باسل الأعرج المثقف الفلسطيني الثائر
اختار طريق الرصاص إخلاصاً لتفكيره
- وصية الشهيد
07/03/2017
أمد/ رام الله - كتب محمد يونس: كثيرون عرفوا باسل الأعرج (33 عاماً) كاتباً ومثقفاً موسوعياً، وناشطاً، لكنهم فوجئوا به، أمس، مقاتلاً عنيداً قاوم قوات الاحتلال الإسرائيلي حتى آخر رصاصة.
أفاق أهالي مدينة رام الله في ساعات الفجر الأولى على صوت إطلاق نار كثيف، وفي الصباح تبين أن مصدر النار اشتباك مسلح بين قوات الاحتلال والكاتب باسل الأعرج الذي رفض أن يسلم نفسه، وقاتل حتى نفاد ذخيرته.
اشتهر باسل بين الشباب الفلسطيني بنشاطه في مقاومة الجدار في بلدته الولجة، بجوار مدينة بيت لحم، وفي حلقات النقاش، وفي جولات ميدانية كان يشرح فيها لمجموعات شبابية تاريخ البلاد وجغرافيتها.
وقال عمه خالد الأعرج، الذي يعمل محامياً: «كان باسل مهووساً بتاريخ وجغرافيا فلسطين، بحث عميقاً في التاريخ، وقام بجولات في كل جزء من البلاد، وحفظها، وكتب عنها، ونظم جولات للشبيبة فيها». وأضاف: «كان باسل يروي حكايات ووقائع من التاريخ الفلسطيني لم أسمع عنها سوى منه. كان عاشقاً لتاريخ البلاد وشخصيتها».
درس باسل الأعرج الصيدلة في إحدى الجامعات المصرية، وتخرج في 2005، وعندما عاد الى البلاد عمل لفترة قصيرة في مهنة الصيدلة، ثم تركها وذهب الى شغفه، الى القراءة والبحث. وقال خالد: «قرأ باسل كثيراً، وبحث كثيراً، وكتب الكثير، وكان يقول إنه على المثقف أن يكون مخلصاً لأفكاره، وأن يمارس ما يؤمن به». وأضاف: «كان يقول إن على المثقف أن يكون ثائراً، وعلى الثائر أن يكون مثقفاً».
ويبدو أن باسل كان مخلصاً لتفكيره، اذ كتب عن «القتال الفردي» في غياب الانتفاضات الجماعية، وعن «الاختفاء» و «المقاومة الفطرية».
وعقب استشهاده، أمس، عثر في شقة باسل على العديد من الكتب في الدين والفلسفة والأدب، منها كتب للمفكر غرامشي، وأخرى للمفكر حسين مروة، وروايات لآرنست همنغواي ولكتّاب عرب وعالميين. وعثر أيضاً في شقته على أثاث قديم، وعلى أجهزة تسجيل قديمة، وعلى أشرطة لأغانٍ قديمة تعكس، على تقشفها وأصالتها، الكثير من شخصية هذا الكاتب الأصيل والثائر.
وكانت السلطة الفلسطينية أوقفت باسل الأعرج وعدداً من رفاقه في آذار (مارس) العام الماضي، بتهمة تشكيل خلية مسلحة، والتخطيط لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. لكنها أطلقت سراحهم بعد ستة أشهر، اثر إضراب مفتوح عن الطعام استمر تسعة أيام.
وأعلنت ناطقة باسم الجيش أن باسل فتح النار على جنود قدموا إلى منزله لتوقيفه، فردوا بإطلاق النار عليه وقتله، مشيرة إلى العثور لاحقاً على قطعتي سلاح في منزله. وأشارت الى أن باسل «ترأس خلية تخطط لشن هجمات ضد أهداف إسرائيلية». وأضافت أنه «كان مكلفاً خصوصاً تزويد (الخلية) بالأسلحة».
وبعد شيوع نبأ استشهاد باسل، نعاه عدد كبير من المثقفين والنشطاء. وكتب الشاعر زكريا محمد: «استشهد باسل الأعرج في الليل... رام الله ستكون خاوية وحزينة من دونه. كان وجهها الأصيل. كان كلمتها الغاضبة».
وكتب الروائي الدكتور أحمد حرب، أستاذ الأدب في جامعة بيرزيت: «غصة في القلب توجعنا ونرويها، لا الشجب ولا حسن الكلام يشفيها». واقتبس الكاتب حسن البطل من شعر توفيق زياد «ادفنوا موتاكم وانهضوا».
وكتب خالد سليم: «إن نعي باسل هو محاولة بلهاء للتعبير عن عجزنا فقط، فنحن لا نتقن إلا البكاء. خبر استشهاده حزين ومفرح، حزين لأننا خسرنا بطلاً حقيقيًّا، من لحم ودم، من دون أسطرة وتأليه، بطلاً يسبق فعله قوله، وتسبق ذاكرته الأحداث. وهو خبر مفرح لأنه رحل كما ينبغي للأبطال أن يرحلوا، بكامل العنفوان».
وصية الشهيد الأعرجتحية العروبة والوطن والتحرير
إن كنت تقرأ هذا فهذا يعني أني قد مِتُّ، وقد صعدت الروح إلى خالقها، وأدعو الله أن ألاقيه بقلبٍ سليم مقبل غير مدبر بإخلاص بلا ذرة رياء.
لكم من الصعب أن تكتب وصيتك. منذ سنين وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها. لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة.
وأنا الآن أسير إلى حتفي راضياً مقتنعاً وجدت أجوبتي. يا ويلي ما أحمقني. وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد؟
كان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهورٍ طويلة، إلا أن ما أقعدني عن هذا هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء. فلماذا أجيب أنا عنكم. فلتبحثوا أنتم. أما نحن أهل القبور فلا نبحث إلا عن رحمة الله».
عن الحياة اللندنية
» ألـبوم الصـور