رياض الحبيّب
في البداية؛ هذه وجهة نظر شخصيّة، لا علاقة لها بأيّة طائفة دينية ولا أنوي بها أيّة إساءة إلى أيّ إنسان.
…….
أمّا بعد فإنّ الانتظار في اللغة يعني الترقّب والتوقّع. وكلاهما مرتبط بعامل الزمن. وهذا العامل نسبي، أي أنّه قابل للتقلّص وللتمدد. وقد اتخذ أينشتاين من الزمن بُعدًا رابعًا في الفضاء لشرح نظرية النسبية. والمعنى هو أنّ الزمان والمكان متّحدان، لا يمكن فصل أحدهما عن الأخر. فغياب أحدهما يعني غياب الآخر أيضًا. مثالًا؛ حين وقف قيس بن الملوَّح، الذي عاش خلال القرن الأوّل الهجري (ت 68هـ) في مكان معلوم، بانتظار مجيء ليلى العامريّة، وجب تحديد الزمن الذي وقف خلاله قيس. فما أمكن وقوف قيس في مكان ما بدون زمان. فماذا عن ليلى؟ إنها موجودة في مكان آخر معلوم أيضًا وفي الوقت عينه. وإنها ربّما انتظرت وقتًا مناسبًا للإنطلاق باتجاه قيس. لذا فالنسبية تُعَلِّم التالي في حالة انتظار أحدهما لقاءَ الآخر: إذا سارت ليلى باتجاه قيس فإنّ قيس "سار" أيضًا باتجاه ليلى وإن كان قيس ساكنًا وثابتًا في مكانه. كيف؟ في الحالة الأولى؛ عينا قيس ثابتتان وليلى المتحركة فعليًّا باتجاهه قد اقتربت في نظره. أمّا في الحالة الثانية فإنّ عيني ليلى، المتحركة باتجاه قيس الساكن، ثابتتان وقيس قد اقترب في نظر ليلى. لكنّ تحقيق اللقاء كان بقرار من ليلى! فلولا اقتربت ليلى لما اقترب قيس ولما قصرت المسافة بينهما. فإذا تأخّرت ليلى تأخّر موعد اللقاء. والمفترض أنها كانت فتاة أمينة وملتزمة فإذا وعدت وفت بوعدها، ما لم يمنعها مانع ويَعُقْها عائق.
وبالمناسبة فقد قِيل لقيس أنّ ديار ليلى بعيدة فردّ قيس على القائل- على بحر الوافر:
أَلَيسَ اللَيلُ يَجمَعُني وليلى - كَفاكَ بِذاكَ فيهِ لنا تَدانِ
تَرى وَضَحَ النَّهارِ كَما أَراهُ - ويَعلوها النَّهَارُ كَمَا عَلاني
وأتوقع يومًا ما ظهور أحد فقهاء "الإعجاز العلمي في القرآن" على إحدى الفضائيّات المؤدلجة إسلاميًّا بالقول إنّ قيس بن المُلوَّح بهذَينِ البَيتَين قد توصّل إلى نظرية النسبية قبل أينشتاين بحوالي ثلاثة عشر قرنًا! ما شاء الله على مثل هذا الفِقه الذي خدعوا به السُّذَّج والذي دَرّ على فقهائه مالًا كثيرًا، سواء من تلك الفضائيات ومن الكتب التي ألَّفوا فيه. فإذا حاول أنصار الإعجاز المزعوم الاعتراض على هذا الكلام فليكتبوا إلى كلّ من فنّد هذا الإعجاز؛ سواء بالمقطع التالي من يوتيوب- سؤال جريء 259 مراحل تطور الجنين بين العلم والإسلام: الجزء الأول- وبغيره
https://www.youtube.com/watch?v=70qfOT6sdc4أمّا إذا انتظر قيسُ مجيءَ ليلى وهي لم تحدِّد له موعدًا ولم تنتظر لقاء معه ففلسفة أخرى تفسِّر انتظاره، ما لها علاقة بنظريّة النسبيّة، إنّما بنظريّة الاحتمال. وهي أنّ احتماليّة أنْ تذهب ليلى إلى قيس بدون موعد مسبّق بينهما تساوي 50% سواء أكان قيس مشغولًا بالتفكير فيها أم في شيء آخر.
لكنّ عندنا في بلاد الغرب؛ يصعب على قيس غربيّ انتظار ليلى شرقيّة أو غربيّة بدون موعد مسبّق، ما لم يكن انتظاره مستحيلا. فاحتماليّة انتظار قيس غربيّ لقاءً مع ليلى، بدون اتفاق مسبق بينهما، قد تتلاشى إلى 5% إلّا إذا كان قيس الغربي من أصل عربي.
أخيرًا فإنّ الفترة الفاصلة بين لقاءين متعاقبَين متغيّرة، لأنّها تعتمد على ظرف كلّ من الشخصَين المتحابَّين؛ من المحتمل أن تكون سويعات، أو بضعة أيّام، وقد تمتدّ إلى بضعة أسابيع. أمّا إذا امتدّت الفترة إلى بضع سنوات فقد تتغيّر ملامح ليلى على قيس، من فرط تعلُّقه بها، حتّى يكاد يحصل التباس لديه بين ليلى وبين فتاة أخرى. أمّا ليلى فإنّها كانت تعرف قيس جيّدًا، فما ظنّته آخَرَ مهما تغيّرتْ ملامحُه. وإليك ما قال قيس بن ذريح (ت 61 هـ) في لُبنى الخزاعية لمّا اشتد شوقه إليها- على بحر الخفيف:
عند قيسٍ مِن حُبِّ لبنى ولبنى – داءُ قيسٍ والحبُّ صَعْبٌ شديدُ
فإذا عادَني العوائدُ يومًا – قالتِ العينُ لا أرى مَن أريدُ
ليت لبنى تَعُودُني ثم أقضي – إنّها لا تعود في مَن يعودُ
وَيحَ قيسٍ لقد تضمَّن منها – داءَ خَبْلٍ فالقلبُ منه عَمِيدُ
وأمّا سبب رفض ليلى العامريّة، وكُنيتها أمّ مالك، الارتباط بقيس فهو أنّها كانت مسيحيّة وأمّا قيس فكان مُسْلِمًا. وتكفي قصيدته التالية دليلًا واضحًا، إلى الدرجة التي لولا سيف الإسلام في بادية العرب لتحوّل قيس إلى دين ليلى، بحسب ما اٌستوحيت من قصيدته والتي أتعبني العثور عليها. وهي على بحر الطَّويل:
يَقُولونَ ليلى بالمَغيب أَمينَةٌ – وإِنّي لَراعٍ سِرَّها وأمينُها
ولِلنَّفسِ ساعاتٌ تَهَشُّ لِذِكْرِها – فتَحيا وساعاتٌ لَها تَستَكينُها
فإِنْ تَكُ لَيلى اٌستودَعَتْني أَمانَةً – فلا وأَبي ليلى إِذًا لا أَخونُها
أَأُرضي بلَيلى الكاشِحينَ وأَبتَغي – كرامَةَ أَعدائي بها فَأُهينُها
وقد قيلَ نَصرانِيَّةٌ أُمُّ مالِكٍ – فَقُلتُ ذَروني كُلُّ نَفسٍ ودِينُها
فإنْ تَكُ نَصرانِيَّةً أُمُّ مالِك – فقَدْ صُوِّرَتْ في صُورَةٍ لا تَشينُها
سَأَجعَلُ عِرضي جُنَّةً دونَ عِرضِها – وَديني فيَبقى عِرضُ لَيلى وَدينُها
وقائِلَةٍ هَل يُحْدِثُ الدَّهرُ سُلوَةً – فَقُلتُ بَلى هذا فقَدْ حانَ حينُها
صِلِي الحَبلَ يَحمِلْ ما سواهُ فَإِنَّما – يُغَطّي على غَثِّ الأُمورِ سَمِينُها
بَذَلتُ لِلَيلى النُّصحَ حَتّى كأَنَّني – بها غَيرَ إِشراكٍ بِرَبّي أَدِينُها
فَيا لَيتَ أَنّي كُلَّما غِبتُ لَيلَةً – مِنَ الدَهرِ أَو يَومًا تَراني عُيونُها
لِـأُبرِئَ أَيماني إِذا ما لَقِيتُها – وتَعلَمُ لَيلى أَنَّني لا أَخونُها
معلوم أنّ اليهود كانوا ينتظرون المَسِيّا. وهو السيد المسيح الذي جاء قبل حوالي ألفي عام ولم يعترف به رؤساء كهنتهم وشيوخ الشعب. والسبب معروف للدارس والباحث وهو أنّ اليهود حينذاك انتظروا مجيء المَسِيّا المَلِك الذي يُعِيد إليهم الأمجاد التي صنعها لأسلافهم كلّ من داود، الملك والنبيّ، وابنه سليمان الملك. أمّا السَّيِّد المسيح له المجد فقد أعلن بوضوح أنّ مملكته {لَيْسَتْ مِنْ هذا الْعَالَم}+ يوحنّا 36:18
واليوم قد تحققتْ أحلام اليهود إذ صارت لهم دولة معترف بها، منذ تأسيسها في 14 مايو 1948 قُبَيل موعد انتهاء الانتداب البريطاني بثماني ساعات، كما وَعَدَ بلفور سنة 1917 لذا فإنّ بلفور قد سبق مَسِيّاهُم المنتظر، وما باتوا في حاجة إليه لكي يخلِّصهم من سلطة خارجيّة ما كانت عليهم حقبًا طويلة من الزمان، سواء في إسرائيل وفي روسيا وفي ألمانيا وغيرها. فاليوم، ومنذ إعلان استقلال دولة إسرائيل، أصبحت السلطة في أيديهم، بعدما تمّ تقديمها لهم على طبق بريطاني مِن ذهب. فلا أرى مَسِيّاهم محقِّقًا لهُمْ مجدًا أرضيًّا أبهى ممّا فعلت السياسة البريطانية.
وقد يطرح المرء سؤالين على الإخوة اليهود من المتديِّنين:- 1. طالما عرف العالَم عدد علماء اليهود من أصحاب براءات الإختراع، ما رأيكم في تكليف عدد منهم باختراع مَسِيّا جديد على ذوقكم؟ إنّ هذا لَمِن حَقِّكمْ. ومن حقّ كلّ أمّة أن تخترع لها رمزًا ما. حقّ تكفله وثيقة حقوق الإنسان. فبحسب إحصائية باحث فلسطينيّ نشرتها وكالة معا ال
اخبارية في مطلع عام 2010 أنّ اسرائيل وحدها سجلت 16805 من براءات الاختراع. وهذا العدد كبير نسبيًّا، من حقّ كلّ يهودي في العالم أن يفتخر به.
2. مَن ذا تنتظرون وأيّهما أفضل؛ أَأُورشليم الأرضية (القدس) التي يحلم رؤساؤكم اليوم بجعلها عاصمة لإسرائيل، بعد اعتراف دول كثيرة من القارات الخمس بدولتكم ومنها دول إسلاميّة، أم أورشليم السَّماويّة التي أعدّها لكم ولغيركم المَسِيّا الذي ظهر ولم يعترف به رؤساء كهنتكم الذين عاصَروا زمن ظهوره؟ وهو الملك السَّماوي الذي ظهر بشهادات شهود عيان كثيرين من أبناء جلدتكم؛ مثالًا: لاوِي بْن حَلْفَى- مَتَّى الإنجيلي- فتوجد لديّ أدلّة على أنّ لاوِيَ بْنَ حَلْفَى الذي كان معروفًا في كَفْرَناحُومَ عَشَّارًا\جابيًا هو مَن كَتَبَ البشرى السّارّة المسمّاة باٌسمه (إنجيل متّى) وأنّه وجَّه الدعوة إليكم تحديدًا على أمل في أن تقبلوا بها. كذلك فعل شاول الطَّرسوسي- بولس الرسول- برسالته إلى العِبرانيّين.
أخيرًا فإنّ ليلى اليهوديّة بنت داود قد ذهبت إلى قيس اليهودي بمحض إرادتها، في الموعد الذي رأته مناسبًا، قبل حوالي ألفي عام. في وقت كان قيس اليهودي قاسي الفؤاد وما يزال إلى اليوم؛ له عينان وما أراد أن يُبصِر وله أذنان وما أراد أن يسمع. فلم يقبلها لأنّ تعلّقه بها كان شديدًا وطويل الأمد نسبيًّا، حتّى أفقده صوابَه، فتسبب في قتلها بأيادي وثنيّين من الرومان. وأمّا ليلى فقد سامحته على جهله وقسوته.