نيروز قرموط: كتابي هويتي.. وجواز سفري
لا أعلم كيف وصلت إلى هنا. لم أخطط لأكون كاتبة، لكني كتبت. كان عقلي وإحساسي وكانت عيناي وأطراف أصابعي تأخذني جميعا إلى ورقتي البيضاء التي طرزتها بكثير من أفكاري وخيالي. ولدت فلسطينية، وفلسطينيتي تحتاج ثورة من الإبداع. ولدت طفلة في الشتات؛ في سوريا حيث تمّزقها الحرب الآن»، هكذا تقول الكاتبة الفلسطينية نيروز قرموط الفائزة أخيرا بجائزة القلم البريطاني.
وتضيف نيروز أن السلام في غزة، دعاني إليه وقدمت إلى بحره، لكن السلام سُرِق مع أمواج لم تعد.
وتعقيبا على الجائزة تقول نيروز «جائزة القلم البريطاني لأول كتاب قصصي لي الذي سأنشره باللغة الانكليزية، قبل أن أنشره بلغتي الأم لغتي العربية، جائزة لم أنتظرها لكنها بحثت عني».
وتتابع حديثها قائلة ان هذه المؤسسة العالمية، عندما تبحث عن الإبداع الكامن في الشباب حول العالم في مناطق الصراع، حتما هي تبحث عن الإنسان وعن الحقيقة. هذه الجائزة جعلتني أشعر أن الإنسان باق، وأن فصول الحضارة في تسطير ماهية الوجود مازالت باقية.
وتنبه نيروز إلى أنها في قصصها كتبت عن الإنسان الفلسطيني، وعن المرأة الفلسطينية التي لن ينهض مجتمعها إلا اذا نهضت هي من سباتها.
وتتابع «حاولت أن أعرض إنساني الفلسطيني بشكل مختلف، أن أكتب بأسلوبي وببساطتي وبعمقي، وأن أنسلخ عن كل شيء لأتحد مع كل شيء بشكل جديد، كما حاولت أن أصنع لحن جيلي، هذا اللحن الذي قد ينعكس على لحن الكتابة الفلسطينية وأدبها، إن قُدِّر لكتابي النجاح.
وتذهب نيروز إلى أن هذا اللحن إن سمعه العالم قد ينظر إلينا بشكل مختلف لأننا مجتمع إنساني بالنهاية كما كل المجتمعات.
أما عن الصعوبات فتجيب «إن سألتموني عن الصعوبات التي واجهتها ككاتبة في غزة، هنالك مفارقة مهمة قد أتحدث عنها، ربما سرقت غزة مني لهوي وأماني ورفاهيتي، وربما أعطتني الألم والأمل معا، لكن غزة أعطتني سرا للإبداع، غزة عجنت انسانيتي من جديد، أعطتني نظرة مختلفة للحياة».
وتستدرك نيروز قائلة: ككاتبة، ربما لم تتوافر لي حاضنات ثقافية محلية تهتم بإبداعي، فربما الكاتب الفلسطيني حذر معظم الوقت في الإفصاح عن كامل فكرته، فهناك حدود للتعبير يفرضها المجتمع والأسرة والعادات والتقاليد والدين والمؤسسة الحاكمة والاحتلال بشكل مباشر أو غير مباشر.
وتشدد نيروز على أن هنالك خوفا يهددنا، متابعة «لكني لم أتوقف عن الكتابة والتعبير، وبكل ما أريده وبعرض حالة المجتمع دون كذب أو تزييف، لكن أتصدقون لم أسجن ولا أعتقد أني سأسجن، لأنني آمنت منذ اللحظة الأولى أني أكتب للإنسان داخل كل واحد منا، والإنسان لن يرفض الإنسان، لم أكتب إلا من أجل الحرية والكرامة والاستقلال، أريد أن أحرر الانسان من نفسه قبل أن يتحرر من أي خطر يهدده».
وتختم نيروز حديثها موجهة اياه إلى مسؤولي الجائزة «جعلتموني أؤمن بقلمي أكثر، وأفتش عن الابداع. ربما لم أمتلك هوية تعريف وجوازا للسفر، لفترة طويلة من عمري. وقد يكون هذا الكتاب هو هويتي وجواز سفري الذي طالما بحثت عنه وانتظرته».
"كتاب غزة".. قصص لتعريف الغرب بالحياة في غزة
هيثم حسين-لندن
تضج
غزة بالحياة، تبدع في التجدد على طريقتها في تحدي المحتل، تنهض من بين الأنقاض، تنفض عنها ركام الحروب لتمضي إلى المستقبل بخطى واثقة، لا ترهبها نيران الاحتلال الإسرائيلي المتهاطلة عليها، ترسم مصيرها بهمم أبنائها، وتسير في طريق البناء بعدما يطالها من تدمير إثر كل عدوان.
الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، كغيرها من الحروب السابقة، لم تزد أبناءها إلا إصرارا وعنادا وتشبثا بحقوقهم، وأثبتت للجميع أنها مدينة نابضة بالحياة، تضمد جراحها، وتعود إلى دورة حياتها صامدة في وجه العدوان وحصاره المستمر لها. هذا ما يؤكده أبناء غزة في كتاباتهم وقصصهم.
حب وأمل
أصدرت دار النشر البريطانية (كوما برس) "كتاب غزة" الذي أعده وكتب مقدمته الكاتب الفلسطيني عاطف أبو سيف. ويتضمن الكتاب عشر قصص لعشرة كتاب يعيشون في غزة، وهم عاطف أبو سيف، نيروز قرموط، طلال أبو شاويش، نجلاء عطا الله، غريب العسقلاني، يسرا الخطيب، منى أبو شرخ، عبد الله تايه، أسماء الغول وزكي العيلة.
ويتوجه الكتاب الذي صدر بالإنكليزية إلى الغرب، إذ يسعى إلى تعريفه بصور من حياة الفلسطينيين في غزة بعيدا عما تصوره وسائل الإعلام لهم من صور مجتزأة قد يقوم بعضها بدور مضلل في التعريف بالمدينة والتشهير بها وبأهلها.
ويحاول الكتاب التعبير عن الهم الفلسطيني عبر البوح، ذلك أن الأدب الذي ظل خير وسيلة لتحدي المحتل ما انفك يقوم بدوره المقاوم في إظهار الحياة الفلسطينية والتمسك بالحقوق، وكان له دور رئيس في نشر القضية الفلسطينية وتجييش العواطف والمشاعر نحوها، ولفت أنظار العالم إليها، والمحافظة على الهوية الفلسطينية وتعزيزها، وكان للأدباء الفلسطينيين كالراحلين
محمود درويش وسميح القاسم وغسان كنفاني ومعين بسيسو وغيرهم، حضور دائم مميز في الحياة الأدبية العربية، وتجاوز نشاطهم وأعمالهم حدود العالم العربي، حيث طرقوا أسماع الغرب مؤكدين أن للمطالبة بالحقوق طرقا شتى، والأدب أبرزها.
وتقدم القصص مقاربات ومعالجات لتفاصيل الحياة الاجتماعية في غزة، وكل قصة تحاول تصوير زاوية مختلفة، في محاولة لإكمال لوحة المدينة المميزة.
تكون معاناة المرأة حاضرة في القصص بالموازاة مع الضغوط الممارسة على الجميع، ومن ذلك مثلا ما تصوره نيروز قرموط في قصتها "عباءة البحر"، وكذلك نجلاء عطا الله في قصتها "مومس غزة".
وترصد قصص من غزة أحلام الغزيين، آمالهم وطموحاتهم، انكسارهم وتعاونهم، خلافاتهم واختلافاتهم، تنقل ما يعترك في قلوب بنيها من مشاعر جياشة تعصف بهم، وتضعهم في مجابهة مع الظروف المحيطة بهم، ومع أنفسهم أحيانا، إذ يجدون أنفسهم على معابر الأسى والانتظار، يحدوهم الأمل بغدٍ مختلف، يكابرون على جراحهم، يحرصون على التقاط ما يميزهم وما يبقي جذوة الحب والأمل والحياة متقدة في قلوبهم.
كما تؤكد القصص أن غزة التي تتصدر نشرات الأخبار عادة من خلال حضورها في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي وطغيانه، تزخر بحياة إنسانية ثرية بكل معنى الكلمة، وهي تنفتح على نوافذ كثيرة للعيش، تتصارع فيها الأحلام والكوابيس، تتداخل العادات والأعراف بالرغبات والتمرد والتغيير. ولا تقتصر المقاومة فيها على مناهضة المحتل، بل تتعدى ذلك إلى مقاومة ما من شأنه استلاب أبنائها حبهم للحياة، والفنون، والآداب، وذلك رغم ما تعانيه من قهر وضغط وتقييد.
حياة متجددة
من جانبه، يذكر المدير التنفيذي لدار "كوما برس" السيد را بيج أن كتاب غزة "يأتي كمحاولة لإعطاء غزة فرصة لإظهار نفسها على أنها مدينة تنبض بالحياة والأحلام، وذلك عبر السعي لإظهار الجوانب الإنسانية من خلال القصص".
ويضيف بيج أن "فكرة جمع القصص لمجموعة من المؤلفين من غزة هي لإبراز كيف أن غزة مدينة مثل أي مدينة أخرى، فيها أناس لهم اعتقاداتهم ومشاعرهم وأحلامهم وإبداعاتهم. وذلك بعيدا عن الصورة النمطية التي روجتها وسائل إعلام غربية".
كما يذكر أن "الكتاب حلقة في سلسلة مشروع تقوم به الدار عن عدة مدن، "ريو، طوكيو، إسطنبول.."، في محاولة لتقديم خريطة أدبية لكل مدينة، بحيث تسمح مجموعة القصص للقارئ بزيارة تلك المدينة بخياله".
ويبرز أبو سيف في مقدمته أنه لم تحظ مدينة فلسطينية -باستثناء القدس- بالاحتفاء المتكرر في وسائل الإعلام كما حظيت غزة، منذ أكثر من نصف قرن. وهي التي أصبحت بعد النكبة مركزا لوجود سكاني كثيف جعلها المنطقة الأكثر كثافة في العالم.
ويعتبر أبو سيف أن الكتّاب الغزيين وجدوا في قِصَر القصة القصيرة ورمزيتها في بعض الأحيان، ما يمكن به تجاوز قيود النشر والطباعة التي تفرضها قوات الاحتلال الإسرائيلي. ويؤكد أنه لم يكن من السهل نسخ القصة ونقلها لدور النشر في القدس لطباعتها، لذا كان الحجم القصير يساهم كثيرا في تسهيل عملية النشر، وباتت غزة مشهورة بتصدير البرتقال والقصة القصيرة، وفق وصف كثيرين.
ويطمح الكتاب لرسم صور من غزة عبر عيون كتابها، وتقديم غزة المدينة التي تشبه كل مدن البحر، في حياة زاخرة بالأنشطة والفعاليات، بالهموم والهواجس، فيها أناس يحبون ويكرهون، لهم شهواتهم ومخاوفهم، ومع أنهم يعيشون في واقع قاسٍ، لكنهم يعشقون الحياة "ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا"، حسب تعبير الراحل محمود درويش.