الصيرفة الإسلامية والاستقـرار المالـي
عدنان يوسف احمد
رئيس جمعية المصارف في البحرين
ورئيس اتحاد المصارف العربية سابقاً
شهادة دولية أخرى تحظى بها الصيرفة الإسلامية على تعاظم أهميتها ودورها في التنمية المستدامة، ونعني بها قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي الذي أعلنه الأسبوع الماضي بشمول الصيرفة الإسلامية ضمن إطاره الرقابي لما بات لها من أهمية في الاستقرار المالي في الدول التي تعتمدها. كما إننا نعتبر هذا القرار امتداداً لاعتماد قمة مجموعة العشرين التمويل الإسلامي، في تحقيق التنمية المستدامة على مستوى العالم.
لا شك في أن الصيرفة الإسلامية لا تزال تمثل نسبة ضئيلة من الأصول المالية العالمية، إلا أنها موجودة في أكثر من 60 بلداً بأصول ناهزت 1.5 تريليون دولار، وأصبحت ذات أهمية نظامية في 14 منها (15 في المئة وأكثر من الأصول المصرفية). لذلك، ونظراً للتنامي السريع للصيرفة الإسلامية من حيث الحجم والطابع المعقد، فإنها باتت تساهم مساهمة رئيسية في الشمول المالي والتنمية المستدامة، ومن ثم بات لزاماً على السلطات الرقابية والبنوك المركزية أن تهتم أكثر بدرس دور الصيرفة الإسلامية وتصميمها في الاستقرار المالي.
قد تكون التفاتة صندوق النقد الدولي إلى الصيرفة الإسلامية ودورها في الاستقرار المالي جاءت متأخرة نوعاً ما. فمنذ انطلاق الأزمة المالية العالمية عام 2008، كتبنا مقالات أشرنا فيها إلى ظاهرة صمود الصيرفة الإسلامية بوجه الأزمة في مقابل انهيار العشرات من البنوك التقليدية، وذلك نظراً إلى الاختلاف الكبير في منهجية عملهما وأساسياته، كذلك طبيعة الأنشطة والممارسات التي يزاولانها. وهذه الظاهرة تقود مباشرة لاستنتاج هو أن الصيرفة الإسلامية قادرة على حماية الاستقرار المالي في العالم في شكل يفوق قدرة البنوك التقليدية، التي على العكس، زاولت أنشطة وتاجرت في منتجات أثبتت أنها تمثل أكبر خطر على الاستقرار المالي.
هذا من جهة. ومن جهة أخرى، جاءت التفاتة الصندوق متأخرة لأن المؤسسات المالية المعنية بالصيرفة الإسلامية مثل مجلس الخدمات المالية الإسلامية و المجلس العام للبنوك الإسلامية و البنك الإسلامي للتنمية وغيرها، بالتعاون مع البنوك المركزية العربية والإسلامية، عملت منذ سنوات طويلة على ترشيد دور الصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي وتعزيزه في الدول التي تمارس فيها، وشهدنا تطوير الكثير من الأدوات المالية الإسلامية التي باتت جزءاً من أدوات الاستقرار المالي التي تمارسها البنوك المركزية من خلال نوافذ السيولة الإسلامية مع البنوك المحلية في هذه الدول. كما التزمت البنوك المركزية بتطبيق كل الأدوات الاحترازية التي أوصت بها لجنة بازل في ما يخص الاستقرار المالي، على البنوك الإسلامية مثل نسبة كفاية رأس المال، ومخصصات القروض، ونسبة الديون إلى رأس المال، ومتطلبات الاحتياط، والحد الأقصى للتمويل، ونسبة الدَين إلى الدخل، ونسبة القروض إلى الودائع، ومتطلبات السيولة، إضافة إلى حجم الانكشاف على الزبون الواحد وغيرها من الأدوات. وتوضح البيانات إن البنوك الإسلامية متفوقة في الالتزام بهذه الأدوات مقارنة بنظيراتها التقليدية.
إن الاستقرار المالي بمفهومه العام يشمل كل مكونات النظام المالي من مؤسسات مالية (مصارف وشركات تأمين وصناديق استثمار ...) وأسواق مالية، إضافة الى البنية التحتية والسياسات والتشريعات وغيرها. وبمقدار تعلق الأمر بعلاقة البنوك الإسلامية بهذه المكونات، يمكننا أن نلاحظ أولاً إن الصيرفة الإسلامية أكثر استقراراً لأنها تستند إلى مجموعة من الضوابط مثل مشاركة المدخرين (المستثمرين) والمساهمين (المالكين) في المخاطرة لتجنب الأزمات ومنع المتاجرة في المشتقات المالية وارتباط التدفقات النقدية بالتدفقات السلعية والخدمية الناتجة عن اقتصاد حقيقي، بما يحقق زيادات متوازنة للعرض والطلب، كذلك منع بيع ما لا يملك وتحريم أية عقود تقوم على الربا والغرر، ما يحقق خفض تجنب الأسواق للمجازفات والمضاربات العبثية.
وثانياً، تجمع المنتجات المالية الإسلامية بين الصدقية الشرعية والكفاءة الاقتصادية بحيث تكون قادرة على تلبية حاجات اقتصادية حقيقية لأفراد المجتمع ومؤسساته، وليس المضاربات الوهمية التي تخلق عدم استقرار. وتشمل المنتجات المصرفية الإسلامية التمويل التشاركي ويضم صيغاً منها المشاركة والمضاربة، والتمويل التجاري ويشمل صيغاً منها المرابحة والسلم، والتمويل التأجيري ويشمل صيغاً منها الاستصناع والإجارة وغيرها من الصيغ.
ثالثاً، تخضع عمليات التمويل والاستثمار في المؤسسات المالية الإسلامية لمجموعة من الضوابط التي من شأنها أن تجعلها أكثر كفاءة وفاعلية من حيث صلتها بالاستقرار المالي، مثل إطار السلامة الشرعية وأن تكون مسؤولة اجتماعياً، إلى جانب سلامتها من الناحية المالية والاقتصادية.
على أية حال نحن نعلم أن البحث في طبيعة المنتجات التمويلية والاستثمارية الإسلامية وهياكلها، وعلاقة هذه الطبيعة والهياكل بالتأثير سلباً أو إيجاباً في الاستقرار المالي، هو موضوع شائك وليس مكانه هنا، وهو بالفعل بحاجة لمزيد من البحث والتحليل والتأطير للوصول إلى تصميم سياسات وأطر تنظيمية ومنتجات تحقق دوراً أكبر للصيرفة الإسلامية في الاستقرار المالي. ولا شك في أن دور صندوق النقد الدولي سيكون فاعلاً ومكملاً للأدوار التي تقوم بها المؤسسات المالية الإسلامية المختصة والبنوك المركزية.