عصر الجيوش الإلكترونية
في الوقت الذي أنشأت فيه بعض الدول العربية جيوشا إلكترونية من أجل تشويه المعارضين من خلال كيل السباب والشتائم القذرة لهم كلما كتبوا مقالا أو نشروا موضوعا أو حتى كتبوا كلاما عاديا فيه فائدة للناس، حتى أن بعض الحكومات تنفق عشرات الملايين من الدولارات على مبان وموظفين عملهم الأساسي سب وشتم المعارضين، فإن الدول المتقدمة أنشأت جيوشا إلكترونية ولكن من اجل القيام بحروب حقيقية سواء للدفاع أو الهجوم على أعداء تلك الدول، ولعل اللغط المثار حول قيام الروس بالتدخل في الانتخابات الأميركية الأخيرة يكشف جانبا من هذه الحروب الحقيقية، ولأن الحرب الإلكترونية أصبحت حربا مكشوفة فقد كشف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يوم الأربعاء الماضي أن بلاده أنشأت بالفعل جيشا إلكترونيا تابعا لوزارة الدفاع، ويتوقع أن يقوم هذا الجيش بردع الدعاية المغرضة ضد بلاده وأن يكون أداة فعالة ذكية وكفؤة، ورغم أن مهام هذا الجيش ستكون سرية ولن تقف عند مجال الدعاية، فإن أهمية هذه التصريحات التي أدلى بها وزير الدفاع الروسي أنها جاءت في أعقاب إعلان مدير الاستخبارات الألمانية هانس جورج ماسن ان «الهجمات الإلكترونية «يمكن أن تقوم بتركيع الدول المتقدمة بما فيها ألمانيا، وذلك خلال مشاركته في مؤتمر للشرطة الأوروبية عقد الأسبوع الماضي في العاصمة الألمانية برلين، وأضاف ماسن أن التقدم التقني منح الدول الصناعية العديد من الفرص، ولكنه يعرض أمنها القومي لمخاطر كبيرة، وأكد ماسن أن الهجمات الإلكترونية أثبتت كفاءتها وجدواها في الحروب الباردة مقارنة بالطرق التقليدية مثل تجنيد الجواسيس والعملاء.
إعلان وزير الدفاع الروسي عن الجيش الإلكتروني الروسي ومخاوف مدير الاستخبارات الألمانية جاءت مع مخاوف فرنسية وألمانية من اختراق روسي متوقع للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في كل من فرنسا وألمانيا هذا العام، وإمكانية التأثير في نتائجها كذلك مع اتهامات أميركية لروسيا باختراقات للأنظمة الأميركية، فالحرب الإلكترونية هي في النهاية حروب ذكاء وبرامج وقرصنة، والذين يدخلون في هذا المجال يستمتعون وهم جالسون على الأرائك حينما يقومون باختراق أو تدمير منصات إلكترونية محصنة لدول أنفقت المليارات حتى تصل لدرجة عالية من الأمن الإلكتروني، وحتى ندرك حجم التقدم الهائل في مجال الحرب الإلكترونية فإن عالم حرب الطائرات بدون طيار التي أصبحت تحمل الصواريخ والقنابل وتؤدي مهام نسبة نجاحها عالية في تتبع أشخاص أو مجموعات وتدميرهم دون خسائر تذكر أصبحت نتائجها أكبر بكثير من عمليات الإنزال الجوي أو القصف بالطائرات الحربية، ولنا أن نتخيل أن التطور الهائل في صناعة وتطوير هذه الطائرات تم خلال العقدين الأخيرين فقط ويستطيع ضابط أو جندي يجلس في قاعدة عسكرية على بعد آلاف الكيلو مترات أن يشرف على عملية عسكرية كاملة وهو يحتسي شرابه من القهوة ويؤدي ذلك باستمتاع مثل الطفل الذي يلهو بلعبة إلكترونية، إن الحرب الإلكترونية هي حرب الجيل القادم التي ستعتمد على مواجهة العقول بالعقول وليس التطاول بالسباب والشتائم كما تقوم بعض الحكومات العربية وجيوشها الإلكترونية.