زعرنة و... دكتوراة
م. باهر يعيش
طفلٌ في الأوّل الإبتدائي,لا يهدأ , كثير الكلام كثير الحركة لا يترك تلميذًا ألّا وافتعل معه حديثا أومعركة , لا يحبّ الإنتباه الى الدّرس..راس روس, ولا أن يحفظ نشيدًا حصّة الرّسم هي أكثر ما يطربه, يهوى الخربشة على اللوح الأسود بالطبشور الأبيض, يرسم دوائر ودوائر ثمّ يضع بقايا من قطعها في جيبه ليقذف طالبا بها,فبلتفت المسكين ويحتجّ...فيعاقبه المعلّم.
كان أكثر ما يمارس زعرنته في حصّة المعلّم الشيخ الوقور في يوم طفح الكيل بالشيخ فطلب منه الوقوف ووجهه نحوالحائط كعقاب لم ينصع تقدّم نحوه بتؤده قام عن مقعده وتراجع أسرع الشيخ نحوه وعصاه في يده ففرّ التلميذ باتجاه باب الغرفة فتحه لحق به الشيخ إلتقى الخصمان كلّ يشدّ درفة الباب نحوه حشر الشيخ يده ما بين الدرفتين أغلق الباب على إصابعه وسالت نقاط حمراء من يده.إنطلق التلميذ يعدو بشعره الأكرت وبنطاله القصير...هرب بجلده.
نقلب الصّفحة...قابلته بعد عقودعلى مائدة عشاء تعانقنا كان قد تقاعد أصبح شريكًا في أكبر دور الدراسات الماليّة والإستثماريّة العالميّة المشهورة ربّا لعائلة كريمة وأبناء ناجحين ذكّرته بمعركة الباب..قهقه بخجل لم ينسها قط...ضحكنا.
شخصيّة أخرى... في الثانوية العامة تمارس سلوكات مشابهة مع فارق السّن دخل المعلّم طلب من الطلّاب أن يكتبوا موضوعا عن الشّجرة في ربع ساعة , بعد دقائق طلب الأستاذ من صاحبنا أن يتقدّم لقراءة ما كتب يسقط في يد الطالب هو لم يكتب شيئا لأنشغاله مع جاره ومع الهواء: يسير الفتى ببطء وبأبتسامة أستعراضيّة يغطّي بها حرجه في الطريق يخطف ورقة أحد زملائه... ورقتي (أنا) ويمضي كنت قد أستهللت موضوعي بآية كريمة ولا شيء سواها قال المعلّم: أقرأ يا فيلسوف لنرى فصاحتك بدأ الغضنفر يقرأ ما في ورقتي/ ورقته,تلا الآية وصمت نظر اليه المعلّم مستفسرًا!نظر اليّ برجاء ولوم وعتاب وغيظ يشير بيده بعلامة أنقذني لتتحوّل الى... (بفرجيك!!) قرأ المعوذتين والفاتحة والصّمد و أستاذنا ينظر وينتظر...(وبعدين!؟.لم يترك سورة من قصار السّور ألّا قرأها برويّة وخشوع طلب منه المعلم التوقّف أخذ ورقته نظر بها جحره بشماتة وشبه إبتسامة لنصر حققه ,ربّما لبعض الأعجاب لسرعة بديهته وحفظه (صفر إمكعّب يا ولد يا فالح).
نقلب الصّفحة... الاستاذ الدّكتور... صاحب الصّفر المكعّب كنت قد التقيته في مدرسة النجاح الوطنيّة العريقة في تلك المرحلة من الدّراسة تصادقنا كنّا نسير على غير هدى في شوارع نابلس نتحدّث كان كلامه مسلّيا موزونا... بلا زعرنة ,فرّقتنا الحياة كدأبها إلتقيته منذ أيام مصادفة في ندوة تعانقنا.. أفترقنا على وعد للقاء.
التقينا مع فنجان من قهوة تحادثنا تذاكرنا ذكّرته بالطرفة أصغى بأهتمام رأيت النّظرة القديمة في قرارعينيه سألني عن بطلها أنت
يا...فالح ) ضحك قهقه بكلّ الشّقاوة التي نسيها كان قد تقاعد أستاذًا في جامعة,مندوبًا للأمم المتحدة في مكان ما،ملحقا في إحدى سفارات الوطن يقرض الشّعر رغم تخصّصه العلمي وله كتاب فيه وربّ عائلة بأمتياز.. كسبت صديقي من جديد.
هي ليست دعوة لحثّ الطّفل على الشّغب والزّعرنة,ليست مقياسا مطلقا للنّجاح,ففي كلّ طفل على شاكلتهم طاقة زائدة يمكن توظيفها فيما يتقنه:في رياضة في رسم في نشاط لتفريغها وصقلها ماسا وأبداعا.
الزّعران الصّغار كثيرا ما لا نفهمهم ,نظلمهم نكبتهم نحطّم معنوياتهم ومقدّراتهم,تزداد زعرنتهم البريئة وقد تنحرف فيضيعون وقد نفقد موهبة كبيرة لم نلحظها.في نفس الوقت فأنّه شتّان ما بين طفل يملك طاقة زائدة يوظّفها بشكل بريء للفت الأنتباه, وآخر يوظّفها بشكل عدائي للتنمّرعلى المستضعفين من زملائه,تلك معضلة كبرى ورواية أخرى.نتساءل: ما هو دورنا كأهل وجهاز تربية وتعليم,مؤسسات ذات الصّلة؟! أين نحن من هذا!؟حشو الأدمغة لن يبني وطنا.المسؤوليّة كلّهاعلينا في الضّياع والهدر أوالأبداع وفي...الاتجاهين.