الوعد الإلهي لـ «الشعب المختار»
ترفض إسرائيل الاتهامات الموجهة لها بأنها دولة احتلال، وان المستوطنين هم مجرمو حرب، هذه الاتهامات من العرب ومن غير العرب، تغضب حكومة الاحتلال، فتعريف «الاحتلال» حسب القانون الدولي هو «الاستيلاء على منطقة بقوة السلاح على أيدي الجيش، وخضوع هذه المنطقة للحكم العسكري».
في المقابل هناك أصوات تخرج من أفواه بعض قادة اليمين، بأن إسرائيل غير محتلة للأراضي الفلسطينية، وأن هذه الأراضي لها، وان إسرائيل تبني بأرضها، ويقولون: هل من الممكن احتلال أرضنا؟ حتى أن وزيرة العدل ايليت شكيد قالت في مقابلة تلفزيونية: إسرائيل لم تعترف أبداً أنها دولة محتلة، ولا يمكن لها احتلال اراض لها في «يهودا والسامرة»، اي الضفة الغربية.
حتى أن الكاتب «ميخائيل» هزأ من هذه الادعاءات، فكتب في جريدة «هآرتس 9-3-2017»، بأن المحاكم مملوءة بأشخاص لم يسبق لهم أن اعترفوا بأنهم مجرمون، والقضاء لم يبرئهم بل أدانهم، وأن إسرائيل رغم كل الادعاءات والمغالطات تبقى دولة محتلة للأراضي الفلسطينية.
وكتب ميخائيل في «هآرتس 10-3-2017»، أنه لا يؤمن بالكتاب المقدس- أي كتاب «التوراة»- غير أن الوزير «نفتالي بينت» رئيس حزب البيت اليهودي، والذي يقود التطرف ويزايد بالأصولية الدينية اليهودية، ادعى في مقابلة مع فضائية الجزيرة بالإنجليزية، أن المليارات من المسلمين والمسيحيين يؤمنون بـ «التوراة». لكن «التوراة» المحرفة هي التي كتبها عدد من الأشخاص، وليست التوراة ذاتها التي أُنزلت على النبي موسى، فقد استغرق كتابتها سنوات طويلة، اختلف كتابها على بعض نصوصها، ولذلك يطلق عليها بـ «التوراة» المحرفة، ما ينفي أقوال الوزير «بينت» كليا.
إنهم يزعمون أن الله قد وعد النبي «إبراهيم» وذريته في الأرض الموعودة، أي أرض فلسطين، لكن لهذه الرؤيا بقية إن صدقت، فقد جاء أن هناك قبائلا وشعوبا أخرى قبل بني إسرائيل، حكمت هذه البلاد المقدسة قبلهم وكما يعرف فان بني إسرائيل ليسوا هم يهود اليوم.
وعندما خرج «الشعب المختار» من مصر إلى بلاد كنعان «الموعودة»، طلب النبي «موسى» عدم إبادة المخالفين له، ومنعهم من أن يرثوا شعوب البلاد، الذين جاؤوا قبلهم حسب الرواية التوراتية.
الرئيس الفلسطيني «محمود عباس» قال في خطاب له أمام أكاديمية «كونراد أديناوَرْ» في برلين -: «إن الشعب الفلسطيني هو امتداد للشعب الكنعاني، وللحضارة الكنعانية قبل أربعة آلاف سنة، وأن الشعب الفلسطيني كان قائماً هناك قبل أن يقوم «يشوع بن نون» بدخول فلسطين، وكأن «أبو مازن» أراد الرد على المزاعم الإسرائيلية، بالقول أن الفلسطينيين كانوا في فلسطين قبل اليهود.
الوزير نفتالي بينت يبدو أنه غير واثق من مزاعمه، فهو يكرر مقولته بأن الشعب اليهودي لا يمكن أن يكون محتلاً في بلاده، ويتغنون بالوعد الإلهي لليهود، ويبدو بأن هذا الوزير لم يقرأ الرواية التوراتية بالكامل، بل اختار مقاطع منها تتناسب مع أهدافه وتوجهاته، فقد اكتشف أنه حسب الخطة الإلهية، كما وردت في الرواية التوراتية جاء أن أبناء إسرائيل، احتلوا البلاد «فلسطين» أي على عكس الادعاء أن البلاد غير محتلة.
قال لهم يسوع: لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم. ولكنكم الآن تطلبون أن تقتلوني وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعته من الله. هذا لم يعمله إبراهيم.. أنتم من أب هو إبليس»(5).
فقد قال تعالى في القران الكريم ردا على اليهود: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)(3).
واضح من هذا أن اليهود شر لكل الأرض وليسوا بركة. وفي سفر أرميا العبري يقول الرب: «لأن شعبي أحمق. إياي لم يعرفوا هم بنون جاهلون وهم غير فاهمين. هم حكماء في عمل الشر ولعمل الصالح ما يفهمون»(4).
لو أن الوزير «بينت»، قرأ الرواية التوراتية، ولا يقوم بالاقتباس منها فقط، لاكتشف أنه حسب الخطة الإلهية كما وردت في الرواية التوراتية، فإن الله يريد من شعبه المختار، أن يبقى محتلاً إلى الأبد.
وأن لا يختار «بينت» مقاطع معينة تتناسب مع ميوله, ولذلك فإن ما يقوم به المتطرفون في إسرائيل هو تخليد للاحتلال، وإبقاء الصراع مفتوحاً إلى ما لا نهاية.
وباختصار، يتبين من كتب «التوراة»، أن «يهوشع بن نون»، و»الملك داوود»، لم يجدوا صعوبة في التعاطي مع احتلال البلاد، فعلى الوزير «بينت» الاعتراف بأن الأراضي الفلسطينية محتلة، وليست كما يدعي بأنهم يبنون المستوطنات في أراضيهم.
وللدلالة على العنصرية اليهودية, فإن مروحية طارت وهي تحمل يافطة كبيرة كتب عليها: «إذا كان الصهيوني عنصري فنحن فخورون بأن نكون عنصريين», بمعنى آخر أن تكون صهيونياً عليك أن تكون عنصرياً.
وهؤلاء العنصريون الذين يفتخرون بصهيونيتهم يجسدون كراهيتهم للعرب، ولليساريين اليهود، باعتبار أن العرب أعداؤهم، وان اليساريين يتعاملون مع أعدائهم، «يديعوت احرونوت 8-3-2017»، الخلاصة أن ما اقتبسناه من التوراة، ومن مواقف المتطرفين اليهود، ومن الأجواء العامة وما يجري على أرض فلسطين، لا يقودنا إلى التشاؤم فحسب، بل أن التعايش والسلام والاستقرار بعيد المنال.