لأن العلاقات بين العرب والعرب غالباً ما تقوم على مبدأ العباءة والخنجر. كما الأمواج حيناً تهدأ وحيناً تصطخب. بالأحرى كما العواصف الرملية. لا قواعد سياسية، لا رؤية استراتيجية، ايضاً لامنظومة بالحد الأدنى من الديناميكية لضبط تلك العلاقات وتفعيلها في عالم تحوّل الى معسكر للصراعات المجنونة.
ولأن جامعة الدول العربية مستودع للعكازات، وللعباءات، وللأراكيل، قد تعثرون على احمد ابو الغيط وهو يلتف ببطانية الصوف اتقاء للرياح.
اذاً، لا بد من هذا السؤال الصاعق: أليس من مصلحة المملكة العربية السعودية اعادة الربط مع دمشق ؟
السعوديون مثل غيرهم كانوا يتوقعون سقوط النظام في غضون أيام او أسابيع. رهانهم على تكرار تجربة ايلول 1961 (الانفصال) والاتيان بفريق سعودي الى السلطة، ولا يلبث ان يتساقط، جعلهم يمضون الى ابعد مدى في المتاهة، مع انهم خبروا جيداً الوضع السوري على انه جزء بالغ الحيوية من الثنائية القطبية..
لا بل ان المملكة وقعت في المصيدة العثمانية. أكثر من جهة همست في آذان مسؤولين سعوديين بأن العمل، على المستوى التكتيكي او على المستوى الاستراتيجي، مع رجب طيب اردوغان بمثابة مجازفة قاتلة..
الرئيس التركي الذي استضاف قادة تنظيم الدولة الاسلامية في المنتجعات، وفتح المعسكرات امام شذاذ الآفاق الذين تم استجلابهم بالتواطؤ بين المال العربي واجهزة الاستخبارات على انواعها، كان يعنيه ان يمتطي ظهور الجميع على انه السبيل المثالي لاعادة السلطنة....
اين هي السعودية الآن في سوريا؟ حتى الاتفاقات الميدانية تعقد بين اميركا وروسيا وتركيا وايران . واذا كان هناك من يسعى لتفكيك سوريا، كما العراق، فأين هي مصلحة الرياض في ان تكون (او تبقى) وسط تلك الحرائق التي، واقعاً، تلامس البلاط؟
قد يكون شيء من هذا الكلام موجهاً الى جهات لبنانية ترتبط سياسياً او مالياً (او زبائنياً) بالمملكة. هذه الجهات التي تقبع في زوايا الأزمات، ولا دور لها سوى هز البطن او هز الرأس، ترفض حتى قيام وزراء بزيارة دمشق لمصالح مشتركة لا اكثر ولا اقل، دون تبرئة الحقبة العنجرية من الويلات التي المت بلبنان واللبنانيين...
الذريعة الكاريكاتورية التي اعلنوها على الملأ هي عدم تعويم النظام السوري. يا جماعة، عودوا الى وعيكم وعودوا الى مقاساتكم. أباستطاعتنا، نحن الوالغون في الفضائح، الغارقون بالمذهبية، تعويم دجاجة؟
هل التنسيق مع دمشق يؤثر قيد انملة في المسار العسكري او في المسار الديبلوماسي للأزمة في سوريا؟ ربما كان هذا السؤال موجهاً الى اولئك اللبنانيين الذين مدوا الأيدي الى حفاري القبور في الداخل والخارج لازالة النظام، ولطالما علا صراخهم في الساحات، وفي الجرود، وفي السفارات. اي جدوى؟!
نلقي الضوء هنا على معلومات حساسة. ثمة جهة طرحت نقاطاً لصفقة هائلة من خلال فتح الطريق امام مقاتلي «داعش» في العراق للانتقال المنظم، والمنسق، الى الداخل السعودي. دائماً لتفجير الوضع في المملكة. هناك مسؤولون كبار في المملكة ويعرفون من أوقف ذلك السيناريو الرهيب...
في السياق الأقليمي اياه والذي يتداخل مع السياق المحلي، لم يعد خفياً على كثيرين الدور «البطولي» الذي اضطلع به الرئيس ميشال عون، في الأسابيع الأخيرة، وحال دون تهريب خطط خطيرة، اكثر من ان تكون واهية، واكثر من ان تكون جهنمية، وتفضي الى تفجير لبنان وتقويضه، باستخدام مسلحي الجرود ورقة تكتيكية في الصراع الداخلي كما في الصراع الآقليمي...
كل اشكال المراوغة ظهرت على الأرض لابقاء التنظيم في الجرود اللبنانية، والى حد القول ان الجيش اللبناني يعمل لحساب «حزب الله» دون ان يروا، بالعين العرجاء، ان الحزب وضع المناطق التي حررها بامرة العماد جوزف عون بل والرئيس ميشال عون.
ما حدث في الآونة الأخيرة مريع حقاً. رئيس الجمهورية اصرّ على اجتثاث تلك الآفة من السلسلة الشرقية. هذا ما سيحصل وبمنأى عن البهلوانيات السياسية والاستراتيجية..
جهات وتتحرك بخيوط خارجية. ما يجري وراء الستار ابعد بكثير من مخيلتنا التي لا تزال تجلس القرفصاء في القرن التاسع عشر. مراجع في لبنان وتعلم ان اشارات وصلت الى البلاط السعودي باعادة النظر في النظرة الى سوريا...
ذات يوم قد يكشف عن الجهة التي اقترحت تهريب مقاتلي «داعش» الى السعودية، وستكون هناك حقائق فوق التصور.زمن الأعاجيب لا زمن العجائب !!