إسماعيل الشريف
بلوك
اضرب بعض الرأي بالرأي يتولد منه الصواب – علي بن أبي طالب
صديقي المثقف يقول لي إنه يحكّم عقله في كل شيء من السياسة إلى الاجتماع إلى الدين، ويرفض أي شيء طالما خالف عقله. صديقي هذا عيّد علي بحجبي من قائمة أصدقائه في فيسبوك، وبرر ذلك بأني أخالفه في الرأي في كل ما يكتبه، سألته هل تعليقاتي تنطوي على أي خدش شخصي لك أو استخفاف بما تكتبه، أجاب لا! قلت له أنني أعتذر ولن أكررها، ومن الآن فصاعدا لن أبدي لك رأيي، سأكتفي بلايك فقط إذا اختلفت معك وبعبارات الإطراء إذا اتفقت معك.
شعرت بحزن عميق، وتذكرت عبارة بوش الابن من ليس معنا فهو ضدنا، وآلاف المسلمين يوميا الذين يموتون ويقتلون على الهوية، خلقنا مختلفين لنا خصوصياتنا، تجاربنا مختلفة وخبراتنا مختلفة وسلوكنا مختلف وعقولنا مختلفة وأجسادنا مختلفة، فمن الطبيعي أن تكون آراؤنا مختلفة. تخيل عالما خاليا من أي اختلاف، سيكون عالما جامدا كثلوج كست كل شيء بالبياض تحبها ليومين وما تلبث أن تنتظر ذوبانها لترى التنوع مرة أخرى.
إن من يرفض الرأي الآخر ما هو إلا سجين لفكره ورأيه، قد يكون بسلوكه هذا يحمي مشاعره ونفسه من الآخرين، ولأنه يخاف أن يغيّر رأيه فهو يسفّه كل رأي مخالف، وبالنتيجة فلن يزداد إلا إحكاما لسجنه ومزيدا من الشعور بعدم الأمان ورفض الفكر الآخر.
نعيب على الفكر المتطرف أنه يرفض المختلف ويريد قتله. ولكن عندما يخرج شيخ الأزهر ويقول أنه لا يستطيع أن يكفر داعش تقوم الدنيا، فهل مواجهة فكر متطرف تكون بفكر متطرف آخر؟ هناك من يطبل لتكفيرهم لكي يدعو إلى قتالهم من هذا الجانب فقط، وليس من الجوانب الحقيقية الأخرى من أنهم يبغون في الأرض بقتلهم الأبرياء وإخراجهم من ديارهم وسبيهم الحرائر! مجلدات من فقه دار الكفر ودار الإسلام والحرب والسلام تساق علينا بفرية غبية: قتال الكفار. من هم الكفار؟ الذين يخالفوننا! هذا الجهل واللامنطق أدخلنا في نفق مظلم أبدا، نفق الاقتتال المذهبي والطائفي، هذا في الظاهر، أما في جوهره فهو صراع سياسي ومصلحي يغلف بكل شيء إلا بحقيقته.
نتغنى بالحرية ونريد ديمقراطية، ونعيب على أنظمة ديكتاتورية صنعت حاكما داهية وشعبا وظيفته أن يطبل له، وكل منا دكتاتور. أصبحنا نناقش كل شيء ونبدي رأينا فيه مهما كنا جاهلين بحيثيات الأمور وتفصيلاتها، ونرفض كل من خالفنا ولو على استحياء، نربي أولادنا على اتباع الأوامر بلا نقاش، اعمل هذا ولا تعمل هذا وابق فمك مغلقا، ثرنا على موروثنا التاريخي والديني أحيانا، ولكن عندما يخالفنا أحد في الرأي نغضب. صراحة، لا أعرف إن كانت هذه حالة تخص العرب فقط أو أنها حالة تمثل الارتباط الوثيق بين فرط الثقة وشح المعرفة!
تذكر أن التوائم مختلفة ولو تشابهت شكلا، واعتبر أن من يهديك رأيا ما هو إلا محب يهمه أمرك، وأن فكرك قد أثار عقله. علينا أن نتعلم أن نحترم فكر الآخرين بنفس الدرجة التي نحترم به فكرنا، وعلينا أن ندير الاختلاف بالمنطق والعلم لا أن نقمعه أو نجعله سببا للعداوة. علينا أن نستمع للآخر، فباستماعك إليه سيغنيك ويفيدك، وبالمناسبة فالرأي الآخر ليس بالضرورة أن يقنعك ولكنه حتما سيكون مادة تحفزك للتفكير.
وأخيرا، يقال إن الرأي كالأنف، كلٌ يمتلكه، سواء أحببت هذا أم لا.