غواصات الدولفين الصهيونية
ليس هناك قيمة للقنبلة النووية ما لم تكن هناك وسيلة لحملها وإطلاقها، وقبل ذلك إمكانية كبيرة وآمنة لتخزينها وحفظها دون أخطار، حيث يتطلب إطلاقها وجود آليات قادرة على حمل الرؤوس النووية، ذات قدرة دقيقة على إصابة الأهداف المقصودة.
وقد أصبح هناك وسائل عدة لحمل الرؤوس النووية، إذ يمكن للصواريخ البالستية أن تحمل رؤوساً نووية، كما تستطيع الطائرات المقاتلة والقاذفات أن تحمل وتلقي القنابل النووية، وذلك بعد إجراء بعض التعديلات الفنية عليها، كما أصبح هناك قذائف مدفعية نووية، وقنابل نووية استراتيجية محدودة التأثير، موضعية الهدف، أو ما يسمى بقنابل الحقيبة النووية.
ولا تملك الكثير من دول العالم هذه الوسائل والآليات، ولكن دولة الكيان حرصت منذ السنوات الأولى لمشروعها النووي، على أن تمتلك الوسائل الناجعة لحمل وإطلاق القنابل النووية، حيث زودتها الدول الغربية وتحديداً فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية بعددٍ من الصواريخ القادرة على حمل رؤوسٍ نووية، بالاضافة إلى غواصات الدولفين الاستراتيجية الألمانية، كما قامت دولة الكيان وحدها بتطوير عددٍ من الصواريخ البالستية الفعالة القصيرة والمتوسطة والطويلة المدى، التي يمكنها حمل رؤوسٍ نووية.
ولكن تبقى غواصات الدولفين الألمانية، وهي التي تجوب المياه العربية عبر البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، ويمكنها أن تصل عبر قناة السويس إلى بحر العرب ومياه الخليج العربي، فتكون قريبة من الأهداف الإيرانية والباكستانية معاً..
تبقى الآلية الأهم لدى الدولة العبرية، حيث حصلت دولة الكيان من حكومة ألمانيا الاتحادية على ثلاثة غواصات من نوع دولفين، وطالبت الحكومة الألمانية بتزويدها بغواصتين جديدتين، بحجة حماية مياهها الإقليمية، وحراسة سواحلها البحرية.
وتمتاز غواصات الدولفين الألمانية بقدرتها على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية، وتعمل هذه الغواصات كمنصات إطلاق صواريخ، حيث أنها مزودة بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية، ويعتقد بأن هذه الغواصات الصهيونية تجوب مياه المنطقة، في مياه البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، لضمان توجيه ضربة نووية استباقية أو انتقامية ضد أهدافٍ إيرانية، أي قد تكون ضربةً أولى، ومن الممكن أن تكون ضربةً ثانية انتقامية من إيران، وتهدف دولة الكيان من تسليح غواصات الدولفين بصواريخ تحمل رؤوساً نووية، أن تكون قادرة على توجيه ضرباتٍ عسكرية موجعة في حال تعرضها للحرب، وتدمير قدراتها النووية الأرضية داخل كيانها، كما تستطيع غواصات الدولفين أن تكون قريبة من الأهداف المقصودة.
وتشكل هذه الغواصات النووية العائمة، أسطولاً نووياً صغيراً، قادراً على توجيه ضرباتٍ تدميرية، لصالح دولة الكيان أو لصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وتكاد تكون غواصات الدولفين الصهيونية هي الأسطول النووي الأول في المنطقة، خاصةً وأنها تمكن دولة الكيان من توجيه ضرباتٍ عسكرية، استباقية أو ثانية ضد أي هدفٍ بعيدٍ عن شواطئها، وبعيدٍ عن حدودها، فضلاً عن أي هدفٍ قريبٍ آخر، وهذا من شأنه وفق المفهوم الأمني الاستراتيجي الصهيوني أن يجبر أي طرفٍ معادٍ لدولة الكيان للتفكير ملياً قبل الإقدام على أي خطوة عسكرية ضد الكيان.
ويقول عصام مخول النائب العربي في الكنيست الصهيوني "إن الكيان جهزت ثلاث غواصات تسلمتها من ألمانيا بأسلحة نووية، لتوجه بواسطتها الضربة الثانية، إذا كانت هي هدفاً لهجومٍ نووي".
وتملك دولة الكيان رسمياً ثلاث غواصات من طراز دولفين 800، وقد تسلمتها من ألمانيا في الفترة الممتدة بين يوليو 1999 وأكتوبر 2000، وكان المستشار الألماني الأسبق هيلموت كول وراء الموافقة على تزويد دولة الكيان بهذه الغواصات.
بينما قام المستشار السابق غيرهارد شرودر بتسليم دولة الكيان الغواصات الثلاثة، حيث شارك مع وزير خارجيته يوشكا فيشر، في احتفالٍ رسمي أجري بميناء حيفا، برفع العلم الصهيوني على الغواصات الثلاثة، وهي أحدث غواصات تقليدية في العالم، وبغض النظر عن قدرتها على حمل رؤوسٍ نووية، فهي تضمن للبحرية الصهيونية تفوقاً في الحرب تحت سطح الماء، وقد صرح أيهود باراك في 27 يوليو 1999 عندما تسلمت دولة الكيان الغواصة الأولى، وقد كان رئيساً لوزراء الكيان، "إن هذه الغواصات سوف تغير وجه البحرية الصهيونة، وقدرات الذراع الطويلة للكيان".
وتسعى دولة الكيان لامتلاك المزيد من هذه الغواصات، وقد تكون قد زودت سراً بأكثر مما هو معلن، وتبلغ حمولة هذه الغواصات 1550 طناً، وتعمل بمحرك ديزل–كهرباء، ويبلغ مدى تطوافها 4500 ميل بحري، مما يضاعف من مقدرة الكيان على توجيه ضرباتٍ انتقامية واستباقية موجعة وبعيدة عن حدودها.
ويعتقد أن غواصات "دولفين" التي تملكها دولة الكيان مجهزة باسطوانات مدفعية بمعدل 650 ملم، وتصنف إلى جانب غواصات Seewolf الأمريكية، على أنها الأحدث في العالم، بالإضافة إلى الغواصات الروسية، التي تتميز بقدرتها على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية، وقدرتها على التصدي لصواريخ معادية ذات رؤوسٍ نووية.
وتبذل دولة الكيان مساعيها لدى الحكومة الألمانية لتحديث غواصاتها الثلاثة، وفي نفس الوقت تطالب ألمانيا بتزويدها بغواصتين إضافيتين، بكلفة 1.2 مليار يورو، على أن تقدمها الحكومة الألمانية إلى دولة الكيان على شكل هبة أو هدية، علماً أنها غطت 85 في المائة من تكاليف الغواصات الثلاثة القديمة، أي أنها غطت ما قيمته 560 مليون يورو من قيمة ثمن الغواصات الثلاثة، ورغم أن الخزينة الألمانية مثقلة بمديونية عالية، إلا أن وزير الدفاع الألماني في حينه بيتر شتروك صرح لصحيفة هانلزبلات الألمانية، "بالطبع نحن جاهزون لمساعدة دولة الكيان للحصول على الغواصتين".
وتستخدم ألمانيا طرقاً ملتوية في تبرير تزويد الترسانة العسكرية الصهيونية بغواصاتٍ حديثة، فتقول "أبلغنا دولة الكيان أنه سيجري استخدام الغواصتين في حراسة المياه الصهيونية".
وتغض ألمانيا الطرف عن تعاظم الترسانة العسكرية الصهيونية، بفضل الجهود الألمانية، إذ أن الغواصات الثلاثة التي تسلمتها دولة الكيان، جعلت منها أكبر قوة عسكرية في المنطقة، بعد أن قامت بتحميل الغواصات بصواريخ ذات رؤوس نووية، وتدرك الاستخبارات الألمانية أن دولة الكيان قد نقلت جزءاً من مخزونها النووي من صحراء النقب إلى عمق البحر، وحملتها في غواصات الدولفين الألمانية، وتدرك ألمانيا أن دولة الكيان تخطط لاستخدام هذه الغواصات في استهداف إيران بضربةٍ استباقية وقائية.
ويقول كريستوفر شتايمتز الخبير الألماني في شؤون التسلح والصناعات العسكرية الألمانية، بأن ألمانيا منحت دولة الكيان هذه الغواصات من حساب خزينتها عام 1991، لحمايتها من أي عدوان عراقي عليها، وقد كان تبرير دولة الكيان لألمانيا عندما طلبت منها تزويدها بغواصاتٍ ألمانية الصنع بسيطاً، "نريد غواصات صغيرة وخفيفة تصلح للأعمال العسكرية على الشواطئ غير العميقة، بحيث تكون مجهزة بتقنية جمع المعلومات وتخزينها، ومراقبة الشواطئ والخطوط البحرية، وتكون قادرة على حمل طوربيدات خفيفة وثقيلة، وتتميز بقدراتٍ على الغوص للقتال".
وبموجب هذا التبرير يقول الخبير الألماني كريستوفر شتايمتز أن المانيا وافقت على منح دولة الكيان هذه الغواصات، ولكن الكيان استفادت من القدرة الاستراتيجية لغواصات الدولفين، وأجرت عليها عملية تطوير واسعة، مكنتها من أن تكون قاعدة صواريخ متحركة، ولكن الكيان مازالت تطالب ألمانيا بتزويدها بالمزيد من الغواصات، مما دفع الحكومة الألمانية إلى الإيعاز لمصانعها في مرافئ الشمال ببناء غواصات جديدة قد تسلمها للكيان.
وقد أجرت دولة الكيان تجارب بحرية على غواصات الدولفين، وأطلقت منها بالقرب من شواطئ سريلانكا في العام 2000 صواريخ مجهزة برؤوسٍ نووية، وذكرت صحيفة لوس أنجلس الأمريكية في مقالٍ تحليلي لها، بتاريخ 12/10/2003، حول فعالية سلاح البحرية الصهيونية، أن الكيان أجرت عملية تطوير واسعة على الأسلحة التي تحملها على متن الغواصات الألمانية الصنع " دولفين "، بحيث أصبحت هذه الغواصات قواعد متحركة لإطلاق صواريخ ذات رؤوس نووية.
وتكمن خطورة هذه الغواصات، في عدم قدرة الخصم على اكتشافها أو تحديد مكانها، وهذا ما أكده روفين بداتزر، مدير مركز غاليلي الصهيوني للدراسات الاستراتيجية والأمن القومي في صحيفة هآرتس الصهيونية، "إن دولة الكيان في حاجة ماسة لقوة غواصات مزودة بالصواريخ، لمواجهة احتمالات امتلاك إيران لمقدرات نووية بالستية خلال العقد القادم، لضرب أهدافٍ صهيونية، وتشكل هذه القوة من الغواصات رادعاً للخصوم، لأنه لن يكون بمقدورهم اكتشافها، وبالتالي يتعرضون لضربةٍ معاكسة قاتلة".
وعلق الخبير العسكري جيفري أرونسون على امتلاك دولة الكيان لغواصات الدولفين الألمانية "إن هذه الغواصات ستساعد دولة الكيان بما لديها من صواريخ بالستية وطائرات إف 15 الأمريكية الجديدة طويلة المدى، على استعراض قوتها من باكستان حتى المغرب، وستضيف الغواصات الألمانية بصورة خاصة بعداً آخر إلى قوة الرد الصهيونية، يتمثل في قدرتها على توجيه ضربة ثانية، عند مواجهة خطر الأسلحة غير التقليدية، التي يمكن أن تستخدمها الدول المعادية للكيان في القرن الحادي والعشرين، سواء كانت هذه الدول في العالم العربي أو جنوب آسيا، أو في وسط آسيا".
وزودت دولة الكيان غواصات الدولفين بصواريخ كروز الفرنسية الصنع، وهي من أهم الصواريخ البالستية التي صنعت في القرن العشرين، إذ يتراوح مداها بين 900–1300 كلم، وبذا فإن مداها يصل إلى مصر وباكستان وإيران، وهي تجوب البحار على متن الغواصات، التي تحمل كل منها أربعة صواريخ معدة للإطلاق.
وهي صواريخ ذكية موجهة بدقة نحو أهدافها، وهي أكثر دقة بعشرة أضعاف من الصواريخ البالستية الأخرى، وقد أجرت دولة الكيان بعض التجارب على قدرة غواصاتها على إطلاق الصواريخ، ففي يونيو/ حزيران 2000، قامت غواصة صهيونية من طراز دولفين بإطلاق صاروخ كروز، الذي أصاب هدفاً على بعد 950 ميلاً، ليجعل ذلك من دولة الكيان ثالث دولة في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، التي تملك مثل هذه القدرة والدقة والصاروخية.
وقد ذكرت دولة الكيان أن غواصةً صهيونية من نوع دولفين، وهي محملة بصواريخ نووية، قد عبرت قناة السويس، ولم تنفِ الحكومة المصرية هذا الخبر، بما يعني أن دولة الكيان قد اختصرت آلاف الأميال أمام أي رحلةٍ لغواصاتها إلى مياه بحر العرب، أو الخليج العربي، بما يجعل أهدافها أكثر قرباً وأقل كلفة، وقد تكون هذه الخطو نوعاً من استعراض القوة، أو شكلاً من أشكال الإرهاب والترويع.
د. مصطفى يوسف اللداوي