ستة أحداث تلخّص مجزرة حماة
مجزرة حماة، التي افتعلتها قوات رئيس النظام السابق حافظ الأسد، بقيادة شقيقه رفعت الأسد، ووزير دفاعه مصطفى طلاس، واستمرت 27 يومًا.
نظرت السلطة آنذاك إلى حماة، أنها المعقل الرئيسي لجماعة “الإخوان المسلمون” وجناحهم العسكري “الطليعة المقاتلة” في سوريا، وهو ما أعطاها ذريعة اجتياحها عسكريًا وتدمير نحو ثلث أحيائها بشكل كامل.
وتورد عنب بلدي بعضًا من تفاصيل المجزرة، وفقًا لما سرده كتاب “حماة مأساة العصر” الذي حمل شهادات من أهالي المدينة حول ظروف الأحداث.
إعلان
قصف المساجد وإقحام الجيش
في اليوم الأول للمجزرة، الثلاثاء 2 شباط 1982، وبعد حملات مداهمة واعتقالات ليلية من عناصر الأمن، باشرت قطعات الجيش في محيط المدينة بحملة قصف استهدفت أحياء المدينة، وطالت 30 مسجدًا فيها.
شارك في القصف التمهيدي اللواء 47 دبابات، واللواء 21/ميكا التابع للفرقة الثالثة، “سرايا الدفاع”، إلى جانب سلاح المدفعية في المطار العسكري وجبل زين العابدين.
مجزرة جنوب الملعب
الخميس 4 شباط، ارتكبت قوات الأسد المجزرة الجماعية الأولى في المدينة، في حي جنوب الملعب الواقع بالقرب من مدخل حماة الجنوبي، رغم سيطرة النظام على هذا الحي بالأصل.
ووفقًا لشهود عيان، قتلت القوات المقتحمة، ومعظمها من “سرايا الدفاع” بقيادة رفعت الأسد، حوالي 1500 نسمة من سكان هذا الحي، وقضت فيه عوائل بأكملها بالإعدام الميداني.
كذلك شهد هذا اليوم محاولات اقتحام من المدخل الشمالي والجنوبي للمدينة، ومعارك كانت أبرزها في شارع سعيد العاص (الحاضر)، وشارع العلمين.
سقوط منطقة السوق
الاثنين 8 شباط، وشكل هذا اليوم منعطفًا في المعركة غير المتكافئة بين شباب المدينة والجيش، إذ سقطت منطقة السوق بمعظمها، عدا عن بعض جيوب المقاومة.
نفذت قوات الأسد في هذا اليوم نحو عشر مجازر متفرقة في أحياء السوق، قتل خلالها نحو ألف مواطن في مناطق متفرقة، وأبرزها مجازر حي الباشورة والسوق الطويل.
سقوط منطقة الحاضر
الخميس 11 شباط، بدأت أحياء الحاضر بالسقوط، فسيطرت قوات الأسد على حيي المناخ والأميرية، واشتد الحصار على حي البارودية الأثري.
في ذات اليوم، بدأت باستهداف حي الكيلانية العريق في حماة، فأحرقت ودمرت قصوره ومساجده وحماماته خلال أيام، ولم يبقَ منه في يومنا الحالي سوى صور تذكر به.
السيطرة على المعقل الأخير
الثلاثاء 23 شباط، سيطرت قوات الأسد على آخر معاقل المقاومة الشعبية في حماة، وهو حي البارودية الأثري في المدينة، ويعد المعقل الرئيسي لـ “الطليعة المقاتلة” في حماة.
وتقدر خسائر قوات الأسد في المواجهات، ولا سيما في البارودية، بنحو ثلاثة آلاف عنصر بينهم ضباط، بحسب تقديرات متطابقة.
مجزرة جمعة “اللمّة”
الجمعة 26 شباط، وبعد أن فرضت قوات الأسد سيطرتها الكلية على حماة، اقتحمت منازل المدينة وساقت نحو 1500 مواطن إلى منطقة زراعية على أطراف المدينة الجنوبية، وأعدمتهم ميدانيًا، بإشراف مباشر من رفعت الأسد.
وأجبر الأهالي، عقب تتالي المجازر، على الخروج بمسيرة تأييد لحافظ الأسد، في شارع “8 آذار” وسط حماة، هتفوا فيها “بالروح بالدم نفديك يا حافظ”.
تختلف الروايات في إحصاء عدد ضحايا مجزرة حماة، فاللجنة السورية لحقوق الإنسان أكدت أن عدد الضحايا يتراوح بين 30- 40 ألف نسمة.
لكن صحيفة “الإندبندنت” البريطانية فرأت أن العدد يقارب 20 ألف قتيل، بينما أكّد الصحفي البريطاني روبرت فيسك إلى أن العدد يفوق عشرة آلاف، عدا عن نحو 15 ألف مفقود، لا أحد يعلم مصيرهم حتى اليوم.
الناجون من مذبحة حماه يروون الرعب الذي عايشوه
نشرت منظمة العفو الدولية في عام 2012 شهادات لناجين من مجزرة حماة، والتي ارتكبتها قوات الجيش السوري في عام 1982. وتُعيد اللجنة السورية لحقوق الإنسان نشر هذه الشهادات بمناسبة مرور 33 عاماً على المجزرة.
* * *
قبل ثلاثة عقود خلت، شن الجنود السوريون هجوماً دموياً استمر 27 يوماً على مدينة حماه إبان حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، والد الرئيس الحالي.
وجاء الهجوم حينها في أعقاب قيام أنصار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة بنصب كمين لجنود سوريين، ومهاجمة مسؤولين حكوميين، ومَن يُزعم أنهم من “المتواطئين” مع النظام والمتعاونين معه.
ومن المحتمل أن تكون الحصيلة النهائية لعدد القتلى خلال ذلك الهجوم قد وصلت إلى 25 ألف قتيل من أنصار الجانبين.
وجرى نشر ما بين ستة وثمانية آلاف جندي في مدينة حماه في فبراير/ شباط 1982، حسب التقارير الإخبارية الواردة، والمعلومات التي حصلت عليها منظمة العفو الدولية.
وتعرضت أحياء المدينة القديمة في حماه للقصف جواً وبراً كي يتمكن الجنود من دخول شوارع المدينة الضيقة بدباباتهم.
وقد سُوّيَ حي الحضرة بالأرض على ما يبدو عقب اقتحامه بالدبابات خلال الأيام الأربعة الأولى من القتال الذي دار حينها.
وبتاريخ 15 فبراير/ شباط من عام 1982، وعقب عدة أيام من القصف العنيف، أعلن وزير الدفاع السوري بأن اتنفاضة حماه قد قُمعت. غير أن المدينة ظلت حينها محاصرة وجرى عزلها عن العالم الخارجي.
وتلا ذلك كله قيام السلطات بحملة على مدار أسبوعين داهمت خلالها المنازل واحداً تلو الآخر تخللها موجة اعتقالات جماعية، مع ورود أنباء حول الفظائع التي ارتكبت بحق سكان المدينة المسالمين، وتعرضهم لعمليات قتل جماعي على أيدي قوات الأمن، حسب التقارير المتضاربة بهذا الشأن، الأمر الذي يجعل من الصعوبة بمكان التحقق مما جرى على وجه الدقة والتفصيل. وتحدثت بعض تلك التقارير عن صنوف من الإساءة، بما في ذلك عمليات القتل التي ارتكبتها جماعات المعارضة.
وقد روى الناجون من حصار عام 1982 لمنظمة العفو الدولية مؤخراً ذكرياتهم المؤلمة عن أشكال الرعب التي عايشوها، وخصوصاً عمليات القتل الجماعي والتعذيب.
“لا يمكننا أن نضع جثة جدتي في الخارج كي لا تنهشها الكلاب” هذا ما قالته مها موسى، البالغة 49 عاماً من العمر الآن والمقيمة في لندن، وهي تستذكر تجربتها الشخصية التي مرت بها أيام الهجوم على حماه.
فلقد احتل الجنود منزل أسرتها، حيث تمركز القناصة على سطح المنزل.
وينتابها شعور بالغثيان كلما تذكرت مشاهدتها لجثث القتلى في الشوارع خارج منزلها. وعندما تُوفيت جدتها لأسباب طبيعية خلال أيام الحصار، لم تدرِ أسرتها ماذا عساها تصنع بجثتها.
وتقول مها: “سألنا العسكر الموجودين في منزلنا ما الذي عسانا نصنعه بجثة جدتي. فأخبرنا أحدهم بأنه ينبغي علينا وضعها خارج باب المنزل في الشارع. غير أنني أذكر تماماً حينها عندما ألقيت نظرة على الوضع في الخارج ورأيت الكلاب وهي تنهش الجثث الملقاة في كافة شوارع المدينة،و قررنا في حينها أنه ليس بوسعنا أن نلقي بجثة جدتي لتنهشها الكلاب”.
وحتى بعد انقضاء تلك المحنة، ظل الناجون يعيشون تحت غمامة الخوف.
وعقب هجوم عام 1982، اعتُقل عم مها موسى عقب اتهامه بالانضمام لعضوية جماعة الإخوان المسلمون.
وعلى الرغم من نفيه للتهم الموجهة إليه، فقد عُذب وقُتل في الحجز. وعندما أُعيد إلى أهله جثة هامدة، كانتا عيناه قد سُملتا ونُزعت أظافر يديه حسب وصف مها.
واستذكرت مها موسى كيف قُتل حوالي 60 شخصاً خلال أحدى الهجمات التي استهدفت مسجد مسعود في المدينة قبل أن تقوم قوات الأمن ببتر أصابع أيديهم ورصفها على طول جدار المسجد.
وقالت مها: “وعقب مضي ما يقرب من سنتين على المذبحة، لم يتجرأ أحد على إزالة الأصابع المقطوعة من مكانها؛ فلقد كان الجميع مرعوباً إلى درجة لا توصف.”
النار تحت الرمادولم يكن هجوم الجيش على حماه في عام 1982 بالحادثة المنعزلة، بل إنه قد جاء كحصيلة لتراكم التوترات التي كانت تعتمل على مدار عدة سنوات بين حكومة حافظ الأسد ومعارضيه السياسيين.
وأخبر الناجون منظمة العفو الدولية كيف أنه وخلال السنوات التي سبقت الهجوم، فقد عمد الجيش السوري إلى توسيع رقعة انتشار نقاط التفتيش في أنحاء المدينة، وقام بتنفيذ عمليات متفرقة استهدفت المعارضة.
غير أنه ما من شيء حينها كان بإمكانه أن يجعل من سكان حماه قادرين على استيعاب حجم أحداث فبراير/ شباط 1982 ووحشيتها.
واستيقظ سكان المدينة ليل الثاني من فبراير/ شباط 1982 على أصوات دوي تبادل كثيف لإطلاق النار، وذلك عقب قيام أنصار حركة الإخوان المسلمين بنصب كمين استهدف جنوداً سوريين. وخلال الأسابيع التي تلت الحادثة، قُطعت إمدادات الغذاء والطاقة عن المدينة، واستمر إطلاق النيران دون توقف، ليعيش السكان المحاصرين في ظل خوف دائم.
وقال أحد سكان حماه سابقاً والذي يقيم الآن في لندن، عبد الهادي الراواني: “لم أتمكن من مغادرة منزلي إلا بعد مرور خمسة أيام؛ وساعدت في دفن جثمان امرأة حامل قبل أن أعود إلى المنزل”.
وأضاف عبد الهادي قائلاً: “في اليوم العاشر، غادرت المنزل مرة أخرى، غير أنني صُدمت مما رأيته من جثث، فما كان مني إلا أن قفلت راجعاً إلى البيت”.
وفي الأسبوع الثالث من الهجوم على حماه، دعى الجيشُ السكان إلى التوافد على مهرجان جماهيري حاشد تأييداً للنظام. وبحسب رواية عبد الهادي، قامت قوات الأمن بقتل أعداد كبيرة ممن آثروا البقاء داخل منازلهم بدلاً من المشاركة في تلك التظاهرة.
وقال عبد الهادي: “يشبه ما يحدث في سوريا هذه الأيام أحداث حماه عام 1982؛ حيث يطالب الشعب بالحرية، ولكنه يُجابه بقمع النظام.”
“لم يعد السكان بمعزل عن العالم الخارجي الآن”!في الوقت الذي يمكن فيه رؤية تشابه الأساليب والتحركات العسكرية الآن في مدن سورية أخرى ونظيرتها المتبعة في حماه عام 1982، فبوسع المرء القول بأن الشعور بالعزلة والانقطاع عن العالم الخارجي الذي مر به سكان حماه حينها، لم يعد قائماً اليوم.
وقال إياد خطاب ابن حماه الذي يقيم في الخارج الآن: “لقد اكتشف الناس الآن أكاذيب النظام وجرائمه – فقد أصبحنا الآن ندرك ماهيّة آليات عمل الأمن السياسي “.
وأضاف إياد: “لم تعد مدينة حماه معزولة كما كانت في السابق؛ بل إن هناك تضامن بين المدن المختلفة في سوريا. وهو أمر يرفع من المعنويات لا شك، ولكن الأهم أن الناس في جميع أنحاء سوريا لم يعد يعتريهم الخوف بعد اليوم”.
وأما “محمد” أحد ناشطي مدينة حماه الذي تحدث إلى منظمة العفو الدولية شريطة عدم الكشف عن هويته، فقال بأن غياب التغطية الإعلامية المستقلة لأحداث عام 1982 قد حدّت من حدوث الانشقاقات في صفوف الجيش حينها.
وأما اليوم ومع نقل روايات شهود العيان واللقطات المصورة لما يحدث في المدن السورية عبر شبكة الإنترنت، والهواتف النقالة، والاتصالات بالأقمار الاصطناعية، فلقد تغيرت الحسابات.
وقال محمد لمنظمة العفو الدولية: “من أكبر الفروقات اليوم مقارنةً بأحداث عام 1982 هو أن مدينة حماه قد دُمّرت عن بكرة أبيها حينها، ولكن لم يعلم أهالي القرى القريبة منها بذلك إلا عقب مضي أسبوع كامل”.
واختتم محمد قائلاً: “تمثل وسائل الإعلام أكبر مخاوف النظام؛ ولهذا السبب يرى النظام في تزويد وسائل الإعلام الأجنبية بالمعلومات أكبر الجرائم التي يمكن ارتكابها في سوريا”.
“نحيا بكرامة، أو نموت!”وعلى الرغم من أن العالم أضحى على إطلاع أكبر اليوم بالهجوم العسكري الذي تتعرض له حمص وغيرها من المدن السورية الأخرى، فما زالت المعاناة مستمرة.
ونقلت مها موسى رسالة من إحدى صديقاتها المقيمات في حماه الآن تفيد فيها بأن الأوضاع تشبه ما حدث هناك عام 1982 من حيث شح المواد الغذائية والمشتقات النفطية خلال الأسابيع الماضية.
وحسب ما قالته صديقة مها: “لم يتمكنوا من قتلنا بالمدافع والرصاص، وها هم يحاولون الآن قتلنا بسلاح الجوع والبرد”.
ونقلت مها عن صديقتها القول: ” إما أن نعيش بكرامة أو نموت. نعرف جميعنا بأننا لا بد وأن نموت يوماً ما، وعليه ففكرة الموت لا ترهبنا. ولكن أن نعيش على هذا النحو، فهذا يعدل الموت ألف مرة، وهذا هو المرعب في الأمر على وجه الخصوص.”
ولقد حصلت منظمة العفو الدولية على أسماء أكثر من ستة آلاف شخص يُزعم أنهم قُتلوا في كافة أنحاء سوريا خلال الاحتجاجات، أو على صعيد يتصل بها منذ اندلاعها أواسط شهر مارس/آذار من عام 2011. ويُعتقد بأن العديد منهم قد قُتلوا على أيدي قوات الأمن التي استخدمت الذخيرة الحية، وذلك خلال مشاركتهم في احتجاجات سلمية، أو عند تشييعهم لآخرين قُتلوا خلال احتجاجات سابقة.
وخلال الأسابيع الماضية، تعرضت مدينة حماه لحملة عسكرية مرة أخرى، تخللتها اعتقالات ومداهمات وصدامات بين قوات أجهزة أمن الدولة وجماعات المعارضة.
ويُذكر أن عناصر من قوات الأمن قد قُتلوا أيضاً، بعضهم على أيدي جماعات مسلحة، بما في ذلك على أيدي عناصر الجيش المنشقين الذي آثروا حمل السلاح في وجه الحكومة. واعتُقل آلاف الأشخاص، واحتُجز العديد منهم بمعزل عن العالم الخارجي لفترات طويلة في مواقع غير معلومة تشيع فيها ممارسات التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة بحسب التقارير الواردة بهذا الشأن.
عن:
منظمة العفو الدولية ، ونُشر بتاريخ 28/2/2012