يرحب بعودة جيش بشار الأسد إلى درعا ولكن: الأردن متوجس» من سيناريو « «المناطق منخفضة التوتر»
بسام البدارين
عمان ـ «القدس العربي»: عندما قابل العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني الرئيس دونالد ترامب في واشنطن تحدث الأخير مرتين على الأقل عن اهتمامه بإقامة منطقة آمنة عازلة بين الحدود الأردنية والسورية.
فكرة ترامب كانت إنتاج إيحاء بحماسه المفرط لمعالجة احتياجات أمنية قديمة.
بدا للمرافقين لعاهل الأردن انه لا يناقش المسألة ولا يعترض ولا يتحمس لها، لان مضمون الفكرة الأردنية باختصار يتمثل في القناعة بان المناطق الآمنة تحتاج لعنصرين لم يتحدث عنهما الرئيس ترامب ولا تلميحا وهما: قرار أممي من مجلس الأمن، وقوات على الأرض توفر الغطاء لمثل هذا السيناريو.
يعرف الأردنيون ان حاجتهم ملحة لمنطقة آمنة تفصل ما بينهم وبين تواجد قوات تنظيم «الدولة» أو غيرها من المجموعات غير المنضبطة في عمق بادية الشام وتساعد في الوقت نفسه في إعادة توطين جزء من اللاجئين.
منذ سنوات تطالب عمان بذلك لكن طبيعة الصراع على الأرض بين الأطراف الدولية والإقليمية الكبيرة حالت دون ولادة المشروع.
بالتالي عندما تحدث ترامب في المسألة تبين انه يفتقد للجدية ولا توجد لديه خبرة مباشرة في الميدان.
في كل حال رفعت عمان مبكرا شعارا يتضمن غطاء دوليا وعسكريا لأي مشروع من هذا النوع قبل بروز المستجدات الأخيرة .
موقف الأردن في هذا الاتجاه تحمست له موسكو وساعد ذلك في تنشيط وتفعيل المطلب الأردني الأقدم والمتمثل بعودة جيش النظام السوري إلى المناطق بمحاذاة درعا وعلى طول شريط حدود البادية الشمالية الأردنية، لان هذه العودة تسقط تماما قواعد اللعبة التي طرحها الرئيس بشار الأسد منذ أربعة أعوام عندما كان يقول ان درعا وما يحصل فيها مشكلة أردنية.
تطور الأمر لاحقا بعد عقد اجتماعات أمريكية روسية في عمان ناقشت صيغة لا تحتاج لقرار أممي بعنوان مناطق آمنة متفق عليها.
هذه الصيغة لا تثير حماس عمان أيضا لأنها متعددة الأوجه ومفتوحة على كل الاحتمالات ولا تفي بالغرض، لكن الأردن لم يعترض في الوقت الذي برز فيه المستجد الأهم وبرافعة روسية. حيث صعد على السطح الخبر العاجل والمفــاجـئ الذي يــقــول: أصدر الرئيس بشار الأسد أمرا لجيش النظام بالتحرك إلى درعـــا ومثلث قاعدة التنف على الحدود العراقية السورية المحاذية للأردن.
لم يكن ذلك خبرا مفرحا للأردنيين، لكنه لم يكن سيئا إلا في جانب واحد ضمن تفاصيله، وهو إصرار نظام دمشق على انه لا يستطيع التحرك عسكريا باتجاه الجنوب ضد تنظيم «الدولة» ورفيقاته إلا برفقة الميليشيات الإيرانية والعراقية واللبنانية .
هنا حصريا تحرك نظام بشار في اتجاهين، فقام بتحريك منصات صواريخ أرض – أرض ومدرعات وسلاح ثقيل وبكثافة من مناطق البادية إلى محورين: الأول باتجاه التنف والثاني باتجاه عمق ووسط درعا وفي الاتجاه الاضافي بدأت طلائع ميليشيات حزب الله والحرس الثوري الإيراني تتجمع وتتحشد في عمق درعا البلد فيما كانت ميليشيات الحشد الشيعي العراقي تسيطر على 40 قرية عراقية ما بين الأنبار وقاعدة التنف .
هنا حصريا دب وزير الخارجية الأردني ايمن الصفدي الصوت وأبلغ نظيره الروسي سيرغي لافروف في لقاء مغلق لم يحضره حتى مرافقين أو مترجمين برسالة مباشرة من بلاده فكرتها ان الأردن لا يريد ميليشيات طائفية على خاصرته الحدودية مع سوريا والعراق بالقدر نفسه الذي لا يريد فيه تنظيم «الدولة» .
ما الذي حصل بعد ذلك ؟ لا يمكن الإجابة على هذا السؤال معلوماتيا بدقة لكن المعطيات الواقعية تشير إلى ان عمان رفعت سقف التفاوض في هذا الأمر حتى تحصل على أقل من مطلبها الأساسي .
دخلت موسكو بقوة على خط تقديم ضمانات للأردن ولم يحصل سوى قدر من الاسترخاء الأردني بعد ان زرع الأمريكيون قاعدة قتالية متقدمة لهم بالقرب من التنف ضربت مرتين على الأقل ارتالا من الجيش النظامي السوري والميليشيات حاولت التموقع والتمركز .
هنا شعر الأردنيون بقدر من الاسترخاء لكن هواجسهم بقيت تشكل علامة فارقة في كل الاتصالات إلى ان تفاهم الروس والأمريكيون فيما يبدو على بروتوكول قواعد الاشتباك في شمال الحدود مع درعا ومنطقة التنف، الأمر الذي جعل ما يجري على الحدود الأردنية العراقية مع سوريا مسألة قابلة للتدويل بمعنى انها تدار بالقطعة وبشكل يومي وحسب المستجدات ضمن السياق المألوف في المجال الحيوي للصراع بين أجندات الدول الإقليمية واللاعبين الكبار .
علق الأردن هنا وبوضوح بين خيارين أحلاهما مر، وكانت المفارقة ما بين ترتيبات ضد التواجد الطائفي والداعشي بالتزامن أو أخرى تتعامل مع الواقع الميداني .
انكشف ظهر الاستراتيجية الأردنية بمجرد اندلاع أزمة الخليج الأخيرة، حيث اكتشفت عمان مباشرة بعد قمة الرياض ومشروع محاصرة قطر ان حلفاءها الكبار في مصر والإمارات والسعودية مهتمون باستهداف قطر ولا يمنحون الهواجس الأمنية الأردنية على الحدود مع سوريا والعراق أي أهمية .
وسط هذا الانشغال وسيناريوهات الفوضى التي دبت في المنطقة اضطرت عمان للتعامل مع الواقع الموضوعي، فبدأ الملك شخصيا ومعه رئيس الأركان الجنرال محمود فريحات بإطلاق نخبة من التصريحات التي تؤكد على هامش لقاءات رمضانية ان الجيش العربي الأردني لن يدخل الأرض السورية وأنه لا يفكر بذلك ولا يخطط له .
قد تكون هذه التأكيدات جزءا من منظومة تشكل استراتيجية جديدة للتعامل مع الواقع الميداني من جهة الأردنيين .
عبارة التعامل مع الواقع تعني الاختيار بين شرين وفقا لمعادلة دقيقة جدا وهما شر تتنظيم «الدولة» أو شر الميليشيات الطائفية المدعومة من إيران والتي يصر النظام السوري على اصطحابها معه ضمن نطاق الاشتباك على الأرض .
استفسر الأردن في الأثناء عن موقف إسرائيل التي ترتاب هي الأخرى من اقتراب ميليشيات إيرانية من الطرف الجنوبي لهضبة الجولان .
لا يمكن معرفة طبيعة الاتصالات الأردنية الإسرائيلية التي ناقشت هذا الامر تحديدا.
لكن في ظل الواقع ومع اجتهاد طهران ان تطمئن الأردنيين بان أحدا لن يقترب من حدودهم بالتوازي مع التزامات روسية بالسياق نفسه ومع وجود قاعدة قتالية أمريكية متقدمة، أصبح الأردن مضطرا للتعامل مع الشر الأقل ضررا .
هنا تبرز ملامح المجازفة الوشيكة والتي يعمل على تزيينها الإيرانيون والروس وبعنوان الميليشيات الشيعية اللبنانية والإيرانية والعراقية ستخدم الأردنيين بان تفصل جغرافيا بينهم وبين قوات تنظيم «الدولة» .