راعيات الاغنام في غزة ..منى لم تمسك هاتفاً في حياتها
خاص- اسلام الاسطل : نهارهن يبدأ مبكرا ،وحياتهن رحلة رعي لا تتوقف ، يمضين يومهن سيرا على اقدامهن خلف قطيع من الاغنام ، لا يتناولن أي نوع من الطعام قبل خروجهن ، العمل الوحيد الذي عرفنه منذ طفولتهن هو الجري وراء قطيع الغنم ، تقول منى 19 عاما ، اعمل في الرعي منذ كنت في العاشرة من عمري ، كنت اخرج مع رفيقاتي وجاراتنا في ايام العطلة الاسبوعية والصيفية ، فيما كانت شقيقاتي الكبار يتبادلن الخروج يوما بعد يوم .
منى من عائلة الدراوشة ، تقطن مع عائلتها في خيمة قريبة من مدينة أصداء جنوب قطاع غزة ،اكتست ملامحها بالسواد الناتج عن حرق الشمس، من الحين للآخر تقوم بتغطية وجهها بجزء من غطاء رأسها في محاولة لحجب الشمس عنه ، عن حياتها تقول لـ (أمد)" امضي نصف يومي في الرعي في شوارع المدينة بحثا عن الكلأ (العشب الاخضر) او المزارع التالفة ، نسير خلف أغنامنا من ساعات الفجر الاولى الى ما بعد العصر ثم نعود ادراجنا الى خيامنا غرب المدينة" .
تضيف : بعد العودة لبيوتنا ، نجلس لنرتاح قليلا ثم نذهب لنعد الطعام ، ونطهوه على النار ( الحطب ) ونخبز ايضا الخبز (الصاج ) على الحطب .
ولا زال يقطن الكثير من الملالحة في خيام لا تقي حر الصيف ولا برد الشتاء ، وترى منى ان السبب في ذلك يعود لعدم امتلاكهم المال ،ولكن سكان محليون يقولون لـ (
أمد) " انهم يمتلكون الكثير من المال ولكن لا يطيقون الحياة في بنايات سكنية ".
منى التي انهت الثانوية العامة القسم الادبي، لم تمسك هاتف نقال في حياتها ولا تعرف كيف يتم استخدامه " يقتصر استخدامه لدينا على الأب، اما البنت لا داعي لكي تستخدمه " تقول منى .
ومن أحلام منى التي لم تتحقق ، إكمال دراستها الجامعية ،ان تعيش حياة طبيعية مثل باقي الناس ولكنها احلام مستحيلة تقول منى " افيق منها على صوت امي حين توقظني فجرا لأقوم برعي اغنامنا"
وتتعرض منى ورفيقاتها في الرعي للكثير من المواقف الصعبة، من شتم وسب من اصحاب المزارع والاراضي وطردهم في كثير من الاحيان، ناهيك عن المعاكسات، امر اعتدن عليه وأصبحن يجدن التعامل معه، وفق ما أكدت سوسن رفيقة منى في الرعي .
منى لم تهنأ يوما بالبقاء في خيمتها حتى في أيام مرضها ، تقول "مرضت بسبب تغيرات الجو بالأمس ووقعت على الارض ولكنني اليوم عدت للرعي لأنه لا يوجد بديل" .
وبنبرة مستسلمة تقول منى " حتى لو تزوجت لن يتغير الحال كثيراً ، كل ما هنالك انني بدلاً من الرعي لأهلي سأرعى أغنام أسرة زوجي " فالمرأة لدى الملالحة كتب عليها ان تعيش عمرها كله في ملاحقة الاغنام الى اماكن الرعي "
قاطعتها زميلتها الثالثة في الرعي بعد ان تشجعت للحديث " لكن المرأة حين تكبر في العمر ويصبح لديها فتيات قادرات على تحمل مسؤولية الرعي تجلس في البيت ويبدأن هن بمتابعة المهمة " بنبرة ساخرة تقول منى " تجلس امي الان في المنزل ولكن العمل في الرعي لم يبقي من صحتها ولم يذر".
مع اقتراب ساعات المغيب ، بدأت منى ورفيقتيها بسوق الاغنام وترديد كلمات خاصة تعني عدن الى المنزل، قالت وهي تتابع المسير خلف اغنامها ،في الربيع نمضي يومنا بأكمله في الرعي منذ شروق الشمس الى غروبها، نسير ساعات طويلة نحو الحدود الشرقية بخانيونس ، فالأعشاب وفيرة في تلك المنطقة، وعند الغروب نبدأ رحلة العودة الى خيامنا .
وينتشر الملالحة على أطراف المدن في قطاع غزة، ينصبون خيامهم في أغلب الاوقات في اراضٍ حكومية، ويتخذون من تربية الاغنام والابل مهنة لهم، منغلقون على انفسهم، تقتصر علاقاتهم بباقي سكان المدينة على البيع والشراء وفي معظم الاوقات يثيرون المشاكل بسبب اقتحام اغنامهم الاراضي الزراعية وتخريبها بقصد أو بدون قصد.
والواقع المعقد في قطاع غزة وأزماته المركبة باتت تشكل قواسم مشتركة بين الذين يجرون خلف أغنامهم والذين يجرون خلف لقمة العيش مهما اختلفت مسميات وظائفهم ، فالحصار نال من الكل الذي ينتظر انفتاحاً حقيقياً على الحياة .