تل أبيب تتحدى موسكو... وأنقرة تقصف حلفاء «الدول العظمى»
تقارير خاصة - الجمعة، 28 أبريل 2017
كتب - إيليا ج. مغناير |ضربتْ اسرائيل دمشق موقِعةً خسائر مادية في مطار العاصمة السورية بعدما أصابت طائراتها مستودعاً للفيول وآخر للأسلحة والذخيرة التي تأتي بها طهران على متن طائراتها الى سورية ضمن برنامجها «محاربة الارهاب» ولكن أيضاً لتسليح وتدريب ألوية سورية تحت قيادتها. وتخوض هذه الألوية معارك على الجغرافيا السورية من الشمال الى الجنوب.
إلا ان إيران معنية ايضاً بتدريب مجموعاتٍ منخرطة في الصراع مع اسرائيل على غرار «حزب الله» اللبناني. وقد شكّلت الحرب السورية أرضاً خصبة لوجود مجموعاتٍ معادية لاسرائيل، ما خدَم إيران و«حزب الله» وسمح لهما باستقطاب عدد كبير من هؤلاء. وما زاد الطين بلّة وجود «الدولة الاسلامية» (داعش) وتنظيم «القاعدة» (جبهة فتح الشام)، الأمر الذي جعل عدداً كبيراً من السوريين ينضوي تحت لواء إيران.
غير ان النقطة الأهمّ هي توقيت الضربة من قبل سلاح الطيران الاسرائيلي بعد ساعات من إعلان موسكو أنها أصبحتْ معنيةً بكامل الأجواء السورية وهي - اي روسيا - تسيطر على كل الأجواء في بلاد الشام، لتعطي انطباعاً ان الكرملين أصبح هو الذي يتحكّم بالطقس وبمَن يستطيع أو لا يستطيع الطيران وإرسال مقاتلاته فوق بلاد الشام.
وهذا التحدي الواضح يضرب هيبة روسيا في الشرق الأوسط ليُظْهِرها «كدولة عظمى» إما ضعيفة او متناغمة مع اسرائيل، ما يجعلها في كلتا الحالتين شريكاً ضعيفاً لا يرقى الى منزلة الدولة العظمى. فإذا لم تحرّك روسيا ساكناً تجاه تل أبيب فستسود نظرية المؤامرة المسيطِرة على عقول الشرق أوسطيين، إلا اذا كانت هناك ردة فعل روسية غير مباشرة ستَظهر في الأيام المقبلة او حتى بإزاء الهجوم الاسرائيلي المقبل على سورية.
والأهمّ من ذلك كله ان تل أبيب استطاعت بحساباتها المتعددة الأذرع ان تضرب ضربتها أثناء زيارة وزير الدفاع الاسرائيلي المولود في مولدوفا افيغدور ليبرمان لموسكو لحضور مؤتمر الأمن الدولي حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
وارتكزتْ اسرائيل على موقف روسيا الواضح من الصراع الايراني - الاسرائيلي - حزب الله اللبناني في الشرق الأوسط ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع، ما أعطى (او يعطي) تل أبيب «الشرعية الروسية» لضرب أهداف داخل سورية تعتبرها اسرائيل خطراً على أمنها القومي. الا ان توقيت ضربة دمشق من سلاح الطيران الاسرائيلي يحمل رسائل عدة وأوجهاً متنوعة أراد من خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جس النبض ليُظهِر اسرائيل بموقف قوي يتحدى - بطريقة توحي بالبراءة - لاعب الجودو والشطرنج فلاديمير بوتين، مسجّلاً نقطة أصاب فيها الكرملين.
وانتقمتْ تل أبيب أيضاً من الموقف الروسي الذي أتى على لسان وزير الخارجية لافروف الذي قال ان «حزب الله تنظيم غير إرهابي» وساوى هذا الحزب بنفس مكانة الجيش الروسي والقوات الايرانية حين قال ان الجميع «أتوا بطلب من دمشق» أثناء لقائه وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.
الا أن روسيا ليست الوحيدة التي أصيبت في هيبتها (دون تجاهل الدور العسكري الروسي ومواقفه في الأمم المتحدة التي دعمت دمشق بلا حدود)، فها هي الولايات المتحدة «تراقب بقلق» ضربات تركيا (عضو في حلف شمال الاطلسي وحليف اميركا) ضد «وحدات حماية الشعب الكردية» التي يقاتل داخل صفوفها خبراء عسكريون اميركيون ما زاد الوضع السوري إرباكاً وفوضى. وبدت أميركا ضعيفة لا تستطيع درء الخطر ولا حماية حليف اساسي لها ضدّ «داعش»، وخصوصاً ان الأكراد في سورية يقدّمون التضحيات الجمة لهزيمة «داعش» في محيطٍ عدائي غير متجانس (بين العرب والكرد في منطقة الرقة وبين عشائرها).
وأرادتْ تركيا بهذه الضربة ان تقول للدول العظمى الموجودة في بلاد الشام (أميركا وروسيا) أنها تريد دوراً لن يستطيع أحد نكرانه او تجاهله ولا سيما بعد محاصرة الجيش التركي وحلفائه السوريين من التنظيمات المختلفة على حدود مدينة تل ابيض من قبل روسيا وإغلاق حدود منبج الشمالية من قبل جنود أميركا، ما دفع «سلطان أنقرة» الواسع الصلاحية لتوجيه 3 ضربات بضربة واحدة (ضد الأكراد وأميركا وروسيا) فيما الجميع يقف متفرجاً، يحسب ألف حساب لخطواته المستقبلية وهو خائفٌ (اي اميركا وروسيا) من الانجرار الى المستنقع السوري والغرق بداخله.
أصبحت سورية ساحةً لاستعراض المواقف المتناقضة وملعباً كثُر فيه اللاعبون الذين رغبوا جميعاً بالتواجد على بقعة صغيرة بداخله ولم يُرِد احد منهم ان يجلس في مقاعد المتفرجين، والذين أغلقوا على أنفسهم المخارج، فتنازع الجميع وذهبتْ هيبتهم ما سيدفع أطرافاً - مثل الأكراد - الى التفكير ملياً قبل ان يضعوا كل آمالهم بيد واشنطن التي لا تريد أصدقاء بل حلفاء يخدمون مصالحها. بينما موسكو تريد الحفاظ على مصالحها وتريد الأصدقاء وتستطيع الحفاظ عليهم، إلا أنها تتمرّس اليوم على ملعب الشرق الأوسط المعقّد لتَفهم أكثر الضربات الموجّهة «تحت الحزام» حيث لا قواعد للعبة في تلك البقعة من العالم.