«زواج القاصرين» ... متاح بضرورة تقتضيها المصلحة
الدستور- حسام عطية
تشير آخر الارقام الصادرة عن التقرير الإحصائي السنوي الصادر عن دائرة قاضي القضاة في الأردن على أن إجمالي حالات الطلاق التي أوقعت من زواج عام 2015 والخاص بالزوجة والتي تم تسجيلها لدى المحاكم الشرعية بمختلف محافظات المملكة بلغت 5599 واقعة طلاق منها 64.2% لزوجات أعمارهن أقل من 25 عاماً ومن بينهن 494 قاصرة وبنسبة 8.8% ، علماً بأن إجمالي حالات الطلاق التراكمي خلال عام 2015 من زواج عام 2015 وما قبل وصل الى 22070 واقعة طلاق ومن بينهن 1026 قاصرة، فيما التعليمات الجديدة باتت تسمح بزواج القاصرين ان كان هنالك ضرورة تقتضيها المصلحة رغم وجود معارضة من قبل القائمين على شؤون المرأة بالمملكة.
تعرض جمعية معهد تضامن النساء الأردني مجموعة من الأفلام القصيرة حول «الزواج المبكر» أهمها فيلم (الزواج مش لعبة) والذي أنتجته مؤسسة أبعاد – لبنان، وفيلم (تزويج الطفلات جريمة) والذي أنتجته شبكة سلمى الإقليمية لمناهضة العنف ضد النساء في المنطقة العربية.
وتؤكد «تضامن» على أن القاصرات المطلقات بشكل خاص والمطلقات بشكل عام يعانين من وصمة العار ومن الثقافة المجتمعية التي تنظر للنساء المطلقات نظرة دونية لا تحترم فيها إنسانيتهن واحتياجاتهن ، ومن حرمانهن من رسم مستقبلهن ومن التمتع بطفولتهن التي كفلتها الاتفاقيات الدولية، فيما طلاق القاصرات وارتفاع نسبته ما هو إلا نتيجة حتمية للزواج المبكر الذي يترتب عليه نتائج سلبية تتعلق بالتعليم والصحة، وإهدار لإمكانيات الفتيات وقدراتهن، ويحد من حريتهن في تحديد اختياراتهن التي تؤثر على حياتهن بشكل عام.
*تعليمات جديدة.
وصدر في الجريدة الرسمية تعليمات جديدة لمنح الإذن بالزواج لمن أكمل سن الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة خلفا للتعليمات الصادرة عام 2011 ، وأتاح القانون للقاضي أن يعطي الإذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة سنة شمسية من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقا لأحكام التعليمات.
واشترطت التعليمات على المحكمة أن يكون الخاطب كفوا للمخطوبة وفقا لأحكام المادة 21 من القانون، وأن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار، إضافة للضرورة التي تقتضيها المصلحة من تحقيق منفعة أو درء مفسدة بالطريقة التي تراها مناسبة من طرق التحقق.
ونصت التعليمات على ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين خمسة عشر عاما، وألا يكون الخاطب متزوجا، وألا يكون الزواج سببا في الانقطاع عن التعليم المدرسي، وألزمت التعليمات المحكمة بإفهام المخطوبة حقها في اشتراط أي شرط يتحقق لها به مصلحة، كما اشترطت التعليمات على الخاطبين إبراز شهادة تثبت اجتيازهما لدورة المقبلين على الزواج التي تنظمها دائرة الإفتاء أو أي جهة يعتمدها قاضي القضاة، وتنص التعليمات على ضرورة منح الخاطب الذكر الذي لم يكمل الثامنة عشرة الإذن بالزواج ان يبرز موافقة من قسم شؤون القاصرين في دائرة الإفتاء، وعلى المحكمة، وفقا للتعليمات، أن تحيل طلبات الزواج التي لا تنطبق عليها الشروط لمديرية شؤون القاصرين في الدائرة لإبداء الرأي فيها بما في ذلك طلبات الإذن بالزواج للخاطب الذكر.
الإفتاء الأردنية تحذر
بدورها قالت دائرة الإفتاء العام، عبر موقعها الإلكتروني الرسمي، إن الأصل في زواج المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها الإباحة، وأنه لا يحل لأحد منعها من الزواج.جاء ذلك في سؤال وردها مفاده « ما حكم عضل المرأة المطلقة أو الأرملة من الزواج؟ وهل يحق لها الزواج برجل آخر؟».
وكانت الإجابة على ذلك كما يلي، حرص الإسلام على نقاء المجتمع الإسلامي وصفائه، ونظّم العلاقات بين أفراده، والأسرة أهمّ مكوّنات المجتمع، وإذا انحلّ عقد الزواج لسبب من الأسباب، كطلاق أو وفاة فإنّ كلاً من الزوجين يواصل مسيرته في الحياة، بل إنّ الله بشّر المحسنين من الأزواج بالفرج والسعة، قال الله تعالى: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا) النساء.
وقد نصّ كتاب الله تعالى على حقوق للزوجة المطّلقة يجب على الناس أن يراعوها ويحافظوا عليها حفاظاً على نقاء المجتمع واستقامته، ومنها أن لا يمنعوا المرأة من حقّها في الزواج، سواء أكانت بكراً أم ثيباً، وسواء أكانت مطلقة أم متوفىً عنها زوجها، إذ إن الله تعالى نهى عن عضل النساء، أي منعهن من الزواج، حيث قال الله عز وجل: (وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/ ، فلا يجوز منع المرأة من الزواج بالزوج اللائق بها.قال الماوردي: «فنهى الله عز وجل أولياء المرأة عن عضلها ومنعها من نكاح مَنْ رضيته من الأزواج»، وما هذا إلا فتح لباب خير للمرأة.
ويعدّ عضل النساء من العادات القبيحة التي ترسّخت في الجاهلية الأولى، إما عصبية وحمية، وإما إرادة لأكل مال المرأة خوفاً أن يأخذه الزوج، لذلك توجّه النهي القرآني في الآيات للعموم، لأولياء المرأة ولزوجها السابق وللمسلمين كافّة، قال الله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) النساء، قال أبو السعود: «والمعنى إذا وجد فيكم طلاق فلا يقعْ فيما بينكم عضلٌ، سواء كان ذلك من قبل الأولياء أو من جهة الأزواج أو من غيرهم، وفيه تهويلٌ لأمر العضل وتحذيرٌ منه» .
والأصل في زواج المرأة المطلقة أو المتوفى عنها زوجها الإباحة، وقد ورد عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: أَنَّ سُبَيْعَةَ الأَسْلَمِيَّةَ نُفِسَتْ بَعْدَ وَفَاةِ زَوْجِهَا بِلَيَالٍ، فَجَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَتْهُ أَنْ تَنْكِحَ، (فَأَذِنَ لَهَا فَنَكَحَتْ) رواه البخاري.
وعليه؛ فإن الزواج من حقّ المرأة، ولا يحل لأحد منعها منه، ونوصي المسلمين بتقوى الله تعالى واتباع أمره، والابتعاد عن ظلم النساء عموماً، والمطلقات والأرامل خصوصاً، وإعطائهن حقوقهن التي أوجبها الله تعالى لهنّ. والله تعالى أعلم.
كما صدرت عن لجنة الإفتاء الفتوى البحثية رقم 3304، للإجابة على حكم عضل المرأة المطلقة أو الأرملة من الزواج؟ وهل يحق لها الزواج برجل آخر؟، وخلصت الفتوى «الى أن الزواج من حق المرأة، ولا يحل لأحد منعها منه، ونوصي المسلمين بتقوى الله تعالى واتباع أمره، والابتعاد عن ظلم النساء عموماً، والمطلقات خصوصاً، وإعطائهن حقوقهن التي أوجبها الله تعالى لهن، والله تعالى أعلم».وترحب جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن» بصدور هذه الفتوى، وتجد بأن من شأنها الحد من الممارسات الضارة بالنساء خاصة المطلقات والأرامل، والتي تستهجن زواج الأرملة أو المطلقة مرة أخرى في كثير من الأحيان، وتمنع هذا الزواج في أحيان أخرى. وتؤكد «تضامن» على حق المطلقة أو الأرملة في الزواج مرة أخرى من عدمه، دون تدخل أو ضغط من الأهل أو الأقارب أو المجتمع.
رفع الوعي
اما الدكتورة جمان الدهامشه الباحثة في علم الاجتماع علقت على الامر بالقول، إن شرط الالتحاق بدورة المقبلين على الزواج من شأنه رفع وعي الفتيات القاصرات على وجه التحديد بالأمور المتعلقة بالزواج والأسرة، خاصة في ظل ارتفاع حالات الطلاق خاصة الطلاق المبكر، فيما الشرط الوارد في المادة (
من التعليمات التي توجب على الخاطب والمخطوبة الالتحاق بدورة المقبلين على الزواج والتي تنظمها دائرة قاضي القضاة، حيث جاء في الفقرة (أ) من المادة (
«على الخاطبين إبراز شهادة تثبت اجتيازهما لدورة المقبلين على الزواج التي تنظمها الدائرة أو أي جهة يعتمدها قاضي القضاة لهذه الغاية».
تضامن تتمسك
بدورها تؤكد جمعية معهد تضامن النساء الأردني «تضامن» من حيث المبدأ على موقفها المعارض لزواج القاصرين والقاصرات، ومطالبتها المستمرة في تعديل قانون الأحوال الشخصية وحصر حالات الإذن بزواج من أكمل السادسة عشرة من عمره وتحديدها بدقة، فإنها تأمل الى حين تحقيق ذلك أن تحد التعليمات الجديدة من عدد حالات تزويج الأطفال (الزواج المبكر) والتي جاءت أكثر تفصيلاً من التعليمات السابقة وإعطاء القاضي صلاحيات الإذن بزواج القاصرات دون حاجة لموافقة قاضي القضاة، نصت المادة (3) من التعليمات على أنه «يجوز للقاضي أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا كان في زواجه ضرورة تقتضيها المصلحة وفقاً لأحكام هذه التعليمات» بينما نصت التعليمات السابقة وفي مادتها الأولى على أنه» يجوز للقاضي وبموافقة قاضي القضاة أن يأذن بزواج من أكمل الخامسة عشرة...».
وتعتقد « تضامن» بأن منح صلاحيات أوسع للقاضي دون اشتراط موافقة قاضي القضاة، وإن كان بسبب تحديد الشروط التي يجب على القاضي مراعاتها في المواد اللاحقة من هذه التعليمات، فإنها بذلك تكون قد ألغت موضوع الرقابة على قرارات منح الإذن بالزواج للتأكد من أن القاضي قد تقيد بالشروط. وعلى الرغم من أن التعليمات قد نصت على ضرورة أن يتم فتح ملف في المحكمة لكل حالة تتضمن البينات والمعززات (المادة 11 من التعليمات)، غير أن التحقق من صحة الإذن بالزواج لن تتم إلا في حال وجود شكوى أو في حال أجري تفتيش دوري على أعمال المحاكم، مما يثير المخاوف من وجود حالات قد يمنح فيها الإذن بالزواج لا تنطبق عليها كامل الشروط الواردة في التعليمات.شروط منح الإذن بالزواج أما المادة (4) من التعليمات فقد نصت على شروط منح الإذن بالزواج حيث جاء فيها «: يجب على المحكمة مراعاة ما يلي لغايات منح الإذن بالزواج: 1- أن يكون الخاطب كفؤاً للمخطوبة وفقاً لأحكام المادة (21) من القانون. 2-أن يتحقق القاضي من الرضا والاختيار التامين. 3-أن تتحقق المحكمة من الضرورة التي تقتضيها المصلحة وما تتضمنه من تحقيق منفعة أو درء مفسدة وبما تراه مناسباً من وسائل التحقق. 4-ألا يتجاوز فارق السن بين الطرفين الخمسة عشر عاماً. 5-ألا يكون الخاطب متزوجاً. 6-ألا يكون الزواج سبباً في الانقطاع عن التعليم المدرسي. 7-إثبات مقدرة الخاطب على الإنفاق ودفع المهر وتهيئة بيت الزوجية. 8-إبراز وثيقة الفحص الطبي المعتمد».
وتجد «تضامن» بأن التعليمات الجديدة قد أوجبت على المحكمة مراعاة شروط فارق العمر والتعليم وألا يكون الخاطب متزوجاً، على عكس التعليمات القديمة التي نصت على أن» للمحكمة ما أمكن مراعاة هذه الشروط»، ومع ذلك فإن «تضامن» تعتقد بأن 15 عاماً كفارق عمر بين الخاطب والمخطوبة ما زال كبيراً ويجب ان لا يزيد عن 10 أعوام كحد أقصى. كما أن استخدام مصطلح» وجود مراعاة الشروط» قد تفتح المجال أمام التساهل مع التحقق من توفرها، حيث كان بالإمكان استخدام «يشترط لمنح الإذن بالزواج» حيث يكون عدم توفر أحد هذه الشروط أو أكثر سبباً في عدم منح الإذن بالزواج.
موافقة الولي ومهر المثل، ونصت المادة (5) من التعليمات على «: المحكمة التحقق من موافقة الولي الشرعي على منح الإذن وإجراء العقد «، كما نصت المادة (6) على أنه» : يجب أن لا يقل مهر المخطوبة عن مهر المثل وعلى أن يحدد ذلك في حجة الإذن».
وتضيف «تضامن» بأن التعليمات السابقة كانت تنص على موافقة الولي مع مراعاة أحكام المواد (17-18-20) من قانون الأحوال الشخصية، والتي تعطي للقاضي حق منح الإذن بالزواج في حال عضل الولي.وترحب «تضامن» بهذا التعديل حيث كان في ذلك استجابة لما طالبت به منذ فترة، حيث تنص المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية رقم 36 لعام 2010 على : «مع مراعاة المادة 10 من هذا القانون - وهذا النص يناقض الفقرة (أ) من المادة 10 من القانون الواجب مراعاته-، يأذن القاضي عند الطلب بتزويج البكر التي أتمت الخامسة عشرة سنة شمسية من عمرها من الكفؤ في حال عطل الولي إذا كان عطله بلا سبب مشروع».
إن الإذن للقاضي بتزويج البكر من الكفؤ في حال عضل الولي يجب أن يقيد ببلوغها عمر 18 عاماً وليس 15 عاماً، خاصة إذا كان سبب امتناع الأب أو الولي عن تزويج البكر كونها لا زالت قاصرة، واعتبار هذا سبباً مشروعاً لرفض تزويجها ولا يخضع لدعوى عضل الولي.
إفهام المخطوبة حقها اشتراط أي شرط في عقد الزواج، لقد نصت المادة (7) من التعليمات على «: المحكمة إفهام المخطوبة حقها في اشتراط أي شرط يتحقق لها به مصلحة وفقاً لأحكام القانون وتضمين أية شروط ترغب بها في حجة الإذن عند إصدارها».
وتنوه «تضامن» بأن الكثير من النساء والفتيات لا يعرفن أن من حقهن الاشتراط في عقد الزواج، وأن إضافة هذا النص من شأنه حماية القاصرات اللاتي قد لا يعين تماماً ماهية الشروط وآثارها في حال تثبيتها في العقد.
فقد أجاز قانون الأحوال الشخصية للزوجة الاشتراط في عقد الزواج فإذا لم يف الزوج بالشروط أو أي منها فسخ العقد بطلب من الزوجة ولها المطالبة بكامل حقوقها الزوجية. فقد نصت الفقرة (أ) من المادة 37 على أنه: إذا اشترط حين العقد شرط نافع لأحد الزوجين، ولم يكن منافياً لمقاصد الزواج، ولم يلتزم فيه بما هو محظور شرعاً، وسجل في وثيقة العقد وجبت مراعاته وفقاً لما يلي : أ- إذا اشترطت الزوجة على زوجها شرطاً تتحقق به مصلحة غير محظورة شرعاً ولا يمس حق غيرها، كأن تشترط عليه أن لا يخرجها من بلدها، أو أن لا يتزوج عليها، أو أن يسكنها في بلد معين، أو أن لا يمنعها من العمل خارج البيت، أو أن تكون عصمة الطلاق بيدها، كان الشرط صحيحاً، فإن لم يف به الزوج فسخ العقد بطلب الزوجة ولها مطالبته بسائر حقوقها الزوجية».