كهرباء غزة حلول «ترقيعية» تحد من حجم الأزمة الإنسانية ولا تنهيها
أشرف الهور
غزة ـ «القدس العربي»: تفاقمت الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة على نحو خطير، بسبب الأزمات التي تعصف بالسكان، ومن أبرزها ارتفاع عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي، بعد تنفيذ السلطات الإسرائيلية قرار تقليص الكهرباء الموردة للقطاع، فيما يترقب السكان أن تخفف الأزمة لا أن تنتهي، مع بداية إدخال السلطات المصرية وقودا من معبر رفح للمرة الأولى، من أجل تشغيل محطة التوليد المتوقعة، للمساهمة في حل الأزمة.
ومع بداية حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة في القطاع الساحلي المحاصر، شرعت السلطات الإسرائيلية بتطبيق قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، والقاضي بتقليص إمدادات الكهرباء عن قطاع غزة، الذي يعاني منذ أكثر من شهرين من نقص حاد في الطاقة، فاقت الـ 70 ٪ من احتياجاته اليومية.
وعلى مدار الأيام الماضية، بدأت السلطات الإسرائيلية بخفض قيمة الكهرباء الموردة عبر عشرة خـــطــوط رئيــســية، تعــطـــي القــطـــاع 120 ميغاواط يوميا، ضمن المخطط الرامي لجعل ما يصل السكان فقط 80 ميغاواط، لتكفي وحدها إمدادهم بين ساعتين إلى ثلاث ساعات يوميا فقط، بدلا من أربع ساعات.
القرار الإسرائيلي الخطير جرى تطبيقه حسب ما أعلنت تل أبيب بناء على طلب من السلطة الفلسطينية، التي تهدف للضغط على حركة حماس، من أجل الموافقة على خطة الرئيس الفلسطيني محمود عباس، لتطبيق اتفاق المصالحة وإنهاء الانقسام، والقائمة على تحميل حماس مسؤولية إدارة القطاع، وتدبير أمور حياة السكان، حال رفضت تمكين حكومة التوافق من إدارة غزة.
وجاءت الموافقة الإسرائيلية رغم إدراك حجم الخطر الذي قد ينجم عنه، وإمكانية أن يدفع الأمور في القطاع الذي يعيش حالة تهدئة إلى «الانفجار». حيث قال رئيس هيئة الأركان الجنرال غادي أزينكوت، أن خفض كميات الكهرباء سيؤثر بشكل مباشر على توفير الأمن، وأن من صالح إسرائيل، أن تكون هناك كهرباء دائمة في غزة.
وأعلمت سلطة الطاقة في قطاع غزة، أن خفض الكميات ينذر بـ «آثار خطيرة» على واقع الكهرباء الذي يعاني أصلاً من نقص حاد وعجز كبير، وأشارت إلى أن قرار التقليص سيؤثر بشكل كبير على برامج التوزيع وانتظامها.
واستنكرت الإجراء الذي وصفته بـ «الخطير» وحملت الاحتلال والأطراف المتسببة «كامل المسؤولية عن العواقب الوخيمة المترتبة على التقليص».
حركة حماس حملت أيضا الاحتلال الإسرائيلي والرئيس محمود عباس «التداعيات الكارثية» عن إجراءات تقليص إمداد غزة بالكهرباء ومنع تزويد محطة التوليد بالوقود اللازم لتشغيلها.
وحذر الناطق باسم الحركة فوزي برهوم من الاستمرار في هذه الإجراءات التي وصفها بـ «الخطيرة» كونها تمس كل مناحي الحياة وتعمل على تعطيلها، مطالباً بالتراجع الفوري عنها.
ودعا الفصائل الفلسطينية إلى إفشال أي مخططات تهدف إلى تدمير عوامل ومقومات صمود شعبنا ومقاومته تمهيداً لتمرير مشاريع استسلام وتصفية للقضية الفلسطينية.
وجاءت هذه التحذيرات بعد ان أنذرت وزارة الصحة ومراكز حقوقية في غزة من تفاقم الأزمة وبعد تدهور خطير لمستوى الخدمات الأساسية للمواطنين، وخاصة الصحية والبيئية.
وأجبر التيار الكهربائي الشحيح في غزة وزارة الصحة على تقليص خدماتها التشخيصية والمساندة، خاصة أنها ترافقت والنقص الحاد للوقود اللازم لتشغيل مولدات المستشفيات.
وحسب تقرير للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، فإن الوزارة دخلت «مرحلة قاسية» جراء الأزمة واضطرت إلى تشغيل المستوى الثاني من المولدات الكهربائية في المستشفيات، وتقليص الخدمات التشخيصية والمساندة، وأن الأمر حاليا يتهدد عمل 40 غرفة عمليات جراحية، و11 غرفة عمليات نساء وولادة إضافة إلى توقف 50 مختبرا طبيا و10 بنوك دم، وتأثر 100 مريض في أقسام العناية الفائقة، و113 من الأطفال الخُدّج.
وحسب التقرير الحقوقي فقد انعكست الأزمة سلباً على تقديم الحد الأدنى من خدمات المياه والصرف الصحي للمواطنين، حيث اضطرت البلديات إلى ضخ المياه العادمة للبحر دون معالجة، ما أدى إلى تلوث غالبية شواطئ القطاع، وإلى عدم قدرة البلدات على ضخ المياه العادية للمنازل.
وحذر رئيس القطاع الصحي في غزة الدكتور باسم نعيم، من خطر انهيار الخدمات الصحية، وقال ان هناك نقصا حادا في الوقود اللازم لتشغيل الطاقة داخل المرافق الصحية، للحفاظ على استمرارية عمل الأجهزة الطبية والحيوية داخل الأقسام الحساسة في المرافق الصحية.
ولم تكن المرافق الصحية والبيئية هي فقط من تأثرت بأزمة الطاقة، فالأمر طال ربات المنازل، حيث تشتكي النساء من عدم قدرتهن على القيام بالأعمال المنزلية المرتبطة بالكهرباء، كما تأثرت العلاقات الاجتماعية، حيث أظهرت دراسات محلية أن الأزمة طالت الزيارات العائلية، وأن استمرارها سيزيد من حجم الضغط على السكان المحاصرين، الذين حرموا هذا العام من الاستجمام على «المتنفس الوحيد» لهم وهو البحر، بعد تلوثه بالمياه العادمة التي ضخت إليه، وهو أمر ينذر بتفشي أمراض كثيرة وخطيرة.
ويأمل سكان غزة في تخفيف حدة الأزمة في هذه الأيام، بعد بدء السلطات المصرية ضح كميات من الوقود، لصالح تشغيل محطة الطاقة المتوقفة عن العمل، وهي خطوة على الأكثر ستعمل على زيادة ساعات الوصل لتكون أكثر من أربع ساعات، وهو البرنامج الأخير للتوزيع الذي تأثر بقرار التقليص الإسرائيلي، وأقل من ثمان ساعات يوميا، وهو البرنامج الذي كان قائما قبل الأزمة التي تعصف بالقطاع من أكثر من شهرين.
غير أن السكان لا يعرفون إلى متى سوف تستمر إمدادات الوقود المصرية، رغم أن حركة حماس أبدت تفاؤلها حيال المواقف المصرية الجديدة، وقالت على لسان الدكتور خليل الحية عضو المكتب السياسي أن العلاقات «ذاهبة نحو التطور»، حيث تشكل مصر متنفسا وحيدا للقطاع.
واعتبر حازم قاسم المتحدث باسم حركة حماس، إدخال الوقود المصري «خطوة مهمة في مواجهة الحصار الإسرائيلي، المفروض على غزة، ويعزز صمود أهلها».
وقال ان الاستجابة المصرية لحاجات شعبنا في غزة، هي خطوة مقدرة وتعكس الدور المصري التاريخي الداعم لصمود شعبنا الفلسطيني، ولحقوقه ومطالبه العادلة، لافتا إلى أن حماس تتطلع إلى مزيد من الخطوات لمواجهة الحصار الإسرائيلي، مشيراً إلى أن مصر لها دور محوري في هذا المجال.
والمعروف أن قطاع غزة تصله الطاقة من ثلاثة موارد، أولها الجانب الإسرائيلي الذي يغذي القطاع بـ 120 ميغاواط قبل التقليص، وثانيها المحطة المتوقفة، بسبب الخلاف بين السلطة وحركة حماس على كيفية شراء وقودها، وتوفر الكمية الثانية من الطاقة، وقدرها نحو 70 ميغاواط، حيث تعمل بقدرة مولدين، وثالثها تصل من مصر وهي كمية قليلة قدرها نحو 25 ميغاواط، وتغذي جنوب القطاع.
ويحتاج القطاع يوميا للتغلب نهائيا على أزمة الطاقة بين 450 إلى 500 ميغاواط، ويتوجب الحصول على هذه الكمية، تشغيل محطة التوليد على الغاز بدلا من الوقود الصناعي، وزيادة قدرة الخطوط الإسرائيلية والمصرية، وهو ما يجعل أي حلول غير المذكورة «ترقيعة» تخفف من حدة الأزمة لا أن تحلها بشكل كامل، وتجعل سكان القطاع كغيرهم من المناطق الفلسطينية، يحصلون على التيار الكهربائي على مدار الساعة.