الفلسطينيون والأمم المتحدة والأبرتهايد
الكاتب: عبد الرحمن شهاب
تابعنا تصريح قادة فلسطينيين مؤيد وداعم لموقف الدكتورة ريما خلف، احتجاجًا على موقف الأمين العام بسحب تقرير اللجنة الاقتصادية، والقاضي باعتبار إسرائيل دولة فصل عنصري "أبرتهايد"، وقد اعتبر المتحدثون الفلسطينيون ان سحب هذا التقرير يعتبر تشجيعًا للاحتلال على مواصلة سياسته العنصرية وتنكره لحقوق شعبنا.
إن ما لا يدركه السياسيون في أغلب الأحيان هو ذلك التناقض في أن يجتمع بدولة واحدة أنها دولة "احتلال" ودولة "فصل عنصري" في آن واحد بحق نفس الشعب، فدولة "الأبرتهايد" هي التي تمارس تمييزًا عنصريًا بين مواطنيها، فيما دولة الاحتلال هي التي تمارس العنف ضد شعب آخر، فعندما نعتبر ان دولة إسرائيل هي دولة فصل عنصري؛ فبالتالي نكون قد سلمنا بإسرائيل كدولة على أرض فلسطين، ولم تعد مشكلتنا معها سوى أنها تتعامل مع بعض شعبها بتمييز عنصري، ونطالب المجتمع الدولي مواجهة العنصرية الكامنة في القوانين الإسرائيلية التي تمييز بين أبناء الشعب الواحد.
إن تبني فصائل مقاومة أو حتى أصحاب مشروع حل الدولتين لتقرير اللجنة الاقتصادية حول اعتبار إسرائيل دولة "أبرتهايد" يعني انسجام هذا الفصيل مع التصور الدولي عن إسرائيل من خلال تعريف "الأبرتهايد"، وهو تعريف لا يرفض قيام إسرائيل كدولة على أرض فلسطين وتمتعها بحق التشريع وامتلاك الأراضي ووضع يد الدولة على كل أراضي الوقف في فلسطين وبناء المستوطنات في الضفة الغربية وحتى العودة إلى قطاع غزة، ولكن المشكلة تكمن في الحقوق المدنية التي تتنكر إسرائيل منحها للعرب مواطنيها، إن كان في الداخل 48 أو الضفة أو غزة، من حق الاقتراع والتعبير وحرية التنقل والتجمع والطباعة والمنشورات والسكن والتملك أسوة بباقي الشعب من اليهود الذين وفدوا إلى هذه البلاد واستقروا فيها ومنحتهم الدولة حق المواطنة، كما يطالب محاربو "الأبرتهايد" عدم تخصيص مناطق للعرب في الدولة يسكنون فيها دون غيرهم من اليهود، إن كان في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
فمن أهم مرتكزات "الأبرتهايد" هو بناء نظام حقوقي من الفصل العنصري يبقى "العرق الأدنى" في نطاق الدولة، ولكنه يحرمه من حرية التنقل ومن حق الاقتراع، فأبناء "العرق الأدنى" السكان الأصليون هم نظريًا مواطنون، ولكنهم في الواقع رعايا الدولة خاضعون لها، والدولة ليست تعبيرًا عن تطلعاتهم، ثقافتهم، بل هي أداة لسيطرة "العرق الأرقى" عليهم، وكذلك سيطرة نخب "العرق الأرقى" على مقدرات البلاد الاقتصادية وثرواتها، بما في ذلك الأرض، أثمن الثروات إطلاقًا. كما ان مواجهة "الأبرتهايد" تتضمن رفض الثقافة السياسية والدينية التي يمكن ان تتبناها الدولة، والتي قد تشكل تبريرًا نظريًا وأخلاقيًا لنظام الفصل العنصري.
إن السؤال الأهم هو هل تقبل فصائل إسلامية فلسطينية العيش في دولة تتعامل مع الديانة الإسلامية واليهودية على حد سواء، ولا تتبنى أيًا منهما؟
وأهم بند من بنود تعريف "الأبرتهايد" فيما يتعلق بمنظمة التحرير الفلسطينية هو ان الفصل العنصري لم يطالب غالبية السكان في "العرق الأدنى" بالانفصال وإقامة دولة أخرى، كما لم يطالب محاربو "الأبرتهايد" "العرق الأدنى" بطرد الأقلية البيضاء وعودتها إلى دولها الأم التي أتت منها، فقد كانت معركة الغالبية في جنوب أفريقيا ضد الفصل العنصري، ولذلك يرون انه يمكن أن يكون الانفصال بين مكونات "الشعب الواحد" - والذي هو في واقعنا "العرب واليهود" - علاجًا للفصل العنصري أو ردًا عليه، بل التعايش هو العلاج الوحيد حسب رؤيتهم.
بهذا التعريف يعني أن الذي يطالب باعتبار إسرائيل دولة "أبرتهايد" إنما يطالبها بتعديل قوانينها العنصرية لصالح جميع مواطنيها، العرب سواسية باليهود، ولا غبار على الاحتلال، وإنما التحول إلى الدولة الواحدة التي ترفض تبني أي دين، لا اليهودية ولا الإسلام، فهل أيّ من الفصائل الفلسطينية قد وصل الى هناك؟