«العناية بالأبناء»..بين بساطة الأمس وتعقيدات اليوم!
غدير سالم
رفضت الأم قرار ابنتها بأن تأخذ طفلها حديث الولادة إلى الطبيب والسبب أن الأمر برأيها لا يستدعي!
ومع ذلك تصر الإبنة قائلة:» يا أمي جيلنا بختلف عن جيلكم والأمراض والفيروسات منتشرة كثير بدي أتطمن على إبني»!
تجيبها والدتها :» طول عمرنا بنعرف كيف نداويكم وما كنا نروح على الدكتور إلا للضرورة القصوى وهي كبرتوا وما شاء الله عنكم، كل هالخبرة اللي بنعطيكم اياها ما بدكم تقتنعوا منها»!
لاتكترث كثيراً الإبنة للكلام وتبقى مصرة على رأيها.
هذا الحوار يتكرر كثيراً ودائماً بين الأبناء وأبائهم وكل طرف منهم يصر على موقفه، ولا يقتنع أي منهم بكلام الآخر، فالأجيال تختلف وطرق التربية تختلف من جيل لآخر، وتبقى هذه الفجوة بين الجيلين ولا يعرف كيف ومتى ستسد.
أساليب التعامل مع الاطفال
ولمعرفة سبب الإختلاف في التربية بين الأجيال تحدثنا مع دكتور علم الإجتماع فيصل الغرايبة الذي أكد على إختلاف التربية بين الأجيال فقال :» نعم انه يلاحظ أن التربية والعناية بالطفل في المجتمع الحديث قد تغيرت عن تلك الأصول والأساليب التي كانت متبعة في الجيل السابق وهذا أمر طبيعي أن تتطور أساليب الحياة وتختلف مع مضي الزمن ومع تجدد الحياة في مختلف المجتمعات الإنسانية، ولكننا ندرك ونلاحظ أن أساليب التعامل مع الأطفال في المجتمع الحديث قد تعقدت تبعاً لتعقد الحياة العصرية نفسها فلم تعد الأسرة هي الراعي الوحيد للطفل حتى يشب ويكبر بل دخلت كثير من العناصر في المجتمع الحديث وكثير من البضاعات في توجيه هذا الطفل والعناية به خارج إطار الأسرة .
ولما كان رب الأسرة والأم أيضاً يخضعون لهذه التعقيدات في الحياة المعاصرة داخل البيت وخارجه فهم يضطرون دون أن يشعروا إلى تعقيد أساليب رعايتهم وتوجيههم لأطفالهم «!.
الخوف على مستقبل الأبناء
وتابع حديثه قائلاً :»وكما نلاحظ أن ظاهرة الخوف على مستقبل الأبناء وأمنهم وسير حياتهم سيراً صحيحاً ومستقيماً ونقياً بات يتهددها الخوف من كل جانب وتزداد التوقعات بأن يقع هذا الطفل أو ذاك تحت مؤثرات الإنحراف والخروج عن طاعة الأسرة وعلى إهمال نواميس الأخلاق والتصرفات الحميدة والسلوك السليم .
وتبعاً لمثل هذه الأجواء وتأثراً بالمحيط تنشأ لدى الأباء والأمهات تخوفات على حياة الأطفال وعلى تداعيات اختلاطهم بالآخرين وخاصة خارج المدرسة والبيت ، مثل تخوفهم من رفقاء السوء وما يتبعها من انحرافات كالتدخين والتعاطي والإنحرافات الجسدية والشذوذ الجنسي واخضاع هؤلاء الأطفال لابتزاز الكبار في هذه التصرفات غير الحميدة وغير الأخلاقية التي يعتمدها رفاق السوء من الكبار عادة تجاه الأطفال والأولاد في سن مبكرة من أعمارهم «.
الصرامة والجدية
وعن صرامة وجدية تعامل الاباء مع ابنائهم قال :» لقد كانت توجيهات الأسرة لأبنائها تقوم على الصرامة والجدية والخشونة على اعتبار ذلك بقناعة الأبوين بأن هذا ما يجب أن يسير عليه الطفل منذ نعومة أظفاره حتى يستطيع أن يواجه الناس وأن يتعامل معهم عند شبابه وبلوغه ، ولكن هذا الأمر اختلف في المجتمع الحديث وأصبحت الأسرة أقل إكتراثاً بمثل هذا الموضوع وأصبحت لا تجد الوقت الكافي ولا الإهتمام الكافي للإهتمام بالأبناء وتوجيههم على هذا النحو الذي كان متبعاً سابقاً وتركت الأبناء في كثير من مفاصل تربيتهم وتوجيههم إلى المجتمع الخارجي (خارج البيت) وهذا أكسب هؤلاء الأبناء صفات واتجاهات جديدة وغريبة وحتى مستهجنة لأنها تسير مع نمط الحياة الجديد الذي تتزاحم فيه الأقدام وتتضارب فيه المصالح وتتشعب فيه سبل التسلية والترفيه والمتعة وبدون الإلتفات إلى الشروط الصحية والنفسية والأخلاقية الواجب أن تراعى في مثل هذه الحالات «.
وفي نهاية حديثه أوضح الغرايبة قائلاً :» في الختام لا بد من أن تتظافر جهود وسائل التربية والتعليم والتوجيه والتثقيف والإعلام والوعظ والإرشاد الديني مع الأسرة لإعادة صياغة أساليب التربية الحديثة على نحو أكثر صرامة وجدية وأكثر مراعاة للأخلاق الحميدة والسلوك الديني» .
آراء الامهات
ثم تحدثنا مع مجموعة من الأمهات ليعطوننا رأيهم في موضوع إختلاف طرق العناية بين الأجيال وهذا ما رصدناه .
«أم فارس» ربة منزل بينت اختلاف طرق رعاية الأبناء حيث أعطت مثالاً بسيطاً قائلة :» يختلف الوقت الحالي عن الوقت الماضي كثيراً فمثلاً كانوا أمهاتنا يطعمون أبناءهم اللبن حيث كان يدخل في غذاء الطفل من عمر 4 شهور، ولكن في هذه الأيام وحسب الدراسات الحديثة تبين أن لبن البقر لا تستطيع معدة الطفل ان تهضمه لأنه فيها دهون ، فلا يدخل اللبن في طعامهم قبل السنة «.
وتابعت قائلة :»أود أن أقول بأنهم في القدم كانوا يعتمدون على كل شيء طبيعي أما الآن فكل غذائنا يحتوي على الهرمونات والمواد الحافظة حتى الفواكة والخضراوات ايضاً التي نستخدمها في غذاء اطفالنا، عدا انهم قديماً كانوا يستفيدون من خبرات بعضهم ، أما الآن فكل ام تعتمد على الإنترنت ليعطيها الخبرة وترفض خبرات من سبقوها «.
رأي «أم راشد» «معلمة لغة عربية «يختلف حيث ما يهمها في الأمر أولادها فقط فقالت :» صراحة لا تفرق معي طرق زمان وطرق الوقت الحاضر ما يهمني حقيقة هو ما يناسب ابنائي فقط ، فأبني الأول اعطيته أعشاباً وبدات بإطعامه على الاربعة شهور لأنه كان يشرب الحليب الصناعي ، اما إبنتي فهي تتناول الحليب الطبيعي فلا أعطيها أي شيء آخر ، فكل شيء يناسب ابنائي أقوم به فقط «.
عنوان «أم زيد» موظفة في القطاع الخاص هو البساطة في تربية ابنائها فقالت :» أعتقد أن البساطة هي الأفضل في كل شيء فلماذا تعقيد الأمور ، فها نحن قد كبرنا بتربية امهاتنا ولم يكونوا يعتمدون على البحوث والدراسات الحديثة إنما كانت غريزة الأم هي التي تدلهم وهذا حالهم من الأزل ،لذلك أنا مع أن الأم تلحق غريزتها عند تربية ابنائها وتطبق ما يناسبهم «.
وتابعت سبب الإختلاف بين الاجيال قائلة :» أعتقد أن السبب في هذا التعقيد هو إختلاف حياتنا والتسارع الذي نشهده ووسائل التواصل التي تدلنا على ابحاث ودراسات حديثة».
أما ربة المنزل «ام صبري « فقالت :» لقد أنجبت 7 أطفال وقمت بتربيتهم حسب غريزة الأمومة لدي عدا انه حسب حاجة الطفل، وكنت اخذ بخبرة أمي وحماتي ، وبفضل الله ربيتهم أفضل تربية وهم بصحة جيدة ، وإذا اردنا دائماً ان نعتمد على البحوث سوف نتعب لانه دائماً هذه الدراسات تجعل كل ما نقوم به خاطئاً».
ولـ»ام يامن» ربة منزل رأي مختلف فقالت :»من وجهة نظري أن الدنيا لم تتغير و لكن الانسان تغير مئة وثمانين درجه فى كل شيء حتى في الثقافة فقد اصبحت الثقافة غربية ، وأصبحت القلوب متبلدة الاحساس واختفت البركه واختفت كل المعاني الجميلة».
وتحدثت ربة المنزل «ام رامي» عن ثقة امهات اليوم بالاطباء فقالت :» أمهات اليوم ثقتها الكبرى بالطبيب اكثر من أي شخص آخر ، فعندما يتنفس الطفل بشكل زائد تقوم بسرعة بحمله إلى الطبيب سواء إحتاج أم لا «.
وما زالت الأجيال تختلف ولكن يبقى كل منا لا يستغني عن الجيل الذي قبله أبداً .