رمضان في بريطانيا
[rtl]يمثل المسلمون في بريطانيا 5% من مجمل عدد السكان البالغ حوالي 58 مليون نسمة، فبحسب إحصائيات رسمية فإن عدد المسلمين في بريطانيا من مختلف الجنسيات يبلغ عددهم أكثر من مليوني نسمة، وهذا العدد يعادل نحو 50% من مجموع الجاليات العرقية والدينية في بريطانيا، وتعود أصول المسلمين الذين يعيشون في بريطانيا إلى مجموعة واسعة من الخلفيات القومية والثقافية، حيث ينتمون إلى 56 بلدا، هذا بالإضافة إلى عدد ممن اعتنقوا الدين الإسلامي من أصول بريطانية وأوروبية، وينتشر المسلمون في مختلف أنحاء بريطانيا، ولكنهم يتمركزون بأعداد كبيرة في مدن (لندن) و(مانشستر) و(برمنغهام) و(برادفورد).
ثقافات مختلفة..شهر مختلف:
ورمضان في بريطانيا يختلف عن بقية دول العالم الإسلامية:
أولاً: لأن المسلمين هناك هم جاليات، وليسوا مجتمعاً واحد يعيش على أرضه.
وثانيا: لاختلاف هذه الجاليات، حيث تتبع كل جالية لبلادها الأصلية..وعليه فإن أول أوجه الاختلاف تظهر ثبوت الشهر، ففي الغالب لا يتفق المسلمون في بريطانيا على بداية شهر رمضان.. ولكن الأمور بدأت في الآونة الأخيرة تختلف بعد أن أصبح للمسلمين مجلس إسلامي واحد، وهو الذي يفتي في هذه المسائل.
وحسب اختلاف عادات وتقاليد الجاليات الإسلامية في بريطانيا تختلف أساليب الاحتفاء برمضان، فكل جالية تتبع بلادها في طريقة استقبالها للشهر الكريم، ووجبات الإفطار والسحور، ومع هذا يظل لهذا الشهر طابعه الخاص في أي مكان، وهو طابع العودة إلى الله وكثرة العبادات والتقرب إلى الله - سبحانه وتعالى-.. كما رمضان في بريطانيا بروح التعاون والتكافل، حيث يتم جمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها، هذا إضافة إلى عدد من المناشط الدعوية من الدروس والمحاضرات.
استقبال الشهر الكريم:
ليس غريباً أن ترى مظاهر شهر رمضان المبارك في العاصمة البريطانية طالما أنهم يمثلون 5% من سكان بريطانيا، ولكن استقبال الشهر الكريم فى بريطانيا لا يأخذ حيزا كبيرا مثلما يحدث في الدول العربية والإسلامية، فهو يقتصر على قيام أصحاب المحال العربية بتزيينها بالفوانيس الرمضانية واللوحات الإسلامية، التي عادة يحرص المسلمون العرب على توفيرها لتضفي أجواء رمضانية خاصة تعكس هويتهم وموروثهم الاجتماعي في الغرب، وتحرص تلك المحال على توفير المواد الغذائية اللازمة خلال شهر رمضان من أطعمة ومشروبات تستورد خصيصا من بلدان عربية وإسلامية. يستقبل الطلاب المسلمين في الجامعات والمعاهد العليا، باللوحات الإعلانات، وبطاقات التهنئة بحلول الشهر الكريم، والإصدارات المختلفة من نشرات ومجلات، وتحفل المساجد وغرف الصلاة بالأنشطة المختلفة من محاورات ولقاءات، ويمتدّ النشاط ليشمل بيوت ضيافة الطلاب والطالبات العام منها والخاص.. وكثيرًا ما شهدت بيوت الضيافة إسلام فتاة أو شاب في رمضان الذي يثير مقدمه حوارات عديدة بين المسلمين وغيرهم، ويدعو كثيرين إلى معرفة الإسلام عن كثب.
راديو رمضان:
ومن المظاهر الجميلة في شهر رمضان، ما يعرف بـ "راديو رمضان"، ففي كل مدينة كبيرة في بريطانيا يقوم بعض الشباب المسلم بتوجيه بث إذاعي خصيصًا في شهر رمضان يشتمل على برامج موجهة للمسلمين وغيرهم باللغات الإنجليزية والعربية والأردية والبنجابي.
الدوام مرهق في الشتاء:
أكثر ما يعاني منه المسلمون في بريطانيا هو نظام العمل في فصل الشتاء، حيث يحرم الكثير من الإفطار العائلي، الإفطار والناس في أعمالهم وفي عطلة نهاية الأسبوع يلتقي الأصدقاء في البيوت والمساجد توثيقاً لأواصر المحبة في هذا الشهر الكريم، ولكنهم يتغلبون على هذا الأمر بالتقاء الأصدقاء في عطلة نهاية الأسبوع في البيوت والمساجد توثيقاً لأواصر المحبة في هذا الشهر الكريم.
أما عندما يأتي رمضان في بقية فصول العام مثلما هو العام الحالي فإنّ الإفطارات الجماعية تعد من أهم المظاهر الرمضانية التي يتميز بها مسلمو بريطانيا.
موائد الإفطار الرمضانية:
تختلف موائد الإفطار الرمضانية بين المسلمين كل على حسب بلاده الأصلية، فالمسلمون من أصل مغربي تختلف موائد إفطارهم عن المسلمين من الشرق وهكذا.. إلا أن الحليب والتمر يظل الصنف المشترك بين الجميع وتتميّز به مائدة رمضان في بريطانيا!.
وتقدم بعض المطاعم العربية وجبات خاصة للإفطار يوميا تتألف من الأكلات الشعبية في البلاد العربية، وليس غريباً أن تجد في بعض المطاعم وجبات إفطار مجانية للمحتاجين طيلة شهر رمضان المبارك.
الإفطارات الجماعية.. بوابة رمضانية للإسلام:
تقوم الجمعيات الإسلامية بنشاط كبير في شهر رمضان، حيث تنظّم الإفطارات الجماعية في المساجد وتعقبها محاضرات، ثم صلاة التراويح.. وفي هذه الأماكن يشعر المسلمون بالجو الرمضاني الذي يفتقدونه في الشارع والأماكن العامة.
ولكن الإفطارات الجماعية تؤدي دوراً آخر أكبر، فقد أصبحت باباً مهماً من أبواب الهداية للإسلام.. فهي وخاصة تلك التي تنظمها الجمعيات الإسلامية واتحاد الطلبة المسلمين- تظل مفتوحة حتى لغير المسلمين، الذين يبدأ الأمر عندهم بالاستغراب، وينتهي بالإعجاب!!.. وفي حالات كثيرة بالإسلام!!.. أما بالنسبة للتهجد والاعتكاف فيكاد يكون معدوماً.
التكافل في رمضان:
يتميز هذا الشهر الكريم بروح التعاون والتكافل حيث يتم جمع الصدقات وتوزيعها على مستحقيها. هذا إضافة إلى عدد من المناشط الدعوية من الدروس والمحاضرات، ومع هذا يظل التقصير وارداً والحاجة إلى مضاعفة الجهد ماسة.
الأسر في رمضان:
تجد الأسر المسلمة متنفسًا في التلاقي في رمضان في المساجد ودور الرعاية الإسلامية التي يقدر عددها بنحو ألف مسجد في بريطانيا، وتعتبر المدن الصغيرة أسعد حظًا؛ حيث تجتمع معظم العائلات في المسجد يوميًا للإفطار ثم لصلاة التراويح.
صلاة التراويح:
تكثر تجمعات المسلمين في العاصمة لندن في شرقها، ووسطها، وشمالها غربها لندن، وبالتالي تشهد حشودًا هائلة من المقبلين على صلاة التراويح، حتى لكأنها بعض أحياء القاهرة أو الإسكندرية في رمضان! ومن أكثر المساجد احتشاداً بالمصلين المسجد المركزي بوسط لندن.
ويلقى الأطفال رعاية خاصة تقام فيه صلاة التراويح في كل مكان، فالصغار دون سن التمييز تجالسهم بعض السيدات في غرف خاصة، مما يتيح للأمهات فرصة للصلاة، والأطفال الأكبر سنًا يؤدون الصلاة في صحبة والديهم.
أصعب رمضان منذ 30 عاماً.. مسلمو بريطانيا يعانون من ساعات الصيام الطويلة.. كيف سيتعاملون معها؟
يواجه مسلمو النصف الشمالي رمضانهم الأصعب منذ ما يزيد على 30 عاماً، بسبب طول أيام الصيف التي تجعل من مدة الإفطار الأقصر على الإطلاق.
ويأتي الشهر الإسلامي المقدس، المتوقع أن يبدأ الاثنين المقبل، هذا العام مع الانقلاب الصيفي ما يعني شروقاً مبكراً وغروباً متأخراً، حيث تتقدم بداية شهر رمضان المُعتَمِدة على القمر نحو 10 أو 11 يوماً سنوياً في دورة تمتد لمدة 33 عاماً.
ويصوم المسلمون في رمضان في الفترة ما بين شروق الشمس إلى غروبها، ممتنعين عن الطعام والشراب والتدخين والعلاقة الحميمية. وحين يأتي رمضان في عمق الشتاء قد تصل ساعات الصيام لـ8 ساعات فقط، مقارنة بـ20 ساعة أو أكثر في بعض المناطق هذا العام.
وقال إبراهيم موجرا، الأمين العام المساعد للمجلس الإسلامي في بريطانيا: "شهدنا لمحة من هذا الأمر العام الماضي، لكن هذا العام يمثل تحدياً أكبر مقارنة بالعام السابق"، وأضاف: "لكن هذا جزء لا يتجزأ من التجربة، وهو ما يؤمن به معظم المسلمين، ربما سيلجأ عدد أكثر قليلاً إلى الرخص المتاحة لكبار السن والضعفاء وغيرهم ممن يحتاجون إلى الأدوية". كما تُعفَى النساء من الصيام أثناء حملهن أو حيضهن، بالإضافة إلى الأطفال الذين لم يبلغوا بعد.
أما مسلمو الجزر والمرتفعات الاسكتلندية فسيواجهون فترات الصيام الأطول في المملكة المتحدة، حيث قال الطبيب وحيد خان، أحد وكلاء مسجد إنفرنيس المسجد الشمالي الأبعد في المملكة المتحدة: "الضوء لا يختفي تماماً في المرتفعات، إنه غسق بدلاً من الظلام الدامس، كما يجب علينا أن نستمر في حياتنا، لذا قد يكون الأمر شاقاً. لكن المسلمين يودون الصيام، صحيح أن التفكير في الأمر يجعله يبدو شاقاً، لكن فعله ليس بتلك الصعوبة".
يسكن إنفيرنس بضع مئات من المسلمين على الرغم من تذبذب الأعداد بسبب عقود العمل قصيرة الأمد في القطاع الصحي وغيره من الصناعات. بينما يعيش بعض المسلمين في الشمال الأبعد، في شتلاند "وأحد التحديات هو وضع جدول زمني لرمضان بالنسبة لهم"، بحسب ما أشار إليه وحيد خان.
ويسمح العديد من أرباب العمل لموظفيهم الصائمين في رمضان بتبكير مواعيد وردياتهم للأوقات التي يتمتعون فيها بكامل طاقتهم، وهو ما يوفر لهم أيضاً وقتاً للصلاة.
ادخار الإجازات
وأضاف موجرا: "يدخر العديد من المسلمين إجازاتهم حتى لا يضطروا للعمل في شهر رمضان بأكمله. كما أن لدى الناس اليوم خيارات أفضل، الأطعمة بطيئة الإطلاق للطاقة على سبيل المثال ستجعلهم أكثر استعداداً".
كما عبّر القطاع الصحي، أحد أكبر مُوَظِّفي المسلمين في المملكة المتحدة، عن ثقته بالسياسة المعتَمدة للأفراد وموافقتها لقوانين المساواة، وأضاف أحد متحدثيه: "يوفر القطاع الصحي العديد من الحلول الملائمة للمسلمين وغيرهم من الموظفين"، كما استطرد قائلاً إن الممارسة الجيدة التي يتبعونها تستوعب طلبات تغيير ورديات العمل وغيرها من التعديلات الخاصة بأيام العمل.
يتزامن رمضان هذا العام أيضاً مع الامتحانات المدرسية، وهو ما دفع مديري المدارس للمطالبة بإعفاء التلاميذ المسلمين من الصيام، حيث قال قسم التوجيه في رابطة مديري المدارس: "ما من شك أن تزامن رمضان مع موسم الامتحانات سيمثل ضغطاً على الشباب المسلم، أياً كان قرارهم، خاصة مع طول فترات الصيام خلال الأعوام المقبلة. سيحتاج الشباب المسلم وعائلاتهم، خاصة المتقدمين للامتحانات هذا الصيف، للموازنة بين التزاماتهم كمسلمين وأهمية الاختبارات لمستقبلهم، فالسعي للتعلم هو أحد المسؤوليات الدينية والأخلاقية للمسلمين من كلا الجنسين".
ورفضت "أوفكوال"، الإدارة المسؤولة عن تنظيم الامتحانات، تغيير جدول الاختبارات بما يناسب شهر رمضان.
تضاعف الصدقات
ومن المتوقع أيضاً أن تتخطى تبرعات المسلمين في المملكة المتحدة 100 مليون جنيه إسترليني التي دفعوها في العام الماضي، وفي حين تمثل الزكاة أحد أركان الإسلام الخمسة للمسلمين، فإن الصدقة هي عمل تطوعي إضافي.
وأضاف عثمان مقبل، الرئيس التنفيذي لمؤسسة Human Appeal الخيرية: "نؤمن كمسلمين بأن الصدقات تتضاعف في رمضان"، وتعد المؤسسة إحدى المؤسسات الخيرية الأسرع نمواً في المملكة المتحدة، حيث ارتفعت التبرعات السنوية لها من 5 ملايين إلى 30 مليون جنيه إسترليني في السنوات الخمس الأخيرة.
وتتلقي المؤسسة نصف دخلها خلال شهر رمضان، حيث تشارك في العديد من برامج المساعدات والطوارئ في 25 بلداً، بالإضافة لمشاركتها في الكثير من مشروعات بنوك الطعام، وإيواء المشردين، والصحة العقلية والعنف المنزلي في المملكة المتحدة.
وأضاف مقبل: "يبدأ الإحسان في المنزل، والمجتمع الذي يتبرع إلينا بكرم يستحق منا شيئاً في المقابل".
[/rtl]