أندونيسيا.. العملاق الاقتصادي الإسلامي المقبل من شرق آسيا
جاكرتا - وكالات
تتمتع أندونيسيا التي تعتبر المحطة الثانية لجولة خادم الحرمين الشريفين في القارة الآسيوية؛ بتجربة سياسية واقتصادية واجتماعية ثرية، ترشحها لأن تكون عملاقًا إسلاميًّا يتربع على عرش سابع قوة اقتصادية في العـالم، كـــذلك أنها نموذج فريد للإسلام المتحضر والمدني، الإسلام الذي بإمكانه -وبسهولة- العيش والتوافق والتلاؤم مع متطلبات الحضارة الحديثة والنهل منها بسلاسة مع الاحتفاظ بجوهر الرسالة.
وفي وسط التخبط اللامحدود في البلاد العربية والإسلامية، نجد أن للمسلمين في جنوب شرق آسيا، ولاسيما ماليزيا وأندونيسيا بشكل خاص؛ تجربةً فريدةً تستحق أن تكون شاهدًا على عزيمة الإنسان المسلم وإرادته في إنجاز المستحيل. وأثبتت أندونيسيا أنها بلد صاحب إرادة وعزيمة، عندما تجاوزت العوائق السياسية، وسلسلة الاحتلالات التي تعرضت لها، لتؤكد أنها بلد عريق.
تقع أندونيسيا في جنوب شرق آسيا وفي أوقيانيا، وتضم "17508" من الجزر، ويبلغ عدد سكانها حوالي "240" مليون شخص، وهي تملك اليـــــــوم اقتصادًا أكثر ديناميكية وحداثة وتطورًا من أي بلد عربي آخر.
وتشير التقارير الغربية إلى أن اقتصاد هذا البلد الإسلامي الذي حقق نموًّا مذهلًا في السنوات العشر السابقة وصل إلى "6%" هو اليـــــــوم أكثر استقرارًا اقتصاديًّا من الصين وروسيا والهند والبرازيل.
ويضع المنتدى الاقتصادي العالمي اليـــــــوم أندونيسيا في المرتبة الـ29 من بين "139" بلدًا بعد أن كانت في المرتبة الـ89 في سـنة 2007.
وعاصمة جمهورية أندونيسيا، التي تحظى بمجلس تشريعي منتخب ورئيس، هي "جاكرتا"، يشترك البلد بحدودٍ برية مع بابوا غينيا الجديدة وتيمور الشرقية وماليزيا، وتشمل البلاد القريبة الأخرى سنغافورة والفلبين وأستراليا والأراضي الهندية من جزر أندامان ونيكوبار.
وتعتبر أندونيسيا أحد الأعضاء المؤسسين للأسيان وعضوًا في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسة، والاقتصاد الإندونيسي هو الـ18 عالميًّا من حيث الناتج المحلي الإجمالي الأسمى، والـ15 من حيث القوة الشرائية.
وكان الأرخبيل الإندونيسي منطقة تجارية مهمة منذ القرن السابع في عهد سريفيجايا، ثم في وقت لاحق في عهد إمبراطورية ماجاباهيت من أَثْنَاء التجارة مع الصين والهند استوعب الحكام المحليون تدريجيًّا الثقافاتِ الدينية والسياسية الأجنبية منذ القرون الميلادية الأولى، وازدهرت الممالك الهندوسية والبوذية.
وتأثر التاريخ الإندونيسي بالقوى الأجنبية بسبب الموارد الطبيعية المهمة للبلد. جلب التجار المسلمون الإسلام، أما القوى الأوروبية، فقد اقتتلت لاحتكار تجارة التوابل في جزر مالوكو أَثْنَاء عصر الاستكشاف وتعرضت البلاد للاحتلال من عدد من البلاد الاستعمارية في السابق، منها هولندا واليابان.
وبعد ثلاثة قرون ونصف من الاستعمار الهولندي حصلت أندونيسيا على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية.وقد كان تاريخ أندونيسيا مضطربًا بسبب التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية والفساد والحركات الانفصالية وعملية التحول الديمقراطي وفترات من التغير الاقتصادي السريع، علمًا بأن النظام الحالي لجمهورية أندونيسيا هو نظام وحدوي رئاسي وتتكون من 33 مقاطعة.
وكانت الهَيْمَنَة الهولندية أَثْنَاء معظم الفترة الاستعمارية مقتصرة على المناطق الساحلية، بينما كان النفوذ ضعيفًا داخل الجزر، لكن في أوائل القرن العشرين امتدت الهيمنة الهولندية لتشمل حدود أندونيسيا الحالية، وأنهي الاستعمار الهولندي بغزو اليابان لأندونيسيا أَثْنَاء الحرب العالمية الثانية. وقد ساند الغزو ثورة استقلال أندونيسيا المقموعة سابقًا.
وبعد يومين من استسلام اليابان في 1945، قام الزعيم الوطني المؤثر "سوكارنو" بإعلان الاستقلال وعُيّن رئيسًا، لكن هولندا حاولت إعادة سيطرتها، فجوبهت بكفاح مسلح وجهود دبلوماسية استمرت حتى ديــسمبر 1949، واعترفت هولندا على إثرها رسميًّا باستقلال أندونيسيا بعد مواجهتها ضغوطًا دولية.
وتتكون أندونيسيا من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة منتشرة ومتفرقة عبر العديد من الجزر، والجاوية هي أكبر إثنية في البلاد وهي المهيمنة سياسيًّا. وقد وضعت أندونيسيا الهوية المشتركة التي تحددها لغة وطنية؛ أما التنوع العرقي والتعددية الدينية، فقد وضعت ضمن أغلبية السكان المسلمين، ويجمعهم تاريخ الاستعمار والمقاومة والتمرد ضد هذا الاستعمار.
وتعتبر أندونيسيا غنية بمواردها الطبيعية، لكن الفقر لا يزال منتشرًا حتى الآن على نطاق واسع في كثير من المناطق.
واقتُبس اسم أندونيسيا من الكلمة اللاتينية "إندوس" وتعني الهند، والكلمة الإغريقية "نيسوس" وتعني جزيرة، وتعود التسمية إلى القرن الثامن عشر، أي قبل تشكيل جمهورية أندونيسيا، وفي سنة 1850 اقترح عالم الأصول الإنجليزي "جورج إيرل" إطلاق مصطلح: "إندونيسيون" ومصطلح "مالايونيزيون" على السكان القاطنين في الأرخبيل الهندي والملايو
ووصل التجار المسلمون أول مرة إلى جنوب شرق آسيا في وقت مبكر من العصر الإسلامي، وقد انتشر الإسلام إلى المناطق الإندونيسية الأخرى تدريجيًّا، وكان الدين السائد في جاوة وسومطرة بحلول نهاية القرن 16.
وكانت النسبة الأكبر من الداخلين في الإسلام لديهم عادات مختلطة متأثرة بالثقافة والدين، وهذه العادات والتقاليد شكلت النموذج السائد للإسلام في أندونيسيا، وخاصة في جاوة.
وقد كان أول وصول للأوروبيين إلى أندونيسيا في سـنة 1512 عندما وصلت السفن التجارية البرتغالية تَخْت إشراف "فرانسيسكو سيراو"، وسَعَوا لاحتكار مصادر جوزة الطيب والقرنفل والكبابة في جزر الملوك.
قصة الاقتصاد
ولدى أندونيسيا اقتصاد مختلط فيه كلٌّ من: القطاع الخاص، والحكومة، والتي تلعب دورًا كبيرًا، وهي أكبر اقتصاد في جنوب شرق آسيا، وعضو في مجموعة العشرين، ويقدر الناتج المحلي الإجمالي بـ"706.7" مليار دولار سـنة 2010 مع تقديرات للناتج المحلي الإجمالي للفرد الواحد عند "3.0155".
يعد قطاع الصناعة أكبر قطاع في اقتصاد أندونيسيا ويشكل "46.4%" من الناتج المحلي الإجمالي، يليه قطاع الخدمات "37.1%" والزراعة "16.5٪".
ومع ذلك، فإنه ومنذ 2010، قام قطاع الخدمات بتوظيف عدد من الْأَفْـرَادِ أكبر من أي قطاع اقتصادي آخر؛ وهو ما يمثل "48.9٪" من مجموع قوة العمل، وبعدها يأتي قسم الزراعة "38.3٪"، والصناعة "12.8٪"، ويعتبر قسم الزراعة أكبر موظف في الاقتصاد الإندونيسي على مر القرون.
ويقوم الاقتصاد الإندونيسي على أساس السوق، وتلعب الحكومة دورًا كبيرًا في تسييره؛ حيث تمتلك الدولة أكثر من 200 مؤسسة وتضع تسعيرة للعديد من السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والأرز والكهرباء.
وقد اتخذت الحكومة في أعقاب الأزمة المالية والاقتصادية التي حلت بالبلاد في منتصف 1997؛ إجراءات كانت تهدف إلى حماية ورعاية جزء كبير من القطاع الخاص من أَثْنَاء شراء أصول القروض المصرفية المتعثرة وأصول الشركات وإعادة هيكلة الديون.
ووفقًا لبيانات منظمة التجارة العالمية، فإن أندونيسيا تحمل التسلسل السابع والعشرين كأكبر دولة مصدرة في العـالم في سـنة 2010.