نوارة رياضية كفيفة تخط نجاحاتها بالإرادة والتصميم
الكفيفة نوارة حمد مع فريقها ومدربيها في نادي الشعلة للمكفوفين
ربى الرياحي
عمان- بطموحها اللامحدود وشخصيتها الصلبة الحالمة، تسعى لأن تحجز لنفسها مكانا في أول الصفوف، وتجاهد من أجل أن تكون رياضية متميزة على مستوى العالم.
نوارة حمد كفيفة قادرة على أن تصنع من المستحيل حياة أخرى تليق بأحلامها وتطلعاتها، لديها كل الإمكانات التي تؤهلها لأن تتميز وتثبت لمن حولها أنها بالإرادة والتصميم تستطيع أن تبدد العتمة وتحولها إلى نور.
نوارة التي تخط إبداعها في مجال رياضة الجري وكرة الهدف التحقت بعدما لمست شغفها بهذا العالم بنادي الشعلة للمكفوفين الذي يهتم بالرياضة؛ حيث خطت أولى خطواتها هنالك وشاركت في مسابقات كانت تقام على مستوى النادي وأحرزت انتصارات متميزة.
وتبين نوارة أن الرياضة مغامرة تتعلم منها الكثير من الخبرات، وتمدها بالقوة والثقة والاستقلالية، وتجعلها تتحرر من أسر الإعاقة أو من الأشخاص الذين لا يرون في الإعاقة سوى العجز والاستسلام والانعزال عن حياة بأكملها، فيها كم هائل من الأمنيات والأحلام التي تستحق أن نعيش من أجلها.
وتحرص نوارة كل الحرص على أن تبرهن للعالم أن المرأة الكفيفة في داخلها منجم من الإبداع إذا أعطيت الفرصة المناسبة، وتضافرت كل الجهود لإنصافها ودعمها، وإيصالها إلى بر الأمان، موضحة أنه إذا توافر كل ذلك تستطيع الكفيفة أن تشكل كيانها المستقل وأن تصنع لنفسها اسما تخط حروفه باحترافية عالية وإرادة بإمكانها أن تكسر حاجز المستحيل.
نوارة، كغيرها من ذوي الإعاقة، تواجه في حياتها اليومية عوائق نفسية واجتماعية وحتى حركية كفيلة بأن تحبطها وتحرمها من أن تواصل مشوارها، تستوقفها أحيانا تفاصيل قد تكون مزعجة لها ولإنجازاتها، لكنها حتما تزيد من عزيمتها وتدفعها لكي تصعد سلم المجد بخطوات أكثر ثباتا واتزانا وربما أيضا أكثر حذرا.
ولا تكترث نوارة أبدا بتلك التعليقات المستترة خلف نظرات الآخرين، أولئك الذين يعتبرون أن المكان الطبيعي لذوي الإعاقة هو البيت فقط، وبأنه لا يحق لهم أن ينخرطوا في المجتمع أو أن يكون لهم وجود فعلي بينهم.
وتوضح قائلة “ألاحظ ذلك بشكل كبير عند تنقلي من البيت إلى النادي أو إلى أي مكان آخر أرغب في ارتياده، ألمس في نبرة صوتهم تساؤلات كثيرة تنكر علي وعلى غيري من ذوي الإعاقة، تمسكنا باستقلاليتنا واعتمادنا على أنفسنا في التنقل ربما، لأنهم ما يزالون ينتقصون من قدراتنا، يستهجنون إصرارنا على أن نتساوى معهم وأن نتمتع بحقوقنا الإنسانية والاجتماعية كافة”.
وعن المشكلات التي تعترضها في الرياضة، تقول نوارة “أحاول جاهدة أن أطور من إمكاناتي رغم الظروف البيئية الصعبة، التي تعيقني بعض الشيء، وبخاصة في رياضة الجري وكرة الهدف”.
وتقول نوارة “حرمت من نعمة البصر وأنا في الثالثة من عمري، وكان السبب هو التهاب حاد في شبكية العين، الأمر الذي أدى إلى ذهول أسرتي ورفضهم تلك الحقيقة الموجعة”.
وتضيف “الاهتمام والخوف والرغبة في أن أكون طفلة طبيعية حرض والديّ على أن يطرقا جميع الأبواب، وحملهما مسؤولية تخليصي من ذلك العالم الذي سيضاعف من أعبائي حسب رأيهما، وسيمنعني من أن أرسم حياتي كما أريد، لكن محاولاتهما كلها باءت بالفشل ولم يبق أمامهما سوى أن يسلما بالقضاء والقدر ويتخطيا تلك المشكلة بشيء من الوعي والصبر والإيمان”.
صفات كثيرة اتسمت بها نوارة منذ الصغر، جعلتها أقدر على التعايش مع فقدان البصر، وهيأتها لأن تكون شخصية استثنائية بكل المقاييس، ترفض مطلقا لأن ترضخ لتلك المعوقات التي من شأنها أن تحول بينها وبين هدفها في الحياة.
حرص أسرة نوارة على معاملتها كبقية أشقائها قوى ثقتها بنفسها وخلق لديها مساحة كافية من الحرية التي مكنتها، كما تقول، من اتخاذ قرارات مصيرية بمعزل عن أي ضغوطات قد تمارس ضدها وضد رغبتها في أن تستقل ذاتيا وليكون بمقدورها إعطاء صورة مغايرة عن الإعاقة تدحض في الدرجة الأولى كل التصورات الخاطئة والمعتقدات البالية التي يسعى الكثيرون إلى ترسيخها وتأكيدها من خلال نظرات الشفقة والخجل والازدراء أيضا.
شغف نوارة بالرياضة وإيمان أسرتها بقدراتها وإصرارهم على أن تلامس بأحلامها القمة كان له الدور الأكبر في دخولها هذا المجال؛ إذ تقول “كل تلك الأسباب جعلتني أكثر تسلحا بالأمل، وحمستني لكي أخوض تجربة من نوع آخر قادرة على أن تضفي على رصيدي المزيد من التميز والنجاح”.
وتؤكد نوارة أن ذلك وضعها في مواجهة مباشرة مع الحياة وسيرغمها على الغوص أكثر في المشكلات والتعامل مع عقبات أوجدها المجتمع في طريق ذوي الإعاقة بهدف تقييدهم وفرض سلسلة من المثبطات الرامية لإضعافهم وإرباك بعض من خططهم المستقبلية التي يطمحون لتحقيقها وإخراجها من حيز الفرضيات إلى حيز التطبيق.