أميركا تحاول قطْع الطريق على «الهلال الشيعي» من سورية
وتحضّر لقيام «شرق أوسط جديد»
اتفاق «البلدات الأربع» إلى مصير مجهول مجدداً
اندفعتْ قوات المعارضة السورية الجنوبية من الحدود السورية - الأردنية من محاذاة السويداء باتجاه مدينة تدمر الأثرية لتسيطر على معبر التنف الحدودي بين سورية والعراق وتتقدّم في البادية السورية نحو البوكمال.
وقدّمت الولايات المتحدة السلاح والعتاد اللازم لهذه القوات (غزارة سلاح التاو والمضاد للدبابات والأفراد اعتمُد كدليل قوي في هذه المعركة)، التي تكون، بحال وصلتْ الى مناطق «داعش» في البوكمال (نحو 700 كلم من السويداء)، قطعت الطريق على أي تدخل من العراق لملاحقة «داعش» الى داخل سورية. وكذلك يكون «الهلال الشيعي»، الذي يربط طهران ببغداد ودمشق وبيروت ويثير مخاوف البعض، قد انقطع في «البوكمال». وهذا «الهلال الشيعي» كان أثاره العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني منذ أيام احتلال أميركا للعراق وإعطاء السلطة في «بلاد الرافدين» للأكثرية الشيعية، ما قطع أوصال «الهلال السني» الذي كان يحاصر الجمهورية الإسلامية في إيران.
ويتلاقى هذا التقدم مع اندفاع «قوات سورية الديموقراطية» بقيادة أكراد سورية وبعض العشائر العربية في المنطقة نحو حدود مدينة الطبقة وفي شمال مدينة الرقة حيث وصلت الى مسافة 9 كيلومترات عن العاصمة السورية (غير المعلنة) لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) الذي تتقهقر قواته داخل العراق وسورية. وهكذا بدأ حلم «الدولة» الداعشية بالأفول من دون أن يعني ذلك القضاء على هذه الظاهرة التي ضربت الشرق الأوسط والغرب منذ ثلاث سنوات.
وبتقدُّم القوات المدعومة من الولايات المتحدة شمال شرق وجنوب شرق سورية يكون تقسيم بلاد الشام أًصبح في مرحلة متقدمة بدأت معالمها تظهر بوضوح أكبر من دون أن تكون لإيران أو لدمشق قوة لضرب مشروع التقسيم في السنوات المقبلة، ولكن ليس بالضرورة أن يتحول ذلك إلى دويلات جديدة في المستقبل البعيد.
أما بالنسبة لروسيا فقد تعايشت على أرض واحدة مع الولايات المتحدة (تقسيم برلين الألمانية) بعد الحرب العالمية الثانية. هذا أيضاً يعني أن موسكو غير مستعدة للدخول في حرب مع واشنطن من أجل وحدة بلاد الشام، ما دامت مصالحها في الساحل السوري محفوظة وتَواجُد أسطولها البحري في المياه الدافئة قانوني وطويل الأجل (عقود ثابتة مع دمشق لمدة 49 سنة وُقعت أخيراً) وما دامت قواتها البحرية والبرية المولجة حماية منشآتها العسكرية في سورية لا تتعرض للخطر. وهذا إن دلّ على شيء، فهو يشير الى أن سورية في السنوات المقبلة ستشهد وجود قوات مختلفة على أرضها لأن تركيا أيضاً «تحتلّ» - كما الولايات المتحدة - جزءاً من الشمال السوري (من طرابلس الى تل أبيض) ولا تزال تتحضر لمحاولة منْع أكراد سورية من الحصول على فيديرالية أو كانتون على حدودها، ما يشير إلى أن الصراع على بلاد الشام لن ينتهي سريعاً لتضارُب مصالح دول عدة بعيدة ومجاورة.
والأكيد أن هذا التقسيم لن يمر من دون لحظ المصالح الإسرائيلية التي تتدخل قواتها بشكل متواصل بضرب مخازن أسلحة الجيش السوري (آخره في القنيطرة ضد معسكر للدفاع الوطني في نبع الفوار) وحلفائه والتي كشفت نيتها بصراحة لجهة أنها «لن تعيد الجولان الى سورية»، ودعْمها نيات الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنشاء «مناطق عازلة» في سورية (مناطق وليس منطقة) لتبرير احتلال الأراضي السورية.
وقد أثارت زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس للشرق الأوسط الأسبوع الماضي تساؤلات عما تحضّر له واشنطن للشرق الأوسط ولا سيما أن ترامب يسير على خطى سلفه باراك أوباما بما يخص الملف السوري إلا أنه يتخطاه بعدائه الواضح لإيران و«حزب الله» اللبناني.
وقد ردّ «حزب الله» على هذه الزيارة على طريقته الخاصة، إذ دعا الإعلام لجولة على الحدود الجنوبية وأَظهر مدى معرفته بوسائل الدفاع الإسرائيلية، ليؤكد - دون الإشارة الى ذلك بوضوح - المخاوف الإسرائيلية من أن هذا الحزب مستعدّ لدخول الأراضي المتاخمة للحدود اللبنانية وتخطي السياج الفاصل ونقْل المعركة الى أراضٍ غير لبنانية إذا لزم الأمر وأنه - أي الحزب - مستعدّ للحرب إذا فرضت عليه، وأن انخراطه الكبير في سورية لن يؤخر جهوزيته واستعداداته في مواجهة اسرائيل.
وهذه الرسائل غير المباشرة المتبادلة توجِد أجواء حرب في شرق أوسط يشي بأجواء أكثر التهاباً كلما اقترب لهيب الصيف على تلك الجغرافيا غير المستقرة من العالم.
أما على أرض المعركة السورية، فلا تزال المواجهات مستمرة على أكثر من جبهة. فمعارك مدينة درعا الجنوبية تقف حجر عثرة أمام مشروع «المنطقة العازلة الجنوبية» حيث دفعت دمشق وحلفاؤها المزيد من القوات لمنْع سقوطها واستعادة جغرافيا مهمة داخل المدينة.
وفي الوسط والشمال، خسر تنظيم «القاعدة» (تحت مسمى هيئة تحرير الشام) وحلفاؤه كلّ ما ربحه هؤلاء في المعارك السابقة والحملات التي قادها في جوبر وفي حماة. وقد توسعت دائرة سيطرة الجيش السوري في جوبر لتشمل مناطق لم يدخلها منذ 4 سنوات. أما في الشمال فوصلت قوات الجيش السوري الى مسافة غير بعيدة عن الحدود الإدارية لمدينة إدلب بعد استعادة حلفايا والتقدم نحو مورك وباتجاه خان شيخون.
وفي كفريا والفوعة انتهت عملية التبادل الأولى بفروعها المختلفة بعد تبادل جميع مسلحي الزبداني ومسلحي مضايا الذين قرروا المغادرة باتجاه إدلب مع عائلاتهم، فيما بقي عدد كبير من المسلحين والمدنيين داخل البلدتين لتسوية أوضاعهم مع الدولة السورية.
أما بالنسبة لكفريا والفوعة فتم إجلاء 8000 (ثمانية آلاف) مدني وجريح وبقي أكثر من 8000 مدني آخر وأكثر من 3000 مسلح داخل المدينتين لتؤجل عملية إخلائهم 60 يوماً ويصبح مصير هؤلاء وموقفهم ضعيفاً ولا سيما بعد تحرير القطريين والسعوديين الذين كانوا محتجَزين في العراق كرهائن من قبل «حزب الله العراق».
وحالَ وجود هؤلاء ومسلحي الزبداني دون هجوم «القاعدة» وحلفائها على مدينتي كفريا والفوعة المحاصَرتين في الشمال السوري. إلا أن اليوم أصبح موقف هؤلاء أضعف.
وتعتقد مصادر قيادية في سورية أن «هناك احتمال مبادلة مسلّحي بلودان (جرودها) ومسلحي سحم وببيلا وكذلك أوراق أخرى لمبادلة أهالي كفريا والفوعة بهم. إلا أن الأمل أضعف من قبل للضغط على المسلحين، ما سيجبر دمشق وحلفاءها على الإعداد لعمل عسكري كبير والاندفاع جنوب غرب مدينة حلب باتجاه شمال إدلب للوصول الى الفوعة وكفريا وتحرير المحاصَرين داخلها. وقد ضمنت روسيا أنها لن تألو جهداً بقصف وضرب أي محاولة للهجوم على المدنيين، إلا أن مصير السكان أصبح أكثر دقة وحرجاً مما كان عليه قبل اتفاق (البلدات الأربع). أما دفع الاتفاق الى ما بعد الـ 60 يوماً فإن الضمانة ستكون صعبة جداً وخصوصاً أن هناك متغيرات كثيرة تحصل باستمرار على الساحة السورية».
وقد أفرجتْ دمشق عن نحو 700 معتقل ضمن صفقة «البلدات الأربع»، إلا أن هناك العديد من المعتقلين القابعين في السجون والآلاف من المحاصَرين في مناطق عدة من سورية، وها هي خريطة «الشرق أوسط الجديد» بدأت تظهر معالمها لتبشّر بعدم استقرار طويل لشرق أوسط يقبع على رمال متحرّكة ودخلتْ الى أرض معركته الدول العظمى لتطالب بحصتها فيه من جديد.