تقرير منظمة الإسكوا الذي طالبت أمريكا وإسرائيل بسحبه
أثار تقرير منظمة الإسكوا الذي استقالت على خلفيته الدكتورة ريما خلف، وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة والأمينة التنفيذية للإسكوا، بعد أن تعرضت لضغوط من الأمم المتحدة لسحب هذا التقرير بعد أن طالبت كل من إسرائيل وأمريكا الأمين العام للأمم المتحدة بسحبه وهو الأمر الذي رفضته خلف.
يخلص هذا التقرير، الذي تداوله الإعلام العربي والدولي، إلى أن إسرائيل أسست نظام أبارتايد يهيمن على الشعب الفلسطيني بأجمعه. في الوقت الذي يدرك فيه مؤلفو هذا التقرير خطورة هذا الادعاء، يستنتجون أن الوقائع والأدلة تثبت، بما لا يدع للشك مجالاً، أن إسرائيل بسياساتها وممارساتها مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري (أبارتايد) كما تعرفها صكوك القانون الدولي.
ويستند التحليل في هذا التقرير إلى مضامين ومبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان ذاتها التي ترفض معاداة السامية وغيرها من إيديولوجيات التمييز العنصري، بما في ذلك: ميثاق الأمم المتحدة (1945) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)، والاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله (1965). ويعتمد التقرير في المقام الأول على تعريف الأبارتايد في المادة 2 من الاتفاقية الدولية بشأن قمع جريمة الفصل العنصري ومعاقبة مرتكبيها (1973):
عبارة "الفصل العنصري" [الأبارتايد]، التي تشمل سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي تمارس في الجنوب الأفريقي، تنطبق على الأفعال اللاإنسانية...، المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عرقية ما من البشر على أية فئة عرقية أخرى واضطهادها إياها بصورة منتظمة.
ومصطلح الأبارتايد ارتبط في الأصل بحالة محددة، هي حالة جنوب أفريقيا. إلا أنه أصبح يُطلق على نوع من أنواع الجرائم ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي يُعرّف الأبارتايد بما يلي:
تعني "جريمة الفصل العنصري" [الأبارتايد] أية أفعال لا إنسانية... ترتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام.
وينطلق هذا التقرير من الإجماع على أن لا استثناء في حظر الأبارتايد وأن انهيار نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا وجنوب غرب أفريقيا (ناميبيا) لم يبطل ذلك.
ولا ينبغي الخلط بين المقاربة القانونية لقضية الأبارتايد الذي اعتمدها هذا التقرير وبين الاستخدام السائد للمصطلح تعبيراً عن الإدانة والاستنكار. وقد تبرر ظروف وسياقات معينة التعامل مع مسألة الأبارتايد على أنها أعمال وممارسات منفصلة (مثل جدار الفصل العنصري)، أو ظاهرة تولدها ظروف بنيوية مُغفلة كالرأسمالية (أبارتايد اقتصادي)، أو سلوك اجتماعي خاص من جانب بعض الجماعات العرقية تجاه جماعات عرقية أخرى (عنصرية اجتماعية). غير أن هذا التقرير يتمسك بتعريف للأبارتايد كما يرد في القانون الدولي، والذي يُحمل في طياته مسؤوليات على الدول، كما تنص عليها الصكوك الدولية.
ويسترشد اختيار الأدلة بالاتفاقية الدولية لمناهضة الأبارتايد، التي تنص على أن جريمة الأبارتايد تتكوّن من أفعال لاإنسانية منفصلة، لكنها تشير إلى أن هذه الأفعال لا تكتسب صفة جرائم ضد الإنسانية إلا إذا تعمدت خدمة غرض الهيمنة العرقية. ويحدد نظام روما الأساسي في تعريفه وجود "نظام مؤسسي" يخدم "مقصد" الهيمنة العرقية. وبما أن الـ "الغرض" والـ "المقصد" يقعان في صميم كلا التعريفين، يبحث هذا التقرير في عوامل تبدو في ظاهر الأمر منفصلة عن البعد الفلسطيني، وخاصة مبدأ الدولة اليهودية كما يعبر عنه القانون الإسرائيلي وتصميم مؤسسات الدولة الإسرائيلية، ليثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، وجود الغرض والمقصد.
ويجد التقرير النظام الإسرائيلي مصمماً لهذا الغرض بشكل جليّ في مجموعة القوانين الإسرائيلية. ويتناول التقرير بعضها فقط لضيق نطاق البحث. ومن أهم الأمثلة على ذلك سياسة الأراضي. فالقانون الأساسي (الدستور) الإسرائيلي ينص على أنه لا يجوز بأي شكل من الأشكال نقل الأراضي التي تحتفظ بها دولة إسرائيل أو هيئة التطوير الإسرائيلية أو الصندوق القومي اليهودي، ما يضع إدارة هذه الأراضي تحت سلطة هذه المؤسسات بصورة دائمة. وينص قانون ممتلكات الدولة لعام 1951 على أن الحق المستقبلي في الممتلكات (بما في ذلك الأراضي) يعود إلى الدولة في أي منطقة "ينطبق عليها قانون دولة إسرائيل". وتدير سلطة أراضي إسرائيل أراضي الدولة، التي تمثل 93 في المائة من الأراضي ضمن حدود إسرائيل المعترف بها دوليا، وهي، قانوناً، مُحرّم استخدامها أو تطويرها أو امتلاكها على غير اليهود. وهذه القوانين تجسّد مفهوم "الغرض العام" كما يرد في القانون الأساسي الإسرائيلي. ويمكن تغيير هذه القوانين بالتصويت في الكنيست. لكن "القانون الأساسي: الكنيست" ينص على أنه يحظر على أي حزب سياسي الطعن في ذلك الغرض العام. هكذا يجعل القانون الإسرائيلي معارضة الهيمنة العرقية غير قانونية فعلاً.
وتمثل الهندسة الديمغرافية مجالاً آخر حيث تخدم السياسات غرض الحفاظ على إسرائيل دولة يهودية. وأشهر قانون في هذا الصدد هو قانون العودة الذي يمنح اليهود، أياً يكن بلدهم الأصلي في جميع أنحاء العالم، حق دخول إسرائيل والحصول على الجنسية الإسرائيلية وبصرف النظر عما إذا كان بوسعهم تبيان صلات بالأرض، في حين يُحجب عن الفلسطينيين أي حق مماثل، بما في ذلك من في حوزتهم وثائق تثبت وجود منازل عائلاتهم التي تعود لأجيال في البلاد. والمنظمة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية مخولتان بسلطة قانونية، كوكالتين لدولة إسرائيل، لتيسير الهجرة اليهودية وتخدمان مصالح المواطنين اليهود بشكل تفضيلي في مجالات شتى كاستخدام الأراضي والتخطيط العمراني العام وغيرها من المجالات التي تعد حيوية للدولة اليهودية. وتستخدم في بعض قوانين الهندسة الديمغرافية لغة مبطنة، بحيث تسمح للمجالس البلدية اليهودية برفض طلبات الإقامة لمواطنين فلسطينيين. ويسمح القانون الإسرائيلي عادة لأزواج المواطنين الإسرائيليين بالانتقال إلى إسرائيل، ولكنه يستثني الفلسطينيين من الأرض المحتلة أو خارجها من هذا الإجراء. وعلى نطاق أوسع، تعتمد إسرائيل سياسة رفض عودة أي فلسطيني من اللاجئين والمنفيين قسراً (ومجموعهم حوالي ستة ملايين) إلى أراضٍ تقع تحت السيطرة الإسرائيلية.
وليعتبر أي نظامٍ للهيمنة العنصرية المنهجية نظام أبارتايد، لا بدّ من تتوفر فيه صفتان إضافيتان. الأولى تقضي بتحديد الأشخاص المضطهدين على أنهم ينتمون إلى "جماعة عرقية". يُحاجج هذا التقرير بأنه في السياق الجغرافي السياسي لفلسطين، يمكن اعتبار اليهود والفلسطينيين "جماعتين عرقيتين" انطلاقاً من تعريف الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله لعبارة "التمييز العرقي" على أنها تعني "أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الاثني ويستهدف أو يستتبع تعطيل أو عرقلة الاعتراف بحقوق الإنسان والحريات الأساسية أو التمتع بها أو ممارستها، على قدم المساواة، في الميدان السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان آخر من ميادين الحياة العامة". وعلاوة على ذلك، فإن الاتفاقية الدولية للقضاء على التمييز العنصري بكافة أشكاله مشار إليها صراحة في الاتفاقية الدولية لمناهضة الأبارتايد.
أما الصفة الثانية فهي حدود وخصائص الجماعة أو الجماعات قيد البحث. وقد أرسي وضع الفلسطينيين كشعب له الحق في تقرير المصير على أعلى مستوى من الشرعية في الرأي الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في عام 2004 عن الآثار القانونية الناشئة عن تشييد جدار في الأرض الفلسطينية المحتلة. وعلى ذلك الأساس، يبحث التقرير معاملة إسرائيل للشعب الفلسطيني بأسره، معتبراً أن ظروف التجزئة الجغرافية والقانونية للشعب الفلسطيني هي وضع فرضته إسرائيل. (يتناول المرفق الثاني مسألة التحديد الصحيح لــ "البلد" المسؤول عن إنكار الحقوق الفلسطينية بموجب القانون الدولي).
ويستنتج هذا التقرير أن استراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني هي الأسلوب الرئيسي الذي تفرض إسرائيل به نظام الأبارتايد. والتقرير يبحث أولاً كيف أدى تاريخ الحروب والتقسيم والضم الرسمي وبحكم الواقع والاحتلال المديد في فلسطين، ولا يزال يؤدي، إلى تقسيم الشعب الفلسطيني على مناطق جغرافية مختلفة تدار بمجموعات مختلفة من القوانين. وتعمل هذه التجزئة على تثبيت نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي وإضعاف إرادة الشعب الفلسطيني وقدرته على مقاومة موحدة وفعّالة. وتستخدم إسرائيل أساليب مختلفة تبعاً لمكان عيش الفلسطينيين. وهذه هي الوسيلة الأساسية التي تفرض بها إسرائيل الأبارتايد وفي الوقت نفسه تحجب عن المجتمع الدولي الطريقة التي يعمل بها النظام ككل متكامل ليشكّل نظام أبارتايد.
ومنذ عام 1967، يعيش الشعب الفلسطيني، وفقاً لما يرد في التقرير، في أربعة "فضاءات"، يُعامل فيها السكان الفلسطينيون معاملة مختلفة في الظاهر، لكنهم يتشاركون في الواقع اضطهاداً عنصرياً في ظل نظام الأبارتايد. وهذه الفضاءات هي:
((1 القانون المدني، مقترناً بقيود خاصة، الذي يُطبّق على الفلسطينيين الذين يعيشون كمواطنين في إسرائيل؛
((2 قانون الإقامة الدائمة الذي يطبّق على الفلسطينيين الذين يعيشون في مدينة القدس؛
((3 القانون العسكري الذي يطبّق على الفلسطينيين الذين يعيشون منذ عام 1967 في ظل الاحتلال العسكري للضفة الغربية وقطاع غزة، ومنهم من يعيشون في مخيّمات اللجوء؛
((4 السياسة التي تمنع عودة الفلسطينيين، سواء كانوا لاجئين أم منفيين يعيشون خارج المناطق الواقعة تحت سيطرة إسرائيل.
ويضم الفضاء الأول حوالي 1.7 مليون من الفلسطينيين من مواطني إسرائيل. وقد عاش هؤلاء طوال الأعوام العشرين الأولى من وجود إسرائيل في ظل قانون عسكري، وهم حتى اليوم يتعرضون للاضطهاد لأنهم ليسوا يهوداً. وتتجلى سياسة الهيمنة تلك في تدني الخدمات وتقييد قوانين تنظيم الأراضي، ومحدودية مخصصات الميزانية للمجتمعات الفلسطينية؛ كما في فرض قيود على فرص العمل والتطور المهني؛ وكذلك في تجزئة الأماكن بين المواطنين من يهود وفلسطينيين. ويُسمح للأحزاب السياسية الفلسطينية القيام بحملات للمطالبة بإصلاحات طفيفة وبميزانيات أفضل، ولكن يحظر عليها بموجب القانون الأساسي الطعن في التشريعات التي تديم النظام العنصري. وتتعزز سياسة الحظر هذه بتبعات التمييز في إسرائيل بين "المواطنة" (ezrahut) و"القومية" (le'um)، إذ يتمتع كل إسرائيلي بالمواطنة، ولا يتمتع بالقومية أحد غير اليهود. فالحقوق "القومية" في القانون الإسرائيلي تعني الحقوق القومية اليهودية. وهكذا يعزل النظام كفاح مواطني إسرائيل الفلسطينيين لتحقيق المساواة والإصلاحات المدنية بموجب القانون الإسرائيلي عن كفاح الفلسطينيين في الأماكن الأخرى.
ويشمل الفضاء الثاني قرابة 300,000 فلسطيني يعيشون في القدس الشرقية، ويعانون التمييز في الحصول على التعليم والرعاية الصحية والعمل وفي حقوق الإقامة والبناء. كما يتعرضون لعمليات الطرد وهدم المنازل التي تخدم السياسة الإسرائيلية المُسماة بسياسة "التوازن الديمغرافي" لصالح السكان اليهود. ويصنف سكان القدس الشرقية الفلسطينيون على أنهم مقيمون دائمون، ما يجعلهم فئة منفصلة. وليس لديهم بوصفهم مقيمين دائمين أي صفة قانونية تمكنهم من تحدي القانون الإسرائيلي. وذلك متعمد حتى لا يضاف وزنهم الديموغرافي، والأهم من ذلك وزنهم الانتخابي، إلى وزن المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل. وعلاوة على ذلك، فإن تماهيهم السياسي الصريح مع الفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة يحمل معه خطر الطرد إلى الضفة الغربية وفقدان الحق حتى في زيارة القدس. هكذا، المركز المديني للحياة السياسية الفلسطينية محاصر في فقاعة قانونية تحدّ من قدرة سكانه على معارضة نظام الأبارتايد قانونيا.
ويشمل الفضاء الثالث قرابة 6.6 مليون من الفلسطينيين الذين يعيشون في الأرض الفلسطينية المحتلة، 4.7 مليون منهم في الضفة الغربية و1.9 مليون في قطاع غزة. وتدار هذه الأرض على نحو يتطابق تماماً مع تعريف الأبارتايد في اتفاقية مناهضة الأبارتايد. فباستثناء النص المتعلق بالإبادة الجماعية، تمارس إسرائيل بشكل روتيني ومنهجي في الضفة الغربية كل الأفعال اللاإنسانية التي ترد في الاتفاقية كمثال. ويخضع الفلسطينيون للقانون العسكري، في حين يخضع حوالي 350,000 مستوطن يهودي للقانون المدني الإسرائيلي. ومما يؤكد الطابع العنصري لهذا الوضع أن المستوطنين اليهود في الضفة الغربية يتمتعون جميعاً بحماية القانون المدني الإسرائيلي لأنهم يهود سواء كانوا مواطنين إسرائيليين أم لا. وهذا النظام القانوني المزدوج، وهو إشكالي بحد ذاته، يصبح مؤشراً إلى نظام الأبارتايد عندما يقترن بإدارة وتطوير للأراضي على يد مؤسسات قومية يهودية مكلّفة بإدارة "أراضي الدولة" لصالح السكان اليهود. ولدعم النتائج العامة التي يتوصل إليها هذا التقرير، يبين المرفق الأول بمزيد من التفصيل السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة التي تشكل انتهاكات للمادة 2 من اتفاقية مناهضة الأبارتايد.
ويشمل الفضاء الرابع ملايين الفلسطينيين اللاجئين والمنفيين قسراً الذين يعيش معظمهم في البلدان المجاورة ويحظر عليهم العودة إلى ديارهم في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة. وتبرر إسرائيل رفضها عودة الفلسطينيين بعبارات عنصرية صريحة. فهي تزعم أن الفلسطينيين يشكلون "تهديدا ديموغرافياً" وأن عودتهم ستغير الطابع الديمغرافي لإسرائيل إلى درجة تقضي عليها كدولة يهودية. ولرفض حق العودة للفلسطينيين دور أساسي في نظام الأبارتايد، إذ يضمن عدم ازدياد عدد السكان الفلسطينيين في فلسطين التاريخية إلى درجة تهدد السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأراضي و/أو توفر قوة دافعة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل تمكّنهم من المطالبة بحقوق ديمقراطية كاملة (والحصول عليها)، ما قد يزيل الطابع اليهودي لدولة إسرائيل. ويقتصر الفضاء الرابع على السياسات التي تحرم الفلسطينيين من حقهم في العودة بموجب القانون الدولي. إلا أن التقرير يتناوله باعتباره جزءاً لا يتجزأ من نظام الاضطهاد والهيمنة الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني برمته، نظراً لدوره الحاسم بالأوزان الديموغرافية في إدامة نظام الأبارتايد.
ويرى هذا التقرير أن الفضاءات الأربعة مجتمعة تكوّن نظاماً واحداً شاملاً، وضع لضمان استمرار السيطرة على غير اليهود في جميع الأراضي الخاضعة حصرياً للسيطرة الإسرائيلية مهما كانت الفئة التي تُصنّف فيها هذه الأراضي. وبدت الفوارق في معاملة الفلسطينيين في نظر الأمم المتحدة واقعاً سارياً، في غياب تقييم يبيّن ما إذا كانت شكلاً من أشكال الأبارتايد. وفي ضوء نتائج هذا التقرير، قد يتطلب النهج الدولي المجزأ، القائم منذ زمن، إعادة نظر ومراجعة.
وتوخياً للإنصاف والشمول، يتناول التقرير عدة حجج مضادة تقدمها إسرائيل ومن يدعمون سياساتها لإنكار انطباق اتفاقية مناهضة الأبارتايد على حالة إسرائيل-فلسطين. ومن هذه الحجج ما يدّعي بأن إصرار إسرائيل على أن تظل دولة يهودية يتفق مع ممارسات دول أخرى. وأن إسرائيل لا تدين للفلسطينيين غير المواطنين بمعاملة مساوية لليهود لمجرد أنهم غير مواطنين؛ وأن المعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين لا تعكس أي "غرض" أو "مقصد" هيمنة، بل تعكس حالة مؤقتة يفرضها على إسرائيل واقع الصراع الجاري والمتطلبات الأمنية. ويبين التقرير أن أياً من هذه الحجج سرعان ما يسقط أمام التمحيص. ويرتكز ادعاء آخر هو أن إسرائيل لا يمكن أن تٌعتبر مسؤولة عن جرائم أبارتايد لأن للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل حقوق تصويت على خطأين في التفسير القانوني: المقارنة الحرفية مع سياسة الأبارتايد في جنوب أفريقيا وفصل مسألة حقوق التصويت عن القوانين الأخرى، ولا سيما أحكام القانون الأساسي التي تحظر على الأحزاب السياسية الطعن في طابع الدولة اليهودي، وبالتالي، العنصري.
ويخلص التقرير إلى أن حجم الأدلة يدعم بما لا يدع للشك مجالاً أن إسرائيل مذنبة بجريمة فرض نظام أبارتايد على الشعب الفلسطيني، ما يصل إلى حدّ ارتكاب جريمة ضد الإنسانية، وتلك جريمة يعتبر القانون العرفي الدولي حظرها قاعدة من القواعد الآمرة jus cogens. والمجتمع الدولي، ولا سيما الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء ملزمة جميعها إلزاماً قانونياً بالتصرف ضمن حدود قدراتها للحيلولة دون نشوء حالات الأبارتايد ومعاقبة المسؤولين عن هذه الحالات. وعلى الدول، تحديداً، واجب جماعي يتمثل في: (أ) ألا تعترف بشرعية نظام أبارتايد؛ (ب) ألا تقدم معونة أو مساعدة لدولة تقيم نظام أبارتايد؛ (ج) أن تتعاون مع الأمم المتحدة والدول الأخرى على القضاء على نظم الأبارتايد. وعلى مؤسسات المجتمع المدني والأفراد واجب أخلاقي وسياسي يلزمهم باستخدام الأدوات المتاحة لهم لرفع درجة الوعي بهذا المشروع الإجرامي المتواصل، وللضغط على إسرائيل لحملها على تفكيك هياكل الأبارتايد امتثالاً للقانون الدولي.
ويختتم التقرير بتوصيات عامة ومحددة إلى الأمم المتحدة وحكومات الدول والمجتمع المدني والجهات الفاعلة الخاصة، بشأن الإجراءات التي ينبغي اتخاذها في ضوء الاستنتاج بأن إسرائيل أنشأت نظام أبارتايد في ممارستها السيطرة على الشعب الفلسطيني.