نص خطاب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية
غزة - المركز الفلسطيني للإعلام +-
بسم الله الرحمن الرحيم
خطاب رئيس المكتب السياسي
لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين ..
(سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير) (فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا).
قال رسول الله صل الله عليه وسلم (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لعدوهم قاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا ما أصابهم من لأواء حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
يا أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد
يا جماهير أمتنا العربية والاسلامية
الأخوة والأخوات.. الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد
أول ما أبدأ به خطابى بعد أن شرفني إخواني بالثقة برئاسة المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وكلفوني بحمل المسؤولية، أن أحمد الله أولاً ثم أسأله تعالى أن يعينني على حمل الأمانة، وأن أصون العهد الذي قطعته على نفسي أمام الله، ثم أمام هذا الشعب العظيم وأمام إخواني، أن نظل أمناء على ثوابت شعبنا الفلسطيني وفي مقدمتها تحرير الأرض والقدس والأقصى والأسرى وتحقيق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، هذا عهد الجهاد منذ انطلاق الثورات الفلسطينية وحتى اليوم، وهذا عهد شهداء انتفاضة القدس والأقصى الذين هبوا للدفاع عن أرض فلسطين والقدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية فارتقى منهم الشهداء الأبرار ومنهم من ينتظر، يواصل مسيرة المقاومة والانتفاضة، فتحية لشهداء وجرحى شعبنا ولأسرهم وذويهم، وتحية للأسرى الأبطال تضحيةً وثباتاً وصبراً وصموداً في وجه الجلاد، فتصعيد الاحتلال ضد الأسرى في سجون الإجرام الصهيوني يجب أن يتوقف، وإن استمرار الاحتلال في ممارسة سياسة الاعتقال الاداري الظالمة التي تطال المئات من قيادات شعبنا ونوابه وأبنائه هو إرهاب على مرأى ومسمع العالم دون أن يحرك ساكناً، ونقول إن ظلم السجان لن يطول، ولن يكسر إرادة أسرانا الأحرار، وإن تحريرهم بات أقرب من أي وقت مضى.
كما أحيي في هذا المقام مقاومتنا الفلسطينية الباسلة بكتائبها وأجنحتها العسكرية كافة وعلى رأسها كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس، فكل التحية لمقاومتنا البطلة كتائب القسام وسرايا القدس وكتائب شهداء الأقصى وكتائب الشهيد أبو علي مصطفي وكتائب المقاومة الوطنية وجميع الأجنحة والتشكيلات العسكرية، هذه المقاومة التي واجهت العدو وإرهابه في كل ميدان ومازالت تعد العدة ليل نهار من أجل تحقيق طموحات شعبنا في التحرير والعودة، فللمقاومة كل التقدير فهي مصدر فخر واعتزاز لشعبنا وأمتنا ولكل أحرار العالم، فهي بحق شرف فلسطين وفخر الشعب وأمل الأمة.
كما أتقدم بالشكر والتقدير لأجهزتنا الأمنية التي ردت على اغتيال الشهيد القائد مازن فقها بتوجيه ضربة موجعة لأجهزة أمن العدو ولاحقت عملاءه وأذنابه، كما أحيي الشهيد البطل المهندس محمد الزواري ابن تونس الذي التحق بكتائب القسام قياماً بواجب النصرة والجهاد على أرض فلسطين المباركة.
ولا يفوتني أن أوجه التحية لكل أبناء شعبنا الفلسطيني وللعاملين في مؤسساته التشريعية والتنفيذية والقضائية كافة، وتحية لأعضاء السلطة الرابعة من الصحفيين ورجال الإعلام الأبطال، وتحية للفلاحين والعمال ولرجال الأعمال والصناعة والتجارة والصيادين الذين تلاحقهم إجراءات الاحتلال ليل نهار وهم يواصلون رحلة الصمود، وتحية للطواقم الطبية والإسعاف والدفاع المدني والمعلمين وأساتذة الجامعات والطلاب والأطباء والمهندسين وجميع العاملين في قطاع البناء والتنمية وصناعة مستقبل أفضل لأبنائنا وبناتنا.
الإخوة والأخوات:
إنني اليوم من أرض فلسطين ومن قلب غزة الأبية أخاطب شعبنا الفلسطيني في كل مكان، بكل أطيافه ومكوناته، شعبنا الواحد الذي لا يقبل التجزئة صاحب القضية العادلة التي لا تقبل القسمة، صاحب الحق الثابت في فلسطين التي لا يمكن التنازل عن حبة من ترابها.
أخاطب فيكم وحدة الآلام والأهداف والآمال، أنتم يا من انطلقتم في مسيرة نضالكم ضد عصابات الإرهاب الصهيوني منذ عقود طويلة، وتورثون حب فلسطين والتمسك بالوطن لأبنائكم جيلاً بعد جيل لا تلتفتون إلى همهمات المثبطين، ولا إرجاف المرجفين ولا عدوان المحتلين، هؤلاء الذين يحاولون بكل إمكاناتهم وإرهاب كيانهم أن يجبروكم على الاستسلام للأمر الواقع وأن يجرونا إلى ساحة النسيان لحقوقنا وثوابتنا الراسخة في أرضنا ومقدساتنا بالترغيب تارة وبالترهيب أخرى.
الحضور الكرام، شعبنا الفلسطيني في كل مكان، جماهير أمتنا الأبية:
أود اليوم أن أتحدث إليكم في شؤوننا حول واقع الحال والمسار الذي سنسلكه وأولوياتنا الوطنية في المرحلة المقبلة مستعينين بالله أولا ثم بشعبنا العظيم الذي تصدى لوعد بلفور مئة عام وقاوم التوطين سبعين عاماً، وتصدى للعدوان والحصار ومحاولات التهويد ووقف في وجه التجهيل والتهجير وطمس الهوية عشرات السنين ولا يزال.
أولاً: إن حركة حماس أثبتت مجدداً كما في كل مراحلها أنها حركة فتية أبية أصيلة بأصالة رؤيتها وعمق نهجها وتضحيات أبنائها ومؤسسيها الأطهار وعلى رأسهم الشيخ الشهيد أحمد ياسين ودماء الآلاف من شهدائها ومعاناة الآلاف من أسراها وجرحاها، هؤلاء الرجال الذين خطوا لنا الطريق ورسموا لنا المنهاج العظيم الذي تسير عليه حركتنا بدمائهم وجهدهم وجهادهم، وها نحن اليوم أنا وثلة من إخواني نتسلم قيادة هذه الحركة العظيمة من إخوة كرام وقادة عظام على رأسهم الأخ المجاهد الأستاذ خالد مشعل (أبو الوليد) الذين حملوا أمانة القيادة خلال السنوات السابقة فصانوا الأمانة وسلموا الراية مرفوعة خفاقة منصورة بإذن الله وتمكنوا بفضل الله من تطوير الحركة والحفاظ على وحدتها والارتقاء بدورها وتعزيز تأثيرها خلال فترات عصيبة مر بها شعبنا حتى أصبحت موضع ثقة شعبنا وأمل أمتنا، ولئن غادر أخي أبو الوليد حفظه الله اليوم موقع القيادة كنتيجة لعملية شورية على مستوى حركتنا نعتز ونفخر بها فإنه بالتأكيد لن يغادر خندق المقاومة ولا الدور الجهادي والسياسي كقائد وطني وقامة شامخة ورمز نضالي كبير لشعبنا ومقاومتنا، فتحية للأخ أبو الوليد وإخوانه الكرام الذين قادوا الحركة في المرحلة السابقة.
ثانياً: إن حماس قد أصدرت مؤخراً وثيقتها السياسية التي تضمنت الرؤية والمبادئ والأهداف التي تسير وفق مضامينها وتعمل بمقتضاها، وتمثل موقفها الموحد من مجمل القضايا التي تواجهها، وبرهنت هذه الوثيقة عن قدرة الحركة فى الجمع بين الأصالة والمعاصرة والثابت والمتغير والمرحلي والاستراتيجي وفتحت الأبواب في إطار فقه الواقع لمقاربات سياسية وفكرية تعكس حيوية الحركة وقدرتها على التجديد والتوازن في عصر المتغيرات المتسارعة، هذه الوثيقة التي قدَّمناها لشعبنا لنؤكد من خلالها بكل جلاء ووضوح أننا نريد أن نعمل مع الجميع ضمن استراتيجية وطنية جامعة في السياسة والمقاومة، وفي بناء مؤسساتنا القيادية والإدارية وفي إدارة شؤوننا الداخلية وعلاقاتنا الخارجية.
الإخوة والأخوات الحضور:
شعبنا الفلسطيني في كل مكان:
تعلمون أن أمتنا تمر بمرحلة غير مسبوقة من الصراعات الداخلية بين القوى الإقليمية والمحلية والتكالب الدولي، وتعاني من نزيف واستنزاف متواصل لمقدراتها أرهق جميع القوى ومزق المنطقة وعقّد المشهد، وهناك من يريد لهذا الحال أن يتواصل ويتعمق وأن تتسع دائرة الحرائق المشتعلة وتنتشر مساحة الخراب والدمار في كل مكان في المنطقة بحيث يستمر التدمير الداخلي وزرع الحواجز والجدران الوهمية بين شعوب المنطقة بل بين أبناء الشعب الواحد من أجل دفع الأمة إلى صحراء التيه والضياع وتمزيق وحدتها والبقاء في دائرة الاقتتال واستباحة الدماء والأعراض وتهديد سلامة الأقطار ووحدة مكوناتها، وذلك لإضعافها وتركيعها وفرض خيارات القوى المعادية عليها، وتعزيز قوة العدو الصهيوني وضمان أمنه وتفوقه وبقائه.
ومنذ وصول الرئيس الأمريكي الجديد ترمب إلى سدة الحكم وبضغط وتشجيع من العدو الصهيوني بدأت بشكل متسارع التحركات والمحاولات لجني ثمار الأوضاع الراهنة وابتزاز القوى العربية والإسلامية المنهكة والمستنزفة لتصفية القضية الفلسطينية وفرض ما يسمى المصالحة التاريخية والضغط بقوة لتوفير الغطاء الفلسطيني - العربي والإسلامي لها.
أمام هذا الوضع فإنه لا بد لنا كشعب فلسطيني أن نملك زمام المبادرة ونرتب أوضاعنا ونحصّن بيتنا ونؤمِّن جبهتنا ونحمي حقوقنا وأن نكون موحدين في توجيه رسالة واضحة للعالم أجمع نؤكد فيها أن أي حلول أو تسويات تتعارض مع حق شعبنا في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية ذات السيادة وعاصمتها القدس لن يكتب لها النجاح وسنقف سدا منيعا في وجهها، مهما كلفنا ذلك من ثمن، وكما أسقط شعبنا البطل مؤامرات سابقة لتصفية قضيته العادلة فإنه بعون الله قادر اليوم على فعل ذلك، وعلى العالم أن يصغي لصوت الحق والعدل والإنصاف.
شعبنا الفلسطيني:
إن المسؤولية التي أحملها أنا وإخواني في قيادة الحركة في الداخل والخارج تقتضي أن نضع بين أيديكم معالم الرؤية التي نعمل على تحقيقها وهي تمثل أولويات عملنا في المرحلة المقبلة لتحقيق الأهداف الكبرى لشعبنا وهي:
أولاً: مواجهة الاحتلال الغاشم لأرضنا ومقدساتنا واجراءاته المخالفة للأعراف والقيم وقواعد القانون الدولي، سواء ما تعلق منها بالقمع أو الحصار أو مصادرة الأراضي أو التهويد أو الاستيطان، وإن سلاحنا الفاعل في ذلك هو وحدة الموقف الفلسطيني الذي يستند إلى رؤية سياسية وطنية جامعة توحّد الجهود وتتحرّر من الرّهانات على الوعود الكاذبة التي جرّبها شعبنا الفلسطيني طول مسيرة المفاوضات.
ثانياً: القدس والأقصى:
إن بؤرة اهتمامنا تتركز على مركز الصراع: قضية القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، سوف نعمل من أجل حماية عروبة القدس وإسلاميتها ومقاومة كل محاولات التهويد والتفريغ السكاني وتغير الطابع الديموغرافي للمدينة، كما نعمل على تعزيز صمود أبنائها وإبقائها رمزا لكفاح شعبنا وجهاد أمتنا والحفاظ عليها أيقونة للنضال ووجهة للمقاومة.
إن محاولات الاحتلال الصهيوني فرض أمر واقع في المسجد الأقصى المبارك عبر مخططات التهويد والتقسيم الزماني والمكاني والاقتحامات المتواصلة، وقرار نتنياهو الأخير بالسماح للوزراء وأعضاء الكنيست باقتحام المسجد الأقصى لن تفلح في أهدافها، ولن يكون لها أثر بفضل صمود المقدسيين وإرادة المرابطين في الأقصى وإبداع أبطال انتفاضة القدس، وسيبقي المسجد الأقصى المبارك إسلامياً خالصاً ولن يكون للاحتلال فيه موطئ قدم، وسنظل نحمل مشعل الجهاد والمقاومة حتى تنعم أمتنا كلها بالصلاة في المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، وحتى يحقق الله بأيدي مجاهدينا أمل شعبنا وأمتنا بالتحرير والعودة، وهنا نعلن بكل وضوح أننا نرفض نسبة حائط البراق للصهاينة المحتلين، فحائط البراق جزء أصيل من المسجد الأقصى المبارك ولا يمكن التنازل عنه، وإننا اليوم نجدد العهد والالتزام لأهلنا في القدس الذين ينوبون عن الأمة في حماية بيت المقدس وأكنافه.
ثالثاً: إن عيوننا على الضفة الصامدة التي تتعرض لجريمة تقطيع الأوصال والتهويد والاستيطان لتحويلها إلى معازل لأهلها وفصلهم عن امتدادهم الطبيعي وأرضهم الواسعة عبر الجدار والطرق الالتفافية والحواجز العسكرية.
إن ضفتنا الباسلة ما زالت تحمل في حناياها جذور ثورة يغذي جذوتها جيل لم تعكر فطرته محاولات الترهيب أو الترويض كافة، جيل مبارك فجر انتفاضة القدس بعملية ايتمار وعملية الشهيد مهند الحلبي، والشهيدة هديل الهشلمون يعيدون صياغة الوعي بدمائهم وحيويتهم وعنفوانهم، ونحن نقول بمنتهى الوضوح إن الضفة ستبقى مركزا للصراع وعنوانا للانتفاضة والمقاومة بكل أشكالها ولن يوقفها أحد، وستعمل الحركة على مواجهة كل ما تتعرض له الضفة من سياسات التنكيل والتغيب، في خطين متلازمين: الأول دعم صمود أهلنا وشعبنا في مواجهة مخططات العدو ومحاولات التدجين، والثاني: مقاومة تجعل العدو يدفع غالياً ثمن احتلاله، وفي سبيل ذلك سوف نتعاون مع مكونات شعبنا للتصدي لتغول الاستيطان ولجدار الضم والتوسع الاستيطاني، إن معضلتنا الوطنية في الضفة تكمن في التنسيق والتعاون الأمني، فالاعتقالات والملاحقات وضرب الانتفاضة يعود الى هذه المعضلة الوطنية، ومن هنا فإننا نجرم التعاون الأمني في الضفة، وندعو إلى وقفه فوراً التزاماً بالنهج الوطني السليم وبأدبيات حركات التحرر الوطني وتنفيذاً لقرارات المجلس المركزي، ونعلن وقوفنا إلى جانب إخواننا نواب المجلس التشريعي المختطفين لدى الاحتلال الصهيوني وكان آخرهم النائب محمد بدر والنائب خالدة جرار التي تدفع ثمن الموقف الحر والجرأة الوطنية والرفض للتنسيق الأمني، كما نؤكد تضامننا ووقوفنا مع إخواننا نواب القدس المبعدين عن قدسهم ومدينتهم، ونطالب بعودتهم كحق مشروع غير قابل للنقاش.
رابعاً: أهلنا الصابرون في الأرض المحتلة عام 1948 في النقب والمثلث والجليل الأمناء على الأرض والهوية الذين يعانون الإرهاب والتمييز العنصري ويتعرضون لمنهج طمس الهوية ونزع الشرعية ويواجهون بالصدور العارية سياسة الهدم والضم ومحاولات تفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين وهم قابضون على جمر الانتماء لهذا الوطن والثبات على أرضه يقفون في مقدمة الصفوف للحفاظ على المسجد الأقصى والمقدسات والثبات في صراع الهوية، ويسمعون صوت أذانهم من فوق كل المنابر ويؤكدون انتماءهم الذي لا يتزعزع، فهم صامدون كجبال الجليل والمثلث ومنغرسون في أرضهم كقلاع عكا وصفد ومآذن حيفا وبحيرة طبريا، إنهم قوافل البيارق ورايات شد الرحال إنهم المرابطون والمرابطات في المسجد الأقصى المبارك.
وإن دعم صمود أهلنا في الداخل الفلسطيني وتبني مطالبهم وحماية حقوقهم ومكتسباتهم وترسيخ انتمائهم حق على شعبهم وأمتهم التي لن تخذلهم ولن تسلمهم لأنهم درة تاجها وومضة أملها.
خامساً: أهلنا في مخيماتنا الصامدة على حدود الوطن مخيمات لبنان وسوريا والأردن في اليرموك والوحدات والبقعة وعين الحلوة والرشيدية وصبرا وشاتيلا ونهر البارد وفي كل مكان يتواجد فيه الفلسطيني على وجه البسيطة نحمل همهم ونتابع قضاياهم فهم السواعد المقاومة التي حملت راية النضال الفلسطيني لسنوات وعقود والتي سوف تعود لتبني الوطن، ونحن هنا نؤكد أنه مهما طال الزمن فإن قضية اللجوء لن تتحول إلى قضية منسية في تيه الغربة وإنما سيبقى اللاجئون هم جوهر القضية الفلسطينية، فهي قضية سياسية بامتياز وأن حق العودة حق مقدس لا يسقط بالتقادم ولا تملك أي جهة في العالم شطبه، ولذا سنحبط معهم كل محاولات التوطين وما يسمى بحل الوطن البديل، ففلسطين وطننا لا نرضى عنها بديلا، إننا اليوم ندعو الدول العربية المضيفة مع كل الثقة والتقدير لكل الجهود السابقة إلى توفير شروط العيش الكريم لأهلنا في المخيمات، كما ندعو لوضع استراتيجية عربية فلسطينية لحماية حق العودة ومواجهة مشاريع التوطين، كما نطالب الأمم المتحدة القيام بواجباتها تجاه أهلنا اللاجئين في أماكن تواجدهم كافة باعتبارها الجهة الدولية المكلفة بإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لحين عودتهم إلى ديارهم الأصلية في فلسطين.
ونتوقف اليوم أمام المأساة الجديدة لإخواننا فلسطيني سوريا الذين ذاقوا مرارة التهجير واللجوء وتوزعوا في البلدان والأقطار القريبة والبعيدة، فدفعوا فاتورة باهظة من التشريد والحرمان، وإننا ندعو إلى احتضانهم وإيوائهم وحماية كرامتهم، ونحن لن نتخلى عن واجبنا الوطني والإنساني تجاههم.
وبخصوصية الوضع في لبنان فإن الحركة ومع قوى شعبنا الوطنية والإسلامية كافة تعمل على حماية الوجود الفلسطيني في لبنان وتحييده عن الصراعات الطائفية والإقليمية والمحلية وتعزيز العلاقات الأخوية اللبنانية الفلسطينية ومتابعة الوضع الفلسطيني في لبنان بكل جوانبه السياسية والإنسانية والاجتماعية، ونحن نتعاون مع كل أبناء شعبنا هناك من أجل أمن المخيمات الفلسطينية واستقرارها ونعمل في الوقت ذاته لتكون المخيمات الفلسطينية عامل استقرار وتساهم في ترسيخ السلم الأهلي في لبنان، فإن استقرار لبنان والدول العربية مصلحة فلسطينية، ولبنان المعافى والقوي قوة للقضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق نوجه التحية إلى كل الجاليات الفلسطينية في أوروبا ونثمن دورها عالياً في كل ما تقوم به نصرة لقضيتها ودافعاً عن حقها الثابت في فلسطين، والجالية الفلسطينية في أمريكا وأمريكا اللاتينية ونحيي كل من نظم وشارك في مؤتمرات فلسطينيي الخارج الذين جسدوا بتمسكهم بالثوابت، صدق الانتماء للوطن والقضية، حيث قام على هذه المؤتمرات رجال مخلصون ومتفانون وقامات أفنت عمرها في النضال الوطني ما لانت لهم قناة ولا تاهت لهم بوصلة، وإننا سنواصل العمل ونضع الخطط والبرامج لطي صفحة التهميش والتغييب لمراحل خلت، حتى يعود لفلسطيني الخارج (الذين يتجاوز عددهم 6 ملايين فلسطيني) ويشكلون الجناح الآخر الذي يحلق به كفاحنا من استئناف دورهم الرائد في الحركة الوطنية الفلسطينية وفي القرار السياسي الفلسطيني وفي المساهمة في مشروع التحرير حسب ظروفهم، ومن الاستمرار في دورهم الداعم لإخوانهم داخل الوطن المحتل وجسراً للتواصل مع العمق العربي والإسلامي والعالمي لقضيتنا العادلة.
ونقول بكل عزم وإرادة.. فلسطينيو الخارج... دور منشود وذخر استراتيجي.
سادساً: غزة الصامدة الصابرة المحاصرة:
لقد دخل حصار قطاع غزة عامه الحادي عشر، وأهل القطاع صامدون ثابتون على مبادئهم مدافعون عن حقوقهم، ولم تفلح آلة الحرب الصهيونية في كسر إرادتهم، بل انهزمت في حروبها المتتالية على القطاع، هذا القطاع الصابر الصامد بدل أن يُكافأ أهله ويُعزّز صمودهم، تُحاك ضدهم الإجراءات التصعيدية وتقطع عنهم الرواتب والدواء والغذاء وتمنع عنهم التحويلات الطبية التي بسببها أزهقت أرواح أبرياء من الأطفال.
أبناء غزة الميامين الذين ما وهنوا وما قبلوا يوما بالذلة والهوان وبهم ومعهم كبرت المقاومة واشتد عودها وقوي بأسها وترسخت أقدامها وتطورت استراتيجيتها وأصبحت المقاومة في غزة وعلى رأسها كتائب القسام مصدر أمل في تحرير الوطن السليب، هذه غزة التي هزمت المحتل بصبرها وصمودها، غزة التي هتفت نساؤها بعد هدم بيوتهن واستشهاد أبنائهن هتفت للمقاومة وفلسطين.
ومن مكاني هذا على أرض غزة العزة أود أن أقول إن غزة كانت وستبقى عصية على كل المؤامرات أبية لا تركع إلا لله، عزيزة بمقاومتها لا تهدأ أو تذل لها راية حتى النصر المبين.
لقد آن الأوان لإنهاء الحصار عن غزة، وليس تشديده، وإننا إذ نحمل الاحتلال الصهيوني المسئولية المباشرة والرئيسة عن حصار غزة إلاَّ أننا نقول بأن القرارات الأخيرة التي اتخذتها السلطة قد أساءت للنسيج الوطني الفلسطيني، وإنَّ على السلطة الفلسطينية أن تغيّر سياستها تجاه قطاع غزة، فأبناء القطاع بمختلف مكوّناتهم يمدّون اليد لجمع الكلمة وإعادة اللحمة لمواجهة الأخطار صفاً واحداً، فلا يمكن للوطن أن يحلّق في مشروع تحرير الأرض والعودة بجناح واحدة، وأمام هذا التطور الخطير صار لزاماً على قيادة الحركة أن تتحرك لإنقاذ غزة وتوفير مقومات الحياة الكريمة لأهلنا الأطهار في الكهرباء والدواء والسفر والتنقل والعلاج والرواتب.
وما زيارات وفودنا إلى مصر الشقيقة إلاَّ تأكيد على هذا المسعى، وقد وجدنا من الإخوة المسؤولين كل الاستعداد للعمل من أجل معالجة أزمات غزة وصدرت الأوامر والتعليمات من الجهات الرسمية في مصر لتنفيذ حزمة من الإجراءات والسياسات وبدأ ذلك بدخول الوقود المصري الى محطة توليد الكهرباء، والبناء مستمر في معبر رفح لإعادة فتحه في أقرب وقت، هذا إلى جانب بحث العديد من المشاريع الإنسانية والاقتصادية التي تم بحثها مع الأشقاء في مصر، وأسفرت المباحثات عن جملة من النتائج التي سيكون لها أثرها في تخفيف أعباء الحصار والممارسات غير الإنسانية ضد شعبنا في قطاع غزة.
ولا يسعنا هنا ونحن نتحدث عن حصار غزة إلا أن نستذكر الموقف الأصيل لدولة قطر الشقيقة في دعم شعبنا الفلسطيني والوقوف إلى جانب غزة في سنوات الحصار والحروب فكان لها المواقف المشرفة في الإعمار والإسكان والرواتب والوقود والكهرباء والصحة والبنى التحتية، كما استقبلت غزة سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في ذروة مرحلة الحصار مقدما دعما قطريا أحدث نقلة نوعية في حياة الناس في غزة، وسار على نهجه وأكمل هذه المواقف المشرفة سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر العزيزة، نعم لقد كانت قطر نعم العون والسند في سنوات الحصار وساعات العسرة، فتحية لدولة قطر.
كما نشكر في الوقت نفسه كل من قدم الدعم لأهلنا وشعبنا ومقاومتنا الباسلة، وكان لهم بصمات واضحة وتحديدا تركيا التي ساندتنا سياسياً ومالياً وإنسانياً ووقفت بكل أصالة مع معاناتنا وقدمت العديد من المشاريع والمساعدات، كما قدّم أبناؤها أنفسهم شهداء في أسطول الحرية لكسر الحصار عن غزة، وايران التي ساندت ودعمت المقاومة والقسام، وأسهمت في تراكم القوة التي نملكها وتطويرها، وكذلك المملكة العربية السعودية، والشكر إلى كل من وقف مع فلسطين وغزة في حصارها من الدول العربية والإسلامية والحكومات والهيئات والأفراد من الأمة وأحرار العالم.
واستكمالاً للقاءات التي عقدتها الحركة مع جميع الفصائل والشرائح الفلسطينية ومن أجل تخفيف الحصار عن غزة فإن وفد الحركة الذي زار مصر مؤخراً برئاسة الأخ يحيى السنوار رئيس الحركة في غزة عقد لقاءات فلسطينية فلسطينية أسفرت عن تفاهمات سوف تنعكس إيجاباً على أهلنا في القطاع، كما سوف تمثل توطئة للمصالحة الوطنية الشاملة التي ستصنعها فصائل شعبنا وشرائحه كافة.
أبناء شعبنا الفلسطيني:
مما لا شك فيه أن القضية الوطنية الفلسطينية قد أصابها الكثير من الضعف والتراجع منذ اتفاقيات أوسلو.
وإننا نرى أن أخطر ما تعانى منه السياسة الرسمية الفلسطينية هو التجاوب والتعاطي مع الإملاءات الأمريكية المتكررة والهادفة إلى ضرب كل المقدسات الوطنية والقيم والأدبيات التي تربت عليها أجيال الثورة والمقاومة، ومؤخراً ذهبت إدارة ترمب بعيداً في العبث بموروثنا الوطني وفي تبني الرؤية الصهيونية بالتمام والكمال في الاستيطان ويهودية الدولة والقدس وما يسمى بتبادل الأراضي، وإسقاط حق العودة، وحتى إنهاء ما يسمى بحل الدولتين، إلى أن وصل الحال أن أجبرت السلطة على التخلي عن عوائل الأسرى والشهداء وهو ما لم يحدث في أي مكان أو زمان في العالم، وإلحاقاً لذلك تم قطع رواتب الأسرى المحررين الذين أمضوا عشرات السنين في سجون الاحتلال ثمناً لحرية شعبهم ووطنهم، وبعضهم كان جزءاً أساسياً في صياغة وثيقة الأسرى التي وحدت كلمة الفصائل الفلسطينية، وإنني هنا أحيي الأسرى المحررين المعتصمين على دوار الساعة في رام الله، وأقول بكل وضوح إنني كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس أتعهد لعوائل الأسرى والشهداء بأننا سنتقاسم معاً لقمة العيش ولن نخذلكم ولن يخذلكم شعبكم وأمتكم.
الإخوة والأخوات:
لأننا ندرك ضرورة الوحدة فقد اندفعنا باتجاهها بكل قوه وتنازلنا لإخواننا وشركائنا في الوطن مرة تلو الأخرى، وقلنا لهم دعونا نخرج من حدود القبلية الفصائلية إلى فضاءات الوطن ومن ضيق الحزبية العمياء إلى سعة الحوار والتفاهم وأن نغادر مربع الرهان على فتات يعطيه أعداؤنا إلى إنجازات نصنعها بسواعدنا وانتصارات ننتزعها بإرادتنا.
وقد قطعنا شوطا مهما وراكمنا جملة من الاتفاقات والتفاهمات التي يمكن أن تشكل أساسا متيناً لوحدتنا، وإنني أقول مرة أخرى: إنَّ تحقيق المصالحة الوطنية وبناء شراكة وطنية تجمع كل القوى والفصائل الفلسطينية، ستبقى على رأس أولويات حركة حماس، وستبذل الحركة كل الجهود من أجل استعادة اللحمة الوطنية والعمل مع شركائنا في الوطن على تأسيس استراتيجية نضالية موحّدة قائمة على الحفاظ على الثوابت والدفاع عن المقدسات وتأسيس الدولة المستقلة وعاصمتها القدس.
يا إخواننا يا أبناء شعبنا في حركة فتح وكل فصائل العمل الوطني والإسلامي تعالوا لنبدأ اليوم في تطبيق جميع الاتفاقيات التي وقعناها في القاهرة والدوحة والشاطئ وبيروت وأن نحترم ما جاء في وثيقة الوفاق الوطني.
يا إخواننا في حركة فتح تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، تعالوا نستثمر جماهريتنا وقوتنا وتاريخنا، تعالوا نبني بيننا جسور الثقة ونهدم جدران الكراهية ونطوي صفحة النزاع، وننسى الماضي وآلامه ونتحدث إلى بعضنا بمسؤولية، من أجل وطننا وأجيالنا ومستقبلنا لنتنافس بشرف في خدمة شعبنا وتمثيله، وأقول اليوم حماس لم تقضِ على فتح، وفتح لم تقضِ على حماس (وهذا أساساً غير مطلوب) فلماذا نبقى نراوح في المكان ونراكم الأحقاد والنزاعات وعدونا يلتهم أرضنا ويستفرد بشعبنا ويهدد قدسنا، هذا ندائي للإخوة في حركة فتح نابع من قلب وعقل ووجدان يؤمن بأن قوتنا في وحدتنا وهي رافعتنا نحو الحرية والاستقلال.
إننا نعبر عن اعتزازنا بمستوى وعمق العلاقة والتنسيق في كل المجالات مع الإخوة في حركة الجهاد الإسلامي رفقاء الدعوة والسلاح، كما نعبر عن ارتياحنا لتطوير العلاقة مع الجبهة الشعبية وزيادة مساحة العمل والتنسيق والفهم المشترك لتطورات السياسة ومقتضى الواقع، وكذا العلاقة مع الجبهة الديمقراطية، بل ونحن مرتاحون لطبيعة العلاقة مع جميع قوى وأذرع المقاومة الفلسطينية الباسلة وقوى التحالف في الداخل والخارج، وعاقدون العزم أن نحدث نقلة نوعية في هذه العلاقة خدمة لشعبنا ووطننا.
الإخوة والأخوات:
إن البيئة السياسية والإدارية المحيطة بالنظام السياسي الفلسطيني وبالطريقة التي تدار بها الأمور يكبل قدرتنا على الانطلاق نحو أهدافنا بالحرية والاستقلال ويعطي الفرصة للاحتلال في تنفيذ مخططاته، ومن هنا فإنني أدعو فصائل العمل الوطني والإسلامي كافة إلى ما يلي:
أولاً: صياغة برنامج سياسي واضح وموحد يستند إلى القواسم المشتركة ويرتكز على أهداف شعبنا وحقوقه وتطلعاته.
ثانياً: تشكيل حكومة وحدة وطنية تفي بكل التزاماتها تجاه شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع على حد سواء.
ثالثاً: التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على قاعدة الانتخابات الحرة والنزيهة والاتفاق على موعد محدد لإجراء هذه الانتخابات وتكون تفاهمات بيروت مرجعاً في إعادة تشكيل المجلس الوطني.
رابعاً: إعادة تفعيل المؤسسات، وبخاصة مؤسسة المجلس التشريعي المنوط به الرقابة والتشريع.
خامساً: وقف التعاون والتنسيق الأمني مع العدو ومهما كانت النتائج.
وحتى يتحقق ذلك لا بد من تهيئة الظروف والمناخات الوطنية وإزالة كل المعيقات وفي مقدمتها التراجع عن جميع الإجراءات العقابية بحق غزة وأهلها وقيام حكومة التوافق بواجبها تجاه أهلنا في غزة، والمجال كان وما زال مفتوحاً لتقوم بدورها في القطاع على أكمل وجه، وحين ذلك فإنه لن يكون هناك مبرر لبقاء اللجنة الإدارية في القطاع، وسيتم وقف عملها وإنهاء دورها؛ لأنها الآن تقوم بدورها الإداري في ظل حالة الفراغ الذي تسببت به حكومة الوفاق.
نؤكد هنا على أن الحركة منفتحة على الفصائل والقوى الفلسطينية كافة من أجل حماية المشروع الوطني الفلسطيني وتعزيز صموده، ومتمسكة بوحدة الضفة مع القطاع، وندعو الجميع لتحمل مسؤولياته في ظل هذا المنعطف التاريخي الهام (فلسطين تجمعنا) وعلى عتبتها يجب أن نخلع كل خلافاتنا.
وأود أن أشير هنا بأنه تم خلال كل اللقاءات التي جرت في جمهورية مصر العربية بما في ذلك لقائي قبل شهور مع السيد وزير المخابرات المصرية مناقشة موضوع المصالحة الوطنية الفلسطينية، حيث أبديت بشكل واضح وأبدى وفد الحركة الذي زار مصر مؤخراً انفتاحه التام لإنهاء الانقسام ولم الشمل الفلسطيني، كما تم التأكيد في كل لقاءاتنا السابقة على أن حماس لم تمانع من قيام حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها في القطاع، إلا أن الواقع العملي قد فرض تشكيل اللجنة الإدارية لمتابعة الشؤون المعيشية لمواطني القطاع، ونرحب مجدداً باستئناف مصر لدورها المركزي في ملف المصالحة الوطنية الفلسطينية.
وأؤكد أيضا أن العمل لفلسطين وتمثيل الشعب الفلسطيني لا يقتصر على المؤسسات والأطر السياسية، بل هناك العديد من مؤسسات المجتمع المدني والجماعات والقامات الوطنية والمخلصين الذين يحملون الهم الوطني ويعملون من أجل شعبنا في المجالات المختلفة داخل الوطن وخارجه ويقع على عاتقهم الكثير من الجهد، ونحن سنعمل على تحقيق التكامل معهم ونسج علاقة عنوانها فلسطين وطن الجميع والمواطن الفلسطيني في الداخل والخارج شريك في تحريرها ولا بد من تعزيز كل الجهود الصادقة في مختلف الاتجاهات.
وإننا ننظر إلى كل أبناء شعبنا على اختلاف توجهاتهم السياسية والفكرية أنهم جزء أصيل من مكونات شعبنا وخاصة إخواننا أبناء الطائفة المسيحية شركاء الوطن والمعاناة والدرب والمصير، وأحيي فيهم أصالتهم الوطنية والتي يعبر عنها دوماً عنها الأخ العزيز الأب منويل مسلم وغيره.
كما إننا ننظر نظرة كلها أمل إلى شبابنا الفلسطيني ونرى فيهم المستقبل الواعد والأمل النافذ الذي نتطلع إليه ونعمل على الارتقاء بقدراته وتفعيل طاقاته وتنمية حضوره ومشاركته العادلة في مختلف المجالات.
ونعبر عن اعتزازنا وتقديرنا لدور المرأة الفلسطينية، التي كانت دوما مع الرجل في ساحات العمل المختلفة، لهن في كل مجال نصيب ومن كل خير درب وسبيل، وسنعمل معهن لتطوير طاقاتهن الكامنة وتفعيلها في المجالات كلها، وإني أحيي المرأة الفلسطينية في صمودها وصبرها وعطائها ومشاركتها في مشروع البناء والتحرير.
الحضور الكرام... شعبنا الأبي:
وإن من أولوياتنا في المرحلة القادمة إعادة الاعتبار لدور الأمة العربية والاسلامية في القضية الوطنية الفلسطينية، إذ إننا على ثقة أن بوابات الأمة كانت وما زالت مشرعة أمام شعبنا رغم حالة الاضطراب التي تمر بها المنطقة، وإن خيرية هذه الأمة التي أكدتها آيات القرآن الكريم لا يمكن لها أن تتبدل مهما كانت، إذ إن فلسطين ليست قضية حماس وحدها ولا قضية الشعب الفلسطيني وحده وإنما هي قضية الأمة العربية والإسلامية وأحرار العالم.
وإن قناعتنا بأن وحدة الأمة ضرورة من ضرورات تحرير فلسطين تملي علينا أن نبذل كل ما في وسعنا وطاقتنا في سبيل المساهمة في تعزيز التفاهم والحوار والتنسيق بين مكونات الأمة وسنظل دائما مع أي جهود تبذل على هذا الصعيد، ونحن اليوم ندعو إلى حقن الدماء وتعزيز منهجية الحوار للتوافق على حلول مناسبة للقضايا موضع الخلاف والنزاع سواء داخل الأقطار أو فيما بين الدول العربية والإسلامية.
وإننا وبكل الحب والإخاء والرغبة الصادقة بوحدة الأمة لندعو الأشقاء في دول الخليج الذين نكن لهم المحبة والمودة، إلى معالجة الخلافات بالحوار وميزان العدل والإنصاف وتغليب عوامل الوحدة التى ميَّزت العائلة الخليجية طيلة العقود السابقة.
ونحن من موقعنا في حركة حماس نؤيد كل المساعي والجهود التي تبذل من أجل إنهاء التوتر واعادة اللحمة الخليجية والعربية لما في ذلك من خير كثير لشعوبنا العربية ولقضية فلسطين.
كما ندعو للإسراع في إيجاد مقاربات وحلول للخروج من حالة الاستنزاف وهدر طاقات الأمة والعمل على إفشال استراتيجية القوى المعادية في إدامة الصراع في المنطقة، وقطع الطريق على هذه القوى التي تريد تدمير حاضرنا ومستقبلنا بإضعافنا واستمرار تبعيتنا من أجل تأمين الكيان الصهيوني وضمان تفوقه والسماح له بتمرير مخططاته.
وإننا رغم إدراكنا لواقع الأمة الأليم إلا أنها اليوم مدعوة أكثر من أي وقت مضى لمضاعفة دعمها وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وإعطاء الأولوية لمؤازرة الشعب الفلسطيني ومؤازرة مقاومته الباسلة التي لم تدخر جهداً في الدفاع عن مقدسات الأمة ودفع الخطر الصهيوني عنها، كما يجب ألّا تغفل عن خطط المحتل لغزو الأمة في المجالات الثقافية والتعليمية والفكرية والاقتصادية وصولاً إلى حالة التطبيع بأشكاله كافة تمهيداً للانغراس في قلب الأمة والاندماج فيها ونهب خيراتها مستغلاً الحالة الاستثنائية التي تمر بها المنطقة والتي نأمل أن تتعافى سريعا منها.
وإننا في حركة حماس نسعى بكل جهد ممكن إلى:
أولاً: تمتين علاقاتنا بالدول العربية والإسلامية على أساس من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لهذه الدول واحترام خصوصية الأوضاع في كل دولة واحترامنا لسيادة هذه الدول وتطلعات شعوبها.
ثانياً: إن سياستنا هي الانفتاح على كل الدول العربية والإسلامية على أساس متين، وسوف نعزز في المرحلة القادمة تبني استراتيجية الانفتاح والعمل مع الجميع ودون استثناء من أجل دعم قضيتنا الوطنية ومقاومتنا وجهادنا ضد العدو والحفاظ على قدسنا وأقصانا.
ثالثاً: نقول لكل أشقائنا في الدول العربية اطمئنوا لحماس فلن يأتيكم منها إلاَّ الخير، وتتمنى لكم الأمن والاستقرار وحماية الأوطان، والحركة متمسكة باستراتيجية ثابتة لديها بحصر معركتها على أرض فلسطين المحتلة، وإن مواجهتها هي فقط مع العدو الصهيوني المحتل، وإن بوصلتها مقدسية في أي أرض كان الفلسطيني وأينما كانت وجهته، وحماس متمسكة بسياستها في تجنب أي صراع أو خلاف مع أي نظام عربي وإسلامي، وستبقى حماس كما عهدتها أمتها قابضة على جمر المقاومة، ماضية في معركتها كرأس حربه للأمة كل الأمة في مواجهة هذا الكيان السرطاني الخبيث ولن نتنازل أو نفرط ما دام فينا عرق ينبض.
رابعاً: نرفض التطرف والإرهاب من أي كان وفي أي مكان ورؤيتنا أن المقاومة المشروعة ليست إرهاباً بل هي تحارب الإرهاب الحقيقي المتمثل في الاحتلال الصهيوني، ونتبنى وننتمي فكرياً إلى المدرسة الوسطية والاعتدال لأن ديننا هو دين العدل والسماحة والتعايش والتعاون، ونشكل في حركة حماس سداً منيعاً أمام ظاهرة التطرف، ونحصّن شبابنا في فلسطين عقائدياً وفكرياً لأنهم حملة أقدس قضية وأنصع راية.
وإن قيادة الحركة تتابع بمسؤولية عالية العلاقة مع جمهورية مصر العربية وتطويرها وبنائها على أسس ثابته تقديرا منا لمكانة مصر ودورها التاريخي في حماية ونصرة القضية الفلسطينية، وإنني أعلن بكل وضوح أننا فتحنا صفحة جديدة في هذه العلاقة وشهدت الآونة الأخيرة نقلة نوعية على هذا الصعيد، وسوف يكون ذلك انعكاساته المباشرة والإيجابية على أهلنا في قطاع غزة في المرحلة القادمة، ونحن نعيد التأـكيد على عدم التدخل في الشأن الداخلي لمصر والحفاظ على أمنها القومي والوطني وعدم السماح لأي كان أن يتخذ من غزة مأوى أو منطلقا للإضرار بأمن مصر وسلامة شعبها.
الإخوة والأخوات:
على الصعيد الدولي، نسعى للانطلاق بخطى ثابته نحو صياغة علاقة واضحة مع مختلف مكونات المجتمع الدولي والمؤسسات المعنية بالقضية الفلسطينية وأحرار العالم منطلقين من عدالة قضيتنا ومن قوة حقنا وثقتنا بأننا نقف على أرض صلبة، ولذلك ندعو الجميع إلى التعامل معنا على أساس الحقوق الفلسطينية ومن خلال فهم حماس فكرا ودورا ومكانة وعدم التجاوب مع الدعاية السوداء والابتزاز الصهيوني.
وفي هذا السياق أتقدم بالشكر والتقدير لكل الدول التي رفضت محاولات عزل حماس ولم تتجاوب مع التوصيف الأمريكي الظالم للحركة المنحاز للعدو، ومدت خطوط العلاقات الثنائية معها إيمانا وقناعة منها بأننا حركة تحرر وطني وجزء أصيل من النسيج الشعبي الفلسطيني وأننا حصلنا على ثقة الأكثرية منه في انتخابات حرة ونزيهة، وفي هذا السياق فإن الحركة سوف تعزز سياسة الانفتاح على الدول الصديقة كافة: روسيا والصين ودول أمريكا اللاتينية وجنوب أفريقيا وغيرها.
وهنا لا يسعني إلا أن أتقدم باسم حركة المقاومة الإسلامية حماس وباسم شعبنا الفلسطيني الصامد بالشكر الجزيل لكل أحرار العالم، شعوبا ومنظمات وحكومات، ممن ساندوا شعبنا الفلسطيني ومقاومته ولا يزالون، وسنواصل العمل مع كل هؤلاء ونطور من البرامج والآليات التي تزيد من عزلة الاحتلال ومقاطعته في كل المحافل وملاحقة مجرمي الحرب ومحاكمتهم محاكمة عادلة ومنعهم من التحرك بحرية، فتحية منا وتأييد لحركة المقاطعة الاقتصادية BDS وتحية وتأييد لحركة المقاطعة الثقافية والجامعات.
وفي هذا الخصوص فإن الحركة ستواصل نشاطها واتصالاتها بكل القوى الدولية والشعبية وحركات التضامن مع الشعب الفلسطيني وسنقدم لهم كل ما يحتاجونه من تسهيلات ومساندة في تحركاتهم ونضالاتهم من أجل قضيتنا العادلة، فقضية فلسطين كما قلت هي قضية كل حر شريف في هذا العالم.
الإخوة والأخوات:
إننا نتابع مجريات السياسة الأمريكية الجديدة في المنطقة وقوة الدفع نحو التطبيع مع العدو ومساعي تصفية قضيتنا الوطنية.
وأنا هنا أقول وبلغة لا تحتمل التأويل، نحن ندرك كل ذلك ونحذر من التورط في المشروع الرامي لتصفية القضية تحت ما يسمى بالسلام الإقليمي أو السلام الاقتصادي مع عدو يحتل الأرض ويشرد الشعب، ونحمّل من يفكر بهذه الخطيئة المسؤولية الشرعية والتاريخية، ولن نسمح أبداً بتمرير أي مشاريع تتجاهل مصالح وحقوق شعبنا الثابتة تحت أي ذريعة كانت، ونؤكد بأن شعبنا الفلسطيني الصامد الأبي في أماكن تواجده كافة لم ولن يفوض أياً كان من أبناء الشعب والأمة بالتنازل عن أرضه وحقوقه ومكتسباته، فنحن شعب مقاوم ولم ولن نرفع راية الاستسلام ولن نقبل بتضييع حقوقنا التي دفعنا من أجلها آلاف الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى والأسرى وواجهنا حروبا متلاحقة دفاعا عنها، ما يعني أنه لا يحق لأحد كائنا من كان أن يتطوع بالتنازل باسم الشعب الفلسطيني بأي حال ومهما كانت الظروف.
وكلنا ثقة بأن أمتنا سوف تعيد المعادلة إلى وضعها الصحيح: دعم الصمود وتفعيل المقاطعة وملاحقة العدو في كل المحافل الدولية وإرغاماً له على دفع ثمن كل ما يرتكبه من جرائم وإرهاب بحق شعبنا وما يحاول زرعه من فتن وسط أمتنا.
ومن موقعي اليوم كرئيس للمكتب السياسي لحركة حماس ومن مكاني هذا على أرض غزة الكرامة والعزة المحررة بالدماء والتضحيات التي بذلها أبناؤنا فوق الأرض وتحت الأرض أقول: هذا عهدنا عهد الشهداء وهذا طريقنا طريق التحرير وهذا سبيلنا سبيل المقاومة وهذه أمتنا حية صادقة تحمل في طياتها الخير، وها نحن مشاريع بناء مستقبل واعد لا يضرنا من خالفنا ولا ما أصابنا من بلاء حتى نلقى الله ونحن كذلك.
التحية كل التحية للشهداء الأبرار وللأسرى الأبطال وللجرحى والمناضلين الشرفاء الذين ما زالوا على العهد.
والظلم الواقع على الشعب الفلسطيني منذ قرن من الزمان لا يطاوله في هذا العصر أي ظلم، لكننا واثقون بأن الاحتلال إلى زوال والنصر آت وفجر الحرية بات قريبا والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
(ما ظننتم أن يخرجوا وظنُّوا أنَّهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرُّعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يا أولى الأبصار).
عاشت فلسطين حرة أبية
عاشت أمتنا عزيزة كريمة
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأربعاء، 12/ شوال/ 1438هـ
الموافق؛ 5/ يوليو/ 2017م