الحاكم بأمر الله الفاطمي العبيدي، الضال المضل، الزنديق مدعي الربوبية، سادس من تولى من خلفاء الدولة الفاطمية، ماذا تعرف عن سيرته؟
كان نظام الحكم في الدولة العبيدية الخبيثة يقوم على أساس تعاليم الطائفة الإسماعيلية الباطنية، والتي تقضي أن يتولى الولد الأكبر لكل خليفة الأمر من بعده، مهما كان سنه أو عقله أو دينه، وهذا النظام أدى لظهور أعجب حاكمٍ لبلد مسلم على مر التاريخ، والذي جمع بين كل المتناقضات والمتضادات في آن واحد وصار يُضرب به الأمثال في الخرف واللامعقول.من هو الحاكم بأمر الله الفاطمي؟
هو الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز نزار بن المعز الفاطمي العبيدي، الضال المضل، الزنديق مدعي الربوبية، سادس من تولى من خلفاء الدولة الفاطمية، ولد سنة 375هـ، وتولى الأمر بعد وفاة أبيه العزيز بالله سنة 386هـ، وكان في الحادية عشرة من العمر، فدبر شئونه رجال أبيه أمثال «براجون» و«الحسن بن عمارة» وقام بمهمتها خير القيام، فلما اشتد ساعد الحاكم قتلهما حتى لا يشاركه أحد في الحكم، فكانت هذه أول أعماله الخبيثة التي تكشف عن سوء طويته.
تناقضات الحاكم بأمر الله:
كانت شخصية الحاكم متناقضة، متضادة، وكان كثير التلون في أفعاله وأحكامه وأقواله، ولذا تميز عهده بغرابة أطواره، والذي تمثل بإصداره للعديد من القوانين الغريبة مثل تحريمه أكل الملوخية، وأمره الناس بالعمل ليلًا، والنوم نهارًا.
وكان الحاكم لأمر الله جبارًا عنيدًا، وشيطانًا مريدًا، كثير التلون في أقواله وأفعاله، ولم تقتصر تناقضات وخرف الحاكم على المسلمين فقط، بل امتدت لأهل الكتاب، فقد أمر سنة 398هـ بتخريب كنيسة القيامة ببيت المقدس، وأجبر اليهود والنصارى على الدخول في الإسلام أو الرحيل عن البلاد، فهاجر كثير منهم إلى أوروبا وبيزنطة، ثم عاد وأباح لهم الرجوع لدينهم وتعمير كنائسهم التي خربها وقال مبررًا ذلك: «ننزه مساجدنا أن يدخلها من لا نية ولا نعرف باطنه.
ومن قبائح الحاكم بأمر الله أنه ابتنى المدارس، وجعل فيها الفقهاء والمشايخ ثم قتلهم وخربها، وألزم الناس بإغلاق الأسواق نهارًا، وفتحها ليلًا، فامتثلوا ذلك دهرًا طويلًا حتى اجتاز مرة بشيخ يعمل النجارة أثناء النهار، فوقف عليه، وقال: ألم ننهكم عن هذا!. فقال: يا سيدي.. أما كان الناس يسهرون لما كانوا يتعيشون بالنهار؟.. فهذا من جملة السهر. فتبسم الحاكم وتركه، وبعدها أعاد الناس إلى أمرهم الأول.
وكان الحاكم بأمر الله يعمل الحسبة بنفسه يدور في الأسواق على حمار له، وكان لا يركب إلا حمارًا، فمن وجده قد غشَّ في معيشته أمَرَ عبدًا أسودَ معه يقال له مسعود أن يفعل به الفاحشة العظمى.
كان الحاكم يروم من وراء أوامره المتضادة اختبار الناس ليرى مدى استعدادهم لطاعته ومنتهى هذا الخضوع والطاعة، فلما رأى أنهم يطيعونه في كل شيء بدأ يدعو الناس لعبادته من دون الله، وتأليه ذاته الخبيثة، وذلك بمساعدة رجلين من الفرس: الأول محمد بن إسماعيل الدرزي، والثاني الحسن بن حيدرة الفرغاني وذلك سنة 408هـ، فأنشأ مركزًا لإعداد وتوجيه دعاة الإسماعيلية أسماه «دار الحكمة»، ثم بدأ في الجهر بدعوته الكفرية فأمر الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، وكان يُفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين، وقد أمر أهل مصر على الخصوص، إذا قاموا خروا سجودًا، حتى أنه ليسجد بسجودهم من في الأسواق من الرعاع وغيرهم ممن كان لا يصلي أصلاً.
ورغم أفعاله الشريرة الكثيرة كان للحاكم أمران جيدان وهما: تحريم الخمر، ومنع النساء من الخروج والاختلاط بالرجال بالأسواق. وله في ذلك أخبار طريفة ونوادر عجيبة.
وللحاكم بأمر الله رعونات كثيرة لا تنضبط، فأبغضه الخلق، وكتبوا الأوراق بالشتم له ولأسلافه في صورة قصص حتى عملوا صورة امرأة من ورق بخفها وإزارها، وفي يدها قصة فيها من الشتم شيء كثير، فلما رآها ظنها امرأة، فذهب من ناحيتها وأخذ القصة من يدها، فلما رأى ما فيها غضب، وأمر بقتلها، فلما تحققها من ورق، ازداد غضبًا إلى غضبه، وأمر العبيد من السود أن يحرقوا مصر، وينهبوا ما فيها من الأموال والحريم، ففعلوا، وقاتلهم أهل مصر قتالًا عظيمًا ثلاثة أيام، والنار تعمل في الدور والحريم، واجتمع الناس في الجوامع، ورفعوا المصاحف، وجأروا إلى الله واستغاثوا به، وما انجلى الحال حتى احترق من مصر نحو ثلثها، ونهب نحو نصفها، وسبي حريم كثير، وفُعل بهنَّ الفواحش، واشترى الرجال من سبي لهم من النساء والحريم من أيدي العبيد).
واشتهر الحاكم باستسهاله سفك الدماء، وقدر بعض المؤرخين عدد قتلاه بحوالي ثمانية عشر ألف قتيل، فكان يفتك دائمًا بوزرائه، ويقتلهم شر قتلة، فيعين أحدهم في منصبه ثم يقتله، ويعين آخر، فلا تمضي فترة بسيطة إلا والمعين الجديد يتخبط في دمه، وقد قتل من العلماء والكتاب ووجهاء الناس ما لا يُحصى عدده.
ولقد تحير العلماء في مواقف الحاكم بأمر الله، واختلفت كلمتهم حول الحكم عليه، حيث رفعه قوم إلى درجة الألوهية، وهم الدروز.
واعتقد فيه قوم أنه إمام المسلمين، وخليفة رب العالمين، وهم الإسماعيلية الفاطميون.
وذهب أكثر المؤرخين إلى أنه كان شاذ الطباع، مريض العقل، يأتي بأعمال تُضحك الثكلى تدل على الجنون.
ولكن بالنظر إلى مدة حكمه، حيث حكم من سنة 386 إلى سنة 411 هـ، يظهر أن الاعتذار عنه بأنه كان مجنونًا؛ كلام لا يُلتفت إليه؛ لأنه من المحال أن يبقى في الحكم شخص مجنون مدة تصل إلى خمس وعشرين سنة.
بل كان سلوك الحاكم بأمر الله على تلك الصور يرجع إلى تأثير فكرة الألوهية، وأن كل ما صدر عنه من أعمال وأقوال إنما كان بدافع واحد، وهو تأليهه، خصوصًا أنه تولى الحكم وهو صغير السن، وقد أحيط بهالة من التعظيم مما أسبغته العقيدة الإسماعيلية على أئمتها، فكان يطمح إلى أكثر من الملك.
إضافة إلى ما زينه له بعض زعماء المجوسية من الجرأة على تلك الدعوى، بعد أن قربهم إليه وصاروا خاصته حتى أنسوه الدين والعقل، وبعد أن رأى كذلك دعوى إلوهية بعض أهل البيت عند السبئية وإلوهية جعفر عند الخطابية وغيرهم ممن ادعى الإلوهية أو ادعيت له.
ولكن العجب أن تجد مِن بين الكتابِ المعاصرين مَن يُحاول الدفاع عن الحاكم بأمر الله وعن تصرفاته، متهمًا المؤرخين بالتحامل على تاريخه، وأنه ما كان إلا مُفكرًا مخلصًا لوطنه وحاكمًا بارعًا.. إلخ.
ونعتقد أن هذا الدفاع عن الحاكم بأمر الله يُعدُ شذوذًا فكريًا، ويكفي لرد سخافته ما أجمع عليه العلماء من تاريخ ذلك الحاكم الضال.
ادعاء الألوهية:
تمادى الحاكم بأمر الله في طريق الضلال، وفي سنة 408هـ قدم مصر داعٍ عجمي اسمه محمد بن إسماعيل الدرزي، واتصل بالحاكم، فأنعم عليه، ودعا الناس إلى القول بألوهية الحاكم بأمر الله، فأنكر الناسُ عليه ذلك، ووثب عليه أحد الأتراك، ومحمد في موكب الحاكم، فقتله، وثارت الفتنة، فنهبت داره، وأغلقت أبواب القاهرة، واستمرت الفتنة ثلاثة أيام قتل فيها جماعة من أتباع الدرزي، وقبض على التركي قاتل الدرزي، وحبس ثم قتل.
ثم ظهر داعٍ آخر اسمه حمزة بن أحمد، وتلقب بالهادي، وأقام بمسجد خارج القاهرة، ودعا إلى نفس دعوى الدرزي، وبث دعاته في مصر والشام، وترخص في أعمال الشريعة، وأباح الأمهات والبنات ونحوهن، وأسقط جميع التكاليف في الصلاة والصوم، ونحو ذلك، فاستجاب له خلق كثير، فظهر من حينئذ المذهب الدرزي ببلاد صيدا وبيروت وساحل الشام.
وفي ذلك يقول السيوطي: "إنَّ الحاكم بأمر الله أَمَرَ الرعية إذا ذكره الخطيب على المنبر أن يقوموا على أقدامهم صفوفًا إعظامًا لذكره، واحترامًا لاسمه، فكان يفعل ذلك في سائر ممالكه حتى في الحرمين الشريفين، وكان أهل مصر خاصة إذا قاموا خروا سجدًا حتى إنه يسجد بسجودهم من في الأسواق وغيرهم ".
نهاية الحاكم بأمر الله:
شغف الحاكم بأمر الله في السنوات الأخيرة من حكمه بالتجول ليلًا عند جبل المقطم بالقاهرة، فكان ينظر في النجوم، ويخلو بنفسه، وكانت نهاية الحاكم متسقة مع المسار الغريب لحياته.
أما عن مقتله فلقد تعدى شره وجنونه الناس كلها، حتى وصل لأهل بيته وأخته «ست الملك» تحديدًا حيث اتهمها بالفاحشة وهددها بالقتل، فدبرت قتله مع أحد الأمراء واسمه «طليب بن دواس» واتفقا على الفتك به أثناء خروجه ليلة 27 شوال سنة 411هـ، فكلف «طليب» اثنين من عبيده أن يترصدا للحاكم أثناء خروجه لرؤية منازل القمر والأبراج، حيث كان الحاكم شغوفًا بالنظر في النجوم، وبالفعل قام العبدان بذبح الحاكم في 27 شوال سنة 411هـ، ولاقى الكافر الزنديق جزاء كفره وضلاله، وظل الناس يبحثون عنه عدة أيام ثم أعلنوا موته بعدها، وفرح الناس بموته فرحًا شديدًا.
الجدير بالذكر أن طائفة النصيرية والدروز الموجودة حاليًا ما زالت تؤله الحاكم الفاطمي وهم أشد كفرًا من اليهود والنصارى وأشد عداوة منهما للمسلمين، واليهود يعتمدون على الدروز في كثير من العمليات القذرة، ولا يسمح لأي عربي "إسرائيلي" أن ينضم للجيش اليهودي إلا الدروز لشدة عداوتهم للمسلمين.