هناك من يضرب بقسوة!* سهير بشناق
الراي - ليس ما اكتب، من قصص الخيال ، او الاساطير بل هي من واقع قد لا ندركه نحن كثيرا، لكنه تصرف معاش في كثير من الأسر التي اعتادت على ضرب اطفالها، ليس من منطلق عدم محبتهم بقدر ما هو قلة الوعي بأساليب التربية واعتماد الضرب كوسيلة للتأديب، بما يرافق ذلك من مشاكل حياة تتجسد في كثير من الاحيان بالفقر وقلة الحيلة خاصة، من قبل الامهات امام تسلط وجبورت الاباء. يضاف كل ذلك الى عنف المدارس التي ليست بمنأى عن منظومة ومنهجية التعامل الدارج اجتماعيا.المشهد الاول
طفل يبلغ من العمر عشر سنوات تعطيه والدته عشرين دينارا وهو اخر ما تمتلكه الاسرة ليقوم بشراء بعض احتياجات الاسرة فيعود الطفل فارغ اليدين، بعد ان اضاع المبلغ فتقوم والدته بضربه ضربا مبرحا دون ان تفكر للحظة واحدة بسؤال طفلها كيف اضاع العشرين دينارا لان الاسرة تعتمد عليها وهو كان سببا في ضياعها.
المشهد الثاني
طفل يعاني من الم شديد في منطقة الركبتين والتهاب في اعصاب القدمين بسبب تعرضه المستمر للضرب من قبل والده، والاخر يعاني من الم في منطقة الظهر ايضا بسبب الضرب المستمر على تلك المنطقة، وفي احد الايام عندما هم والدهما لضربهما حاولت والدتهما الدفاع عنهما لتتلقى الضرب عنهما فيكسر اسنانها الامامية من شدة الضرب.
المشهد الثالث
طالب في الصف الاول ابتدائي نسي كتاب اللغة العربية فلم تكتفي المعلمة بتنبيهه بكلمات تتناسب مع عمله وطفولته، لكنها قامت بهزه بعنف وضربه مما اشعره بالخوف الشديد فتبول على نفسه واستمرت هذه الحالة مرافقة له فترة من الوقت كلما جاء وقت المدرسة.
المشهد الرابع
طالب في المرحلة الاعدادية يقوم والده بالذهاب الى مدرسته لسؤال المدير والمعلمين عنه وعند استدعائه من قبل المدير قام الاب بطرحه ارضا وضربه بقوة على منطقة الصدر ليكسر القفص الصدري، ويغادر المدرسة تاركا اياه لادارة المدرسة لتتولى نقله الى احد المستشفيات وعلاجه.
المشهد الخامس
طالب في الصف الثالث ابتدائي يمشي برفقة زميله فيطلب احد المعلمين منه ان يمشي بانضباط وعندما قال الطالب للمعلم بانه يمشي بانضباط اعتبر المعلم هذا سلوكا سلبيا من الطالب، فقام بضربه بالعصا على يديه ضربا قويا ليفقد الاحساس بهما فترة من الوقت.
هذا هو حال اطفال وطلاب لا يزال عنوان حياتهم الضرب فان عبر الطفل عن رايه تعرض للضرب، وان تشاجر مع اشقائه بالمنزل تعرض للضرب، وان نسي كتابه او لم يقم بحل الواجبات المدرسية كان الضرب نصيبه لينشأوا على مفهوم واحد يجمعهم مع اسرهم ومدارسهم هو العنف لا غيره.
مؤسسة رواد التنمية
مؤسسة رواد التنمية اخذت على عاتقها قبل 18 شهرا وقف العنف الجسدي ضد الاطفال، آمنت انه لا يوجد شيء مستحيل وان القدرة على التغيير تحتاج لجهد فكري وتوعية وتحسين بيئة مجتمعية يمكنها ان تغير وتنهي العنف الذي يمارس في الاسر والمدارس بشراكة امهات واباء ومدراء مدارس وفرق تعمل على تدريب وتوعية وتمكين من يقوم على رعاية هؤلاء الاطفال لتتغيير حياتهم بشكل جذري.
بيوت امنة
المؤسسة انهت مشوارا طويلا من النجاح بعد اطلاقها حملة قمة القمم «بيوت امنة« في جبل النظيف مع اهالي هذه المنطقة قبل 18 شهرا وتمكنت من تامين 165 اسرة وبيتا بالامن النفسي والجسدي ليصبحوا بيوتا خالية من الضرب وهو انجاز كبير لانه تعامل مع النفس البشرية ومع سلوكيات ليس من السهل تغييرها بعد ان اصبحت جزءا لا يتجزا من شخصية اباء وامهات اعتادوا لسنوات طويلة من ضرب اطفالهم.
تنظيم المجتمع
منظمة الحملة ومديرة البرامج في مؤسسة رواد التنمية سمر دودين اشارت الى ان المؤسسة تبنت في عملها نهج «تنظيم المجتمع» وهو شكل من أشكال بناء القيادة، وهو نهج يدور حول تمكين الأشخاص لاستكشاف القدرة أو القوة على إحداث التغيير، حيث يعمل على ترسيخ قيمة القيادة التشاركية من خلال إطلاق حملات يقودها.
مبينة المؤسسة بادرت مع الأهالي بإطلاق حملة «6 دقائق» لتنمية متعة القراءة عام 2011 واستمر العمل على الحملات المجتمعية من خلال حملة البيوت الآمنة.
واشارت دودين الى ان الحملة منذ انطلاقتها واكبت منهجا تعلميا لتدريب الأهالي على أساليب التربية البديلة تكونت من ست جلسات تعليمية للدكتورة هالة حمّاد، مستشارة الطفولة المبكرة وخبيرة الحماية من العنف، التي تطرقت لعدة عناوين منها: أنماط التربية الوالدية، خصائص التطور والنمو، خصائص التعامل مع اليافعين واليافعات، الشاهد والمُعنِف، سمات البيت الآمن، الأطفال الناجين من العنف.
وهي جمعيها جوانب هامة قادها فرق عمل من خبراء في العلاج النفسي وتنظيم المجتمع والجوانب القانونية والجوانب الاجتماعية والطب الشرعي وحقوق المراة والتعليم الى جانب عدد من المتطوعين من شباب وشابات وافراد المجتمع المحلي بدعم من عدد من الجهات وشركاء امنوا جمعيا باهمية عمل المؤسسة وهدفها في التغيير والحد من العنف ليصلوا جمعيا الى مرحلة النجاح .
النجاح المتجسد في كلمات امهات عن وصفهن لتغير حقيقي وتغير اساليب تعاملهن مع اطفالهن بعد ان كان الضرب هو الوسيلة الوحيدة امامهن ليصبح هناك نظرة مختلفة وتربية تخلو من العنف تجمعهم مع اطفالهن ، النجاح بتعبير اطفال عن سعادتهم بتوقف المعاناة التي كانوا يعيشونها سواء داخل اسرهم او في مدارسهم .
منظومة حياة مستمرة
تحدثت الدكتورة هالة حماد ،مستشارة تربوية مختصة، في مرحلة الطفولة المبكرة وخبيرة الحماية من الاساءة عن تجربتها مع هذه الحملة التي اعتبرتها اكثر من مجرد حملة مرتبطة بزمان ومكان، فهي تراها بانها منظومة حياة مستمرة فقد تمكنت من تغير فكر وحياة حقيقية تنعكس على الاطفال الذين تتصف كل مرحلة من مراحلهم العمرية بخصائص وميزات لا تخلو من بعض المشاكل التي لا يمكنها ان تحل بالضرب والعنف ،و كانت لمشاركتها في هذه الحملة دورا رئيسيا ومحوريا تمكن من احداث التغيير المنشود.
في النهاية، ان يتوقف الضرب والعنف الجسدي ضد طفل واحد يعني بنهاية الامر انجاز كبير وعدوى ايجابية تنتقل من بيت لاخر ، ومن ام لاخرى ومن اب لاخر وهو الاهم لان التغيير في سلوك البشر وحياتهم داخل اسرهم وخلف ابواب منازلهم ليست بالمهمة السهلة .