هل يدفن ملك المغرب «ربيع العرب»؟
توفيق رباحي
بغض النظر عن التفاصيل التي رافقت تعثر الإسلامي عبد الإله بن كيران في مسلسل تشكيل الحكومة، يجوز القول إن قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس إعفاءه من تلك المهمة، شكل الضربة السياسية القاضية لما سُمِّيّ «ربيع العرب».
الرئيس السوري بشار الأسد دفن الطموح في التغيير بالقتل والنار والدمار، و«القصر»، كما يسمى في المغرب، يقضي عليه بالصبر والصمت والرهان على الزمن.
أوشكت اللعبة على نهايتها.
لم يكن هناك شك في أن تجربة بن كيران، منذ كُلِّف بتشكيل الحكومة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، كانت تقترب من نهايتها يوما بعد يوم. كان السؤال: متى وكيف سيعيد بن كيران «الأمانة»، وليس هل سيعيدها؟ أعاد الرجل «الأمانة» يوم 8 كانون الثاني (يناير) الماضي عندما قرر وقف مباحثات تشكيل الحكومة، لكن كان عليه الانتظار. ثم كان عليه الانتظار أكثر لأن الملك بدأ جولة إفريقية لم يعرف أحد متى ستنتهي، فامتدت نحو ستة أسابيع، قرر فور عودته منها ما توقعه الجميع، وأولهم بن كيران، حتى دون أن يستقبل الرجل ويلتقط معه صورة للذكرى والشكر.
يحتاج المغاربة إلى بعض الوقت للتأكد إن كان الهدف من إفشال المسلسل هو إسقاط بن كيران شخصيا أو إنهاء تجربة حزب العدالة والتنمية. قبل ذلك، لا بد أنهم عرفوا أن «الدولة العميقة» قررت البقاء ممسكة بأدوات اللعبة على الرغم من أن بن كيران لم يشكل يوما خطراً على استقرار البلاد ومؤسساتها وتوجهاتها، وحزبه كان ذراعا في أذرعها ولم يكن يوما على طرف نقيض معها.
العبرة في قرار ملك المغرب الأربعاء الماضي أنه لا يخص المغرب وحده، بل يتجاوزه ليوضح أكثر صورة تجربة سياسية واجتماعية عاشتها المنطقة العربية منذ بداية 2011. إنه يشبه رفع لوحة الوقت المتبقي من عمر آخر تجربة حكم للإسلاميين في العالم العربي.
قبل المغرب توقفت تجارب مصر وتونس واليمن وليبيا. كلٌ على طريقتها وبكلفتها.
لا أحد يستطيع اليوم أن يجزم بأن تجربة الإسلام السياسي في المغرب لم تصل إلى طريق مسدود، لأن لا أحد ـ ولا شيء ـ يضمن بأن رئيس الحكومة المكلف، سعد الدين العثماني، سينجح حيث فشل بن كيران.
إذا كان بن كيران بعناده وصبره وقدرته على المناورة قد فشل وهو مدعوم بقوة من حزبه، فكيف سينجح العثماني الهادئ المسالم الممسوح تقريبا، ودعمه من قواعد الحزب ناقص؟
العثماني أقدم على مغامرة كبرى ستدخله التاريخ فاشلا أو ناجحا. يده قد توقّع نهاية تجربة الإسلاميين في بلاده. وموافقته على تحمل المسؤولية الحكومية قد تزعزع الثقة داخل حزبه، إن لم تقسّمه، حتى وإن بدا هذا السيناريو صعبا بالنظر إلى الانضباط المعروف به الحزب وقدرة قياداته (وكل القيادات الإسلامية) على تكييف أي قرار وتبريره سياسيا واجتماعيا وحتى فقهيًا. (موقف الأمانة العامة للحزب «المرحب» باختيار الملك للعثماني في اجتماع الخميس هو جزء من ليونة الحزب وقدرته على التكيف).
وقد تدخله التاريخ باعتباره الرجل الذي أنقذ المغرب من انسداد سياسي وحكومي دام قرابة نصف السنة، وباعتباره الرجل الذي مضى بتجربة الإسلاميين في الحكم إلى نهايتها ومنَعَ توقفها في منتصف الطريق.
لكن نقطة ضعف العثماني أنه لا يمتلك أدوات مصيره. نجاحه أو فشله في يد غيره، «القصر». فرصته الوحيدة في تشكيل حكومة والمضي بها في مهامها الدستورية، ستتحقق إذا ما رفع «القصر» يده عنه وتوقف عن تسليط الأدوات «الحزبية» و«الكائنات السياسية» التي أفشلت بن كيران عليه.
إذا تحقق هذا سيطمَئن الإسلاميون في المغرب وفي المنطقة، ورُعاتهم، إلى أن المقصود بقرار الأربعاء كان بن كيران الشخص وليس الحزب والتجربة. وهذا بلاء أخف.
وإذا لم يتحقق تكون اللعبة قد انتهت وخسر حزب العدالة والتنمية وخسر العثماني أكثر لأن أحداً ما سيصفه يوما بـ»ابن عرفة الثاني».
المادة 42 من الدستور هي صلب السيناريو الثاني. إذا اختار «القصر» اللجوء إليه، فهو بسيط: تسليط تلك «الكائنات» على العثماني وعرقلة مساعيه إلى أن يستسلم أو يتقرر إعفاؤه «من أجل المصلحة العامة» ولأن «الدولة لا تتحمل تكرار تجربة الانسداد»، فيلجأ «القصر» إلى الفصل 42 من الدستور،
هذا الفصل فيه ليونة تمنح الملك صلاحيات غير منصوص عليها صراحة في الدستور، وتمكّنه من اتخاذ قرارات باعتباره «الحكم الأسمى بين مؤسسات الدولة»، و«ضامن دوام الدولة واستمرارها».
هذه الليونة ستكون الغطاء الذي سيبرر إزاحة العثماني إذا كان هدف «القصر» من البداية القضاء على تجربة العدالة والتنمية. ثم تتدخل ليونة العدالة والتنمية لتبارك وتبرر.
آنئذ ستنتهي التجربة كما بدأت، بلا طعم. استعمل «القصر» الإسلاميين عندما احتاج إليهم وتخلى عنهم عندما انتفت الحاجة إليهم. العزاء الوحيد والأهم في التجربة أنها جنّبت المغرب كارثة مشابهة لكوارث جيرانه في الإقليم.
٭ كاتب صحافي جزائري