ما بعد الشرق الأوسط
سلطان حميد الجسمي
التاريخ عبر العصور والقرون في ديناميكية مستمرة، تغيرات وتحولات كبرى رسمت خرائط للعالم تتغير باستمرار، ظهور قوى، وسقوط أخرى، ودوامة حروب لا تتوقف.
خرائط جديدة في التاريخ الحديث مليئة بالمؤامرات والتدخلات في شؤون الدول وفرض الهيمنة والسيطرة ورسم شرق أوسط جديد، ومن أبرز هذه النتائج زرع الكيان الصهيوني في قلب الشرق الأوسط.
توالت الأحداث ومرت السنون وهذا الاحتلال يسجل جرائمه البشعة ضد الشعب الفلسطيني، وينتهك أبسط حقوقه، ويتحدى المجتمع الدولي بتعجرف وغطرسة، ويقتل صاحب الأرض الأعزل بدماء باردة.
أنشئت منظمات إرهابية لتخريب الشرق الأوسط، والتي تحمل شعارات إسلامية زائفة، فمولت تنظيم القاعدة الإرهابي والذي كان من أهدافه الكاذبة سقوط «إسرائيل»، ولكنه لم يستهدف «إسرائيل»، وقد اكتفى باستهداف العرب والمسلمين، فطغى ولا يزال يطغى ويهدر دماء المسلمين، وخرجت مثله منظمات إرهابية تحمل شعارات مزيفة عن الولاء للإسلام وهدفها الزائف أعداء الإسلام الصهاينة بينما هدفها الحقيقي المسلمون والعرب. ألا يعقلون أنه انكشفت أكاذيبهم وافتراءاتهم على العرب والمسلمين؟
وبعد سقوط العراق تحت الاحتلال الأمريكي بدأ فصل جديد من المؤامرات لتقسيم الشرق الأوسط، بإثارة النعرات الطائفية، كانت إيران رأس الحربة في هذا المخطط الجهنمي، وعملت طوال سنوات الاحتلال على تحويل العراق إلى دولة طائفية تتبع ولاية الفقيه، ومن ثم جاء «داعش» إلى العراق لينشر الطائفية أيضا، لكي يغرق العراق في مستنقع كبير من الطائفية، ولكن «داعش» الآن يلفظ أنفاسه الأخيرة في العراق، والأخطبوط الإيراني يتم بتر أطرافه، وهو ما يعيد الأمل في أن يرجع العراق إلى حاضنته العربية وأن يتعافى من جروحه.
مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد قائم إلى يومنا هذا، ولم يتخلف الصهاينة يوماً عن تأييد هذا المشروع، ومنه أطلقوا ما يسمى «الفوضى الخلاقة» والتي كان من أهم أهدافها خلق الفوضى في دول الشرق الأوسط، وبالأخص الوطن العربي، لكي تكون تحت الفوضى والانقسام.
لعل «الربيع العربي» هو من أهم ثمار هذا المشروع التخريبي، حيث واجهت الدول التي اندلعت فيها الثورات قتالاً وحروباً وتدميراً للبنى السياسية والاقتصادية.
ومن أغرب ثمار «الربيع العربي» خضوع رئيس دولة لمرشد جماعة (خضوع المخلوع مرسي لمرشد الإخوان المسلمين)، وأيضاً في بادرة سياسية غير احترافية تمسك الرئيس التركي أردوغان بجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي وقفت ضد دولة ذات سيادة عظمى وهي جمهورية مصر العربية، وأيضاً من الثمار الغربية تمسك الروس بالنظام السوري الذي سجلت في حقه إبادات جماعية وقصف بالقنابل الحارقة على الشعب السوري.
ومن أبشع صور المؤامرات ضد الشرق الأوسط احتضان بعض الدول للإرهابيين والجماعات الإرهابية علناً وأمام مرأى من العالم كدولة قطر، وأيضاً لعب إيران على المكشوف ضد الدول المجاورة، ودعمها بشكل علني للميليشيات المسلحة كالحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق. لعل كل هذه الأحداث والصراعات لم تأتِ صدفة، بل من خطط واستراتيجيات دقيقة، ولكن بالمقابل استيقظ الشارع العربي وتنبه للمؤامرات والمخططات التخريبية، واستطاعت الدول العربية أن تتصدى لها باحترافية، ولا تزال المعركة مستمرة في حلقة الصراع بين الخير والشر.
المخطط التخريبي واضح للشرق الأوسط اليوم، وانكشف غطاؤه المظلم، وانكشف من ارتبطوا به، وكانوا داعمين لتفكيك الدول العربية، ودعم منظمات إرهابية، وجعلوا سوريا والعراق مقراً لمخططاتهم ومؤامراتهم، واستعملوا السلاح العربي، السلاح هم الشباب العربي الذي استعمل وقوداً لهذه الحروب، وزرعوا الإرهاب في شتى بقاع الوطن العربي من محيطه إلى خليجه.
بعض دول الشرق الأوسط كانت مستيقظة للمخططات التي استهدفت المنطقة، وكان الشعب والحكومة على يد واحدة لا تستطيع قوى الشر الدخول بينهم وتفرقتهم، والبعض الآخر تشتتوا وتفرقوا، وأصبحت بلادهم مأوى للإرهاب والإرهابيين، وآخرون أصبحوا مصدراً لدعم الإرهاب وتنفيذ المخططات التخريبية، واليوم تعمل الدول العربية الداعية لمكافحة الإرهاب على عودة السلام والاستقرار من جديد إلى منطقة الشرق الأوسط.
على المجتمع الدولي أن يدرك أن مخططات الكيان الصهيوني والداعمين له لا تتوقف على الشرق الأوسط فقط، فلهم تاريخ مملوء بالعلاقات العدوانية مع الدول الغربية المستهدفة في المستقبل من هذا المخطط، وما نشاهده من مخططاتهم الإرهابية في أوروبا وأمريكا الآن هو جزء من مخطط ما بعد الشرق الأوسط.
أعداء السلام لا يفرقون بين شرق وغرب، فالجميع عندهم في سلة واحدة، ولكن لعل العالم اليوم أكثر نضجاً، بعد أن واجه حروباً همجية ذهب ضحيتها ملايين البشر في القرنين الماضيين، وهو بكل تأكيد لا يريد تكرار مثل هذه السيناريوهات مرة أخرى.
عن الخليج الاماراتية