كتاب الرحيق المختوم في السيرة النبوية المشرفة
تأليف فضيلة الشيخ
صفي الرحمن المباركفوري
يعد كتاب الرحيق المختوممن الكتب المتخصصة في السيرة النبوية للرسول محمد صل الله عليه وسلم، وهو من تأليف الشيخ صفي الرحمن المباركفوري، حيث قدم الكتاب المؤلف في مباراة رابطة العالم الإسلامي في السيرة النبوية الشريفة التي تم الإعلان عنها في المؤتمر الذي عقد في باكستان عام 1396 هـ، وحاز الكتاب على المركز الأول في المسابقة .
ملخص كتاب الرحيق المختوم
أولاً: بطاقة الكتاب:-
اسم الكتاب: الرحيق المختوم.
المؤلف: صفي الرحمن المباركفوري الهندي. سنة الوفاة: 1427هـ - 2006م. دار النشر: نشره دار الهلال في بيروت، وكذلك دار الوفاء للطباعة والنشر. عدد الأجزاء: 1. سنة النشر: 1396هـ - 1976م.
ثانياً: تلخيص كتاب الرحيق المختوم:- الكتاب عبارة عن بحث في السيرة النبوية، قدمه فضيلة الشيخ صفي الرحمن المباركفوري في مؤتمر أقامته رابطة العالم الإسلامي، وقد حاز على الجائزة الأولى في مسابقة ذلك المؤتمر. يعد من أهم الكتب التي أثرت خزانة الفكر الإسلامي والسنة النبوية، كما أنه من أكثر كتب السيرة مبيعاً بين أواسط طلاب العلم الشرعي.
يقع الكتاب في ثمانية فصول رئيسية، تحتها الكثير من المتفرعات، حيث بدأ المؤلف كتابه بالتحدث عن العرب وأصلهم، وحياة الجاهلية، وسألخص كل فصل من الفصول على النحو الآتي: الفصل الأول: موقع العرب وأقوامها : جزيرة العرب يحدها من الغرب البحر الأحمر، ومن الشرق الخليج العربي والعراق، ومن الشمال بلاد الشام، ومن الجنوب بلاد الهند.
هذه هي جزيرة العرب وموقعها، وأما أقسام العرب فثلاثة: العرب البادئة. العرب العاربة. العرب المستعربة: وإبراهيم -عليه السلام- من هذا القسم، وكذلك ولده إسماعيل وأولاده حتى الحبيب محمد -صل الله عليه وسلم-. الفصل الثاني: الحكم والإمارة في العرب : كان هناك ملك وإمارة في اليمن حيث قوم سبأ، وتملكهم بلقيس.
وكان ملك للعرب في الحيرة بالعراق على يد الإسكندر المقدوني. وكان ملك بالشام، توالى عليه العديد من الملوك، آخرهم جبلة بن الأيهم. وكان على الحجاز إمارة وملك منذ زمن إسماعيل -عليه السلام-، حتى وصلت زعامتها إلى قريش. الفصل الثالث: ديانات العرب : كان للعرب مراسم يعبدون خلالها الأصنام، وهي: أنهم كانوا يعكفون عليها،
ويلجأون إليها في نفعهم وضرهم. وكانوا يحجون إليها. ويتقربون إليها بالنذور والقرابين. البحيرة والسائبة والوصيلة والحام. وأما الحالة الدينية التي تسودهم، يدعون أنهم على دين إبراهيم، رغم كل مظاهر الشرك! وكان قليل منهم من ينتسب لليهود أو النصارى؛ ويواليهم ويتبع ملتهم. الفصل الرابع: صور من المجتمع العربي الجاهلي : كانت الحالة الاجتماعية مبنية على العصبية القبلية، والتمايز بين اللون، والجنس، والعرق؛ لذلك كان إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، كما كانت الفوضى تعم شريعتهم، في الزواج لا حدود، وفي الميراث،
وفي كل الأمور. أما الحالة الاقتصادية فقد تبعت الحالة الاجتماعية، فكبار القوم وساداتهم هم التجار، وأصحاب الأموال، لهم سوق مميز واسمه عكاظ. كما كانت تجارتهم صيفاً بالشام، وشتاءً باليمن. الفصل الخامس: نسب النبي محمد -صل الله عليه وسلم- : ذكر المؤلف نسب الحبيب المصطفى من اسمه حتى وصل به إلى بني عدنان أولاً، مروراً بإسماعيل -عليه السلام-، وانتهاءً بأبي البشر آدم -عليه السلام-. ثم ذكر الأسرة النبوية، الهاشمية؛ نسبة إلى جده هاشم بن عبد مناف، الذي تولى الرفادة والسقاية، وذكر نبذة عن جد النبي عبد المطلب، الذي كان سيد قريش، وحامي الحرمين، وعرج على قصة عام الفيل وهدم الكعبة، ثم تحدث عن عبد الله والد النبي -صل الله عليه وسلم-، وأنه لقب بالذبيح؛ لأن عبد المطلب نذر أن يذبحه لما أتم العشرة أولاد.
الفصل السادس: المولد وأربعون عاماً قبل النبوة : تحدث فيها المؤلف عن نشأة النبي -صل الله عليه وسلم-، في بني سعد أولاً، ثم عودته لأمه، إلى أن ماتت، فكفله جده حتى مات، ثم أصبح تحت رعاية عمه أبو طالب. ذكر المؤلف بعدها الأحداث التي شارك فيها النبي -صل الله عليه وسلم- قبل البعثة، ومنها: حرب الفجار، وحلف الفضول، وقضية التحكيم، وبناء الكعبة، وتكلم عن زواجه بخديجة -رضي الله عنها-، ثم ساق سيرة إجمالية قبل النبوة. الفصل السابع: في ظلال النبوة والرسالة : في غار حراء، حيث كان يتعبد، نزل عليه الوحي جبريل، فحمل هم الدعوة والرسالة من يومها، وكان عمره آنذاك أربعين عاماً، وكانت زوجته خير صاحب ومساند له في تلك الفترة،
ثم بدأ يرى رؤى صادقة، حتى علم أنه رسول رب العالمين؛ ليخرج الناس من الظلمات إلى النور. وتكلف -صل الله عليه وسلم- بالدعوة إلى الله، وأن يصدع بها، حتى بدأت مرحلة الدعوة سراً. الفصل الثامن: أدوار الدعوة ومراحلها : الدور المكي: بدأت الدعوة سراً، حتى اجتمع للنبي عدد من الصحابة المؤمنين، فصعد أعلى جبل في مكة، وصدع بالدعوة، فبدأ الأذى يحيط به وبالمسلمين، حوصروا، وأوذوا، وقتلوا، حتى أمروا بالهجرة للمدينة. الدور المدني: استمرت دعوة النبي -صل الله عليه وسلم- عشر سنوات بالمدينة، ثم قويت شوكة المسلمين، وأصبح للإسلام دولة وشعائر، وأصبح الناس يرهبونهم، فأتم الحبيب ما عليه، وأدى الرسالة، وبلغ الأمانة، فاصطفاه ربه إلى جواره.
المصدر
أقسام الوحى في كتاب الرحيق المختوم
وقبل الدخول في موضوع هذا الجهاد أرى من الأحسن أن أستطرد إلى بيان أقسام الوحى ومراتبه. قال ابن القيم، وهو يذكر تلك المراتب:
إحداها: الرؤيا الصادقة، وكانت مبدأ وحيه صل الله عليه وسلم.
الثانية: ما كان يلقيه الملك في روعه وقلبه من غير أن يراه، كما قال النبي صل الله عليه وسلم: (إن روح القدس نفث في روعى أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوه بمعصية الله ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته).
الثالثة: إنه صل الله عليه وسلم كان يتمثل له الملك رجلًا فيخاطبه حتى يَعِىَ عنه ما يقول له، وفي هذه المرتبة كان يراه الصحابة أحيانًا.
الرابعة: أنه كان يأتيه في مثل صلصلة الجرس، وكان أشده عليه، فيلتبس به الملك، حتى أن جبينه ليتَفَصَّد عرقًا في اليوم الشديد البرد، وحتى أن راحلته لتبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها، ولقد جاء الوحى مرة كذلك وفخذه على فخذ زيد بن ثابت، فثقلت عليه حتى كادت ترضها.
الخامسة: إنه يرى الملك في صورته التي خلق عليها، فيوحى إليه ما شاء الله أن يوحيه، وهذا وقع له مرتين كما ذكر الله ذلك في سورة النجم.
السادسة: ما أوحاه الله إليه، وهو فوق السموات ليلة المعراج من فرض الصلاة وغيرها.
السابعة: كلام الله له منه إليه بلا واسطة ملك كما كلم الله موسى بن عمران، وهذه المرتبة هي ثابتة لموسى قطعًا بنص القرآن. وثبوتها لنبينا صل الله عليه وسلم هو في حديث الإسراء.
وقـد زاد بعضهم مرتبة ثامنة؛ وهي تكليم الله له كفاحًا من غير حجاب، وهي مسألة خلاف بين السلف والخلف. انتهي مع تلخيص يسير في بيان المرتبة الأولى والثامنة
المولد وأربعون عامًا قبل النبوة
ولـد سيـد المرسلـين صل الله عليه وسلم بشـعب بني هاشـم بمكـة في صبيحـة يــوم الاثنين التاسع مـن شـهر ربيـع الأول، لأول عـام مـن حادثـة الفيـل، ولأربعـين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك عشرين أو اثنين وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان ـ المنصورفورى ـ رحمه الله .
وروى ابــن سعــد أن أم رســول الله صل الله عليه وسلم قالــت : لمــا ولـدتــه خــرج مــن فرجـى نــور أضــاءت لـه قصـور الشام. وروى أحمد والدارمى وغيرهمـا قريبـًا مـن ذلك.
وقد روى أن إرهاصات بالبعثة وقعت عند الميلاد، فسقطت أربع عشرة شرفة من إيوان كسرى، وخمدت النار التي يعبدها المجوس، وانهدمت الكنائس حول بحيرة ساوة بعد أن غاضت، روى ذلك الطبرى والبيهقى وغيرهما. وليس له إسناد ثابت، ولم يشهد له تاريخ تلك الأمم مع قوة دواعى التسجيل.
ولما ولدته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب تبشره بحفيده،فجاء مستبشرًا ودخل به الكعبة، ودعا الله وشكر له. واختار له اسم محمد ـ وهذا الاسم لم يكن معروفًا في العرب ـ وخَتَنَه يوم سابعه كما كان العرب يفعلون.
وأول من أرضعته من المراضع ـ وذلك بعد أمه صل الله عليه وسلم بأسبوع ـ ثُوَيْبَة مولاة أبي لهب بلبن ابن لها يقال له: مَسْرُوح، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي.
في بني سعد
وكانت العادة عند الحاضرين من العرب أن يلتمسوا المراضع لأولادهم ابتعادًا لهم عن أمراض الحواضر؛ ولتقوى أجسامهم، وتشتد أعصابهم، ويتقنوا اللسان العربى في مهدهم، فالتمس عبد المطلب لرسول الله صل الله عليه وسلم المراضع، واسترضع له امرأة من بني سعد بن بكر، وهي حليمة بنت أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث، وزوجها الحارث ابن عبد العزى المكنى بأبي كبشة من نفس القبيلة.
وإخوته صلى الله عليه وسلم هناك من الرضاعة : عبد الله بن الحارث، وأنيسة بنت الحارث، وحذافة أو جذامة بنت الحارث [وهي الشيماء؛ لقب غلب على اسمها] وكانت تحضن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمه حمزة بن عبد المطلب مسترضعًا في بني سعد بن بكر، فأرضعت أمه رسول الله صل الله عليه وسلم يومًا وهو عند أمه حليمة،فكان حمزة رضيع رسول الله صل الله عليه وسلم من جهتين، من جهة ثويبة ومن جهة السعدية.
ورأت حليمة من بركته صل الله عليه وسلم ما قضت منه العجب، ولنتركها تروى ذلك مفصلًا :
قال ابن إسحاق : كانت حليمة تحدث : أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، تلتمس الرضعاء. قالت : وذلك في سنة شهباء لم تبق لنا شيئًا، قالت : فخرجت على أتان لى قمراء، ومعنا شارف لنا، والله ما تَبِضّ ُبقطرة، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا، من بكائه من الجوع، ما في ثديى ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكن كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتانى تلك، فلقد أذَمَّتْ بالركب حتى شق ذلك عليهم، ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صل الله عليه وسلم فتأباه، إذا قيل لها: إنه يتيم، وذلك أنا كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! وما عسى أن تصنع أمه وجده، فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعًا غيرى، فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبى: والله ، إنى لأكره أن أرجع من بين صواحبى ولم آخذ رضيعًا، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه. قال : لا عليك أن تفعلى، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة. قالت: فذهبت إليه وأخذته،وما حملنى على أخذه إلا أنى لم أجد غيره، قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلى، فلما وضعته في حجرى أقبل عليه ثديأي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى، وشرب معه أخوه حتى روى، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، وقام زوجي إلى شارفنا تلك، فإذا هي حافل، فحلب منها ما شرب وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا، فبتنا بخير ليلة، قالت: يقول صاحبى حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قالت: فقلت: والله إنى لأرجو ذلك. قالت: ثم خرجنا وركبت أنا أتانى، وحملته عليها معى، فوالله لقطعت بالركب ما لا يقدر عليه شىء من حمرهم، حتى إن صواحبى ليقلن لى: يا ابنة أبي ذؤيب، ويحك! أرْبِعى علينا، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها؟ فأقول لهن: بلى والله ، إنها لهي هي، فيقلن: والله إن لها شأنًا، قالت: ثم قدمنا منازلنا من بلاد بني سعد، وما أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمى تروح علىَّ حين قدمنا به معنا شباعًا لُبَّنـًا، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم: ويلكم، اسرحوا حيث يسرح راعى بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعًا ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمى شباعًا لبنًا. فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شبابًا لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلامًا جفرًا. قالت: فقدمنا به على أمه ونحن أحرص على مكثه فينا، لما كنا نرى من بركته، فكلمنا أمه، وقلت لها: لو تركت ابني عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، قالت: فلم نزل بها حتى ردته معنا.
شق الصدر
وهكذا رجع رسول الله صل الله عليه وسلم إلى بني سعد، حتى إذا كان بعده بأشهر على قول ابن إسحاق، وفي السنة الرابعة من مولده على قول المحققين وقع حادث شق صدره، روى مسلم عن أنس: أن رسول الله صل الله عليه وسلم أتاه جبريل، وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه، فشق عن قلبه، فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طَسْت من ذهب بماء زمزم، ثم لأَمَه ـ أي جمعه وضم بعضه إلى بعض ـ ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه ـ يعنى ظئره ـ فقالوا: إن محمدًا قد قتل، فاستقبلوه وهو مُنْتَقِعُ اللون ـ أي متغير اللون ـ قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره.
إلى أمه الحنون
وخشيت عليه حليمة بعد هذه الوقعة حتى ردته إلى أمه، فكان عند أمه إلى أن بلغ ست سنين.
ورأت آمنة ـ وفاء لذكرى زوجها الراحل ـ أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ نحو خمسمائة كيلو متر ومعها ولدها اليتيم ـ محمد صل الله عليه وسلم ـ وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرًا ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ لحقها المرض في أوائل الطريق، ثم اشتد حتى ماتت بالأبْوَاء بين مكة والمدينة.
إلى جده العطوف
وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم الذي أصيب بمصاب جديد نَكَأ الجروح القديمة، فَرَقَّ عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، قال ابن هشام: كان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة، فكان بنوه يجلسون حول فراشه ذلك حتى يخرج إليه، لا يجلس عليه أحد من بنيه إجلالًا له، فكان رسول الله صل الله عليه وسلم يأتى وهو غلام جفر حتى يجلس عليه، فيأخذه أعمامه ليؤخروه عنه، فيقول عبد المطلب إذا رأي ذلك منهم: دعوا ابني هذا، فوالله إن له لشأنًا، ثم يجلس معه على فراشه، ويمسح ظهره بيده، ويسره ما يراه يصنع.
ولثمانى سنوات وشهرين وعشرة أيام من عمره صل الله عليه وسلم توفي جده عبد المطلب بمكة، ورأي قبل وفاته أن يعهد بكفالة حفيده إلى عمه أبي طالب شقيق أبيه.
إلى عمه الشفيق
ونهض أبو طالب بحق ابن أخيه على أكمل وجه، وضمه إلى ولده وقدمه عليهم واختصه بفضل احترام وتقدير، وظل فوق أربعين سنة يعز جانبه، ويبسط عليه حمايته، ويصادق ويخاصم من أجله، وستأتي نبذ من ذلك في مواضعها.
يستسقى الغمام بوجهه
أخرج ابن عساكر عن جَلْهُمَة بن عُرْفُطَة قال: قدمت مكة وهم في قحط، فقالت قريش: يا أبا طالب، أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهَلُمَّ فاستسق، فخرج أبو طالب ومعه غلام، كأنه شمس دُجُنَّة، تجلت عنه سحابة قَتْمَاء، حوله أُغَيْلمة، فأخذه أبو طالب، فألصق ظهره بالكعبة،ولاذ بأضبعه الغلام، وما في السماء قَزَعَة، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا وأغدق واغْدَوْدَق، وانفجر الوادي، وأخصب النادي والبادي، وإلى هذا أشار أبو طالب حين قال:
وأبيضَ يُستسقى الغَمَام بوجهه ** ثِمالُ اليتامى عِصْمَةٌ للأرامل