19 مايو 2017
كسنجر يرتب أوضاع العالم الجديد !
محمود الشربيني
قبل أن تقرأ:
أهدي هذه الكلمات التي نطق بها الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الرئيس أنور السادات في قبره. لا أهديها اليه من باب الورورد والمحبه والتقدير بالطبع، فما لمثله تهدي الورود.ومالمثله يبعث التقدير. وإن تجلي للملايين أن الرجل هو بطل الحرب وصانع السلام!
أنصتُ إلى طلال سالمان- صاحب جريدة السفير اللبنانية الشهيره التي طوت أوراقها وجفت أحبارها مؤخرًا- وهو يتحدث إلى جزيل خوري في المشهد على ال bbcالعربيه. جاء حديثه في الدقائق الأخيره كما اللغم المؤجل الانفجار. راجعته "جيزيل" في بعض من رؤاه التي ميزت طرح الجريده العريقه، خصوصا المشهد الصادم في كامب ديفيد حيث ذهب السادات إلى أميركا بحثا عن صلح منفرد مع العدو الصهيوني. كان طلال قد اختار وصف السادات بالساقط وعن هذا يقول سلمان بمرارة "السادات في نظر الجمهور العربي خائن. يحضرنى هنا مانشيت (صحيفة) السفير ثاني يوم زيارة القدس: الساقط عند المغتصب". هذا التعبير راجعته فيه جيزيل، فاعتذر طلال عن قسوته وان لم يتراجع عن مضمونه وعن كنهه مطلقًا. لقد كانت الأيام الاولي للحرب المقدسه تشع أملا على الناس، وتكتب مستقبلًا جديدًا للأمه العربية، لكن النهايه السريعه أختارها السادات عندما بدأ مبكرًا مفاوضات فض الاشتباك الأول عند الكيلو 101، والتي وثق المشير محمد عبد الغني الجمسي -وكان وقتها رئيسًا لأركان الجيش المصري، وموضع حفاوه خاصه بسبب " كشكوله" الشهير- بدايات النكوص والتراجع عن كل مكتسبات العبور وتقدم الجيوش العربية على الجبهتين المصريه والسورية، وآمال الأمه المعقوده على هذه الحرب- بدموعه التي ذرفها وقال في تفسيرها: وجدت هنري كيسنجر في هذه المفاوضات يعطي الأمن لاسرائيل على حساب الأمن لمصر والسادات يوافق!
كيسنجر حاضر في بداية المشهد.منذ بدايات الحرب. ومن قبل هذه الحرب؟ وحتى تنشر كل "الوقائع المحجوبه" عن هذه المرحله، فإننا فقط نذكر هنا أنه منذ بواكير الحرب وهناك لغمان فجرهما جنرال وكاتب مصري بشأن هذه الحرب، استنادًاإلي هذه الشواهد عن علاقة السادات بكيسنجر، والقناه السريه التي فتحها السادات معه عبر حافظ إسماعيل مستشاره لشئون الأمن القومي. وربما يأتي يوم تنشر فيه هذه المراسلات، أذا كان الحظ حليف الاجيال الجديده، فيطلقها شخص كجوليان آسانج مؤسس موقع ويكيليكس.
اللغم الأول الذي فجره الجنرال كان لغم الفريق سعد الدين الشاذلي قائد العمليات في أثناء المعركة، والذي ظل مصرًا على موقفه من أن السادات أتفق مع الأميركيين على شن حرب" تحريك" وليس حرب " تحرير" واللغم الثاني فجره كاتب هو يوسف أدريس أحد المبدعين وكاتب القصه القصيره الاشهر عربيًا والكاتب بالأهرام، والذي منعت سلسلة مقالات له كان قد بدأ نشرها في جريدة القبس الكويتيه الشهيره، حول قصة الحرب والاتجاه إلى الصلح المنفرد مع أسرائيل، كانت صحيفة "القبس" الكويتية قد بدأت في نشر حلقات منها، بعنوان " البحث عن السادات" وفيه هاجم إدريس الرئيس أنور السادات، واتهمه بأنه خان مبادئ الثورة، وفرط في كرامة مصر، لصالح الإسرائيليين. وثارت ثائرة الموالين للسادات في الصحف الحكوميه ومجلس الشوري والمجلس الأعلي للصحافه وانهالوا على يوسف إدريس بتهم الخيانة والقبض بالدولار والتشهير مثلما انهالت أجهزة أخرى على الفريق سعد الشاذلي واتهمته بعدم الحنكه والخبره وبأن المنافسه والصراع بينه وبين المشير أحمد اسماعيل وزير الحربيه في ذلك الوقت هي السبب وراء هجومه على السادات ومحاولته الأقلال من قيمة النصر العسكري للجيش المصري.
لغمان مدمران حركا المياه الآسنه في هذا البركه الراكده المليئه بالاسرار، وأجبراها أن تطفو على السطح، فإذا أضيف اليهما ماذكره (الفريق)المشير الجمسي عن دوركيسنجر في مفاوضات فض الاشتباك الاولي والثانيه، يمكننا أن نرسم مشهدا مريعًا لما فعله أنور السادات في تلك الاثناء، وتحديدًا بالحرب التي انتظرناها تعيد المجد للأمه، فإذا بها تنتهي نهاية مريعه على النحو الذي نراه اليوم: فلسطين ضائعه وممزقه، وسوريا والعراق واليمن في أتون عاصفه ومحرقه لانعلم كيف يتوقف لظاها، ونفط نجح كيسنجر في تحقيق مبتغاه منه بقولته الشهيره " خلي العرب يشربوه"! وفضلا عن هذا، فإنه ومنذ ذلك اليوم الاغبر الذي وقعت فيه مصر السادات صلحها المنفرد مع إسرائيل ومصر تفقد مكانتها كقلب للعروبه وتتخلي عن دورها القيادي في العالم العربي لصالح قوي ناشئه، تعتمد على المال وليس على القدره والخبره وعوامل التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا. وكل ماتمثله مصر من تاريخ حربي ووجودي ومكاني وحضاري أمتد عبر آلاف السنين.
المشهد مع جيزيل خوري أضاف لقائمة الالغام السابقه (لغم الجمسي ولغم الشاذلي ولغم يوسف إدريس) لغما رابعا فجره طلال سالمان صاحب عنوان الساقط عن المغتصب، عندما حكي قصة لقاء جري بين الرئيس الأميركى ريتشارد نيكسون والرئيس السوري حافظ الأسد.ونقل سالمان عن "الأسد" قوله أنه مان محتاجا لبضع دقائق فقط ينفرد فيها بنيكسون بعيدا عن عيون كيسنجر، الذي يبدو أن من بين مهامه التي كان مطلوبا منه يهوديا القيام بها هي منع هذه الدقائق الخمس من التحقق بأي ثمن. يقول الاسد: جلسنا إلى طاولة الحوار، ونحن نحاول إيجاد ثغره معا لمثل هذا الحديث (المنفرد!) انا ونيكسون، بينما كيسنجر متاهب كل لحظه ليذكر رئيسه بأن هناك طائره تنتظر الاقلاع. فلما تكررت ملاحظة كيسنجر، رد عليه الاسد قائلا بما معناه أن الطائره تتلقي أوامر من الرئيس، وتنتظر الرئيس، وليست هي التي تعطي أوامر للرئيس. وظل الأمر يراوح مكانه، حتى حانت لحظة مرور الرئيسين بين غرفتين، فإذا بهما يسرعان في الدخول اليها، ويسرع الرئيس حافظ الأسد بإغلاقها بالمفتاح من الداخل، وراحا يتبادلان الحديث بعيدا عن عيون وآذان كيسنجر، الذي لم يتمالك نفسه، ولم يتوقف عن طرق الباب مطلقًا عليهما!
المفاجأه المدهشه التي كشفها طلال سلمان كانت ان الباب لم يفتح إلا بعد أن انتهي نيكسون -المذعور من مستشاره للامن القومي هنري كيسنجر- من أن يحذر الرئيس الأسد منه بقوله: " انتبه. حذار من كيسنجر. حذار من كيسنجر. هذا رجل يهودي. كن على حذر!
بكل أسف: الحذر لايمنع ابدًا. "قدر"! ولايمنع أن نري يوما مايسمي "قمه عربيه - اسلاميه- أميركيه"! يعقبها زيارة ترامب لاسرائيل (اليهوديه) ودولة الفاتيكان(المسيحيه)!
بعدما قرأتم: كيسنجر يرتب ويوفق أوضاع العالم. انتبهوا أيها الساده!