جيش التحرير الفلسطينيلم يعد توسل فلسطين أو تسولها يعيدها إلى أصحابها، كما لم تجد عشرات القرارات الدولية القاضية بإعادة الشعب الفلسطيني إلى بلاده. ما أوصل الشعب الفلسطيني إلى الإيمان بضرورة استعانته بالكفاح المسلح، من أجل تحقيق طموحاته الوطنية.
لقد تضافرت عوامل عدة، فأخرجت "منظمة التحرير الفلسطينية" إلى حيِّز الوجود وعمدت قيادة هذه المنظمة، من فورها، إلى تأسيس "جيش التحرير الفلسطيني"، ضمن الأعمدة الثلاثة الرئيسية، وذراعاً مسلحاً لهذه المنظمة.
خلفية تاريخية:
خاض الشعب الفلسطيني، قبل انطلاق حركة المقاومة المعاصرة، ثلاث تجارب مسلحة، ذات أهمية خاصة، هي: ثورة 1936-1939، وحرب 1948، والعمليات الفدائية في النصف الأول من خمسينات القرن العشرين. وقد ورثت حركة المقاومة المعاصرة دروساً وسمات من كل تجربة سابقة، وهو ما أثر على اختيارها أساليبها.
ثورة 1936-1939:
مرت الثورة الوطنية الكبرى (1936-1939) بثلاث مراحل متميزة، شملت النشاط العسكري والسياسي، غير المنظم، وغير المنسق، نسبياً، عام 1936، وأوج المجابهة المدنية والمسلحة، بين أواخر 1937، وأواخر 1938، قبل الانهيار النهائي، تحت ضغط القوة العسكرية البريطانية المتفوقة، في 1939. وقد تميزت هذه المواجهة الطويلة بالسمات التالية:
(1) كانت المجموعة الأولى، التي انطلقت بالعمل العسكري، هي تلك التي نظمها، وقادها الشيخ عز الدين القسام، في عام 1935. ولم تكن أهمية تجربته بالنتائج الميدانية، نظراً لاستشهاده، وزوال المجموعة، بعد أسبوع واحد من الانطلاق فحسب بل إنه، أيضاً، كرس سنوات لبناء شبكة تنظيمية محكمة، كأساس للتحرك القادم.
(2) عانى المجاهدون الذين خاضوا الثورة الكبرى، من نقص فادح في الأسلحة، والتدريب، والقيادة، ولم تتطور قدراتهم العسكرية، إلا بعد قدوم فوزي القاوقجي* صيف عام 1936.
(3) شهدت المرحلة الثانية من الثورة تحسناً ملحوظاً في تنسيق العمل العسكري السياسي، على الصعيد المحلي، والتكتيكي، لكن حالة الفوضى والتشرذم القيادية استمرت، على الصعيد الوطني العام.
(4) عاشت المرحلة الأخيرة في الثورة نكوص المجاهدين، تحت ضغط تفوق القوات البريطانية، في التجهيز والعدد، فضلاً عن الصراعات داخل المجتمع الفلسطيني، وغياب القيادة، ونقص السلاح، والذخيرة. ما أدى إلى إحباط الثورة.
حرب 1948:
اختلفت هذه التجربة عن سابقتها، بسبب التغيرات في طبيعة القوى المشاركة، وفي نمط القتال، وانحصر هنا العدو الأول في الجماعات الصهيونية، التي شهدت نمواً مطرداً في عدد المقاتلين، والمستوطنين اليهود، وفي حجم التسليح، ونوعه. وشهدت الحرب اشتراك الدول العربية المجاورة لفلسطين، وهو ما قلَّص الدور السياسي، والعسكري للشعب الفلسطيني، وظل مقيداً بحدود الوضع الاستراتيجي العربي وسلبياته، كفقدان التنسيق، وإهمال دور الأهالي المحليين، وانقسمت القوات الفلسطينية والعربية شبه النظامية إلى مجموعتين: "قوات الجهاد المقدس"، و "جيش الإنقاذ". وركزت هذه القوات على المهام الدفاعية، ما نتج عنه تكبد خسائر فادحة في الطرف العربي.
الفدائيون:
اختلفت تجربة الفدائيين، في خمسينات القرن العشرين، كثيراً عن تجربتي الثورة الكبرى، وحرب 1948، فكانت دولة إسرائيل، التي قامت على الجزء الأكبر من التراب الوطني الفلسطيني، وأصبح الشعب الفلسطيني منقسماً إلى عدة تجمعات: فمنهم من بقي في دياره تحت الاحتلال الإسرائيلي، أو الإدارة المصرية أو الأردنية، ومنهم من قبع في مخيمات في الضفة الغربية، وقطاع غزة، ومنهم من استقر في الأقطار العربية المجاورة لفلسطين.
وقد تميز نشاط الفدائيين، خلال النصف الأول من خمسينات القرن العشرين، باتباع أساليب العمل السري، نظراً لافتقار هذا العمل للأرض، وتبعثر الكثير من الأُطر الاجتماعية والسياسية الفلسطينية، التي تتيح تنظيم المقاومة المسلحة لأي احتلال، ويجدر تقسيم العمل الفدائي في خمسينات القرن العشرين، إلى صنفين:
أولهما: تألف من أعمال التسلل العفوية، التي قام بها الأفراد، فيما تألف ثانيهما من العمليات العسكرية المنظمة، التي قامت بها مجموعات سرية، وانطلق الصنفان من خارج الأراضي التي احتلتها إسرائيل. وقد تقلص الأول، تدريجياً، ونما الثاني، مع مرور الوقت.
النواة:
لا شك في أن جيش التحرير الفلسطيني لم يقم من فراغ، بل سبقته محاولات محدودة في دول عربية عدة، لإقامة وحدات عسكرية فلسطينية، من بينها "الكتيبة 141"، و"كتيبة الاستطلاع 68"، و"فوج التحرير".
"الكتيبة 141" فدائيين: لقد كان لشن القوات الإسرائيلية غارات مسلحة متوالية ضد التجمعات الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة اعتداء 28 شباط 1955، والتي قامت به الكتيبة (101) الإسرائيلية، التي أسسها وتولى تدريبها، أرئيل شارون، بالإضافة إلى "مشروع شمال غرب سيناء"، الذي هدف إلى توطين 60 ألف فلسطيني في صحراء سيناء، ما أدى إلى قيام شعب القطاع بانتفاضة، طالب فيها برفض هذا المشروع، وتشكيل جيش عربي ـ فلسطيني، وهو ما أدى إلى حضور الزعيم جمال عبد الناصر إلى غزة، وتشكيل قوات الفدائيين الفلسطينيين، والتي تحولت إلى وحدات، ثم إلى كتيبة 141، والتي تولى أمرها مدير المخابرات الحربية المصرية في قطاع غزة، البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وقد قامت هذه الكتيبة بعديد من العمليات الفدائية داخل الأراضي المحتلة، وأرهقت القوات الإسرائيلية، وأقلقت إسرائيل على كيانها، وبدأ الإسرائيليون يبحثون عمن وراء كل هذه العمليات. التقت كل الأسهم عند البكباشي (المقدم) مصطفى حافظ، وبدأ التخطيط لاغتياله، حتى تم اغتياله، بالفعل، في يوم 11 تموز 1956. بعد أن تمكنت عناصر الكتيبة 141 من قتل نحو 1400 صهيونياً، ما جعلها تؤكد إمكانية توجيه ضربات قاصمة للعدو الصهيوني، عدا عن ضرورة هذه الضربات، فحثت أعمال هذه الكتيبة أبناء الشعب الفلسطيني على التحرك في هذا الاتجاه.)
في سوريا: على غرار الاستخبارات المصرية، أنشأت المخابرات العسكرية السورية، بناءً على أوامر عبد الحميد السراج،** "كتيبة الاستطلاع 68"، في كانون الأول 1955، وكان أبرز رجالها الفلسطيني محمد خليفة (أبو عبد الله) والضابط السوري أكرم الصفدي. وبرز في أحداث 1958 في لبنان، من أعضاء هذه الكتيبة، جلال كعوش، ونفذت هذه الكتيبة بعض العمليات في الجليل، وغور طبرية، ثم ضمت إلى "جيش التحرير الفلسطيني"، عند تأسيسه، في 5/9/1964.
فوج التحرير:(7) لم تكن هناك محاولات في مصر وسوريا لإقامة وحدات عسكرية فلسطينية فحسب، بل انضمت إليها العراق، ففي حزيران 1959، كان الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم دعا إلى تشكيل فوج عسكري من الفلسطينيين المقيمين في العراق، وأطلق عليه اسم "فوج التحرير"، الذي سرعان ما انضم إليه نحو 300 جندي، و50 ضابطاً من الفلسطينيين، ونسبة كبيرة من هؤلاء الضباط كانوا من قطاع غزة (39)، من المقيمين في دول الخليج، ومن فلسطينيي لبنان، والعراق، وعدد قليل من الأردن، أما جنود الفوج فكانوا من فلسطينيي العراق.
والذي دفع المتطوعين للالتحاق بهذا الفوج ظنهم بأنه سيكون نواة الحركة المسلحة الفلسطينية، التي تأخذ دوراً طليعياً في معركة التحرير، غير أن الأيام خيبت ظنهم. ففي عهد قاسم لم تزد مهمات الفوج عن الاستعراض أثناء زيارات الوفود العربية للعراق والتدريب المتكرر في معسكر الرشيد قرب بغداد.
بانقلاب 8 شباط 63، الذي أطاح بحكم القاسم، وضعت وزارة الدفاع العراقية 3 خيارات أمام ضباط الفوج: التسريح أو النقل إلى الوحدات العراقية أو البقاء في الفوج. ثم أُلحق الفوج بالوحدات العراقية العسكرية العاملة في شمال العراق، وأُبدل اسمه من "فوج التحرير" إلى "الفوج الأول/ اللواء 65 المستقل". وقد استمر ضباط الفوج في الجيش العراقي، حتى تشكيل جيش التحرير الفلسطيني.
تأسيس جيش التحرير:
وسط المعطيات المادية والسياسية، والتي شكلت الأساس التاريخي للكفاح المسلح الفلسطيني، نشأت المنظمات الفلسطينية المسلحة، في إطارين رئيسين، هما:
حركة المقاومة، ومنظمة التحرير الفلسطينية.
تألفت حركة المقاومة من ثلاث مجموعات رئيسية: حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فــتح"، حركة القوميين العرب، وجبهة تحرير فلسطين.
وجاء القرار العربي باعتماد "م.ت.ف." خلال مؤتمر القمة العربي الثاني المنعقد بالإسكندرية، في أيلول 1964. فقد قام أحمد الشقيري، مندوب فلسطين في جامعة الدول العربية، بعقد مجلس وطني فلسطيني، مكون من 388 عضواً في القدس، في 28 أيار 1964 قرر ضمن ما قرر، تأسيس "جيش التحرير الفلسطيني"، والذي كان ضمن عُمد المنظمة، المتمثلة في "الميثاق القومي"، "النظام الأساسي"، "المجلس الوطني"، "مركز الأبحاث"، "الصندوق القومي"، و"اللجنة التنفيذية".
وسرعان ما استجد قدر من التنافس، له ما يبرره، بين "م.ت.ف"، و"جيش التحرير الفلسطيني"، من جهة، وبين المنظمات الفدائية من جهة أخرى.
ما قبل تأسيس الجيش:
عقد الملوك والرؤساء العرب أول مؤتمر قمة لهم، في القاهرة، يوم 13/1/1964، في سبيل بحث التدابير التي يجب اتخاذها لمواجهة المشروع الإسرائيلي لتحويل مياه نهر الأردن، وروافده وقرر المؤتمر تخويل ممثل فلسطين في جامعة الدول العربية، أحمد الشقيري، الاتصال بالدول العربية، وبشعب فلسطين في مختلف تجمعاته، من أجل إيجاد الطريقة المثلى لتنظيم شعب فلسطين وإمكاناته وطاقاته في سبيل تحرير وطنه.
قام الشقيري بزيارة بعض الدول العربية، ثم صرح، يوم 27/3/1964، بأن الكيان الفلسطيني سيقوم على أربع دعائم هي:
(1) الجهاز العسكري، ومهمته تمكين القادرين على حمل السلاح من خدمة وطنهم. (2) الجهاز التنظيمي. (3) الجهاز السياسي. (4) الجهاز المالي.
المرحلة الأولى من تأسيس الجيش:
عقد المؤتمر الفلسطيني التأسيسي، الذي تحول، فيما بعد، إلى المجلس الوطني الفلسطيني في القدس، يوم 28/5/1964، وأصدر قراراته، ومؤداها في المجال العسكري:
(1) البدء، فوراً، بفتح معسكرات التدريب لجميع القادرين على حمل السلاح من الشعب الفلسطيني، رجالاً، ونساءً، بصورة إلزامية.
(2) تشكيل كتائب فلسطينية، عسكرية نظامية، وأُخرى فدائية.
(3) تزويد هذه الكتائب بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة، والتجهيزات اللازمة.
(5) السعي لإلحاق الشباب الفلسطيني بالكليات العسكرية في الدول العربية.
(6) تطبيق نظام المقاومة الشعبية، والدفاع المدني في صفوف الشعب الفلسطيني.
إلى ذلك تم افتتاح أول معسكر في قطاع غزة، في شهر أيار 1964، فيما افتتحت الحكومة الجزائرية، معسكر تدريب للفلسطينيين، وظهر أول وجود علني للجيش الفلسطيني النظامي، في احتفالات الجمهورية العربية المتحدة (مصر) بعيد الثورة، في يوم 23/7/1964، حيث اشتركت وحدات رمزية في العرض العسكري، باسم "جيش فلسطين".
أيد مؤتمر القمة العربية الثانية، الذي انعقد في الإسكندرية، يوم 5/9/1964 قرار منظمة التحرير الفلسطينية، بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، التابع للمنظمة، وعينت ضابطاً فلسطينياً قائداً لهذا الجيش. وبدأ تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني في سوريا والعراق ومصر والأردن، فتشكلت في سوريا "قوات حطين" (3 كتائب مغاوير ووحدات إسناد ودعم)، وفي العراق "قوات القادسية" (كتيبة مغاوير ووحدات)، وفي مصر "قوات عين جالوت" (3 كتائب ووحدات)، وتشكلت في كل من لبنان، والأردن (كتيبة مغاوير).
عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثانية، في القاهرة، في 31/5/1965، وكان ضمن ما قررته هذه الدورة جملة من القرارات العسكرية، منها:
(1) الإسراع في تنفيذ التدريب الشعبي. (2) إنشاء إدارة للتعبئة العامة في المنظمة. (3) تسهيل مهمة قيادة الجيش، في اختيار الضباط والعناصر العسكرية، وانتقالهم ضمن وحدات الجيش، وفقاً للمقتضيات العسكرية. (4) فرض التجنيد الإلزامي على جميع الفلسطينيين، القادرين على حمل السلاح. (5) مضاعفة الاهتمام بتشكيلات الفدائيين، وزيادة أعدادهم. (6) الاهتمام بدور المرأة الفلسطينية في معركة التحرير، لتمكينها من العمل في المقاومة الشعبية، والخدمات الطبية.
قيادة المرحلة الأولى:
قامت اللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف. بتعيين وجيه المدني، وهو ضابط كان يرأس حرس أمير الكويت، قائداً عاماً لجيش التحرير الفلسطيني، ورقته اللجنة إلى رتبة "لواء"، وألَّفت لجنة عسكرية ثلاثية*** وأوكلت إلى الثلاثة مهمة التفاوض مع القادة العسكريين العرب، في شأن تفصيلات تتعلق بإنشاء جيش التحرير الفلسطيني، وتسليحه. كما قامت م.ت.ف، في تشرين الأول 1964 بتعيين ضابطين فلسطينيين، يقيمان في سوريا، هما صبحي الجابي، ومحمد أبو حجلة، مستشارين عسكريين، ثم عينت الجابي رئيساً للأركان، في تموز 1965.
المرحلة الثانية:
ظهرت أزمة في إطار العمل العربي المشترك، تركت آثارها في تطوير جيش التحرير، كما أثرت في أعمال منظمة التحرير الفلسطينية.
برزت هذه الأزمة عام 1966، حينما اقترحت المنظمة على الأردن السماح للأولى بتطبيق التجنيد الإلزامي على الفلسطينيين وإنشاء كتائب أخرى للجيش، وظهرت بوادر الأزمة إثر اجتماع مشترك بين الجانبين الأردني والفلسطيني يوم 21/2/1966 في مقر جامعة الدول العربية بالقاهرة، وتضمن:
(1) مواصلة الحكومة الأردنية دراسة موضوع التجنيد الإلزامي.
(2) إحالة موضوع تشكيل وحدات الجيش إلى القيادة العربية المشتركة.
(3) تأليف لجنة من قيادة الجيش الأردني وجيش التحرير لدراسة موضوع تشكيل وحدات جيش التحرير الفلسطيني.
(4) إنشاء المنظمة معسكرات في فصل الصيف للتدريب العسكري في الأردن.
(5) تسليح المدن والقرى الأمامية بمساهمة مالية من المنظمة.
غير أن معظم بنود الاتفاق لم تنفذ، إذ تأزمت العلاقة بين الحكومة الأردنية والمنظمة، ما أدى إلى قطاع العلاقات بينهما، في الشهر السابع من عام 1966، فيما كان التوتر يسود العلاقات العربية بصفة عامة، وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثالثة، في غزة، 20/5/66 وأصدر عدة قرارات منها ما يخص جيش التحرير:
(1) مناشدة الدول العربية الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه قيادة الجيش.
(2) تحويل إيرادات "الصندوق القومي" إلى حساب "جيش التحرير".
(3) وضع الدائرة العسكرية في قيادة المنظمة تحت إشراف قيادة الجيش.
على الرغم من الصعوبات التي واجهها "جيش التحرير الفلسطيني" في مرحلة تأسيسه، فإن قيادته استطاعت أن توفر لأفراده مستوىً تدريبياً عسكرياً جيداً فتخرجت الدفعات الأولى من ضباط الجيش من الكليات العسكرية العربية، وتم إرسال بعثات تعليمية للانتساب إلى كليات عسكرية في الدول الاشتراكية الصديقة، وخصصت المنظمة 85% من موازنتها للجيش، فمعظم الدول العربية لم تدفع حصصها المالية. ويمكن القول إن عام 66 شهد تطويراً لوضع الجيش ولكنه شهد، في الوقت ذاته صعوبات أثرت سلباً في تنفيذ المرحلة الثانية من إنشائه.
الجيش في حرب 1967:
كان تطور الجيش وتسليمه يسيران ببطء، بسبب الصعوبات التي واجهها، وقد جابه هذا الجيش، في عام 1967، ثلاثة أحداث هامة، أثرت في تنفيذ المرحلة الثانية من خطة إنشائه:
(1) إصدار رئيس م.ت.ف. الشقيري، في 1/2/1967 بياناً، في القاهرة، أعلن فيه تشكيل "مجلس قيادة الثورة"، وقرر هذا المجلس تطوير جيش التحرير، بحيث يصبح جيشاً ثورياً، وتطوير موازنته، وتشكيله، وجميع شؤونه. وقرر "مجلس الثورة" إخضاع الجيش لسلطة مجلس تحرير، يضم خيرة الكفاءات العسكرية العربية، ولكن قيادة الجيش لم تقبل، واعتبرت مجلس التحرير سلطة تنقص من مسؤولياتها في قيادة الجيش.
(2) نشوب حرب 1967، وكانت أول تجربة هامة للجيش، الذي خاض الحرب، خاصة في قطاع غزة. وكانت منظمة التحرير وضعت قوات الجيش، في شهر أيار 1967، تحت تصرف القيادة السورية (قوات حطين) والقيادة العراقية (قوات القادسية) والقيادة المصرية (قوات عين جالوت) لإشراكها في المعركة ضد العدو الإسرائيلي، إذا ما شن عدوانه.
(3) استقالة أحمد الشقيري من رئاسة م.ت.ف. في 24/12/1967 وتولى يحيى حمودة رئاسة المنظمة، بالوكالة.
في أيلول 1967 جمع وجيه المدني الضباط، وأوضح لهم بأنه لابد من التحول للعمل الفدائي، وطلب متطوعين من بين الضباط، اختير من بينهم عشرة ضباط، وهم:(15) فايز جراد، وليد أبو شعبان، حسن أبو لبدة، أحمد صرصور، يحيى رفيق عكيلة، صائب العاجز، عمر عاشور، ويرجس ديب إحجير. انتقلوا جميعاً إلى الأردن، وقادهم فايز الترك، على أساس أن يلتحقوا بقوات الداخل، التي يقودها كل من مصباح صقر، ووليد أبو شعبان، وحسين الخطيب، ونمر حجاج. إلا أن المخابرات السورية اعتقلت المجموعة المتجهة من القاهرة إلى الأردن، عبر سوريا وإن أعادوا الكرة، عن طريق بغداد، في مطلع تشرين الثاني من العام نفسه. ونقلتهم سيارات الجيش العراقي من بغداد إلى عمان، وتشكلت مجموعات "قوات التحرير الشعبية"، ودخلت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفق الاتصال بمصباح صقر، منذ شباط 1968. وبنت "قوات التحرير الشعبية" ثلاث قواعد في الكرامة، بقيادة نمر حجاج، والقطاع الأوسط بقيادة أحمد صرصور، والمنطقة الشمالية بقيادة يحيى مرتجى، مع نقطة صغيرة في الكرك، وافتتحت مركز تدريب في جرش، وتولى قيادته وليد أبو شعبان، ثم فايز جراد، فأحمد صرصور، وأخيراً محمد رزق أبو عبده، وقد سقط من "قوات التحرير الشعبية" 24 شهيداً في معركة الكرامة (21/3/68). وفي هذه المعركة قاد مقاتلو "قوات التحرير الشعبية" صائب العاجز، وكان على رأس الشهداء، شحته طبيل، وتولى قيادة التحرير لاحقاً، فايز الترك ثم بهجت الأمين وعبد العزيز الوجيه، ثم بهجت الأمين من جديد.
المرحلة الثالثة:
كان من الطبيعي أن يؤثر تغير بنية م.ت.ف. واستحواذ منظمات المقاومة على قيادتها، في صيف 68، في مواقف قيادة الجيش من مختلف القضايا الفلسطينية، مثل الوحدة الوطنية، والعمل الفدائي، وبغية تنظيم العلاقة بين قيادة الجيش وقيادة المنظمة، اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني، في دورته الرابعة بالقاهرة (10/7/1968) قرارين هامين في المجال العسكري:
(1) دعم جيش التحرير، وزيادة حجمه وتطويره وتكليف اللجنة التنفيذية للمنظمة لاتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لذلك.
(2) تعديل المادة 22 من النظام الأساسي للمنظمة، ونصها:**** "تشكيل وحدات فلسطينية، وفق الحاجات العسكرية، والخطة التي تقررها القيادة العربية الموحدة، بالاتفاق والتعاون مع الدول العربية المعنية، بحيث تنشئ المنظمة جيشاً من أبناء فلسطين يعرف (بجيش التحرير الفلسطيني، وتكون له قيادة مستقلة، تعمل تحت إشراف اللجنة التنفيذية) وواجبه القومي أن يكون الطليعة لخوض معركة تحرير فلسطين، وكان القصد من هذه التدابير ربط قيادة الجيش بقيادة المنظمة، استقلال قيادة الجيش في إدارة قواتها، المتمركزة في عدة أقطار عربية.
رأت اللجنة التنفيذية الجديدة أن المرحلة الجديدة تتطلب إجراء تغييرات في مناصب قيادة الجيش، فعينت، في شهر تموز 1968، رئيساً جديداً لهيئة أركان الجيش، وهو عبد الرزاق اليحيى، كما عينت، في 14/12/1968، رئيساً جديداً لهيئة أركان العامة، ومنحته اختصاصات القائد العام للجيش.
ما بعد الشقيري:
في مرحلة ما بعد الشقيري وبسبب تركيبة جيش التحرير الفلسطيني، وتأثير الدول العربية المتواجد فيها على قراراته، إلى حد اتخاذ مواقف متعارضة مع مواقف اللجنة التنفيذية للمنظمة، حدث تمرد في "قوات حطين" المرابطة في سوريا، على قيادة المنظمة، وذلك في شهر تموز 1968، حين أصدرت القيادة العامة لجيش التحرير بياناً، دعت فيه اللجنة التنفيذية إلى عدم التدخل في شؤون الجيش، حيث ردت اللجنة التنفيذية على تصرف القيادة العامة بأن أسندت منصب رئيس الأركان للعميد عبد الرزاق اليحيى، خلفاً للعميد صبحي الجابي، واتهمت،كعادة المنظمة، بعض الضباط بالتمرد وباقتحام مكتب المنظمة في دمشق، وباحتجاز رئيس الأركان الجديد لمدة يومين، ثم أوقفت اللجنة التنفيذية صرف رواتب الضباط والجنود هناك، قبل التوسط بين الجانبين، نجحت في إطفاء التمرد وتم إخلاء سبيل اليحيى من قبل المتمردين، وتم الاتفاق بين المتمردين وقيادة المنظمة على تعيين قيادة جديدة للجيش، في أواخر عام 1968، وكان هذا التمرد نتيجة سيطرة الدول العربية المعنية على وحدات الجيش الموجودة على أراضيها، ونتيجة لعدم قدرة القيادة السياسية للمنظمة على التحكم بتوجيه الجيش، أو تنظيمه.
عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الخامسة، في القاهرة، في 1/2/1969، وانتخب لجنة تنفيذية جديدة، برئاسة "ياسر عرفات"، الذي شغل منصب رئاسة الدائرة العسكرية أيضاً وكان أول عمل قام به هو زيارة "قوات عين جالوت" المرابطة على قناة السويس مع القوات المصرية، و"قوات القادسية" المرابطة في الأردن مع القوات العراقية، و"قوات حطين" في سوريا.
مرحلة العمليات:
ظهرت نتائج التغييرات في قيادة الجيش، حينما شاركت قواته في عملية "الحزام الأخضر" ضد العدو الإسرائيلي، في آب 1969 حيث قامت قوت القادسية في الأردن، بالاشتراك مع "قوات التحرير الشعبية"، و"قوات العاصفة"، بتنفيذ هذه العملية الناجحة على جبهة طولها 7 كيلو مترات من خط المواجهة، بين الأردن وإسرائيل، وكان حجم القوات المشتركة في هذه العملية أكبر حجم شهدته عمليات المقاومة الفلسطينية، حتى ذلك الوقت.
تلتها "عملية البكر"، حين قامت مجموعة من "جيش التحرير الفلسطيني" وقوات التحرير الفلسطيني الشعبية، في أيلول 1969، بالهجوم على مراكز دفاع العدو على جبهة طولها 10 كيلو مترات، من خط المواجهة بين الأردن وإسرائيل. تلتها عمليات "جيش التحرير الفلسطيني"، بالاشتراك مع "قوات التحرير الشعبية"، ومنظمات المقاومة الأخرى. بالإضافة إلى إسهام جيش التحرير، و"قوات التحرير الشعبية" في معارك حركة المقاومة الفلسطينية، خلال الأزمات التي واجهتها الحركة في لبنان، خلال شهري نيسان وتشرين الثاني 1969، وأثناء أحداث الأردن، في أيلول 1970. إثر ذلك قررت اللجنة التنفيذية للمنظمة، يوم 16/9/1970، وقبل اندلاع أحداث الأردن بيوم واحد، توحيد جميع قوات الثورة الفلسطينية، (جيش التحرير، وقوات التحرير الشعبية، وقوات الفدائيين، والقوات التابعة لمنظمات المقاومة، وقوات الميليشيا) تحت قيادة واحدة، وتعيين ياسر عرفات قائداً عاماً لقوات الثورة الفلسطينية.
في حرب 1973:
عندما نشبت حرب تشرين أول 73، كان لوحدات جيش التحرير الفلسطيني دور مهم في المعارك، التي دارت على الجبهتين السورية والمصرية، وقد اختلف الدور الذي قامت به وحدات جيش التحرير الفلسطيني في حرب 1973، تبعاً للجبهة التي تواجدت فيها هذه الوحدات، عند نشوب الحرب. تكونت قوات هذا الجيش من كتائب مشاة نظامية، مسلحة بأسلحة خفيفة ومتوسطة، تمتعت بتدريب جيد، ومعرفة بالأراضي المحتلة، قادرة على القيام بمهام وحدات المغاوير، المحمولة بالحوامات، والمشاة المرافقة للدبابات، ومهام التخريب وراء خطوط العدو. وكانت هذه الكتائب، عند اندلاع حرب 1973 موزعة على الجبهات العربية كالتالي:
(1) كتيبة مصعب بن عمير: التي توزعت وحداتها على الحدود اللبنانية الإسرائيلية وأسندت إليها المهام التالية:
ـ العمل خلف خطوط العدو، بنصب الكمائن، وزرع الألغام، وتنفيذ الغارات على تجمعات العدو.
ـ قصف تجمعات القوات الإسرائيلية في المعسكرات، وتدمير جهاز الرادار في جبل الجرمق.
ـ الدفاع عن محور حاصبيا ـ ميمي ـ راشيا الوادي، محور مرج الزهور ـ المصنع بغرض إعاقة أية وحدات للعدو، تحاول التقدم في العرقوب.
(2) قوات حطين، التي نفذت بعض المهام القتالية، بشكل مستقل، أو كجزء من الجيش السوري. وأهم أعمالها الاشتراك في الهجوم، مع قوات الفرقتين التاسعة والخامسة، السوريتين (مشاة)، وتنفيذ عملية الإنزال بالحوامات على تل الفرس، والإغارة على مؤخرات القوات المعادية، بعد توغلها على جيب سعسع. وتألفت "قوات حطين" من ثلاث كتائب (كتيبة 411 وكتيبة 412 وكتيبة 413) وبلغت خسائرها 44 شهيداً و65 جريحاً.
(3) قوات القادسية، التي بقيت مؤلفة من كتيبتين، في احتياطي قيادة جيش التحرير، وتمركزت في بعض المناطق الهامة في عمق الجبهة السورية، ولم تستخدم هذه القوات في المجابهة المباشرة مع العدو، بل كانت مكلفة بإحباط أية محاولة للعدو للضرب في العمق، والتصدي لأية محاولة إنزال جوي.
(4) كتيبة زيد بن حارثة، التي التحقت بالفرقة الأولى للمشاة (الأردنية)، ونظراً لعدم اشتراك الجبهة الأردنية في القتال، بقيت هذه الكتيبة في مواقعها الدفاعية، تقوم بأعمال الدوريات والكمائن في الخطوط الأمامية.
(5) قوات عين جالوت، التي عملت بإمرة قيادة الجيش المصري، وكانت، قبل اندلاع الحرب، متمركزة على قناة السويس، وقد أسندت إلى هذه القوات مهام ضمن خطة العمليات على الجبهة المصرية، لأنها وحدات مشاة خفيفة، تم إلحاقها بالجيش المصري الثالث، الذي أسندت إليه مهمة الدفاع عن الضفاف الغربية للبحيرات المرة، بين كبريت وكسفريت. وبعد عبور قوات الجيش المصري قناة السويس، بقيت قوات عين جالوت ضمن مؤخرة الجيش، ووحداته الإدارية، مع الوحدات العربية الأخرى (الكويتية، المغربية)، وأسندت إليها مهمة الدفاع خلف منطقة العبور وقامت قوات عين جالوت بدفع عدة مجموعات استطلاع أمام منطقة دفاعها، إلى الشمال. وتمكنت هذه المجموعات من التبليغ عن الأعمال الأولى للخرق الإسرائيلي في منطقة الدفرسوار، يوم 16/10/1973، كما قامت بالتصدي للوحدات الإسرائيلية التي تسللت خلف مواقعها، وخسرت قوات عين جالوت 30 شهيداً، و70 جريحاً، وعدداً من المفقودين.
أوضاع الجيش:
الفكر العسكري:
أُنشئ "جيش التحرير الفلسطيني" ليكون قوة نظامية، وفدائية، في آن، وتنوعت النظرة إلى وظيفته، حسب بلد منشأ كل وحدة من وحداته، فكانت "قوات عين جالوت" مسؤولة عن الدفاع عن قطاع غزة، مع القوات المصرية، و"قوات القادسية" في العراق، وتدريب "قوات حطين" في سوريا.
حجم الجيش:
انطلق "جيش التحرير الفلسطيني"، خلال السنة الأولى من تشكيله، بقوة إجمالية، راوحت بين 4,000 و5,000 رجل، وقد توسع، تدريجياً، حتى بلغ قوامه 12000 رجل، عشية حرب 1967.
وواجه الجيش، عقب خسارة التجمعات البشرية الرئيسية في قطاع غزة والضفة الغربية، ظروفاً صعبة، فانخفضت قواته إلى 5500 رجل، في الفترة من 1964-1976، إلا أنه ظل يستقطب المتطوعين من الأراضي المحتلة، وطبَّق التجنيد الإلزامي على الفلسطينيين في سوريا ما أدى إلى زيادة تعداده، في 1968-1970، إلى 6,600 رجل، وأضيف إليه فدائيو "قوات التحرير الشعبية"، استقر حجم الجيش في سبعينات القرن العشرين على 8000 رجل، وحدثت تقلبات في فترة 78ـ1982 وارتفع حجم الجيش إلى 12000 رجل، ثم استقر بين 8000-9000 رجل.
التنظيم:
كانت أكبر وحداته فرقة المشاة "20"، التي ضمت لوائي المشاة 108، 109، وكتيبة صاعقة (نواة اللواء 100)، وشمل كل لواء ثلاث كتائب مشاة، وكتيبة دبابات، وكتيبة مدفعية.
تألفت كل كتيبة من ثلاث سرايا. أما لواء حطين فتأسس من نواة، هي كتيبة استطلاع فلسطينية، تابعة للجيش السوري، وتوسع، ليشمل ثلاث كتائب مشاة، بين عامي 1965-1967.
وأُنشئت "قوات القادسية" من كتيبة واحدة، مدربة كقوة صاعقة، وبعد حرب 1967 حدثت تغييرات في التنظيم، منها زوال فرقة المشاة 20، وإنشاء "لواء عين جالوت" عوضاً عنها، وتألف من أربع كتائب.
ثم تأسست "قوات التحرير الشعبية" مطلع 1968، ورافق ذلك قبول المتطوعين في "قوات القادسية"، وأصبح هناك كتيبتان (421-422)، وتحولت إلى "كتيبة زيد بن حارثة"، المستقلة، وتشكلت كتيبة مصعب بن عمير في لبنان، واستمر الوضع، دون تغيير حتى 1977. وابتداءً من عام 1980 حصل جيش التحرير على مجموعة جديدة من الأسلحة، وتحولت كتيبة 421 التابعة لقوات القادسية إلى الفوج المدرع، بينما تحولت كتيبة 422 إلى قوة محمولة، وأُعيد إحياء قوات التحرير، عبر تحويل كتيبة مصعب بن عمير إلى كتيبتين.
إلى ذلك تم إنشاء كتيبة المدفعية الثالثة، وكتيبة صواريخ، وتحولت كتيبة "عين جالوت" إلى كتيبة الشهيد فاخر النحال، كما تم تحولات لدى الجيش في لبنان، مع توسيع وحداته في الأردن، حتى تأسست "قوات بدر"، المؤلف من ثلاث كتائب، وقادها أيوب عامر، اعتبرت نواة للقوات الفلسطينية في الأردن (1974-1967).
الانتشار الجغرافي:
تمركزت فرقة "المشاة 20"، التابعة للجيش، في قطاع غزة حتى 1967، حين تمركز "لواء حطين" في سوريا، وقوات القادسية في العراق، وأُعيد تجميع الفرقة 20 في مصر، بعد حرب 1967، وانتشرت في منطقة البحيرات المرة، أما "قوات القادسية" فقد توجهت إلى الجبهة الأردنية، عشية حرب 1967، حتى عام 1971، وانتقلت إحدى كتائب "قوات القادسية" إلى سوريا، حتى عام 1976، بينما استقرت الكتيبة الثانية لقوات القادسية في الأردن، وتحرك لواء عين جالوت، مؤقتاً، إلى سوريا، أثناء حوادث 1970، في الأردن، وسرعان ما عاد إلى موقعه في مصر، وبقي "لواء حطين" في سوريا، وخاضت مختلف القوات حرب 1973.
وفي الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1976) توجه "لواء حطين" إلى شمال لبنان (1975) إلى سوريا، نهاية عام 1976، ثم عادت قوات عين جالوت إلى مصر (1977)، وسرعان ما عاد إلى لبنان، إثر عقد الصلح المنفرد بين مصر وإسرائيل (1979).
التسلح والتدريب:
لم يشك جيش التحرير من أي نقصان في الأسلحة، نظراً لعلاقته العسكرية بالدول العربية، وتوفر الميزانية المالية المخصصة لدى "م.ت.ف.".
أما التدريب فتلقى جنود الجيش التدريب على أيدي المدربين المصريين، وجرى التدريب في معسكرات في قطاع غزة، وتلقى كثير من ضباط الصف والجنود التدريب من الجيش السوري، فيما تولت م.ت.ف. مهام تدريب "قوات التحرير الشعبية" في الأردن، ولبنان، في فترة 1968-1971.
المآل:
أدى جيش التحرير الفلسطيني دوراً غير صغير في القتال ضد الهجمة العسكرية الإسرائيلية على لبنان، صيف 1982، والتي تكسرت فيها كل المحاولات العسكرية الإسرائيلية لدخول بيروت الشرقية، أمام صمود المقاتلين الفلسطينيين، واللبنانيين، والسوريين، وهنا لعب جيش التحرير الفلسطيني دوراً محورياً.
معروف بأن هذه الهجمة الإسرائيلية قد انتهت باتفاق على خروج القوات الفلسطينية من بيروت، حيث تناثرت هذه القوات بين سوريا، مصر، السودان، اليمن، شماله وجنوبه، ليبيا، تونس، الجزائر، والعراق.
اندمجت قوات شتى الفصائل الفلسطينية بجيش التحرير، وسمي الجسم الجديد "جيش التحرير الوطني الفلسطيني"، وإن بقي الجزء المرابط في سوريا من ذاك الجيش يحمل الاسم القديم.
حين دخلت السلطة إلى الضفة والقطاع، حمل من تبقى من جيش التحرير "جهاز الأمن الوطني". لكن قصة جيش التحرير لم تكتب، تفصيلاً، بعد.