رعاية الأمم المتحدة، وعلى أساس مرجعية القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية. والتصريح بفشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية لعدم وجود مرجعية واضحة لها، والعمل بشكل جدي على الربط بين العمل السياسي والكفاحي بما يخدم إحداث تعديل في موازين القوى المختلة بشكل فادح لصالح دولة الاحتلال، والتي أثرت على مجمل مسار ومخرجات المفاوضات السابقة.
رابعًا: الإسراع في إنجاز الوحدة الوطنية عبر العودة إلى العملية الديمقراطية والقبول بنتائجها، والاتفاق على أساس سياسي واضح (عقد اجتماعي) يشمل هدفًا وطنيًا موحدًا، ومن ثم الاتفاق على جوهر البرنامج السياسي لمنظمة التحرير.
خامسًا: اعتماد سياسات اقتصادية تدعم صمود الشعب، وبخاصة في القدس والمناطق المهددة بالاستيطان والمصادرة، من خلال دعم الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي، بما يقلل من الاعتماد على الاستيراد من الخارج.
المعقولية: إن إمكانية بلورة هذه الإستراتيجية أمر قابل للتطبيق، بالرغم من التحديات والصعوبات التي تواجهه، من خلال إيجاد الإرادة السياسية واتباع الخطوات الإجرائية الخاصة لذلك، إذ تؤكد قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية على اعتبار فلسطين أراضي محتلة، الأمر الذي يتيح إمكانية طرق جميع الأبواب القانونية والديبلوماسية على الصعيد الدولي، من أجل تدويل القضية الفلسطينية من جديد وإعادتها إلى أروقة الأمم المتحدة لتجبرها على التدخل من جديد، بعد تراجع موقفها منها، من خلال العمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية صاحبة السيادة وكاملة العضوية على الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1967.
المقبولية: تتعلق بمدى قبول الأطراف الفلسطينية بتحقيق هذا البديل. إذ لا بد من تحقق التوافق الوطني الفلسطيني على إستراتيجية وطنية خارجية موحدة مقبولة من كافة أطياف الشعب.
المنفعة: مقدار المكتسبات من تحقيق هذا البديل، ويتمثل بالحضور الدولي القوي للقضية الفلسطينية وإبقائها حية على الأجندة الدولية، وانتزاع المزيد من الحقوق الفلسطينية، والاستفادة من المزايا الناجمة عن المكانة الجديدة في الأمم المتحدة بالطرق الديبلوماسية المتفق عليه وطنيًا، إذ سيؤدي اتباع هذه الإستراتيجية إلى فتح المجال أمام الفلسطينيين لاستخدام جميع الآليات الدولية المتاحة لفتح موضوع مسؤولية إسرائيل عن انتهاكها لحقوق الشعب الفلسطيني، وما قامت به من تدمير ونهب وتبديد لثرواتهم ومقدراتهم، وغيرها من الجرائم التي ارتكبتها ولم تزل ماضية في ارتكابها، مثل الاستيطان وضم وتهويد القدس، وجدار الفصل العنصري.
الخسائر: قد يتطلب تحقيق هذا البديل وقتًا زمنيًا طويلًا نسبيًا للوصول إلى بناء التوافق الوطني على هذه الإستراتيجية، نظرًا لوجود عراقيل قائمة، داخليًا وخارجيًا، في ظل عدم الاستقرار الإقليمي والدولي.
البديل الثاني: العمل على تحلل السلطة الوطنية الفلسطينية من جميع التزاماتها المسندة إليها وفقًا لما جاء في "اتفاق أوسلو" وملحقاته، واعتبارها سلطة إدارية وخدمية، وتحويلها إلى أداة من أدوات المنظمة، وإسناد جميع المهام السيادية والسياسية للمنظمة بعد إصلاحها، والعمل بشكل متوازٍ على مراجعة فكرية من قبل جميع الأحزاب والتيارات المنضوية داخلها، والاستفادة من الفرص المتاحة، داخليًا وإقليميًا ودوليًا، لدعم القضية الفلسطينية، إضافة إلى التوافق على برنامج سياسي يمكن اعتباره المرجعية الثابتة لأي عملية سياسية مستقبلية.
المعقولية: إن تحقق هذا البديل سيكون صعبًا، لكنه ليس بالمستحيل، وتحديدًا في ظل التباين والاختلاف في البرامج السياسية والأيديولوجية للأطراف الفلسطينية، وفي ظل ضعف السلطة الوطنية الفلسطينية، واستمرار الانقسام الداخلي، في حين سيتحقق هذا البديل من خلال الاتفاق على أساس سياسي واضح ودخول جميع الأطراف إلى منظمة التحرير.
المقبولية: تطالب وتتفق جميع الأطراف الفلسطينية على أهمية إصلاح وتفعيل المنظمة، ولذلك فإن تحقيق هذا الأمر سيجعلها تقبل بإعادة كافة الصلاحيات للمنظمة لتمثيل فلسطين على المستوى الإقليمي والدولي.
المنفعة: سيمكن إصلاح وتفعيل المنظمة من تعزيز تمثيل الشعب الفلسطيني وقضيته دوليًا، وخصوصًا داخل أروقة الأمم المتحدة.
الخسائر: يؤثر على إمكانية عدم نجاح هذا البديل ضعف المنظمة باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده على عكس السلطة التي يجري التعامل على أنها تمثل الفلسطينيين في الضفة والقطاع فقط. كما أن إصلاح المنظمة يحتاج إلى وقت طويل، نظرًا للعديد من التحديات الداخلية والخارجية، مثل الانقسام والمناكفات السياسية واختلاف البرامج، مما يبطّئ من عملية تحقيق هذا البديل. ويضاف إلى ذلك استمرار الانقسام الذي يُضعف بشكل كبير تدويل الصراع والتوجهات الخارجية الفلسطينية للمجتمع الدولي في حال عدم الاتفاق عليها داخليًا.
البديل الثالث: تفعيل البعد الدولي للقضية الفلسطينية اعتمادًا على تدويل الصراع، ورسم خطة عمل لاستكمال انضمام وترقية مكانة فلسطين في الوكالات الدولية المتخصصة التابعة للأمم المتحدة وللمعاهدات والاتفاقيات الدولية العامة، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية، على اعتبار أنها من الآليات غير التعاقدية، وذلك وفقًا لأولوية المنفعة، وتفعيل المبدأ العالمي للولاية القضائية، ومقاومة كافة أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وتبني وتوسيع حملة المقاطعة BDS، لمحاسبة وعزل ومقاطعة دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويتطلب ذلك التركيز على:
أولًا: تطوير العمل الديبلوماسي الفلسطيني الدولي على المستويين الرسمي والشعبي، وذلك باتباع الخطوات الآتية:
على المستوى الرسمي
- حصول فلسطين على صفة الدولة المراقب يؤهلها للانضمام إلى العديد من المعاهدات والاتفاقيات العامة، والاستفادة من المزايا والحقوق التي يتيحها الانضمام إليها. فانضمام فلسطين إلى اتفاقيتي فيينا للعلاقات الديبلوماسية والقنصلية يمكنها من إنشاء علاقات ديبلوماسية خارجية مع الدول الأعضاء وغير الأعضاء والمنظمات الدولية، إضافة إلى حق التمتع بالمزايا والحصانات الديبلوماسية التي يقرها القانون الدولي لأشخاصه، وأهمها الحصانة الديبلوماسية.
- تفعيل مبدأ الولاية القضائية مع الدول التي تقبل وتعمل بهذا المبدأ، والتي أقيمت معها علاقات ديبلوماسية، وإنشاء لجنة خاصة تضم العديد من ذوي الشأن والخبرة من المؤسسات الحقوقية، الفلسطينية والإقليمية والدولية، لمتابعة إعداد وتقديم ملفات عن الجرائم الإسرائيلية لمحاكم هذه الدول ومتابعة الأحكام الصادرة عنها، وذلك في إطار عزل ومحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
- تشكيل جماعة ضعط من الدول، العربية والإقليمية والإسلامية والدولية، المؤيدة للقضية الفلسطينية داخل الجمعية العامة، للعمل على تفعيل مبدأ "متحدون من أجل السلام"، وإبراز تقصير مجلس الأمن الدولي في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، والعمل على منح الجمعية العامة التي صوتت بالأغلبية على منح فلسطين صفة الدولة المراقب هذا الحق، لا سيما في ظل وجود سابقة قبل ذلك، وذلك من أجل إصدار قرار ملزم بمنح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
- تشكيل لجان متخصصة لمراجعة شروط وخطوات الانضمام إلى الوكالات الدولية المتخصصة، ومن ثم تقديم تقاريرها إلى القيادة، لتوضح الآثار الإيجابية والسلبية الناجمة من الانضمام لكل وكالة على حدة، ومن ثم البدء في استكمال الإجراءات والشروط المطلوبة للانضمام وفق أولوية المنفعة، ليتسنى بعد ذلك الاستفادة من حقوق الدول الأعضاء في هذه الوكالات الدولية في الأمم المتحدة. فالانضمام لمنظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية والمنظمة البحرية الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، على اعتبار أنها من ضمن الآليات غير التعاقدية، يتيح المجال - وفقًا لحقوق الدول الأعضاء فيها - لمحاسبة دولة الاحتلال الإسرائيلي على انتهاكاتها للحقوق الفلسطينية ذات العلاقة بمجالات اختصاص مثل هذه المنظمات.
- رسم سياسة فلسطينية لانتهاجها على المستوى الدولي للعمل بها على جميع الصعد، من أجل دعم وحشد التضامن مع القضية الفلسطينية، وتبني حملة المقاطعة BDS، ومقاومة كافة أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال، وذلك من خلال السفارات والممثليات الفلسطينية في الخارج. أما على المستوى المحلي الفلسطيني، فالعمل سريعًا من أجل تبني حملة المقاطعة BDS بشكل رسمي.
- على المستوى الشعبي
- تفعيل عمل الجاليات الفلسطينية في مختلف دول العالم لإبراز وإظهار محورية وعدالة القضية الفلسطينية، من خلال إقامة الفعاليات واللقاءات مع منظمات المجتمع المدني، واستثمار وسائل الإعلام المتاحة لهذه الجاليات في حشد وتوجيه المؤمنين بعدالة القضية للضغط على حكوماتهم لتأييد الحراك الديبلوماسي في هيئات الأمم المتحدة.
- تفعيل ودعم حركة المقاطعة BDS ومقاومة كافة أشكال التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبر تشكيل جماعات ضغط على المستوى الدولي خارج إطار الأمم المتحدة، من منظمات مجتمع مدني، ومنظمات تؤمن بعدالة الحقوق الفلسطينية، ومنظمات تعادي العنصرية والصهيونية، الأمر الذي من شأنه الضغط على حكومات دولها لتتبنى حملة المقاطعة، خصوصًا أنها حققت نجاحات هائلة وكبدت الاحتلال خسائر جمة، إضافة إلى العمل مع هذه الفئات للضغط على حكومات دولها لمحاولة استصدار قرار داخلي تتبناه لمساندة حملة المقاطعة وإبقائه طالما بقي الاحتلال الإسرائيلي قائمًا.
- تشكيل لجان شعبية لقيادة المقاومة الشعبية السلمية، والعمل بشكل متوازٍ للدعوة للحراكات الواسعة المواكبة للحراك الديبلوماسي في الأمم المتحدة، بحيث تمتد هذه الحراكات لجميع مناطق تواجد الشعب الفلسطيني لتشكل أداة ضغط ودعم للموقف الفلسطيني في أي حراك ديبلوماسي قادم.
ثانيًا: بناء منظومة إعلامية لدعم العمل الديبلوماسي الفلسطيني الدولي من خلال:
- تكثيف الجهود الإعلامية الرسمية الفلسطينية لتوضيح أهمية الحراك الديبلوماسي، عبر التلفزيون والإذاعة والصحف الرسمية، واعتماد سياسة إعلامية رسمية لتسليط الضوء على أهمية الحراك الديبلوماسي عن طريق إعداد مواد إعلامية دورية النشر، وعدم الاكتفاء بالتغطية الإعلامية للمكتسبات التي يتم تحقيقها.
- رسم سياسة إعلامية خاصة بالدوائر الإعلامية التابعة للسفارات والقنصليات ومكاتب التمثيل الفلسطيني، والعمل بها بالتوازي والتوافق مع الإعلام الرسمي وأهداف الحراك الديبلوماسي.
- تشكيل جماعات ضغط إعلامية عبر منصات الإعلام الاجتماعي المتعددة، لتقوم بعمل داعم في توضيح الحراك الديبلوماسي، وباستخدام لغات أجنبية عدة لمخاطبة الخارج، ويمكن الدفع بتشكيل مثل هذه الجماعات من خلال مؤسسات الدولة الرسمية، أو مؤسسات المجتمع المدني.
المعقولية: هذا البديل مقبول من الجميع بشكل منطقي وواقعي لتطبيقه، وتحديدًا في ظل الخطوات الإجرائية الخاصة به.
المقبولية: يحقق هذا البديل منافع كثيرة للقضية الفلسطينية، ولهذا فإن مقبوليّته ستكون عالية لاحتوائه على خطوات إجرائية من شأنها دعم القضية الفلسطينية بكافة جوانبها على المستويين الإقليمي والدولي.
المنفعة: يحقق هذا البديل الاستفادة من العديد من المزايا المترتبة على إكساب فلسطين صفة الدولة المراقب، ما من شأنه دعم مسيرة التحرر والتخلص من الاحتلال الإسرائيلي، ويزيد من صلاحيات الدولة الفلسطينية، سواء داخل أروقة الأمم المتحدة، أو دوليًا عبر التصديق والانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي لا تقبل إلا بالدول، وإلى الوكالات الدولية المتخصصة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، لمقاطعة دولة الاحتلال وعزلها ومحاسبتها.
ويعزز هذا البديل وعي المجتمع الدولي بقضية فلسطين، ويساهم في زيادة التأييد لحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير ونيل الاستقلال. كما يعزز الدعم للجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة وشاملة للقضية الفلسطينية على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.
الخسائر: قد يضع الانضمام والتوجه إلى المحاكم الدولية وبعض الوكالات والمنظمات الدولية بعض الممارسات للأطراف الفلسطينية موضع المحاسبة، وقد تزداد الضغوطات الأميركية والإسرائيلية على القيادة الفلسطينية واتخاذ خطوات من شأنها إفشال السلطة في أداء مهامها.
المفاضلة بين البدائل
بناء على مصفوفة التأثير المتبادل التي ستقيس مدى تأثير أسباب المشكلة على بعضها البعض، وتُظهِر العامل الأكثر تأثيرًا والعامل الأكثر تأثرًا، ونظرًا لأن البدائل بُنيت على أسباب المشكلة، فإن معرفة الأسباب الأكثر تأثيرًا وتأثرًا من خلال نتائج المصفوفة يوضح الاتجاه الصحيح في ترتيب أولويات تحقيق البدائل وفقًا لتأثيرها ببعضها البعض.
الأسباب الرئيسية للمشكلة:
- غياب الرؤية الإستراتيجية الوطنية الشاملة التي بموجبها يمكن التعامل مع المستوى الأممي.
- تعامل القيادة الفلسطينية مع القرار رقم (67/19) كتكتيك وليس كإستراتيجية.
- تنازع الصلاحيات ما بين السلطة والمنظمة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.
- ضعف الكادر البشري الراسم والمنفذ للسياسة الخارجية.
- عدم استكمال الانضمام إلى المعاهدات والاتفاقيات الدولية العامة وإلى كافة المؤسسات الدولية المتخصصة في الأمم المتحدة.
الأسباب | غياب الرؤية الإستراتيجية | التعامل كتكتيك وليس كإستراتيجية | تنازع الصلاحيات بين السلطة والمنظمة | ضعف الكادر البشري | عدم استكمال الانضمام | العامل المتأثر |
غياب الرؤية الإستراتيجية | | -1 | +1 | +1 | -1 | 0 |
التعامل كتكتيك وليس كإستراتيجية | +1 | | +1 | +1 | -1 | 2 |
تنازع الصلاحيات بين السلطة والمنظمة | -1 | -1 | | -1 | -1 | -4 |
ضعف الكادر البشري | -1 | -1 | -1 | | -1 | -4 |
عدم استكمال الانضمام | +1 | +1 | +1 | +1 | | 4 |
العامل المؤثر | 0 | -2 | +2 | +2 | -4 | |
وفقًا لما أظهرته نتائج المصفوفة، فإن تنازع الصلاحيات بين السلطة والمنظمة وضعف الكادر البشري الراسم والمنفذ للسياسة الخارجية هما العاملان الأكثر تأثيرًا في السياسة الخارجية الفلسطينية، حيث حصلا على أعلى مجموع (2)، وهذا يفسر عدم وجود رؤية إستراتيجية وتخبط على المستوى الدولي. أما العامل الأكثر تأثرًا فهو عدم استكمال الانضمام إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والمنظمات الدولية، إذ حصل على مجموع (4)، وهذا جاء نتيجة قانون السلك الديبلوماسي الذي أقره المجلس التشريعي الفلسطيني في العام 2005، وبالرغم من أنه نص على عدم الانتقاص من صلاحيات المنظمة إلا أن الواقع زاد الأمر تعقيدًا لجهة تلاشي صلاحيات الدائرة السياسية التابعة للمنظمة.
خلال هذه القراءة المنطقية، فإنه يمكن القول بأن هذه النتائج تتوافق مع البدائل الثلاثة المطروحة توافقًا كبيرًا، ولكنها تدفع باتجاه الذهاب إلى تحقيق البديلين الثاني والثالث كأولوية لتحقيق البديل الأول، نظرًا لكونهما مؤثرين في تحقيق البديل الأول، وهو بلورة إستراتيجية وطنية خارجية.