شهداء السادس من أيار 1916م :
إياكم والحزن، لأني أكره الحزن والحزانى، وثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم فأرى كل حركة من حركاتكم، فأراكم ولا ترونني، فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عادة من عاداتكم .."
كانت هذه جملة مقتبسة من وصية الشهيد رفيق رزق سلوم ، كتبها قبيل اعدامه في 6 ايار من العام 1916.
وهو واحد من 7 شهداء اعدموا في دمشق و 14 اعدموا في بيروت في ذات اليوم وكان جمال باشا السفاح قد اعدم قبلا في 21 أب ايضا في بيروت 11 شهيد ، ليبلغ عدد الشهداء الذين اعدموا ضمن قوافل الشهداء 32 شهيد.
وبالطبع لم يكن هذا هو العدد الاجمالي ، فقد شهد العامان 1915 و 1916 سلسلة من عمليات الاغتيال والاعدام مثلما كان في مصير الخوري يوسف الحايك الذي اعدم في 22 آذار عام 1912 ، ونخلة مطران الذي اغتيل في نيسان من العام ذاته ، والشهيدان الشقيقان فيليب وفريد الخازن اللذان اعدما بعد ان اعلن السفاح انتهاء اعمال الاعدام في 6 ايار ، فتم اعدامهما في حزيران 1916.
وهكذا نحتفل في كل عام في مثل هذا اليوم بعيد الشهداء وربما معظمنا لا يعلم لماذا تم اختيار هذا اليوم ومن هم هؤلاء الشهداء الذين استشهدوا فيه وكيف .. ولماذا؟
الدول العربية جميعها لم تكن موجودة بحدودها الحالية في بداية القرن العشرين ، وكانت عبارة عن ولايات تابعة للدولة العثمانية المنهاردة والمسيطر عليها حزب الاتحاد والترقي .
كما نعلم بان الدولة العثمانية حكمت في المنطقة العربية 402 عام ، الا ان سلطتها وقوتها تراجعت تدريجيا في القرن الاخير ، وشارفت في بداية القرن العشرين على النهاية وبدأت بالتقهقر.
وكانت الدول الغربية ، فرنسا ، بريطانيا ، المانيا ،ايطاليا، بشكل اساسي ،لهم مطامع كبيرة في منطقتنا وبالتالي بدأت بتنفيذ سياسات وخطط تضمن لها التواجد والنفوذ بعد انهيار الدولة العثمانية.
وبدأت في تلك الحقبة بعض الشخصيات العربية تؤدي دوراً في تشكيل الوعي لما بعد انهيار الدولة باتجاه اعلان استقلال الدولة العربية.
وساهمت هذه الشخصيات بطريقة او باخرى من خلال العمل السياسي و المجتمعي و الفكري ، في تشكيل الرؤية لما بعد الدولة العثمانية باتجاه الاستقلال وتشكيل دولة عربية مستقلة.
اعمال هؤلاء والجهود التي بذلوها جاءت فيظرف تاريخي صعب للغاية وحالك وربما لم تشهد المنطقة عبر تاريخها اسوأ من تلك الفترة التي انتهى فيها حكم الدولة العثمانية لبلادنا.
الحرب العالمية الاولى ، المجاعة ، والوباء ، اسباب قضت مجتمعة على حياة مئات الالاف من سكان المنطقة ، زاد عليها حكم طاغية مستبد هو جمال باشا الشهير بالسفاح قائد الجيش العثماني الرابع ، وواحد من الشخصيات الثلاث التي حكمت فعليا في عهد حزب الاتحاد والترقي الى جانب ( أنور طلعت).
السفاح كان وراء اعدام العشرات من خيرة شباب العرب ، الذين يمكن اعتبارهم بحق البذرة التي انبتت ونمت وشكلت واقعنا الحالي ، و كانوا حقيقة رمزا لآلام المخاض لولادتنا ، ورغم اهمية كل ما تبع تلك الولادة من احداث هامة في النصف الاول من القرن العشرين فان الحكاية ، في رأيي الخاص ، قد بدأت من هنا من لحظة اعدام هؤلاء الرجال.
هذا في الاطار العام ، اما اذا دخلنا في التفاصيل فاننا سنجدها تراجيديا حقيقية مؤثرة ، مازال صداها مسموعاً الى يومنا هذا.
غادر قطار خاص "عاليه" في ولاية "بيروت" المنطقة التي اقيمت فيها المحاكم الميدانية الصورية للشهداء ، في الخامس من شهر أيار سنة 1916 وكان يقل كل من شفيق المؤيد العظم ، عبد الحميد الزهراوي،الأمير عمر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الانكليزي، رفيق رزق سلوم ورشدي الشمعة.
حيث حمل القطار أولئك الشهداء الأبطال تحت حراسة شديدة من الجند ولما وصلوا إلى منطقة رياق التقوا بالقطار الذي ينقل عائلاتهم إلى المنافي في الأناضول وكما جاء في كثير من كتب التاريخ والسير الذاتية والمذكرات وصف لهذا المشهد المؤثر عندما خاطبت عائلات الشهداء ذويهم و"الدموع تنهمر من العيون وحسرات القلب تتأجج وتختلج في الصدور وكان مشهد اللقاء و الوداع مؤلما مريرا يفتت الأكباد.." ، افترق القطاران ، بحسب الرواية ، من "رياق" إلى حلب و دمشق.
ولما وصل دمشق إلى محطة البرامكة منع الجند الناس من الوقوف هناك ثم نقلوا المحكوم عليهم إلى دائرة الشرطة في الليل واحضروا احد الشيوخ يؤهلهم للموت ويعزيهم .
وفي الساعة الثالثة من صباح يوم السبت الواقع في 4رجب سنة 1334 الموافق لليوم السادس من شهر أيار سنة 1916 أنيرت ساحة الإعدام بالأنوار الكهربائية وأمرت السلطة السيد الشماس صاحب مقهى زهرة دمشق إنارة مصابيح المقهى لتسطع بأنوارها على الساحة .
جيء بالمحكوم عليهم في ثياب الإعدام البيضاء وعلى صدورهم خلاصة الحكم وبدئ بالتنفيذ أولا بشفيق المؤيد العظم ثم بعبد الحميد الزهراوي وقد انقطع الحبل به فرفعوه وعلقوه مرة ثانية بعد أن شدوا رجليه شدا قويا وجيء بعده بالأمير عمر الجزائري ثم شكري العسلي ولما جاء دور التنفيذ بعبد الوهاب الانكليزي امسك به الجند لشدة بأسه ومراسه وقد أمعن هو في اللعن والشتم، حيال مظالمهم وفظائعهم ، ثم جيء بالسيد رفيق سلوم وانتهوا برشدي الشمعة.
وبحسب كتاب " شهداء الحرب العالمية الكبرى " لأدهم الجندي فقد كان جمال باشا يشاهد في شرفة بناية احمد عزة العابد التي صادرتها السلطات العسكرية التركية تنفيذ أحكام الإعدام و"حشرجة أرواح فريق من رجالات العرب الذين قضوا مضاجع الاتحاديين في البرلمان التركي بمواقفهم المشهورة" .
وفي الوقت الذي لبست به دمشق و البلاد العربية أثواب الحداد أسى ولوعة على أبنائها انطلق "السفاح جمال في ذلك اليوم المشؤوم الى قرية ( الخيارة ) في غوطة دمشق فنقلت ثلاث عربات بعض النساء إلى هذه القرية حيث قضين النهار في نشوة خمر وغناء ورقص .. ثم عاد الجميع في المساء يجولون في الأسواق حاملين باقات من الزهر رمزا لذلك الانتصار المشين بإعدام أحرار العرب ".
ولم يكتف السفاح بأعمال الاغتيال والاعدام التي بدأها منذ العام 1915 وانما تم ايضا تنفيذ أحكام النفي بزهاء ثلاثمائة أسرة من خير الأسر العربية في سورية ولبنان وقد بدأ ترحيل المنفيين في شهر نيسان سنة 1916 إلى الأناضول حيث وزعوا في مدنه وقراه بين قونيه وانقره وديار بكر وبروسه واضنه وسيواس.
كما ذكرنا بان هذه الاعدامات لم تكن سوى جزء من السوء الذي عاشه اهلنا في تلك الحقبة السوداء من الزمن ، وان القارئ لكتب التاريخ التي تتضمن وصفا للحياة العامة للبلاد العربية في هذه الحقبة سيقف مذهولا لهول الاحداث وبشاعة المشهد.
مجاعة تقضي على مئات الآلاف ، وقصص مروعة تم تناقلها عن مشاهدات لأطفال ماتت في الشوارع ونهشتها الكلاب ، عن رجال اكلت نسائها ، نتيجة الحصار ومصادرات جمال باشا لكل المواد الغذائية وسحب الرجال الى الخدمة العسكرية.
وشاءت الاقدار بان تجتاح البلاد الامراض وتذهب الكوليرا بحياة الآلاف ، بطش ، جوع وحرب ووباء ، اكثر من ثلاث سنوات مرت وحفرت عميقا في ذاكرة السوريين انها ايام "سفر برلك".
لم تقتصر الاعدامات التي نفذت في 6 آيار على دمشق فقد علق على اعواد المشانق في نفس التوقيت في ساحة البرج في بيروت فجر يوم السبت السادس من شهر أيار سنة 1916 م وعددهم لربعة عشر شهيدا وهذه أسماءهم حسب تسلسل إعدامهم :
1. باترو باولي
2. جرجي الحداد
3. سعيد عقل
4. عمر حمد
5. عبد الغني العريسي
6. الأمير عارف الشهابي
7. الشيخ احمد طبارة
8. محمد الشنطي اليافي
9. توفيق البساط
10. سيف الدين الخطيب
11. علي محمد حاج عمر النشاشيبي
12. محمود جلال البخاري
13. سليم الجزائري
14. أمين لطفي الحافظ
+4
4