‘‘رسائل إلى المقعد الفارغ‘‘ شاب أتعبه فراق والدته فكتب حنينه إليها
تغريد السعايدةعمان- "إلى من كانت رفيقة رحلة لا مرحلة، إلى من كانت ذاكره لا ذكرى، إلى من غابت جسداً وبقي عطرها يعبق في الأركان.. إليك يا أمي".. هذه بعض من كلمات كتبها الشاب الجامعي أسامة السعايدة لوالدته التي توفاها الله، في محاولة منه إلى نثر مشاعره التي تربطه بها، وتعلقه الشديد بها، وهو أصغر أبنائها.
أسامة هو طالب جامعي، يدرس في كلية الطب في الجامعة الهاشمية، توفيت والدته، ولم يكن قادراً على أن يعبر عن حزنه على فراقها، فتوجه للكتابة، في إيصال رسائله إليها، في كل موقف في حياته افتقد وجودها، في ليلةٍ ماطرةٍ عاد إلى البيت ولم يجدها في استقباله، في لحظة فرح وحزن ولم يرَ ابتسامة عينيها التي تواسيه وتفرحه. يناظر مقعدها الفارغ في البيت، فقرر أن يكتب تلك الرسائل إلى والدته إلى أن وصل في النهاية إلى تجميع تلك الرسائل في كتاب أسماه "رسائل إلى المقعد الفارغ" وهو من القطع المتوسط.
"رسائل إلى المقعد الفارغ".. الصادر عن دار الغاية للنشر والتوزيع، ويقع في 106 صفحات، يزخر بالعديد من المشاهد الحية المحملة بالمشاعر، التي يجد فيها القارئ كلمات وعبارات تُهدى للمحبوب، للابن والابنة والأب والأم، الحبيبة والحبيب، فهي تخاطب الروح أكثر مما تخاطب الأشخاص، وإلى روح الأم التي تعد مظلة الحياة الآمنة التي تقوم عليها جدران المنازل.
أسامة السعايدة، قال في حديثه لـ"الغد"، عن كتابه الأول "رسائل إلى المقعد الفارغ": "وهبت حروفي لوالدتي الغالية، وبدأت بالعمل على نسج أول الحروف بتاريخ 20-1-2014 وهو اليوم نفسه الذي رحلت فيه والدتي"، مشيراً إلى أن الكتاب في جله يحتوي على نصوص شعرية ونثرية، وأحاديث مختزلة في ذاكرته، وكأنه حوار بينه وبين ذلك المقعد.
ويشير أسامة، في معرض حديثه عن تجربته في الكتابة لأول مرة "حينما توفيت والدتي كتبت حينها عبارات أعبر فيها عما يجول في نفسي"، ومن هذه العبارات "أظلم البيتُ والأركان تحتضرُ فزهرة الروح باغتها الذبلُ".
ومنذ وفاة والدته قبل ما يقارب الثلاث سنوات، استغرق الكتاب حتى يصدر عاماً كاملاً، فلم يكن الكلام عشوائياً ولا عابراً، فما هي إلا مشاعر تُحاك بكلمات وعبارات نثرية وشعرية من تأليفه، وقد حاول من خلاله أن لا تأتي مناسبة في حياته، سواء أكانت عامة أو خاصة إلا وينسج حروفه ليرثيها وينادي عليها.
وعن أقرب القصائد إلى قلبه، يقول كلها موجهة إلى روح والدته، إلا أن قصيدة "لم ترحلي"، هي الأقرب إلى قلبه، وفيها يقول "لم ترحلي وحدك بل رحل الكثير منّي"، ويرى السعايدة في هذا اعترافا أن "أحبتنا عند الرحيل لا يرحلون بمفردهم بل يأخذون معهم الكثير منا، والسبب في ذلك أنهم لا يعيشون معنا فحسب بل يعيشون فينا".
وكتاب "رسائل إلى المعقد الفارغ"، يضم قصصاً قصيرة يومية مع الأم، ويستطيع كل قارئ أن يحكم على نفسه من خلال قراءة كلماتها بحبه وتعلقه بالأم، وبالأحبة أياً كانوا، فيها مواقف بسيطة تمر مرور الكرام، ولكنها تعود لتحفر في الذاكرة، وتكون مفرحة ممزوجة بدموع الحب والفرح والحزن.
كما أن الكتاب ضم مجموعة من المواقف التي يفتقد فيها الإنسان "حبيبه"، فهو يخاطب والدته في وصفه لطقوس حياته في المناسبات التي تكون فيها الأم تناظر أبناءها، فهو يتحدث عن يوم العيد، رمضان، عيد الأم، سفره وتنقله، حاجته إلى الأم في هذه اللحظات التي يعود فيها الإنسان طفلاً ينتظر من يربت على كتفه ويبتسم ابتسامة هي الأصدق على الإطلاق.
وينهي أسامة حديثه بالقول "الأم باختصار هي الوطن، الوطن العطوف الحنون، وأنا قلت في إحدى الخواطر إنني فقدت وطنا، وأنا لم أكتف ولن أكتفي بما ورد في هذا الكتاب فقط، وسيصدر قريبا كتابي الثاني الموسوم بـ(تغاريد) وأيضا ذكرت فيه حبي الأوحد (أمي) بأكثر من مناسبة".
وفي أحد النصوص، يقول أسامة "ويبقى مقعدك حبيبتي فارغاً، لقد نظرت إلى الطرقات من خلف الزجاج، وتخيلت ما مضى، عدتُ إلى تلك الأيام واشتاقت أذني لسماع النداء، والتوصيات والتحذيرات.. رحم الله قلباً دافئاً".