نتنياهو وزيارة «الساعات الأربع».. لموسكو!
[url=http://alrai.com/author/24/1/%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF %D8%AE%D8%B1%D9%88%D8%A8]محمد خروب[/url]
رغم النقلة النوعية التي سجّلتها مباحثات الرئيس التركي اردوغان مع نظيره الروسي بوتين, والزخم الجديد الذي اضفته نتائج تلك المباحثات على علاقات البلدين، بدليل تصريحات الرئيس بوتين القوية, التي عكستها المفردات اللافتة التي وصف بها مستقبل تلك العلاقات، فإن زيارة رئيس الحكومة الفاشية في اسرائيل نتنياهو لموسكو واجتماعه بالرئيس الروسي, بدت وكأنها لم تُحقِّق ما كان يتوخاه هذا الصهيوني الفاشي الذي اَوصلته الغطرسة وجنون القوة, لتصوير دولته وكأنها دولة عظمى قادرة على فرض «فيتو» على قضية او علاقات ثنائية, لا تتماشى ورؤيتها او قراءتها لما يحدث في المنطقة. وهو ما برز بوضوح في ما كشفه شخصياً حول مباحثاته مع مُضيفِه, التي انطوت على اعتراف ضمني بانه لم ينجح في «انتزاع» موافقة روسية او حتى ضمانات بـِ»المطالب» الاسرائيلية على على الساحة السورية عندما قال (نتنياهو): «.. المُهم انني أَسْمَعْتُ الأمور التي ينبغي ان أُسْمِعَها»، ثم أعلن في مكان آخر وفي ما يشبه الاعتراف بالفشل «..استطيع أن أضمَن ان هذه الرسالة تم.. استيعابها».
غموض المصطلحات وإخفاء حقيقة ما جرى في اروقة الكرملين, تكشفها أيضاً السرعة التي اتسم بها ردّ فِعل الكرملين على تصريح خبيث واستفزازي, قَصَدَ تشويه موقف موسكو والتشكيك بمواقفها في المنطقة العربية والأزمات التي تعصف بها، ادلى به الوزير الصهيوني زئيف الكين غداة وصول نتنياهو العاصمة الروسية, زعم فيه «ان موسكو ستَسمح لإسرائيل بالتحليق بِحرِّية تامة في المجال الجوي السوري, بما يخص متابعة نشاطات حزب الله, وان الروس يسمحون لنا بعمل ما هو مطلوب».
لم يتردد الناطق باسم الرئيس الروسي في نفي هذا الخبر جملة وتفصيلاً, في الوقت الذي كان فيه نتنياهو مجتمعاً مع بوتين، ما يكشف – ضمن أمور اخرى – ان المسعى الاسرائيلي لتشوية صورة روسيا والعمل على تخريب علاقاتها الجيدة والمتطورة مع دول عربية عديدة, والإساءة الى مساعيها الحميدة لِلَجم الهجمة الاميركية الصهيونية المدعومة من بعض العرب, لفرض الهيمنة على ما تبقى من مواقع وأنظمة رافضة لهذه الشراسة الامبريالية. ناهيك عن الايحاء بأن اسرائيل باتت في وضع تستطيع فيه «إملاء» رغباتها على دولة عظمى كروسيا, وإجبارها العمل ضد مصالحها الوطنية, التي لا تلتقي بالضرورة مع المصالح الاسرائيلية والامبريالية.
ولأن لروسيا مصالحها المشروعة وعلاقاتها الثنائية كما الاقليمية والدولية, التي تخدم تلك المصالح وتُسهم في تخفيف حدة التوتر واطفاء البؤر المشتعلة, فإن ما يربطها بطهران يبدو متيناً ومُرشحاً – أقلُّه في المديين القريب والمتوسط, والى ان تنجلي خريطة التحالفات ومعادلة الاصطفافات التي لم تستقر في الاقليم.. بعد – لمزيد من التطور على اكثر مستوى، ما يعني ان موسكو لن تُفرِّط بهذه العلاقات او تسمح بتدهورها, حتى في ظل التجاذبات والصراع على النفوذ الجاري بين انقرة وطهران على الساحة الاقليمية انطلاقاً من الساحتين السورية والعراقية، ما بالك الاستجابة الى مطالب وهلوسات نتنياهو, الذي اراد تمرير خزعبلاته على رجل الكرملين المشهود له بالدهاء والتفكير الاستراتيجي, عندما تحدث لبوتين «عن محاولة لم تنجح, جرت قبل 2500 سنة في فارس القديمة «لإبادة» (الشعب) اليهودي، وايران الحالية (يواصل نتنياهو روايته الاسطورية)، تستمر بالتطلع الى إبادة «دولة اليهود» في الوقت الحالي»، وكما روت صحيفة يديعوت احرونوت: لم «يتأثر» الرئيس الروسي بأقوال نتنياهو وقال له بنبرة لادغة «ما تصِفه كان قبل الميلاد.. ونحن نعيش اليوم في عالم آخر.. إقْلِب الصفحة».
نحن إذاً أمام ما يمكن تسميته دبلوماسية الفهلوة, التي يمارسها قادة العدو الصهيوني, الذين اطمأنوا الى وضعهم الاستراتيجي, والى ان دولتهم لم تعُد مُهدّدة من العرب, الذين يتوزعون الآن, بين لا تهمه القضية الفلسطينية وبالتالي لا يضعها على جدول اعماله اساساً، وبين من يرى فيها حليفاً مُحتمَلاً وصديقاً قائماً, وهناك من استقال من عروبته وراح يرتب اوضاعه وِفقَ ذلك. لهذا لم يكن صدفة ان يتزامن هبوط نتنياهو في موسكو مع وصول وزير دفاعه الفاشي ليبرمان واشنطن, في تنسيق متكامل يستهدف «محاولة» كبح (الشِيعَة) في ظل شعور مشترك بانه يمكن فعل ذلك» كما قالت القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي, في تعليق لها على ما قيل ان نتنياهو أبلغه للرئيس بوتين بـِ»معارضة اسرائيل الشديدة لتمرّكُز ايران وحلفائها في سوريا, ومحاولة ايران بناء ميناء بحري لها على الشواطئ السورية «، مترافقاً ذلك مع تسريب جاء على لسان رئيس الاستخبارات العسكرية هرتسي هليفي زعم فيه: ان روسيا «لا» تعتبر ايران او حزب الله شركاء استراتيجيين, وانما (أداة) لتحقيق اهدافها».
هي إذاً حملة مُنسّقة تستهدف «دمْغ» روسيا ودبلوماسيتها بالسذاجة والانتهازية, وإظهار اسرائيل بانها لاعب قوي تُستَجاب رغباته,
لكن نتائج الزيارة، تكشف عن هزال هذا «الحصاد», الذي اراد نتنياهو عَبْرَه الهرب من ملفات التحقيقات بالفساد واستغلال السلطة التي تُلاحِقه.
ما نقلته صحيفة «نيزافيسيمايا غازيتا» الروسية, عن باحثة في معهد الاستشراق الروسي, يُلخِّص طبيعة المشهد الراهن, عندما «استبْعَدَت تخلي موسكو عن التعاون مع طهران, مُوضِّحَة ان «علاقات روسيا مع ايران مُتنوّعة, وتخرج عن إطار الشرق الاوسط» وأن «من باب الحماقة...إفساد العلاقات معها طالما تؤدي دوراً في سوريا».
فهل يدرك بعض العرب الذين قلبوا اولويات الصراع مع اسرائيل, كي يأخذوه نحو «المَذْهَبَة»
ان قادة العالم يفكرون بِطُرُقٍ «إبداعية», تحمي مصالح شعوبِهم, ولا تلتقي مع الذين يُعرِّضُون تلك المصالح... للمخاطِر والضياع؟