فوزي القاوقجي ضابط في الجيش السوري وقائد جيش الإنقاذ خلال حرب 1948 ولد في مدينة طرابلس بالدولة العثمانية. درس في المدرسة الحربية في الأستانة، وتخرج ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني عام 1912.
الميلاد: ١٩ يناير، ١٨٩٠،
طرابلس، لبنانالوفاة: ٥ يونيو، ١٩٧٧،
بيروت، لبنانفوزي القاوقجي (1890 – 1977)
قائد عسكري ومناضل عربي ولد في مدينة طرابلس (لبنان) وخرج منها إلى الآستانة للدراسة طفلاً. وظل يتدرج في المدارس التركية إلى أن وصل إلى المدرسة الحربية حيث بدأت بواكير وعيه السياسي العربي تتفتح.
تخرج سنة 1912 ضابطاً في سلاح الخيالة العثماني. وقد عمل أولاً في الموصل حيث ظهرت قدراته فغدا بعد وقت قصير معلم الفروسية في الكتيبة كلها.
أخذت مشاعر العروبة تقوى في نفس القاوقجي مع انكشاف ضعف الاتراك العثمانيين. ولما نشبت الحرب العالمية الأولى اتصل به بعض الساسة العرب ليقوم بالدعاية للثورة بين قبائل البدو التي يعرفها حق المعرفة وتكن له الحب والتقدير.
اشترك في الحرب ضد الانكليز الذين احتلوا البصرة. وأصيب سنة 1914 في معركة القرنة وأدخل المستشفى للعلاج، ثم غادره سيراً بتكليف من بعض رجال الأحزاب العربية ليتصل بعدد من زعماء الحركة العربية في سورية ولابنان فوجهم قد سبقوا السجون والمشانق.
عين في شهر أيار 1916 في فرقة الخيالة العثمانية الثالثة المرابطة على خط بئر السبع – غزة الدفاعي في وجه القوات البريطانية. وقد أكسبته أيامه في بئر السبع* خبرة واسعة في أصول الاستطلاع ونصب الكمائن، ونال شهرة واسعة لجرأته، وحصل على عدد من الاوسمة، وقربت صلته بالقادة الألمان، وأصبح مرافقاً لهم.
آثر القاوقجي الولاء للجيش العثماني حتى نهاية الحرب العالمية، وظل يقاتل في صفوف الأتراك رغم مضايقتهم له وكرهه لتسلطتهم وتيقنه من خسارتهم. ويعلل ذلك بشكه في نوايا البريطانيين والافرنسيين الذين اعتمدت عليهم الثورة العربية.
عاد فور انتهاء الحرب إلى مسقط رأسه طرابلس في 16/10/1918 وأقام هناك إلى أن زارها الملك فيصل بن الحسين ودعاه إلى العمل في خدمة الدولة العربية الجديدة فقبل الدعوة. وقد عين في الشعبة الثالثة في ديوان الشورى الحربي، وهناك تكشف له غدر الحلفاء فطلب نقله إلى إحدى الوحدات العاملة فعين آمر السرية الأولى من لواء الخيالة الهاشمي. وقد أثبت حزماً وقوة فيما أسند إليه من مهمات. وآلمته هزيمة ميسلون سنة 1920 وحز في نفسه وهو يتولى حراسة قصر الملك فيصل وقلعة دمشق، أن يرى دخول الفرنسسن دمشق، فترك ذلك فيه حرجاً ظل يدفعه إلى الثأر من المستعمرين.
أصبح القاوقجي أيام الانتداب الفرنسي آمراً لسرية الخيالة في حماة، ومعاوياً للمستشار الفرنسي، فسعى جهده لاكتساب ثقة الفرنسيين والعمل على تخفيف مطالبهم. وقد أثرت أحداث ثورة الأمير عبد الكريم الخطابي في الريف المغربي وثورة أتاتورك في الأناضول في نفسه وشجعته على التفكير بثورة مماثلة.
بدأ يعد للثورة ويدعو لها وينظم الخلايا. ثم أطلق الشرارة في 5/10/1925 مغتنماً فرصة ثورات صالح العلي وإبراهيم هنانو وسلطان الأطرش. وكاد يستولي مع من معه على مدينة حماة لولا قصف الطائرات. فخرج إلى البادية حيث استثار القبائل ضد الافرنسيين. وكان أبرز آثار حركته تخفيف الضغط عن الثوار في جنوبي سورية.
انتقل القاوقجي مع نفير من المجاهدين إلى منطقة القلمون وغوطة ودمشق وجبل العرب. وأسند إليه مجلس الثورة الوطني قيادة الثورة في منطقة الغوظة مع سلطات واسعة. واستطاع أن يحقق انتصارات كبيرة على الجيش الفرنسي ولكن نقص العتاد واستشهاد الكثيرين من رجاله اضطراره إلى الانسحاب باتجاه جبل العرب.
كان القاوقجي ومن معه آخر من ترك ميادين الثورة السورية. وقد استدعته اللجنة الثورية إلى عمان والقدس في صيف سنة 1927 وكلف السفر إلى تركية لإقناعها بمساعدة الثورة السورية. ولكنه عاد إلى القاهرة حيث كانت الخلافات قد اشتدت بين الزعماء السياسيين للثورة فلم يمكث فيها طويلاً وذهب إلى السعودية سنة 1928. وهناك آلة الدور الذي كان يلعبه البريطاني عبد الله فيليبي في المملكة. ولكنه استطاع، بمساعدة الأمير فيصل بن عبد العزيز (الملك فيصل فيما بعد)، إقناع الملك عبد العزيز بن سعود بتكوين جيش نظامي مدرب. وحاول تنظيم بعض الأمور ولكن العراقيل الكثيرة التي وضعت في طريقه والدسائس التي تعرض لها أجبرته على الاستقالة. ويعد وساطة عين مستشاراً للأمير فيصل.
غادر القاوقجي الحجاز سراً إلى مصر عقب اندلاع أحداث فلسطين سنة 1929 (رَ: ثورة 1929) والتقى أعضاء الوفد الفلسطيني المسافر إلى لندن (رَ: الوفود العربية الفلسطينية إلى لندن) لمفاوضة الانكليز محاولاً إقناعهم بعدم جدوى المفاوضة، وأن لا بد من العمل والاعداد العسكري كما يفعل الصهيونيون، ولكنه أخفق في سعيه وعاد إلى الحجاز.
ترك القاوقجي السعودية بعد سنتين ونصف والتحق بخدمة الملك فيصل بن الحسين في بغداد أواخر سنة 1932. وعين معلما للفروسية وأستناداً للطبوغرافيا في المدرسة الحربية الملكية برتبة رئيس (نقيب). وحاول أن يستثيرهمة الملك فيصل لاشعال نار ثورة الافرنسيين في سورية بعد أن ثبت تأييدهم لحركة الأشوريين سنة 1934. ولكن وفاة الملك فيصل حالت دون ذلك.
ومع تزايد أحداث سورية هب القاوقجي للعمل بصورة فردية فاتصل بزعماء البادية الشامية، ورجالات سورية في عمان وبغداد ودمشق، وأعد معهم خطة للثورة في سورية. وكان في الوقت نفسه مشغولاً بأحداث فلسطين التي زارها في سنوات 1934 و1935 و1936 ومع خطته لتشمل ثورتين في سورية وفلسطين. ولكن انتهاء أحداث سورية بعد 54 يوما من الاعراب وتفاقم أحداث فلسطين مع الاضراب الكبير واشتعال نار الثورة فيها جعلاه يلتفت إلى فلسطين، وكان على ثقة ببسالة شعبها وخبرة برجالها حين كان على رأس سرية خيالة منهم إبان الحرب العالمية الأولى.
كلف القاوقجي من قبل زعماء الثورة الفلسطينية تجهيز قوة من المتطوعين لنجدة فلسطين فبدأ الاتصال بألأردن وسورية ولبنان لاختيار الشبان العرب المجاهدين وتزويدهم بالسلاح وإرسالهم إلى جهة الثورة في فلسطين. وبعد سلسلة من المخاطر لاجتياز حدود فلسطين سراً بعيداً عن رقابة البريطانيين والفرنسيين وقوة الحدود الفلسطينية بدأت المفارز تصل تباعاً إلى مواقع الثورة.
وفي 25/8/1936 وصل القاوقجي على رأس حملة من البراق واتخذ من مثلث نابلس ومنطقة جنين خاصة ساحة لنشاط حملته. ووزع بوصفه القائد العام للثورة منشوراً ثورياً يدعو فيه الثوار إلى الالتفاف حوله والانضمام إليه ويقرر ميثاقاً له “الاستمرار في النضال إلى أن تتحرر فلسطين وتستقل وتلتحق بقافلة البلاد العربية المجزرة”.
وكان لقدوم حملة القاوقجي أثر كبير في الثوار في فلسطين فأزدادت حماسهم وانتعشت آمالهم بعد أن اتسمت الثورة بطابع الشمول العربي والنظام العسكري الفني. وقد أدرك القاوقجي منذ وصوله ما تعاني منه الثورة الفلسطينية، فالثوار لم يكونوا على الرغم بسالتهم يملكون الخبرة العسكرية المدربة على مواجهة جيش نظامي حديث، وكان همهم مناوشة القوات البريطانية ونصب الكمائن لها. وكان الموقف السياسي يميل إلى الضعف بسبب الاضراب الطويل وما ألحق باقتصاد فلسطين من خسائر، وبسبب وساطة زعماء العرب الذين أوفدوا نوري السعيد إلى فلسطين يقدم الوعود ويمني زعماء الحركة الوطنية الفلسطينية حل القضية اعتماداً على شرف بريطانيا.
وبعد أيام من التنظيم والاعداد خاضت قوات الثورة بقيادة القاوقجي معركة بلعا في أيلول سنة 1936 فهزم فيها الانكليز ولحقت بهم خسائر كبيرة لم يعهدوها من قبل فعزلوا القائد العام. وقد بعث هذا روحاً جديدة في نفوس الثوار والشعب بكامله وقوى مركز اللجنة العربية العليا* وتوقفت مهمة نوري السعيد.
ثم انتصر الثوار في معركتهم الثانية في جميع (أيلول 1936) وأنزلوا بالقوات البريطانية ضربة فادحة. وأخفقت محاولة الانكليز تطويق قوات الثورة في بيت إمرين يوم 29 أيلول، وانتصر الثوار في هذه المعركة أيضاً، وترك الانكليز الأول مرة قتلاهم وجرحاهم على أرض المعركة. وكان لذلك كله أكبر الأثر في النفوس العربية فتماطر المتطوعين من كل جهة. ولكن الثورة كانت تواجه مشكلة نقص العتاد والخدمات الطبية (رَ: ثورة 1936- 1939).
وعندما أعلنت الهدنة وفك الاضراب بقرار سياسي من اللجنة العربية العليا بعد وساطة ملوك العرب ورؤسائهم (رَ: نداء الملوك والرؤساء العرب للشعب الفلسطيني)، ظل القاوقجي حذراً وطلب من قواته الاحتفاظ بالسلاح والبقاء على أهبة الاستعداد ريثما تتبين نتائج المفاوضات السياسية. ثم أوعزت إليه القيادة السياسية بسحب قواته من فلسطين فنفذ الأمر بدقة رغم شعوره بخطئه.
وكان حذراً في الانسحاب عبر نهر الأردن* عند غور بيسان في 26/10/1936 وأفلت من عدة كمائن نصبتها له القوات البريطانية. وفي الأردن سرح معظم القوات وعاد مع المفرزة العراقية إلى العراق حيث استقبل استقبالاً حكومياً وشعبياً حاراً.
أقام القاوقجي في بغداد مدة. ثم نفته حكومة بكر صدقي في العراق إلى كركوك لتقييد حركته استجابة لطلب الانكليز، ولاحتجاج السفير التركي على موقف القاوقجي من قضية لواء الاسكندرون. وتوضحت له في كركوك خديعة الانكليز للحركة الوطنية الفلسطينية. فقد أخذوا يعززون قواتهم في مناطق الثورة الفلسطينية ويحمون حدود فلسطين ويجردون القبائل على ضفتي الأردن من السلاح. ولذلك طفق يتصل من منفاه بعدد من الشخصيات السورية والأردنية والفلسطينية لتجهيز حملة تعيد تفجير الثورة، ولا سيما بعد إعلان مشروع التقسيم الذي أوصت به اللجنة الملكية سنة 1937 (رَ: بيل، لجنة).
أفرج عن القاوقجي بعد مقتل بكر صدقي وتولى جميل المدفعي رئاسة الوزارة العراقية فعاد إلى بغداد واتصل به زعماء فلسطين للإعداد للثورة بمساعدة ألمانيا. ولكن العمل تعثر بسبب مصادرة أسلحة كانت مرسلة من الألمان في نيسان سنة 1928، وبسبب بدء المفاوضات بين بريطانيا والزعماء الفلسطينيين.
واتجه هم القاوقجي إلى سورية وقضية لواء الاسكندرون بخاصة فاشترك مع عدد من رفاق نضاله في وضع خطة ثورة تشتعل في سورية وتسري إلى بلاد الشام كلها ويتم معها “إعلان حكومة وطنية تدير الثورة القائمة في أنحاء سورية كلها، واعتبار قضية فلسطين وشرقي الأردن وسورية ولبنان قضية واحدة وثورة واحدة تحت زعامة زعيم واحد”. وبدأ الاعداد والتنظيم للثورة وتم الاتصال بالسفير الألماني، ولكن توقف ذلك كله مع نشوب الحرب العالمية الثانية في 1/9/1939.
أتيحت فرصة العمل للقاوقجي ثانية حين نشبت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق سنة 1941. فقد قاد فريقاً من المتطوعين السوريين والفلسطينيين والعراقيين وتصدى لقوافل الانكليز العسكرية القادمة من الأردن عند الرطبة وخاض عددا من المعارك الناجحة. ثم أصيب بجراح خطيرة حين سارع إلى صد هجوم انكليزي على تدمر، فنقل إلى مستشفى دير الزور ثم مستشفى حلب حيث تم تدبير نقله إلى برلين. وقد أجريت له عدة عمليات جراحية استخرجت بنتيجتهما 19 رصاصة وشظية من جده، وظلت رصاصة تسكن رأسه حتى أواخر حياته.
وعندما دعاه الألمان إلى العمل أصر على أخذ اعتراف رسمي منهم بحقوق العرب واستقلالهم قبل الالتزام بالعمل. وشعر أنهم يحاولون استغلال واستغلال غيرة من الزعماء العرب الموجدين هناك. وآمن أن الألمان والايطاليين لا يسعون إلى صالح العرب، فهم يرفضون تشكيل جيش عربي نظامي، وكل همهم تجنيد قوات عربية فردية صغيرة تقوم بالتجسس والتخريب خلف خطوط الحلفاء. وقد اتهم القاوقجي الألمان النازيين بتسميم ابنه مجدي (وكانت أسرته قد لحقت به) لأنه، أي الأب، لم يتعاون معهم، ورفض الاشتراك في الجنازة العسكرية التي أقيمت له.
أخذت آمال القاوقجي وبقية العرب تخبو مع تراجع ألمانيا على مختلف الجهات.وشهد انهزام الرابع الثالث ودخول السوفييت إلى برلين. وقد اعتقل مع زوجته ومرافقه في 29/5/1946 ثم أطلق سراحه بعد شهر عندما ثبت للسوفيات أن تعاونه مع النازيين كان كرها بالانكليز. وظل هناك تحت الرقابة، ولكنه استطاع أن يفلت منها ويصل الى القطاع الفرنسي من برلين ومنه إلى باريس بعيداً عن أعين الانكليز الذين كانوا يلاحقونه لتنفيذ حكم الإعدام فيه. ثم طار إلى القاهرة فوصلها في شباط 1947. وهناك وجد قضية فلسطين قد بلغت مرحلة خطيرة، وبدأ الإعداد لحلها بالقوة وبالفعل العسكري بمساندة جامعة الدول العربية للشعب الفلسطيني ممثلاً بالهيئة العربية العليا* ورئيسها محمد أمين الحسيني*، فاجتمع به القاوقجي عدة مرات وأبدى له استعداده للعمل والنضال.
سافر القاوقجي من القاهرة إلى مدينته طرابلس حيث استقبل استقبالاً شعبياً حاراً. ثم انتقل إلى دمشق في 12/3/1947 وقابل رئيس الجمهورية السورية معلناً له رغبته في العمل، وتقدم باقتراح إلى مجلس جامعة الدول العربية المنعقد في عاليه في 6/10/1947 لتأليف قوة متطوعين عرب مدربين تسلحهم الدول العربية ويدخلون فلسطين للوقوف في وجه الصهيونيين، ولتدريب الشباب الفلسطيني في حين تقف الجيوش النظامية العربية على الحدود مستعدة لتلبية نداء الاستعانة بها عند الحاجة (رَ: عاليه، اجتماع).
وافقت الجامعة العربية على الاقتراح وأسندت إلى العميد العراقي طه الهاشمي مسؤولية التجهيز والتسليح وإلى محمد عزة دروزة مسؤولية الإعانات، وكلف القاوقجي تولي قيادة قوات المتطوعين أو ما سمي جيش الانقاذ*. وبدأ التدريب العسكري في معسكر قطنا القريب من دمشق. وتشكلت لجنة عسكرية تمثل الجامعة العربية مقرها دمشق (رَ: اللجنة العسكرية التابعة لجامعة الدول العربية).
تسلم القاوقجي القيادة رسميا في 7/12/1947 في ظل ظروف شديدة الصعوبة منها عدم التكافؤ بين قوات الشعب الفلسطيني والمتطوعين من جهة والقوات الصهيونية من جهة أخرى من حيث الإعداد والتدريب والتسليح، إضافة إلى تحفظات الهيئة العربية العليا على قيادته، وتشكيل قيادة جيش الجهاد المقدس* التي بدأت العمل في منطقتي القدس والخليل وتنظيم المقاتلين في مناطق أخرى.
أرسل القاوقجي الفوج الأول من جيش الانقاذ بقيادة الضابط السوري المقدم أديب الشيشكلي إلى منطقة الجليل الغربي عن طريق لبنان، ثم اتبعه بالفوج الثاني بقيادة المقدم السوري محمد صفا عن طريق الأردن إلى منطقة سمخ والحولة. ثم نقل القاوقجي مقر قيادته من دمشق الى فلسظطين في 6/3/1948 واتخذ قرية جبع* في قضاء جنين مقراً لقيادته. وأقام فيها محطة إذاعة خاصة وأصدر بعد وصوله بيانا إلى الشعب.
تسلم جيش الانقاذ المسؤولية في مناطق محددة له، ووضع القاوقجي منهجاً للعمل أساسه تأمين الأمن المطلق واستطلاع العدو ومستعمراته واستدراج القوات الصهيونية خارج المستعمرات. وخاض منذ بداية نيسان عدة معارك ظافرة ضد الصهيونيين الذين تساندهم القوات البريطانية. ومن أبرزها معارك مشمار هاعيميك* الأولى والثانية، وزرعين، وعارة، وقاقون*، وطيرة قلقيلية. كما قدمت قوات جيش الانقاذ المساعدة إلى المجاهدين في معركة باب الواد*- اللطرون في 13/5/1948. وكان في بعض الأحيان يخالف أوامر القيادة العامة.
شعر القاوقجي بما يعانيه جيش الانقاذ من نقص العتاد والمؤن وتقصير القيادة في دمشق في إمداده رغم استنجاد الجهات المخنلفة فقرر السفر إلى دمشق، وهناك حمل الساسة مسؤولية التهاون ونقص الإمداد.
زار القاوقجي عمان قبيل دخول الجيوش العربية إلى فلسطين ليبحث دور جيش الانقاذ بعد دخول الجيوش النظامية (رَ: حرب 1948). ولكن القيادة في دمشق طلبت منه الانسحاب مع قواته وتسليم مواقفه إلى الجيش الأردني فانسحب في 16/5/1948. ولكنه عاد إلى القدس لنجدة الأحياء العربية المهددة بالسقوط.
سافر القاوقجي إلى دمشق في 24/5/1948 واجتمع بالمسؤولين وشكا إليهم سوء وضع جيش الانقاذ ونقص العتاد واللباس والمؤن وهدد بتقديم استقالته، ولكن الرئيس القوتلي اقنعه بالانتقال مع قواته إلى الجبهة اللبنانية حيث خاض مع الجيشين السوري واللبناني معركة المالكية* في 6/6/1948 وانتصر فيها. وبذلك ضمن البقاء لجبل عامل بأسره في يد العرب.
ولما أعلنت الهدنة الأولى (رَ: الهدنة الأولى والهدنة الثانية بين الدول العربية وإسرائيل) أحس القاوقجي بخطتها الفادح وخطرها على جيش الانقاذ لأن الجبهة التي كان هذا الجيش يحمل مسؤولية حمايتها واسعة لا تتناسب وامكانياته وضع رجاله ونقص عتاده وعدم استجابة المسؤولين لمطالبه. وبعد سقوط رقعة واسعة من الجليل (لوبية* وصفورية* وشفاعمرو* والناصرة* والشجرة*) وسلسلة من الاجتماعات مع المسؤولين قدم استقالته إلى الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمن عزام مبينا أسابها … وقد عمل كل من عرفه هذا وقدموا إليه بعض حاجات الجيش فعاد إلى الجبهة واستطاع أن يحقق بعض النجاح في جبهة صفد والمنارة. ولكن تعقد الموقف بعد الهدنة الثانية وتوقف الجيوش النظامية عن العمل جعلا جيش الانقاذ الجيش العامل الوحيد. وإزاء تحفز الصهيونيين الكبير لضرب قواته بعد أن نفردوا بها قرر القاوقجي الانسحاب.
هاجمت القوات الصهيونية في 28/10/1948 جميع جهات جيش الانقاذ بقوات متفوقة تملك الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة. وظلت المعارك مستمرة، ولا سيما على جبهة ترشيحا، حتى 30/10/1948 حين تمكن القاوقجي من سحب قوات جيش الانقاذ إلى جنوب لبنان. ثم اضطر مرغماً للاستجابة إلى طلب اللجنة العسكرية تسريح نصف الجيش بحجة عدم وجود المال اللازم، رغم إحساسه بالخطر الصهيوني الذي يهدد جنوب لبنان.
وقد شعر بمرارة الهزيمة حين وقعت الدول العربية اتفاقيات الهدنة الدائمة في رودس (رَ: الهدنة الدائمة بين الأردن وسورية ولبنان ومصر وبين إسرائيل، اتفاقيات) فانتقل إلى دمشق ليعيش فيها فيما يشبه العزلة، ثم غادرها إلى بيروت تحت وطأة ظروف مادية ونفسية أليمة وبقي فيها حتى وفاته.
كان حصاد حياة القاوقجي عدداً ضخماً من الوثائق غنمها في الميدان الحربي، ومجموعة ملاحظات التقطها واستخلصها نتيجة اختيارات طويلة وتجارب عميقة فدونها في مذكراته فيها إيمانه بالشعب العربي والوطن العربي، وأحساسه بالألم من مواقف بعض الزعماء السياسيين لأنهم لم يكونوا – برأيه – على مستوى المعركة.
المراجع:
- خيرية قاسمية (إعداد) – مذكرات القاوقجي، بيروت 1975.
- منير الريس: الكتاب الشعبي للثورات الوطنية في المشرق العربي، بيروت 1976.
- محمد عزة دروزة: القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها، صيدا 1956 و1959.