رائد صلاح.. أيقونه مقاومة صلبة تحاول إسرائيل كسرها بكل الطرق.. سجنه يتحول لوسيلة إذلال والترهيب النفسي وتحذير من خطر كبير واستشهاده بأي لحظة.. لماذا يخشى الاحتلال الشيخ داخل السجن وخارجه؟
تحول السجن الإنفرادي الذي يقضي فيه الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الفلسطينية في الداخل الفلسطيني المحتل عام1948 ( محظورة حاليًا) محكوميته، إلى أداة قوية وقاسية في يد الاحتلال الإسرائيلي، للنيل من عزيمته ومقاومته التي طالما أوجعت إسرائيل وقلبت مواجعها بحسب اعترافات الكثير من قادتها.
الاحتلال والذي يُصر حتى هذه اللحظة على إبقاء الشيخ صلاح داخل عزله الإنفرادي في سجن “شيكما” بمدينة عسقلان المحتلة، يمارس عليه شتى أشكال التعذيب والترهيب النفسي، ويُعيشه في ظروف قاسية لا ترقى لحياة الإنسان الكريمة داخل أي معتقل، بل ولم يسمح وضعه الصحي المتدهور ونقله للمستشفى قبل أيام بتخفيف من تلك الإجراءات الصارمة التي يعاني منها منذ أول يوم من اعتقاله.
الشيخ صلاح أو ما يفضل أن يطلق عليه الفلسطينيون وأهل القدس والداخل المحتل بـ”شيخ الأقصى”، يحاول أن يكسر قرار عزله الإنفرادي، إلا أن محكمة الاحتلال دائمًا ما تفشل هذا التحرك، وتصر تحت حجج واهية إبقائه في العزل وتشديد من خطواتها التعسفية بحقه.
والإثنين الماضي، ردت ما تسمى بالمحكمة العليا الإسرائيلية، استئناف الشيخ صلاح على قرار المحكمة المركزية في مدينة بئر السبع بتاريخ 18/8/2021، الإبقاء على عزله الانفرادي، حتى نهاية محكوميته على خلفية “ملف الثوابت”.
خطر كبير على حياته
وتبنت محكمة الاحتلال “العليا” مزاعم إدارة السجون التي أقرّتها المحكمة المركزية، حول خطورة الشيخ رائد صلاح على أمن دولة الاحتلال وخطورته على الأمن والنظام في السجن حال نقله إلى قسم عادي، مستندة في قرارها إلى “مواد وصفت بسرية” جمعتها وحدة المخابرات في سلطة السجون وجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك).
وتعرض الشيخ صلاح، في السنوات الأخيرة، وخاصةً منذ عام 2010، للسجن الفعلي التعسفي في سجون الاحتلال عدة مرات وذلك على خلفية نشاطه السلمي المناهض لسياسات الاحتلال العنصرية التي تتعلق بالقدس والمسجد الأقصى ووقوفه سداً منيعاً امام مخططات التهويد والتغريب.
وقد سُجن الشيخ صلاح في عام 2010 خمسة أشهر، وفي عام 2016 أحد عشر شهراً، وفي عام 2017 فيما يعرف بملف الثوابت أحد عشر شهراً ومن ثم اعتقال منزلي قاسي حتى آب من عام 2020 ومنذ التاريخ 16-8-2020 يمكث في سجن فعلي منذ ذلك الحين وحتى اليوم لفترة سبعة عشر شهراً، وكل فترات السجن التي تعرض لها الشيخ رائد كانت تتم تحت ظروف قاسية في قسم العزل الانفرادي القاسي، لا لسبب الا الانتقام منه بسبب نشاطه المناهض لمخططات الاحتلال العدوانية.
طاقم الدفاع عن الشيخ صلاح، أعرب وبشكل صريح عن تخوفات “حقيقية وعميقة” بشأن صحة وسلامة الشيخ رائد صلاح في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وقال طاقم الدفاع، في بيان وصل “رأي اليوم” نسخه عنه، إن “المحكمة العليا تنتهك الأسس القانونية الأساسية لمبدأ إجراء المحاكمات العادلة والنزيهة، وتبنت رواية النيابة الإسرائيلية دون إجراء فحص قانوني للوقائع التي يرتكز عليها قرار عزل فضيلة الشيخ رائد”.
وبيّن أن المحكمة “ارتكزت في قرارها بإبقاء عزل الشيخ صلاح، على قوة تأثير شخصيته على المحيطين به، ومجرد تبني مثل هذه المبررات، هو انتهاك صارخ للحريات الأساسية للإنسان، مؤكدًا أن تجاهل المحكمة لطعون الدفاع بخصوص ممارسة التعذيب النفسي (المحرم قانونيًا) بحق الشيخ “يضع المحكمة ذاتها في دائرة الاتهام كونها صبغت هذه الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني، المناهض للتعذيب، بصبغة قضائية باهتة”.
وحمل الطاقم، سلطات الاحتلال تبعات هذه القرارات، التي تؤدي إلى ممارسة التعذيب، كما وحملها كامل المسؤولية على سلامة الشيخ صلاح، وخصوصًا في ظل السعي المحموم، من طرف أذرع الدولة المختلفة، للحد من قوة حضور وتأثير الشيخ”، معربًا عن “تخوفه الحقيقي والعميق على صحة وسلامة الشيخ صلاح في السجون الإسرائيلية”.
حرب نفسية.. يقابلها صمود
بدوره قال المحامي خالد زبارقة، إن الشيخ يتعرض لترهيب نفسي وتنكيل قاسٍ داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، بفعل وجوده في عزل انفرادي قاسٍ لفترة متواصلة منذ أكثر من عام، موضحًا أن ظروف اعتقال الشيخ صلاح والتضييقات التي يتعرض لها، وسياسة الخنق التي تمارس ضده تسبب له معاناة كبيرة وآلام شديدة في حياته، خاصة أنه يقبع في عزل انفرادي قاسي في سجن “رامون” الصحراوي.
وأشار إلى أن الاحتلال لا يسمح للشيخ صلاح بالتواصل مع أي شخص، سوى طاقم المحامين، وعائلته تزوره مرة كل شهر، محذرًا في الوقت نفسه، من استمرار عزله ومدى خطورته على وضعه الصحي، معتبرًا التضييق الإسرائيلي على الشيخ صلاح واستمرار التنكيل به يهدف إلى الانتقام منه ومن نشاطه، وبرنامجه ومنهجيته، والنيل من معنوياته.
وأضاف “هم يعلمون أن الشيخ له تأثير كبير على الساحة الفلسطينية في الداخل وعلى المستوى الدولي، لذلك يتعاملون معه من منطق الانتقام، وليس القانون”.
وذكر زبارقة أن طاقم المحامين يتواصل مع الشيخ صلاح عبر زيارات مكثفة للاطلاع على أوضاعه، ومتابعة وضعه الصحي، وكذلك الإجراءات مع إدارة السجن.
وطالب زبارقة المؤسسات الدولية بالتدخل العاجل لوقف سياسة التضييق والتنكيل التي يتعرض لها الشيخ صلاح، والعمل الفوري من أجل الإفراج عنه.
من جانبها، توضح المرابطة المقدسية هنادي الحلواني، أن الاحتلال يغيب الشيخ رائد بقصد، من خلال العزل الانفرادي، ليمنع تواصله مع العالم الخارجي حتى مع السجناء حوله، وتقول : “يدفع الشيخ رائد الثمن اليوم نيابة عن الأمة الإسلامية جمعاء، ويقبع في سجون الاحتلال، لأنه دافع عن ثوابت الأمة وشريعتنا ومقدساتنا”.
وتضيف “الشيخ دفع عمره وشبابه وسنين حياته، واعتُدي عليه واعتقل مرات عديدة ونكل به وأبعد عن العالم وهجر من بيته وبلده، وأبعد عن أبنائه ووطنه”.
وتعرض الشيخ صلاح منذ الأحداث التي وقعت في المسجد الأقصى المبارك منذ تاريخ 17 يوليو/ تموز عام 2017 لحملة ممنهجة قادها وزراء في حكومة الاحتلال، وهدد الوزير “يسرائيل كاتس” باعتقاله ونفيه خارج الأراضي المحتلة.
وفي 24 تشرين ثاني/نوفمبر 2019، أدانت (محكمة) “الصلح” لدى الاحتلال في حيفا الشيخ صلاح بتهمة “التحريض على الإرهاب”، و”تأييد منظمة محظورة” (في إشارة للحركة الإسلامية التي حظرتها “تل أبيب” قبل ست سنوات).
وحكمت (المحكمة) في 10 شباط/فبراير الماضي، بالسجن الفعلي على الشيخ صلاح 28 شهرا، مع تخفيض 11 شهرًا قضاها بالاعتقال الفعلي.
ومنذ عقود، يواصل الاحتلال وعبر أجهزته ومؤسساته الأمنية والسياسية المختلفة، التنكيل وملاحقة الشيخ صلاح، فمن الاعتقال المتكرر إلى الحبس المنزلي، والمنع من السفر، والإبعاد والحرمان من دخول مدينة القدس المحتلة والصلاة في المسجد الأقصى المبارك، وغيرها من الإجراءات العقابية، كما قامت سلطات الاحتلال بزج الشيخ البالغ من العمر 63 عامًا في زنزانة صغيرة منذ دخوله السجن في 16 آب/ أغسطس 2020.