لحظــة أمــام المــرآة

لحظــة أمــام المــرآة

د.سهاد حبش

هل فكرت يوما بالتوقف أمام المرآة والتمعن في القيم الجمالية لابتسامتك ؟

قد يختلف اثنان حول أيهما أجمل هذه الابتسامة أم تلك ؟ .
وقد يختلفان أيضا حول مقاييس جمال الابتسامة وأسسها !.
لاتـُنكر أهمية الابتسامة ، كأسرع وأسهل وأقصر طريق إلى قلوب الآخرين فضلا عن أنها أقل الطرق كلفة .
فالابتسامة تشعرنا بإيجابية تجاه صاحبها وبأنه إنسان ناجح ، وتزيده جاذبية وثقة بالنفس .
بل إن العلماء ذهبوا إلى ما هو أبعد من ذلك فيما يخص أهمية الابتسام ليجمعوا على أن التبسم يحسن من أداء جهاز المناعة في الجسم ، معللين ذلك بأن الابتسام يزيد الراحة النفسية للشخص مما يساعده على محاربة الأمراض بشكل عام .
وأجمعوا أيضا على أن الجسم يقوم بتحرير مسكنات الألم الطبيعية من إندورفين وسيروتونين عند الابتسام والشعور بالفرح والرضا الداخلي. كما لو أن التبسم ، سلاح سحري وهبه الله للإنسان ليتغلب فيه على صعوبات هذه الحياة ومشاكلها، فلم لا نستغله أحسن استغلال ؟.

ولكن .. هل من مقاييس لجمال هذه الابتسامة أو تلك ؟.
وهل تختلف هذه المقاييس من بلد لآخر ومن عصر لآخر ؟.
أليس من المجحف الحكم على الابتسامات بمعايير ومقاييس دقيقة بالمليمترات ؟.
- لحظة
لا يمكن القول إن هذه الابتسامة هي «الابتسامة المثالية» التي يجب أن نمتلكها جميعا لتكون ابتساماتنا جميلة وجذابة . إلا أن هناك بعض الأسس والقواعد التي أجمع عليها العلماء وأطباء الأسنان على أنها تزيد الابتسامة جمالا وجاذبية : هي خطوط عريضة تقوم على التناسق والتناغم التام بين جميع أجزاء الابتسامة مع بعضها البعض ومع مكونات الوجه الأخرى والجسم أيضا .
قد يظن الكثيرون؛ أن جمال الابتسامة يعتمد بشكل كامل وحصري على جمال الأسنان من حيث اللون والاصطفاف ، وهذا غير صحيح فالأسنان ليست هي العامل الوحيد المؤثر في جمال الابتسامة وإنما هي واحد من ثلاثة عوامل متكافئة تصنع بتناغمها وتناسقها الابتسامة الجميلة . هذه العوامل هي : الشفاه واللثة والأسنان .
أولا : الشفاه : وهي الإطار الذي ترتسم بداخله الابتسامة ، فلكي تكون اللوحة (الابتسامة) جميلة ينبغي أن يكون الإطار جميلا ومناسبا أيضا ، من هنا فإن الشفاه تلعب دورا أساسيا في جمال الابتسامة . من المستحسن أن يتناسب حجم الشفاه مع حجم الوجه ، وأن يكون هناك تناسب وتناغم بين حجم الشفة العلوية والشفة السفلية وامتلائهما . وأن يكون هناك تناظر تام بين الجهة اليمنى واليسرى من الشفاه .
أما خط الشفاه فيمكن تقسيمه إلى ثلاثة أقسام : شفاه ذات خط ابتسامة مرتفع ، وثانية ذات خط ابتسامة متوسط ، وثالثة ذات خط متدنٍ .
1) الشفاه ذات خط الابتسامة المرتفع High Lip Line :
تكشف هذه الشفاه عند الابتسام عن الأسنان العلوية بالكامل إضافة إلى جزء من اللثة العلوية . قد يكون الجزء الظاهر من اللثة بسيطا أو كبيرا ، وهذا ما يسمى بالابتسامة اللثوية (gummy smile )، وهنا يمكن أن نعتبر انكشاف (1-2 ملم) من اللثة العلوية مقبولا ، أما إذا زاد عن هذا الحد فإنه يعطي الابتسامة منظرا غير مستحب يشعر به صاحبها وينزعج منه دون أن يعرف ما السبب في ذلك في كثير من الأحيان .
لحل هذه المشكلة كان طبيب الأسنان يلجأ في السابق إلى قص الجزء الظاهر من اللثة عند الابتسام جراحيا ، هذه العملية لم تكن بالسهلة إذ يتخللها نزف من اللثة وتحتاج لفترة نقاهة طويلة نسبيا لكي يلتئم الجرح وتظهر النتائج النهائية ، أما الآن فقد أصبح بإمكان الطبيب قص اللثة بواسطة الليزر وإعطائها الشكل المتناسق المطلوب بدقة وسرعة وسهولة وبدون أي نزف بحيث لا تتجاوز مدة العلاج ساعة من الزمن حيث تظهر النتائج بعدها بوقت قصير ويعود المريض لممارسة حياته اليومية ونشاطاته مباشرة بمجرد الانتهاء من العملية .
2) الشفاه ذات خط الابتسامة المتوسط وهي الشفاه الأجمل.
وهذه تكشف عن الجزء الأكبر من السطح الخارجي للأسنان الأمامية العلوية عند الابتسام دون أن تظهر اللثة العلوية التي هي من فوق الأسنان ، ويمكن أن يظهر جزء بسيط من الأسنان السفلية. أي أن خط الشفة العلوية عند الابتسام يكون محاذيا – تقريبا - لخط التقاء اللثة بأعناق الأسنان العلوية.
3) أما النوع الثالث فهو الشفاه ذات خط الابتسام المتدني ، وهذه تكشف عن جزء كبير من السطح الخارجي للأسنان السفلية عند الابتسام دون أن تظهر الأسنان العلوية أو مع ظهور جزء بسيط منها ، وهذا المظهر يوحي بكبر السن ذلك لأن بشرة الوجه تتدلى مع التقدم في العمر إلى الأسفل بفعل الجاذبية الأرضية ونقص مرونة الأنسجة ، مما يجعل الابتسامة تكشف عن جزء أكبر من الأسنان السفلية وأقل من الأسنان العلوية كلما تقدمنا في العمر. لذا فإن هذا النوع من الشفاه غير مستحب أيضا.
العامل الثاني المؤثر على جمال الابتسامة هو اللثة : إذ يجب أن تكون اللثة في صحة جيدة بحيث يكون لونها ورديا فاتحا وتكون مشدودة تماما على الأسنان ، غير متهدلة أو منتفخة ، غير نازفة، وتكون على شكل أقواس في منطقة التقائها بالأسنان بحيث يكون هناك تناظر تام في شكل وعلو الأقواس حول أعناق الأسنان على الجانبين الأيمن والأيسر بدءا من خط الوسط ، كما يجب أن تملأ اللثة الفراغات بين الأسنان فوق منطقة التصاق السنين ببعضهما البعض (contact area ) حتى لا يظهر اسوداد في هذه المناطق.

أما العامل الثالث المؤثر على جمال الابتسامة فهو الأسنان والتي يفضل أن تتبع القواعد التالية :
1-حجم الأسنان : يجب أن يكون هناك تناغم بين حجم الأسنان وحجم الوجه ، فمثلا نجد أن الأسنان الطويلة مناسبة للوجه الطويل وهكذا.
بشكل عام فإن نسبة عرض السن إلى طوله في الأسنان الأمامية العلوية ينبغي أن تكون
حوالي 75: 100 أي أن يكون عرض السن مساويا 75% من طوله. هذه النسبة تنطبق على الأسنان العلوية الأمامية الستة . وهناك نسب أخرى تربط طول السن بعرضه خاصة بكل سن على حدة.
أما بالنسبة لعلاقة الأسنان ببعضها البعض من حيث الحجم فتربط بينها النسب الذهبية الموجودة في الطبيعة والتي أجمع العلماء على أنها تخلق نوعا من التناغم والانسجام الذي يريح البصر ويعطي الإحساس بالجمال والجاذبية ، وهي نسبة 1,618 : 1 كما هي الحال بين القواطع العلوية الأمامية المتوسطة مع الجانبية .
2-الخط الأفقي للابتسامة المار بحواف الأسنان العلوية يجب أن يكون موازيا للخط الأفقي المار بين بؤبؤ العينين .
3-لون الأسنان يلعب دورا أساسيا في إظهار جمال الابتسامة فالأسنان البيضاء تجذب الانتباه نحو جمال الابتسامة بعكس الأسنان الصفراء أو المتصبغة .
من هنا جاء الاهتمام بتبييض الأسنان بشكل كبير بين مختلف فئات المجتمع من ذكور وإناث ومن مختلف الفئات العمرية . فتبييض الأسنان يعطي لمسة جمالية طبيعية للأسنان والابتسامة دون أي آثار جانبية تذكر . وهنا يمكن اتخاذ بياض قزحية العين كمرجع لنا، إذ يفضل أن يكون بياض الأسنان مماثلا لبياض القزحية أو أفتح بدرجة أو درجتين على الأكثر، لأنه كلما زاد بياض الأسنان عن بياض قزحية العين نكون قد أبعدنا الانتباه عن العيون ليتركز في الأسنان ، وهذا أيضا غير مستحب .
4-اصطفاف الأسنان إذ إن وجود سوء انتظام في الأسنان يشوه الابتسامة ويفقدها رونقها حتى لو صاحبها إطار من الشفاه الجميلة واللثة السليمة . وهنا يأتي دور تقويم الأسنان في الحصول على الابتسامة الجميلة المتناسقة . وقد تعددت طرق تقويم الأسنان هذه الأيام إلى حد كبير بحيث أصبح بالإمكان وضع تقويم شفاف (الحاصرات شفافة) يكاد لا يرى إلا عن قرب وعند إمعان النظر أيضا ، بحيث يؤدي الغاية المطلوبة منه في تعديل اصطفاف الأسنان دون أن يؤثر على الناحية الجمالية للمريض طيلة فترة العلاج . كما يوجد تقويم داخلي (دهليزي) يوضع على الأسنان من الجهة الداخلية المحاذية للسان حتى لا يرى على الإطلاق.
ليس هذا فحسب بل إن العلم ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك حيث أصبح بالإمكان تقويم الأسنان باستخدام قوالب متحركة من الأكريل الشفاف يقوم المريض نفسه بوضعها في فمه ونزعها عند الأكل، أو إذا كانت لديه مناسبة اجتماعية ما ، المهم أن توضع في الفم قرابة العشرين ساعة من الأربع والعشرين ساعة لليوم الواحد .
توضع لفترة زمنية محددة لتقوم بتحريك الأسنان إلى وضع معين ثم يأخذ المريض، قوالب أخرى علوية وسفلية ليستعملهما لفترة زمنية محددة أخرى ، وهكذا يحتاج كل مريض لسلسلة من القوالب الشفافة المصنوعة خصيصا لحالته ولأسنانه ليقوم كل زوج منها (واحد علوي و آخرسفلي ) بتحريك الأسنان إلى مستوى معين ومن ثم يبدأ المريض بالمرحلة التالية باستعمال زوج آخر من القوالب ، وهكذا إلى أن يتم الوصول إلى الوضع النهائي المراد من اصطفاف جميل ومتناسق للأسنان، وهذا مايسمى بــال lnvisalign .
5-التناظر التام في شكل الأسنان وحجمها حول خط الوسط (midline ) . ولخط الوسط أهمية خاصة في جمال الابتسامة إذ يجب أن يمر خط الوسط بين القواطع العلوية والقواطع السفلية في منتصف الوجه تماما. أما إذا حاد خط الوسط في الأسنان العلوية أو السفلية عن منتصف الوجه فإن هذا يشوه الابتسامة إلى حد كبير . كما يجب أن يكون القاطعان العلويان الأوسطان متماثلين تماما في الشكل والحجم والطول ، فهذان السنان لهما أهمية خاصة في جمال الابتسامة .
6-الأسنان العلوية تكون بارزة ومتقدمة على الأسنان السفلية من 2-4 ملم كما أنها تغطي حوالي 2-3 ملم من الجزء العلوي للأسنان السفلية .
7-القاطعان العلويان الأوسطان أطول قليلا من القاطعين الجانبيين وهذا يعطي الابتسامة انحناء يتماشى مع انحناء الشفة السفلية عند الابتسام .
8-حواف العض في الأسنان العلوية تحتوي زواياها على انحناء بدرجة ما كي لا تكون الأسنان مربعة الشكل أو ذات زوايا قائمة ، ويزداد هذا الانحناء كلما اتجهنا بالأسنان إلى الخلف بدءا من خط الوسط .
هذه القياسات الدقيقة وغيرها (إذ يصعب سرد كل القياسات هنا) تؤخذ بعين الاعتبار بشكل خاص عند عمل الوجوه الخزفية التجميلية أو ما يسمى بابتسامة هوليوود والتي يلجأ إليها الكثيرون هذه الأيام للحصول على ابتسامات فائقة الجمال والجاذبية .
9- يجب أن تكون أسطح الأسنان الظاهرة عند الابتسام خالية من الحشوات ذات اللون الفضي أو البعيد عن لون الأسنان الطبيعي .
10- إذا كانت هناك تيجان أو جسور تغطي أي أو بعض الأسنان الظاهرة في الابتسامة ، فهذه يجب أن تكون مصنوعة بدقة بحيث لا تظهر حوافها القريبة من اللثة مطلقا ، وأن تكون مصنوعة من مواد خاصة حتى لا تتسبب بتكون اسوداد على اللثة مع مرور الوقت . وهنا يفضل بالتأكيد استخدام تراكيب خالية من المعدن لإعطائها لون وشفافية قريبة جدا من خواص السن الطبيعي نفسه.
وغني عن الذكر أهمية المحافظة على رائحة فم منعشة وطيبة لتكون الابتسامة بالفعل ساحرة وجذابة .
جميع هذه المقاييس يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار عند دراسة أي حالة ووضع التصميم المناسب للابتسامة. كما ينبغي على طبيب الأسنان التحدث إلى المريض ومعرفة ما الذي يزعجه في ابتسامته ، وما هي التعديلات التي يرغب بها ، وما هو تصوره للشكل النهائي لابتسامته ، (وهنا غالبا ما نصادف في عياداتنا أفكارا ومقاييس خاطئة للابتسامة الجميلة عند الكثير من المرضى ) لذا فإن من واجب الطبيب أن يقوم بتوضيح الحالة للمريض ، وشرح المشاكل الموجودة فعلا لديه ، وكيف يمكن تعديلها بالطرق المختلفة ، وما يمكن أن تكون عليه الابتسامة بعد التعديل آخذين بعين الاعتبار صحة الفم والأسنان بالدرجة الأولى .

طب وجراحة الفم والأسنان