وضاح خنفر: إسكات الجزيرة هو سبب الأزمة القطرية
نشر موقع شبكة المحررين العالمية مقابلة، أجراها بيتر بيل، مع المدير السابق لشبكة الجزيرة وضاح خنفر، لسؤاله عن سبب كون محطة فضائية محورا للأزمة التي نشبت بين قطر وجاراتها الإمارات والسعودية والبحرين، مشيرا إلى أنها أزمة تدفع بدول الخليج وإيران إلى حيز خطير.
ويقول بيل إن "مجموعة من الديكتاتوريين والملوك تشجعوا -بسبب مواقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- على شن هجمة على المصدر المستقل الوحيد للمعلومات المملوك عربيا في المنطقة، حيث يعلمون أنهم لن يواجهوا معارضة، وبالتأكيد ليس من واشنطن، التي كانت علاقاتها بالقناة، الممولة من قطر، غامضة، حيث امتدحتها ابتداء، لكن هاجمت بعد ذلك عملها الصحافي وتأثيرها".
ويشير الموقع إلى أن خنفر كان رئيسا لشبكة الجزيرة، وأشرف على سياسات التحرير، وصنع منها شبكة بث ناجحة، في منطقة يتم فيها تمرير التملق ونظريات المؤامرة على أنها أخبار.
ويقول الصحافي: "سألنا خنفر، عضو مجلس شبكة المحررين العالميين، مجموعة أسئلة، ركزت على عنصر (الجزيرة) في الضغوط الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية على قطر".
وجاءت المقابلة، التي ترجمتها "عربي21"، على النحو الآتي:
- بيل: كم هو حجم عامل "الجزيرة" في رأيك في المبادرة التي تقودها السعودية ضد قطر؟
- خنفر: كان واضحا أن الأزمة الحالية هي امتداد للخوف المستمر من "الجزيرة"؛ بسبب استقلالها، وموضوعية العمل الصحافي فيها، وقد حولت "الجزيرة" الإعلام العربي، من مجرد امتداد للمخابرات والمؤسسات الأمنية، إلى قطاعات مستقلة، قيمها الشفافية والمسؤولية والديمقراطية، وهذا بالضبط ما تخشاه الأنظمة العربية.
- بيل: كانت "الجزيرة" العربية دائما مختلفة عن "الجزيرة" الإنجليزية، فهل يمكن القول إنها بثت أخبار دول الخليج والسعودية ومصر بإنصاف في السنوات الأخيرة، أم أن هناك ندما حول التوازن والإنصاف في التغطية؟
- خنفر: كانت السياسة التحريرية لقناة "الجزيرة" العربية في موضوع السعودية وبقية دول الخليج موضوعية، لكنها ليست عدوانية على مدى السنوات القليلة الأخيرة، والقضية الكبرى بالنسبة لدول الخليج كانت تغطية مصر وليبيا والقوى الموالية للربيع العربي، وأرى أن الخلاف الحالي هو امتداد لآثار تغطية "الجزيرة" للربيع العربي وما تبعه، ولم تشارك الحكومة القطرية، أو توافق على سياسات دول الخليج في دعم القوى المضادة للثورة، وهذا أغضبهم، ووفرت إدارة ترامب بدورها هذه الفرصة لدول الخليج لتصفية حساباتها مع الدوحة و"الجزيرة".
- بيل: ما مدى أهمية تأثير أو سماح ترامب لمثل هذا الفعل، وكيف يتناسب مع سياسته لحقوق الإنسان وحرية الصحافة خارج الولايات المتحدة؟
- لقد تمت مكافأة ترامب في الرياض، حيث تم الترحيب به في استقبال كبير، ومنح حزمة مالية سخية، كانت عبارة عن 480 مليار دولار استثمارات، وكانت هذه حزمة إنقاذ جيدة لرئيس يعاني من مشكلات عديدة في بلده، فأعطى الضوء الأخضر للسعودية والإمارات لفعل ما تريدانه لتحقيق رغبتهما بإعادة رسم النظام في المنطقة، وفق ما تريانه مناسبا، واضح أنها كانت موافقة شخصية من ترامب، ولا تشكل إجماعا في واشنطن، وكان واضحا من البداية بسبب تضارب الرسائل الصادرة عن أقسام مختلفة في الإدارة، بأن هذا لم يكن جزءا من سياسة متماسكة تجاه المنطقة، وتدير الإدارة الأمريكية الحالية السياسة الخارجية على أساس الصفقات، التي تستثني القيم، وحتى المصالح الأمريكية على المدى البعيد، إن هذه سياسة ضحلة وفيها قصر نظر؛ لأنها لا توفر الاستقرار لشرق أوسط يعاني من المشكلات، ولا توفر الأمن المرجو للولايات المتحدة.
- بيل: لماذا الآن، ولماذا قطر؟ وبالنظر إلى دعم الوهابية للتفسير المتطرف للإسلام، والعلاقات التي تربط السعودية بتنظيم القاعدة، فإن هذا يجعل الأمر يبدو أنه قائم على منطق أعوج، على الأقل أن تتهم قطر بدعم التطرف.
- خنفر: اتهام قطر بدعم الإرهاب هو ذريعة هذه الحملة، فمحاربة الإرهاب أداة تستخدم كثيرا في المنطقة لمعاقبة أي شخص يتم الاختلاف معه، وتعلم الأنظمة في المنطقة أن سياسة الغرب في العالم العربي قائمة على مكافحة الإرهاب؛ ولذلك فهي الذريعة الأسهل لتبرير أفعالها، والأمر المحزن بالنسبة للسياسة الغربية هو أنها ألغت كلمة ديمقراطية من قاموسها عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، في الوقت الذي تأمل فيه بتحقيق الاستقرار والأمن.
والأنظمة الاستبدادية سعيدة بالسياسة الأمريكية الحالية، وقد عدنا الآن رسميا إلى عهد ما قبل الربيع العربي، وهذا استمرار في معركة قديمة قائمة على تجفيف أي نبع للضمير المستقل، استعدادا لاستعادة نظام الشرق الأوسط القديم، لكن في هذه المرة، فإن النظام القديم لديه سلطات أمنية جديدة، صنعتها الحرب على الإرهاب، ويغذيها دعم رئيس تخلى عن القيم الأمريكية كلها.
- بيل: تحدثت عن خنق كل ما يتعلق بالربيع العربي، فهل ترى علاقة مباشرة بين تدمير الإسلام السياسي، ممثلا بالإخوان المسلمين في مصر، وتزايد التطرف والدعم العالمي لتنظيم الدولة؟
- خنفر لم تكن حركة الإخوان المسلمين في أفضل أحوالها، حيث كانت غير ناضجة سياسيا، وقد تكون ارتكبت أخطاء كبيرة، لكن الصورة الكبيرة هي كالآتي:
كان التحول السلمي للديمقراطية حلم الشباب العربي، وكان الربيع العربي الفرصة النادرة لتحقيق ذلك، لكن الثورة المضادة قتلت هذا الأمل، فأصبح الطريق إلى الإصلاحات السلمية مغلقا، وأصبح الشباب غاضبين ويائسين، بعد أن تم اختطاف الربيع العربي من جنرالات مدعومين من دول الخليج، ولذلك نحن متجهون نحو واقع أكثر تطرفا وتشددا.
والحقيقة هي أن الأنظمة الديكتاتورية هي حاضنات التطرف في المنطقة، فعقود من قمع الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وفرت الأكسجين للمجموعات الجهادية، في الوقت الذي استهترت فيه هذه الأنظمة بحكم القانون، ولا تزال تنعم بتأييد أمريكا، والنتيجة هي أن الشرق الأوسط لا يزال يغرق في الصراعات وانعدام الاستقرار.
- بيل: ماذا تتوقع أن تكون النتيجة بالنسبة لـ"الجزيرة"؟ ومتى؟
- خنفر: أي حل للأزمة الحالية سيحتاج إلى مفاوضات عديدة، قد تستمر عدة أشهر، أو حتى أطول من ذلك، لكن مهما كانت النتيجة من هذه المفاوضات، فإنها لن تؤثر في سياسات "الجزيرة" التحريرية، هذه مجرد محاولة أخرى لتقويض نزاهة "الجزيرة"، لكنها لن تنجح، ودولة قطر تقدر المكانة الإقليمية والعالمية لـ"الجزيرة"، ولذلك لا أتوقع أن تخضع لتلك الضغوطات.
وضاح خنفر: دفاع الجزيرة عن الديمقراطية تخيف دول الحصار
نشرت صحيفة "البايس" الإسبانية تقريرا؛ نقلت من خلاله فحوى مقابلة أجرتها مع المدير العام السابق
لقناة الجزيرة،
وضاح خنفر؛ الذي وجه انتقادات لاذعة للدول التي تحاصر
قطر وتطالب بإغلاق
قناة الجزيرة.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هذا الوجه الإعلامي، الذي اعتبر الربيع العربي بمثابة "حدث تاريخي"، قد حرص على إعطاء الأولوية لمواكبة الاحتجاجات الشبابية التي جابت شوارع
تونس ومصر وليبيا، من خلال القناة التي كان يشرف على إدارتها آنذاك.
وحول الأسباب التي تقف وراء اعتبار
قناة الجزيرة بمثابة تهديد كبير على
السعودية، أكد
وضاح خنفر أن "ذلك يعزى إلى استماتة الجزيرة في الدفاع عن مبادئ الديمقراطية والحرية". وقال إن "تبني مثل هذه القيم يعد أمرا خطيرا في المنطقة التي لا زالت تخشى الآثار المترتبة عن ثورات الربيع العربي. وبغية إخماد شعلة الربيع العربي، إثر اندلاع الثورات المضادة في
مصر وليبيا واليمن والحرب الأهلية في
سوريا، تسعى هذه الأطراف إلى التخلص من
قناة الجزيرة؛ نظرا لأنها كانت من أبرز المدافعين عن حرية التعبير".
وفي الحديث عن دور
قناة الجزيرة في إطلاق شرارة للربيع العربي، قال المدير العام السابق للقناة: "لا أستطيع القول إن الجزيرة كانت تقف وراء ثورات الربيع العربي. ولكن القناة قدمت الدعم المعنوي للشباب العربي الذي خرج إلى الشوارع للمطالبة بحقوقه، كما لم تتوان عن مساندته".
وأضافت الصحيفة أن الوجه الإعلامي المعروف لا زال يؤمن بأن الربيع العربي كان يمثل لحظة تاريخية بامتياز؛ نظرا لأن "المعركة من أجل الحرية والديمقراطية في العالم العربي لم تنته بعد. وفي ظل الصراعات المستعرة في المنطقة، لم تقدم القوى المعادية للثورة بدائل جدية. وعلى الرغم من أنها ستتمكن من البقاء في الحكم في
مصر وليبيا واليمن، إلا أنها سوف تخفق مستقبلا في الحفاظ على كرسي الحكم؛ لأنها لا تعد بالحرية والديمقراطية والتطور الاقتصادي".
وقال خنفر أيضا: "السعوديون اعتقدوا أنهم سيتمكنون من إخماد صوت الديمقراطية من خلال إغلاق
قناة الجزيرة، لكنهم لم يفلحوا في ذلك. فضلا عن ذلك، تحاول هذه الدول حظر شبكات التواصل الاجتماعي التي يعتمدها الشباب العربي للتواصل فيما بينهم وللتعبير عن آرائهم. وفي الوقت الراهن، يمكن أن تصل عقوبة نشر تغريدة على
موقع تويتر تتطرق إلى جوانب من الحياة الاجتماعية والسياسية من شأنها أن تزعج السلطات، إلى 10 سنوات سجنا في أبو ظبي والرياض".
وفيما يتعلق بمدى نجاح حصار
قطر أو فشله في المستقبل، يقول خنفر: "لا أرى أية بوادر لإمكانية نجاح العدوان ضد
قطر. ويعزى ذلك بالأساس إلى أن السعوديين فشلوا في تقييم ميزان القوى في المنطقة. وبشكل عام، اعتقدت الرياض أن بإمكانها إخضاع
قطر وجعلها ترضخ لمطالبها. لكن هذه القيادات تناست أن
تركيا وإيران قوات تتمتع بثقل كبير في المنطقة، ولا يمكن أن تسمح بإعادة تعديل ميزان القوى" الذي ترغب
المملكة السعودية في تشكيله وفقا لمتطلبات مصالحها الخاصة.
ويشار إلى أنه بعد الانقلاب العسكري في
مصر عام 2013، تعرض صحفيو
قناة الجزيرة إلى التنكيل. وفي هذا السياق، أشار خنفر إلى أن "صحفيي الجزيرة لطالما أثاروا مخاوف مراكز النفوذ. وفي معظم البلدان العربية وفي
الولايات المتحدة الأمريكية أو
المملكة المتحدة أو
روسيا، كانت السلطات تتعامل بقسوة مع هؤلاء الصحفيين، وذلك نظرا لأنهم يحرصون على نقل موقف مستقل ومحايد فيما يتعلق بالأحداث التي يشهدها العالم".
وتساءلت الصحيفة عن نتائج هذا الصراع في العالم العربي وكيف سينتهي. وفي هذا الصدد، ذكر خنفر أن "العالم العربي مليء بالسجون.، وتحاول بعض القيادات العربية سجن جيل بأكمله ومنعه من المضي قدما"، محذرا من أن "هذا الوضع سيولد ثورة جديدة، وستكون أسوأ بكثير من الأولى، ولن تكون هذه الثورة سلمية أو تدريجية. فعلى العكس تماما، من المؤكد أنها ستكون عنيفة للغاية، وذلك لأن الضغوط الممارسة ضد الشباب في العالم العربي لم يعد بالإمكان تحملها".
وفي الحديث عن الدور الذي يضطلع به العالم الغربي في خضم هذه التجاذبات، أورد المدير العام السابق
لقناة الجزيرة أن "السياسيين الأوروبيين والأمريكيين لم يترددوا في دعم ما يعتبرونه "إرساء للاستقرار في المنطقة". ومن المفارقات أن "الاستقرار في العالم العربي يحيل إلى السجون والقمع ومنع حرية التعبير عن الرأي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الوضع إلى إقحام العالم العربي في الفوضى".
ونقلت الصحيفة عن خنفر أن "جميع الأصوات الصادحة بمبادئ الديمقراطية تقع على عاتقها مسؤولية كبيرة في جميع أنحاء العالم. وفي حال دعمت هذه الأصوات الطغيان في العالم العربي، فستعاقب حتما من قبل جيل الشباب الجديد، الذي لن يتحمل الظلم والاستبداد لفترة أطول".