مجرد مقارنات!
-1-
بين قمة الخرطوم ذات اللاءات الشهيرة، وبين قمة البحر الميت، نحو نصف قرن، تغير فيه الوطن العربي، والعالم بشكل لا يكاد يصدق، فلا العرب اليوم هم عرب الخرطوم، ولا العالم نفسه ولا العدو هو العدو، ثمة واقع جديد بالكامل، يفرض بثقله على كل المبادىء التي ظل العرب يرددونها، زعامات وشعوبا، فالتغير كان أفقيا وعموديا، وليس من المغامرة أن نقول أن ثمة هوة كبيرة باتت تتسع أكثر فأكثر بين طبقة «الكريما» العربية وعامة الشعب، فرضت استحقاقات قاسية على الأرض!
-2-
لنعد للوراء قليلا، القمة العربية التي تحمل الرقم أربعة عقدت في العاصمة السودانية الخرطوم ما بين 29 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول 1967 بُعيد النكسة في يونيو/حزيران 1967، وبعد أن احتلت القوات الصهيونية الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء. وحضرت القمة الدول العربية كافة، باستثناء سوريا التي دعت إلى حرب تحرير شعبية ضد إسرائيل، فيا للمفارقة، حيث تغيب سوريا أيضا اليوم، ولكن بسبب آخر، حيث تخوض حربا شعبية ضد شعبها!
من أهم قرارات الخرطوم الشهيرة: إعلان اللاءات الثلاث: «لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل»، وشهدت أجواء «مصالحة عربية جدية» تجلت في الصلح بين أكبر زعيمين عربيين حينها، هما الراحلان الرئيس المصري جمال عبد الناصر والملك السعودي الملك فيصل. ومن أجواء البيان الختامي نقرأ: «تدارس أصحاب الجلالة والفخامة الملوك والرؤساء وممثلوهم أبعاد العدوان الذي تعرضت له الدول العربية في الخامس من يونيو الماضي، وقرروا أن إزالة آثار العدوان من الأراضي العربية هي مسؤولية جميع الدول العربية وتحتم تعبئة الطاقات العربية، مع إيمانهم بأن هذه الطاقات كفيلة بإزالة آثار العدوان وبأن النكسة التي تعرضت لها الشعوب العربية يجب أن تكون حافزا قويا لوحدة الصف دعما للعمل العربي المشترك»!
-3-
وما دمنا بصدد المقارنات، لنتأمل سويا هذه المحطات الغريبة في حالة الأمة..
نشر ناشطون على الإنترنت، عددا من الصور التي تظهر ما تغير في حالنا، الصورة الأولى تظهر الزعيم اليمني ابراهيم الحمدي ومرفق تعليق يقول: أن اليمن الشمالي يدعم صندوق النقد الدولي بمبلغ ستة ملايين دولار، وكان الدولار بريال يمني ونصف الريال فقط!
الصورة الثانية تظهر الرئيس الأمريكي الأسبق هيربرت هوفير، في زيارة لمصر مع الملك فاروق في العام 1947 لطلب المعونة بسبب المجاعة التي اجتاحت أوروبا بعد الحرب!
الصورة الثالثة لافتتاح مطار القدس الدولي، العام 1920 في قلنديا، قبل أن نعرف معظم الشعوب في المنطقة والعالم السيارات! أما الصورة الرابعة فلمهاجرين أوروبيين قبض عليهم متسللين إلى الإسكندرية بحثا عن فرص عمل أفضل من أوروبا عام 1946، أما الصورة الأخيرة التي تجرح القلب، فهي لفوز القاهرة بجائزة أجمل مدن العالم عام 1925 حتى أن مسؤولي مدن مثل لندن وباريس وغيرهما، كانوا يفتخرون بأنها مثل القاهرة!
-4-
هي مقارنات سريعة، ربما تنبىء عما حل بالعرب خلال القرن الأخير، من مفارقات، هي أشد وطأة على النفس من أي مقارنات بين قمة وأخرى، مع أننا نأمل أن يخيب ظننا، وتخرج قمة البحر الميت بما يثلج الصدر، ويفتح باب الأمل!