عمان في أغنيات أردنية .. كلمات وألحان لا تنسى
كتب : محمد عبدالكريم الزيود
هي عمان مهوى الأفئدة، وروح المكان الذي كل من مرَّ به يوما فإنه لا ينساه ... عمان كانت للشعراء امرأة عاشقة، لم تكبر ولم تهرم ولكنها تزداد ألقا وغواية كلما أوغلت في الزمن، ولهذا فلا نتفاجأ أنها قد جذبت عاشقيها من فنانين وشعراء وكتّاب قصة ورواية عربا قبل ساكنيها من الأردنيين، وكانت مسرحا لإبداعاتهم المختلفة، بما تمثله من تنوع في تاريخها الأثري والثقافي وكذلك في تنوع من سكنوها، ورغم التباين الجغرافي والديموغرافي لكن الكل مجمعون على محبتها والوفاء لها .
أغنيات كتبت لعمان ما زالت الذاكرة ملأى بها، لما تختصره من عراقة الكلمات وجمال اللحن وسحر الأداء، ليست صوتا وموسيقى هي بل أكثر من ذلك أنها تمثل قطعة من الذكريات وتختزل زمنا جميلا كانت بها عمان مختلفة وتشير إلى عمرها آنذاك .
«عمان في القلب»
هناك الكثير من الأغاني أو القصائد المغناة التي قدمت لعمان، لكن ربما من أجملها، تلك الأغنية في نهاية السبعينيات وكانت مغناة «عمان في القلب»، وهي قصيدة كتبها الشاعر اللبناني الكبير الراحل سعيد عقل والذي كان يؤمن بوحدة بلاد الشام وظهر ذلك جليا بالمحبة الصادقة وهو يناجي محبوبته عمان، وكان لصوت الفنانة الكبيرة فيروز نكهة خاصة وهي تؤديها،ذاك الصوت الذي لا يشيخ واحتفظ بأصالته رغم الزمن، سيما أن الأخوين رحباني هما من قدما اللحن لها :
«عـمان في القلب أنتِ الجمرُ والجاهُ ببالي عودي مُرّي مثلما الآهُ
لو تعرفينَ وهل إلّاك عارفةٌ هموم قلبي بمن برّوا وما باهوا
من السيوفِ أنا أهوى بنفسجة خفيفة الطول يوم الشعر تيّاهُ
سكنتُ عينيك يا عمان فالتفتتْ إليّ من عطش الصحراء أمواهُ
وكأس ماء أوان الحرّ ما فتئتْ ألّذُ من قُبلٍ تاهتْ بمن تاهوا « .
«ارخت عمان جدائلها»
تظهر في نفس الفترة السبعينية وربما تحديدا عام 1977 قصيدة الشاعر الأردني الكبير حيدر محمود «أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين «، والذي قدم قصائد وطنية مُغنّاة، ارتقت بالأغنية الوطنية وجعلت منها هوية أردنية وجواز سفر يتعدى الحدود، وقد تم اختيار الفنانة المصرية الراحلة «نجاة الصغبرة» لأدائها وقدم اللحن لها الموسيقار الأردني الراحل جميل العاص الذي كان من أوائل من وضعوا بصمتهم الخاصة في الموسيقى الأردنية وخلق لها لونا أردنيا ساحرا :
«أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين
فاهتز المجد وقبّلها بين العينين
بارك يا مجد منازلها والأحبابا
وازرع بالورد مداخلها باباً بابا
عمان اختالي بجمالك وازدادي تيهاً بدلالك
يا فرساً لا تثنيه الريح سلمتِ لعيني خيالك
يا رمحاً عربي القامة قرشي الحدّ
زهّر إيمانا وشهامة واكبر وأشتد
وانشر يا مجد براءتها فوق الأطفال
لبست عمان عباءتها وزهت بالشال
عمان اختالي بجمالك وتباهي بصمود رجالك
وامتدي امتدي فوق الغيم وطولي النجم بآمالك
بارك يا مجد منازلها والأحبابا
وازرع بالورد مداخلها باباً بابا « .
عمان يا دار المعزة
ما زالت أغنية «عمان» التي أداها الفنان الأردني والذي رحل مبكرا فارس عوض منتصف الثمانينيات، تشكل عملا فنيا يليق بعمان، كان صوت فارس عوض شفافا رقيقا كالجدول، وهو يلامس كلمات الشاعر الأردني علي عبيد الساعي الذي كان ينحت مغناته من رمل الصحراء، حيث يجمعهما غير حب عمان أنهما من بيئة البادية والتي تركت أثرها وصفاءها بهما، وجاء الموسيقار الأردني الدكتور إميل حداد ليصبّ لحنه وجمله الموسيقية في جسد القصيدة، ويخرج بها إهزوجة أردنية ما زالت لا يملّ من سماعها للآن :
«عمّــان عمّــان
عمان يا دار المعزة والفخر
يا حرةٍ ما دّنست أثوابها
دار الكرامة والكرم وأهل الكرم
مفتوح للضيفان دوم أبوابها
يا ديرةٍ عشنا بها عمر هني
يا عز من كثرت عليها اتعابها
قومي افتحي لي حضنك اللي ضمني
من كنت طفلٍ في ثراة اعشابها
عمان يا حلمٍ يجي بساعة هنا محروس بين عيوننا واهدابها
يا طاهره ما عمر دّنس عرضها
دون سباع الموت عام تهابها
يا سيد الاوطان يا كبدي أنا
إن كان كبدي لي فانت أولا بها
نحميك في حد السيوف المرهفة
يوم المعارك دايرٍ دولابها
عمّان أنا عاشق جديد ومنوتي
أفوز بللي عاليات إنسابها».
صباح الخير يا عمان
عندما تتكلم عن عمان ومن كتب لها لا تستطيع أن تغفل شاعر عمان وحبيبها الشاعر الأردني الراحل حبيب الزيودي، حيث أنشد لها عشرات القصائد والمغاني، وتغزل بها وربما عاتب محبوبته، التي كانت بالنسبة له كالعالوك قريته ونبت فيها، لكن لم يشاركه في حبها إلا عمان، لذا كتب قصيدة « صباح الخير يا عمان « عام 2003، والتي نسجها من شغاف قلبه مغناة وإهزوجة ما زالت تتردد كل صباح، ودندنة على لسان الناس السائرين لدوامهم، تصدح بها الإذاعات الصباحية، ترفع من الذائقة الموسيقية للمستمعين وتنشر التفاؤل والحب والفخر بالوطن وبعمان.
ربما أضافت الفنانة العربية «أنغام» بصوتها الدافئ المليء بالشجن رونقا مختلفا جميلا لكلمات الزيودي التي جاءت باللغة المحكية ما بين العامية والفصحى لتكون أقرب لقلوب الناس ببساطتها، وأضافت ألحان الموسيقار الأردني طلال أبو الراغب إحساسا صادقا بترنيمتها المتناسقة بالتشارك مع المبدع الدكتور أيمن عبدالله الذي أشرف على توزيعها، في النهاية خرجت عملا متكاملا كلمة ولحنا وأداءً كلوحة فنان أو قطعة موسيقية لا تمل من سماعها كل صباح وكل مساء :
« صباح الخيرْ يَا عمان
يَا حنّة على حنّة
يَا فوح الخُزامى والندى...
ويَا ريحة الجنّة
ويا دار بناها العزّ ...
لا هانتْ ولا هنّا
أهِلْها جبال فوق جبال ..
بيها المجد يتغنى
وإذا تتْبدّل الأيام ..
حنّا ما تبدّلنا
يَالما تعرف النكران
ويَالتعطي بلا منّه
ويا دار الكرام اللي هلِكْ..
سنّوا الهوى سنّه «
ستظل عمان غاوية الشعراء ومعشوقتهم الطموح، والتي لا تكبر مهما تقدم الزمن عليها، وستظل القصائد والمغاني سجلا لها يعكس مقدار الحب والوفاء والفخر بكل جزء بها، وبكل شارع وحارة وجبل وحي وشجرة، وبكل وجه مرّ عليها ولامس حبه لها شغاف قلبه من ساكنيها أو ضيوفها .