أي سلام؟
افتتاحية الخليج الاماراتية
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يريد أن يرى السلام بين الفلسطينيين و«إسرائيل».. حسناً، هذا ما ردده أيضاً رؤساء أمريكيون من قبل، كانوا قد تعهدوا بتحقيق التسوية، وقدموا تصوراً للحل يقوم على قيام «دولتين»، وبذلوا جهوداً، وقادوا مفاوضات انتهت كلها إلى الفشل لأنهم اصطدموا برفض «إسرائيلي» مطلق، ولم يبذلوا جهداً لحملها على الرضوخ لشروط التسوية وتحقيق رؤيتهم للحل، إما لأنهم لا يستطيعون ممارسة ضغوط عليها وإما لأنهم لا يريدون، وتركوا الحل معلقاً يتوارثه رئيس بعد آخر.
ترامب يرى أنه «لا يوجد أي سبب لأن لا يكون هناك سلام بين «الإسرائيليين» والفلسطينيين».. هكذا ببساطة يستسهل الحل، من دون أن يقدم رؤيته للسلام الذي يعتقد أنه بمتناول يده.
الرئيس الأمريكي سوف يستقبل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يوم الأربعاء للبحث في آفاق التسوية بعد أن كان استقبل مؤخراً عدداً من القادة العرب، كما أنه يستعد لزيارة المنطقة قريباً للغاية نفسها وستكون «إسرائيل» محطته الأولى.
ماذا سيطرح ترامب على عباس، بل ماذا سيطلب منه ؟ الرئيس الأمريكي لا يرى سبباً يعيق السلام بين الجانبين(!!) لكن يغيب عنه أن هناك شروطاً للحل تشكل الحد الأقصى الذي يمكن أن يقبل به الفلسطينيون، ولا يستطيع عباس أو غيره تجاوزها، وعمادها الدولة الفلسطينية المستقلة بكل ما تقترضه من سيطرة على الأرض والحدود والأجواء وعاصمتها القدس، وإزالة المستوطنات التي تلتهم الأرض الفلسطينية التي يفترض أن تقوم عليها «الدولة»، إضافة إلى حل مسألة حق العودة.
هذه الشروط مرفوضة «إسرائيلياً»، وظلت عقدة كل المفاوضات العبثية التي استمرت لأكثر من عشرين عاماً. كما أنها لم تجد دعماً أمريكياً خلال رعاية هذه المفاوضات التي استغلتها «إسرائيل» لتثبيت احتلالها وفرض الأمر الواقع الذي ينسف أي احتمال بقيام الدولة الفلسطينية.
كما أن ترامب المعروف بدعمه اللامحدود للكيان كان يتجنب منذ انتخابه تأييد قيام الدولتين، بل أطلق مواقف ضبابية تجاه هذا الأمر، ولم يعترض على توسيع الاستيطان. وصادف أن أعلنت «إسرائيل» عزمها إقامة 15 ألف وحدة استيطانية في مدينة القدس عشية إعلانه أن «لا سبب يحول دون السلام» بين «إسرائيل» والفلسطينيين، وعشية استقباله عباس. وكأن «إسرائيل» أرادت أن تقول مسبقاً إن الاستيطان لن يتوقف، وعلى الفلسطينيين أن يأخذوا ذلك في الاعتبار، وعلى الرئيس ترامب أن لا يتفاءل كثيراً بالحل إذا لم يأخذ في الحسبان قدرته على حمل الجانب الفلسطيني تقديم المزيد من التنازلات بخصوص الاستيطان في القدس والضفة الغربية، وهي تعرف أن الرئيس الأمريكي لن يفرض عليها ما ترفضه، ولن يملي عليها أية شروط لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى اتفاق، وقد سبق لمسؤول كبير في البيت الأبيض أن أعلن «أن حلاً على أساس دولتين لا يجلب السلام».
وبعد.. أي سلام يريده ترامب، وكيف؟ إذا لم يستند إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؟