صفاقس .. رحلة في تاريخ الطب الإسلامي
العام 1986 بدأ أحمد ذياب، أستاذ الطب والجراحة والمختص في الأنتربولوجيا (دراسة علم الإنسان) بجامعة صفاقس، جنوبي تونس، العمل على جمع المعلومات والمخطوطات المتعلقة بالأدوات الطبية التاريخية.
وفي سبيل تحقيق هذا الغرض تنقل بين عدة بلدان بينها تركيا، مصر وسوريا، وتوصل العام 1988 إلى صناعة 454 أداة جراحية تاريخية، أقام لها أكثر من معرض، أحدثها معرض "الإبداع الطبي"، بصفاقس، والذي بدأ 8 مارس/آذار الجاري، ويختتم السبت المقبل.
تلك الأدوات صنع بعضها بنفسه، وقام بالإشراف على صناعة البعض الآخر، وهي مكوّنة من نفس المواد، التي كانت تصنع منها قديماً، وتحديداً خلال القرنين الثالث والرابع للهجرة، أي من الخشب، الذهب، الفضة، إلى جانب الحديد الهندي المغلف بمادة تحفظ الأداة من الصدأ، حسب ما يقوله أحمد ذياب للأناضول.
ويضيف: "تنقل هذا المعرض منذ سنة 1988 في عدد من المدن التونسية، الليبية، والجزائرية ليعرض في المتحف الوطني للطب بصفاقس سنة 1997".
ويحتل المتحف الوطني للطّب المرتبة الأولى عالمياً من حيث تاريخ انطلاقه (1988)، وكذلك من حيث عدد الأدوات الجراحية التاريخية التي يحتويها ( 454 )، وفق ذياب.
المعرض المقام حالياً يأتي بالتزامن مع تواصل تظاهرة "صفاقس" عاصمة الثقافة العربية 2016.
ويضيف الأكاديمي التونسي، لمراسل الأناضول، إلى جانب الأدوات الطبية التاريخية أضفت، خلال هذا المعرض، 20 لوحة زيتية رسمتها لأنقل لمحة من إبداعات طبية بالمدرسة القيروانية وهي تجسد الأطباء الثلاثة "إسحاق بن عمران"، "إسحاق بن سليمان" (من علماء القرن الثالث للهجرة)، و"أحمد بن الجزار " (من علماء القرن الرابع للهجرة).
إضافة إلى 40 لوحة تشرح كيفية انتقال الطب من مشرق البلاد العربية إلى القيروان (عاصمة الأغالبة) ومنها إلى أوروبا ".
ويشير ذياب إلى أن العديد من الأطباء المسلمين، مثل الأسماء المذكورة، إلى جانب " أبو بكر الرازي"، و "الزهراوي"، كانوا يجرون جراحات معقدة مثل إزالة الحصى من المثانة والكلى، عمليات الكسور، اعتماداً على هذه الأدوات، كما أبدعوا في التخدير، وقد امتد علمهم، خلال الفترة الذهبية، (القرنان الثالث والرابع للهجرة)، ليصل إلى أوروبا.
وازدان رواق القصبة (قلعة تاريخية) بصفاقس، التي تستضيف المعرض، بهذه اللوحات، التي ترسم هيبة العلم وتألق العلماء في ذلك العصر، كما أضيفت للرواق أضواء خافتة وجهت بسلاسة نحو الرافعات البلورية التي توسطت الرواق حاملة مختلف الأدوات الطبية في أشكال وألوان وأحجام مختلفة تنم عن نظرة طبية تاريخية ثاقبة.
وأثار هذا المعرض انبهار الزوار الذين طالبوا الجهات المعنية بالإبقاء عليه كمتحف دائم بالمحافظة .
ويقول وسيم السلامي، الأستاذ بالمدرسة العليا للصحة، لمراسل الأناضول، "هذا المعرض هو نوع من الاستنجاد بالتاريخ لفائدة المستقبل".
ويضيف السلامي: "نرجو أن يتحول هذا المعرض إلى متحف دائم بمحافظة صفاقس ليستلهم منه الجميع، وخاصة الشباب، العزيمة وحب الابتكار والتجديد".
وتوجه ذياب برسالة إلى الشباب التونسي قائلاً : "يجب على الشباب التونسي أن يعتز بتاريخ حضارته المضئ، وأن يعود إلى لغته العربية، ويؤمن بها، ويبتكر ويصنع ولا يكون مستهلكاً فقط، وأن ينقذ القطاع الصحي الذي يمر بصعوبات خانقة".