انفصال كردستان حلم تتهدده صراعات الأحزاب على السلطة والمال
سامان نوح
أثار قرارا مجلس محافظة كركوك، برفع علم إقليم كردستان رسميا إلى جانب العلم العراقي في المؤسسات الحكومية، واجراء استفتاء لتقرير مصير المدينة المتنازع عليها بين أربيل وبغداد، خلافات كبيرة بين الكرد وباقي مكونات المدينة، وسط جدل سياسي وقانوني بشأن دستورية القرارين، وتحذيرات من تداعياتهما على السلم الأهلي الهش في المحافظة التي تطفو على بحر من النفط فيما يعاني سكانها من أزمات أمنية واقتصادية وإدارية مزمنة.
الاعتراضات على القرارين، اللذين صدرا بالأغلبية التي يتمتع بها الكرد داخل المجلس، لم تأت من تركمان وعرب كركوك ومن الأحزاب والقوى العراقية فقط، بل أيضا من دول إقليمية، ومن هيئات دولية، توافقت آراؤها على رفض الخطوات والقرارات المنفردة، كونها ستفضي إلى توتر العلاقات بين المكونات والتهديد باشعال صراعات جديدة.
تزامنت التطورات في كركوك مع إعلان الحزبين الحاكمين في إقليم كردستان عن تشكيل لجنة مشتركة لبحث استفتاء تقرير المصير والذي ستتضمن آلياته، حسب تسريبات، سؤالا واحدا هو «هل أنت مع كردستان مستقلة؟ نعم أو لا».
رئيس الوزراء العراقي علق على رفع العلم قائلا «كركوك لكل مواطني المدينة بمختلف انتماءاتهم ويجب أن يتعايشوا معاً، القضية لا تؤخذ بالأغلبية. رفع العلم قد يفسره البعض كاستفزاز ووضع كركوك الآن لا يتحمل الاستفزاز».
وبشأن الاستفتاء، دعا العبادي القادة الكرد إلى عدم احراج أنفسهم وبغداد: نتيجة الاستفتاء واضحة، فهل ستطبق؟ من الواضح الآن ان الانفصال ليس في مصلحة الكرد. إذا ما جاء الاستفتاء بنعم للانفصال هل ستنفصل كردستان؟ هذا يحتاج إلى نقاش طويل مع الشريك الذي يجب ان تتفاهم معه، فانت في بلد موحد.
وقال رئيس وزراء إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، ان الموضوع تم تهويله، مبينا ان علم كردستان كان متواجداً منذ 2003 في كركوك. وأضاف ان الكرد لم يقولوا ان كركوك هي مدينة للكرد فقط «بل هي مدينة جميع المكونات المتعايشة هناك، وتلك المكونات هي من ستقرر مستقبل ومصير المحافظة».
التصريحات السياسية الهادئة لم تخف الانقسام والتشنج الذي أحدثته خطوات الإقليم في الأوساط السياسية والشعبية العراقية.
فمقرر مجلس النواب نيازي معمار اوغلو، حذر من ان الاصرار الكردي بضم مناطق وفي مقدمتها كركوك إلى إقليم كردستان، سيقود المنطقة إلى مشاكل وأزمات سياسية كبيرة بعد «داعش».
وفي بغداد أجمع قادة الأحزاب العربية الشيعية والسنية منها، على رفض الخطوات المنفردة في كركوك، وأعلنوا في سلسلة بيانات وتصريحات رفضهم لرفع علم الإقليم في كركوك بحكم الأمر الواقع، ووجه مسؤولون من عدة كتل برلمانية انتقادات لسياسات القادة الكرد: هم يفرضون في كركوك قراراتهم بشكل منفرد، لكنهم يطالبون في العراق بالتوافق على كل صغيرة وكبيرة.
ودعا قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي، حكومة بغداد إلى فرض عقوبات على إدارة كركوك تصل إلى حد قطع حصتها من الميزانية الاتحادية كخطوة أولى تتبعها خطوات أكبر، في حال لم تتراجع عن قرار رفع العلم.
وفي كردستان، أعلنت معظم القوى السياسية تأييدها لقرارات رفع العلم والاستفتاء على مصير المدينة ومصير الإقليم، ووصفت بعض القوى الخطوة بالمتأخرة، مطالبة بإعلان ضم المحافظة إلى إقليم كردستان بشكل رسمي إلى جانب ضم كافة المناطق المتنازع عليها، بعد ان فشلت الحكومة الاتحادية في تطبيق المادة 140 التي ترسم مصير تلك المناطق.
الجانب الآخر من المشهد
لكن كتابا وصحافيين من الكرد وصفوا تلك الخطوات بالدعائية، فالعلم الكردي كان مرفوعا في تقاطعات الطرق وعلى السيطرات الأمنية والعشرات من مباني المدينة وداخل غرف المسؤولين الحكوميين منذ 2003 وان لم يكن بشكل رسمي، وموقف الإقليم بالانفصال جاء في استفتاء 2005 لكن الأحزاب تجاهلته.
ووصف مراقبون ما يحدث بأنه هروب من المشاكل المعقدة في الإقليم ومن صراعات الأحزاب والأجنحة على النفط والمال ومفاصل السلطة التي أدت إلى تعطيل البرلمان منذ عام ونصف وشل الحكومة التي تعاني من فساد كبير وتعجز عن حل الأزمة الاقتصادية المتفاقمة.
ويشكك العديد من الكتاب الكرد بقرار الاستفتاء، معتبرين الحديث عن الانفصال قبل تمهيد الأرضية محليا وإقليميا ودوليا لذلك، مجرد لعبة لكسب الشارع الناقم على الأحزاب التي فضلت مصالحها على مصلحة الشعب الكردي. ويطرح العشرات من الكتاب والصحافيين والنشطاء وحتى السياسيين الكرد، تساؤلات عديدة حول جدية مشروع الاستفتاء والهدف منه، مؤكدين ان الحزبين الحاكمين إذا لم يكن هدفهما السلطة وضمان الاستمرار فيها عبر إثارة ورقة الانفصال، فعليهما ان يسبقا الاستفتاء باحياء البرلمان المعطل، وبناء مؤسسات الحكومة وحل مشكلة رئاسة الإقليم والاتفاق على هيكل متوازن لنظام الحكم، وضمان التبادل السلمي للسلطة، وانهاء الفساد وتغول الأحزاب في مفاصل الإدارة والاقتصاد.
ويقول عادل مراد، وهو قيادي بارز في الاتحاد الوطني، يتم «تحشيد الرأي العام واللعب على مشاعر المواطنين باتجاه مسألة الاستفتاء والاستقلال دون أي تهيئة واقعية».
ويضيف «إذا كانت السلطات جادة في الذهاب نحو الاستفتاء والاستقلال، فعليها أولا ان تبدأ ودون تأخير أو تبريرات واهية بتطبيع الأوضاع وإعادة تفعيل البرلمان المعطل وتحقيق الشفافية في ملف النفط المنهوب».
ذلك الموقف ينسجم مع رؤية حركة التغيير، التي ذكرت ان الاستفتاء «لا يتطلب أي اجتماع حزبي، فعلى البرلمان اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لذلك» كونه ممثل الشعب وليست الأحزاب.
ونبهت الحركة «لا يمكن استخدام هذه الخطوة للتهرب من حل المشاكل بغرض المزايدة السياسية، بل يجب مع ظهور نتائج الاستفتاء اتخاذ خطوات عملية لإعلان استقلال كردستان وتوفير أسس دولة المواطنة وسيادة القانون والمؤسسات الوطنية».
ويخشى مراقبون كرد من ان يكون مصير الاستفتاء المرتقب، يشبه مصير الاستفتاء غير الرسمي الذي جرى عام 2005 وصوت الكرد فيه بنسبة قاربت الـ100٪ على الاستقلال، حيث استخدم فقط كورقة للحصول على مكاسب سياسية وامتيازات من بغداد. فالاستفتاء المرتقب يتوقع ان يحقق النتيجة نفسها، فلا يوجد طرف كردي يعترض على الاستقلال.
وما يبرر تلك المخاوف هو التصريحات المتلاحقة للمسؤولين في الحزبين من ان اجراء الاستفتاء ونتيجته، لا تعني المباشرة بخطوات الانفصال والعمل بها فورا، بل لمعرفة رأي الشعب الكردي.
وهو ما أشار إليه القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني هوشيار زيباري، قائلا ان نتيجة الاستفتاء المتوقعة بالموافقة لا تعني تلقائيا إعلان الاستقلال.
سياسة الأمر الواقع
في وقت يبدو ان الحزبين الحاكمين في كردستان يسعيان إلى فرض سياسة الأمر الواقع في كركوك واجراء الاستفتاء قبل حل المشاكل الداخلية وتهيئة الأرضية الإقليمية، فان العديد من القوى السياسية تحذر من الحسابات الخاطئة والتداعيات المحتملة للقرار الكردي مع أي تغير في موازين القوى مستقبلا لصالح الأطراف الأخرى. ويقول السياسي العراقي عادل عبد المهدي، المقرب من القيادات الكردية: لا حل سوى التفاوض أو التحكيم والدستور. ولن يمثل أي حل بالعنف والقوة وفرض الأمر الواقع، سوى تفجير للأزمة الآن ومستقبلاً، إذا ما تغيرت موازين القوى مجدداً. ليخسر الجميع. فلابد من تنازلات متبادلة قد لا تُكسب كل طرف كل شيء، لكن الجميع سيخرج رابحاً.
وسط موجة التساؤلات والتحذيرات المحلية والإقليمية، يظل خيار الاستقلال الكردي بشكل تدريجي قائما في ظل ظروف موضوعية مواتية على وقع فشل دول المنطقة في بناء نموذج للحكم يلبي طموحات المكونات المختلفة ويضمن شراكتها الحقيقية في الحكم، وهو ما يجعل الحلم الكردي قابلا للتحقق، لكن بنموذج يكرر أخطاء نماذج الحكم الحالية المهددة بالزوال بسبب أمراضها المستفحلة.