قناة الشعوب
عبد القادر بن مسعود
كاتب ومدون جزائري
لا أفكر الآن في البحث عن أسباب تعاطفي مع قناة الجزيرة التي أشعر وكأنها صديقة المرعى في الطفولة، وأستاذة الفصل في المدرسة، وصوت الحبيبة على سماعة الهاتف، الصديقة والقصيدة، الأم والبيت والوطن، صوت الأب الغاضب في وجه الأحمق الذي أبكى الولد، كما وسلاح المقاوم في الحرب، عنفوان الثائر في الشارع، أغاني الفلاح في الحقل، ذاكرة الأدباء ومذكرات السياسيين، يد ومخالب المستضعفين، إطعام الجائعين، وهي كذلك صراخ الحقيقة والحق في وجه الزيف والباطل.
استفزني طلب إغلاقها، أصابني بحمى القهر، جعلني أهذي بعبارات غامضة وأبيات شعر تغني لمليكة الإعلام العربي وتأخذ بيدي إلى قصيدة عربية تقف بجانب القناة الكريمة التي وقفت إلى جانب كرامة الإنسان العربي.
الجزيرة التي ترفع علم فلسطين في وجه الاحتلال الصهيوني في يد، وبالأخرى عراقة العراق، وشهامة الشام، لهجة مصر، وبهجة تونس، وجع ليبيا، وجوع اليمن، وبجع سواحل دول المغرب العربي، كلما حاولت أن أتجاهل قصة الإغلاق، تخيلت قفلا فولاذيا في فمي، وصخرة جاهلية على صدر كلماتي وهي تئن على الرمضاء وتشهق أحد أحد.
كانت مهمة قناة الجزيرة البحث عن آراء المخالفة، فقبل إنشاء قناة الجزيرة، كانت هناك القنوات إخبارية كثيرة لكنها لم تبث سوى آراء حكوماتها. في أوائل أيامها، يبدو أن قناة الجزيرة كانت تحاول أن تكون منصفة ومتوازنة: شعارها كان "الرأي والرأي الآخر" وحاولت الحفاظ على الموضوعية.
لذلك كانت شعبية وحتى محبوب لدى الشعب العربي ولكن تغيرت الأمور بسرعة وكما معروف «منصفة ومتوازنة» شعار فوكس نيوز، وهذه القناة ليست منصفة ولا متوازنة.
قناة الجزيرة تنقل الخبر الجاد والصادق، وقنواتهم ترفيهية مبتذلة تدعو إلى الإلحاد والانحراف والتسبيح بحمد الحكام، قناة الجزيرة هي قناة الشعوب، تنقل الرأي والرأي الآخر، وقنواتهم هي قنوات الحكام، لا تنقل إلا رأي الحكام، ولا تبث إلا ما يرضى الحاكم، ولا تستضيف من يخالف الحاكم أو يعارضه أو يغضبه، قناة الجزيرة وقفت بكل مهنية مع ثورات الربيع العربي، ضد الأنظمة القمعية والرجعية الشمولية، لذلك يريدون إسكاتها.
خلال فترة الثورات، تلقت الجزيرة انتقادات أكثر لأنه أصبح من الواضح أنها بدأت أن تكون متحيزة في بعض الدول، مثلا كانت هناك تقارير يقول إنها كانت تدعم الجيش الحر السوري بـ "تكنولوجيا الأقمار الصناعية".
أيضا في مصر في صيف 2016، قيل إنها كانت تستخدم مقاطع فيديو قديمة لتشجيع المزيد من الصراع، في ذلك الصيف، قيل أيضا أن قناة الجزيرة فقدت مصداقيتها بشكل كبير ما جعلها تفقد شعبيتها وبريقها لدى الشعب العربي، في وقت تصدر برنامج الحصاد الذي ثبته الجزيرة أكثر البرامج مشاهدة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الجزيرة التي عادتها أمريكا خاصة أثناء غزو العراق، وقُتل مراسلوها هناك طارق أيوب ورشيد حميد والي وأطوار بهجت، وعادها نظام القذافي في ليبيا، وقُتل هناك علي حسن جابر، وعادها نظام الأسد في سوريا، وقُتل هناك محمد الحوراني وحسين عباس ومحمد القاسم ومهران الديري ومحمد الأصفر وأحمد كريم المسالمة، وزكريا إبراهيم، وعادت الاحتلال الروسي لسوريا ففقدت إبراهيم العمر، ودفعت ثمن تغطيتها المهنية في اليمن ففقدت مبارك العبادي، هذه جزيرة الشهداء التي يريد العملاء العبث بها.
لكن في الحقيقة الشهداء الأحياء كـ فاطمة التريكي وفوزي البشري وعبد القادر عراضة وفيصل القاسم والبقية من الشهداء الأحياء قد عبثوا بهم
بؤس العرب
نبيل عمر ينسي
مدون مغربي
في مشهد إعلامي يضحك ويبكي في نفس الوقت يخرج تحالف دول الحصار (السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر) بقرار محاصرة قطر، قطر التي وقفت ولاتزال تقف مع الشعوب المطالبة بالحرية.
يأتي هذا التحالف بقيادة السعودية التي وقفت ضد الربيع العربي ودعمت نظام المخلوع مبارك والتي تدعم الأن نظام عبد الفتاح السيسي الذي جاء على دماء وأشلاء المصريين والتي دعمت من قبله النظام التونسي الفاسد بعد فراره من عدالة الثورة التونسية رغم مطالبة الشعب التونسي بمحاكمته.
هذا الحصار الذي جاء للأسف من عاصمة الإسلام لا علاقة له بالإسلام ولم يرضى به أغلب المسلمين هذا الحصار يذكرنا بالحصار الذي ضربته قريش على أنصار الدعوة المحمدية، وهذه الأقنعة التي تساقطت، تذكرنا بأيام المصطفى وبتلك الأقنعة التي كشفت أيامها ليأتي بعد هذا العار الإعلان عن الفضيحة تاما كاملا على شكل مطالب لإنهاء الحصار.
ويا ليتهم اكتفوا بالحصار بدون إعلان هذه المطالب لكان لدينهم أسلم، وأمام الأمة الإسلامية أعذر، وبين يدي الأجيال القادمة أرحم وأول هذه الفضيحة هو المطالبة بإغماض السيف الواحد تقريباً المسلط على طغاة العرب بإغلاق قناة الجزيرة.
تلك القناة التي لم تعد ملكاً لقطر بل أصبحت منبراً للمقهورين من العرب لكل من لا منبر له، تلك القناة التي لم تعد مجرد قناة بسبب مناصرتها لقضايا الأمة ومظالمها، الجزيرة التي حفرت اسمها بحروف من ذهب على صدر كل عاشق للحرية محب للكرامة الإنسانية دول الحصار تطالب بإغلاقها.
وليكتمل العار طالبت دول الحصار بقطع أي مصادر للدعم حركة المقاومة حماس، وهي نفس المطالب التي ما كان يستطيع بنيامين نتانياهو أن يطلب أكثر منها.
دول الحصار تريد تقليم أظافر المقاومة وحصارها، وقطع كافة أشكال الدعم عنها لتسهيل إخضاعها للإسرائيليين إن لله وإن إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بعد قرر حصار قطر الحليف القوي للمقاومة تقصف قطاع غزة من قبل قوات الكيان الصهيوني يأتي العدوان «البربري» لكي يكشف عن تنسيق وتخطيط ممنهج بين دول الحصار والكيان الصهيوني نقرأ هذا تنسيق وتخطيط الممنهج في تصريح أفيخاي أدرعي الناطق باسم الجيش الإسرائيلي الذي قال إن هناك تحسناً ملحوظاً بالعلاقات السرية والعلنية بين إسرائيل وبين دول عربية معتدلة وقال أيضا في شريط فيديو نتمنى الحديث علناً عن الدول العربية التي تنسق معنا
ونحن نتمنى بدورنا النصر وتمكين لقطر والمقامة الإسلامية حماس والفشل والهزيمة للإسرائيليين وأنصار الإسرائيليين، وكل من ينسق ويخطط ويتأمر معهم على الأمة الإسلامية ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن تعود دول الحصار إلى رشدها وأن تتوب إلى الله من غيها.
إغلاق الجزيرة.. العار الذي لن يُنسى
هي كلمة واحدة إذن جلبت اهتمام كثيرين لا يعرفون من الخليج سوى كلمتين مفتاحيتين: البترول والجزيرة.
في الوقت الذي كان فيه الرّأي العام الإسباني يتأمّل وربّما يتأهّب لتصديق التّهم المُوجّهة لقطر، أماطت مضامين قائمة الشّروط التي نشرتها دُول الحصار اللّثام عن زيْفِ هذه التّهم وتلفيق مالا يليق بزماننا من الأكاذيب المفضوحة. وقد طغى التّهكّم من شرط إغلاق الجزيرة وجرّ النّاقدين (و حتى الذين لم يكونوا يوما عالمين بسياسات قطر) إلى التّعرّف على تفاصيل قمّة الرّياض.
هي كلمة واحدة إذن جلبت اهتمام كثيرين لا يعرفون من الخليج سوى كلمتين مفتاحيتين: البترول و الجزيرة. واضح أن هذه الجزيرة مؤسسة بمكانة دولة، تربّعت على عرش تصنيف القنوات الصّادحة بالفصحى ونالت مكانة لا بأس بها لدى متابعي الشّأن العربي و متعلّمي اللغة العربية النّاطقين بغيرها أكثر. هي الجزيرة إذن تتقدّم صورة قطر لدى هذه الفئة من المهتمّين بالثقافة واللّغة العربية، فبماذا ترتبط صورتا السعودية والإمارات في أذهانهم؟
التنكر للهوية
لاشكّ أنّ تآمر العرب على لغتهم، حكومات و شعوبا، (قَسرا كان أو طوْعا) لا يمكن تفسيره سوى بالغباء أو بالتنكّر للهوية وهدر لثروة كان من المُمكن أن ترفع شأن هذه الأمّة إلى مصافي الأمم التي استثمرت تاريخها و دُرَرِ حضاراتها. ورغم هذا التّفريط و الهدر لثروة اللّغة (والأمر لا يختلف عن باقي ثروات العرب المهدورة) ما زال عدد لا بأس به من جميع أصقاع العالم يتهافت على تعلّم هذه اللغة المُصنّفة في المراتب الخمس الأولى الأكثر تداولا. و ممّا لاشكّ فيه أيضا، أن العمل على ضرب الهويّة العربية و اللّغة كهدف استراتيجي لا يُمكن أن يأتي أكله في المجتمع الأمّ بسهولة بفضل السلوك الدّفاعي الغريزي لدى الإنسان.
لكن المؤسف في الأمر انّ إهمال هذا المجال في سياسات الأمة قاطبة وعدم بذل مجهود يليق باستقطاب الآخر يجعل الرّاغبين في تعلّم اللّغة العربية من خارج أراضيها يواجهون صعوبات كثيرة تنتهي بأغلبهم الى التّخلي عن هذه التّجربة. وأوّل ما يصدم طالب العربية النّاطق بغيرها هو كثرة اللّهجات النابعة منها و جهل العرب أنفسهم بقواعد لغتهم المُتعلّقة أساسا بالنحو والصّرف و الرّسم. قواعد يشقى الطالب منهم في تعلّمها ولا يلقى لها صدى لا على أرض الواقع ولا حتى في الفضاء الإعلامي الذي يدّعي تجاوز المحلية ومراعاة احتياجات الآخر المقبل على لغته و ثقافته.
في المُقابل، دعونا نُلقي نظرة خاطفة عن اهتمام الأمم الأخرى بلُغاتها وحرصهم على نشرها.
الوعي الأمريكي
في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وَعت الولايات المتحدة الأمريكيّة أن تفعيل الاهتمام باللّغة الانجليزية أمر يتجاوز القيمة المعرفية والثقافية، بل هي أداه حرب وجب تطويرها لتسهيل الغزو و الدفاع والاستقطاب و حتى الجاسوسية. فعملت على المعالجة العلمية لبعض النقاط المتعلقة بتقييم إتقان اللغة وأرست مع الوقت أُطُرا معيارية تخرج بتقييماتنا لشخص يعرف لغة ما من جيد أو متوسط أو ضعيف إلى وحدات قياس كُبرى مُتعارف عليها عالميا بدرجات مختصرة بحروف A,B,C… وصغرى تنحدر منها مثال C1,C2,C3، ما نُطلق عليه اليوم درجات اختبارات التويفل و الآيلتس مثلا.
وأسوة بهذه الخطوة الذّكية، نهجت البلدان الأوربية العظمى مؤخّرا على منوال التجربة الأمريكية وأرسوا الإطار المرجعي الأوربي المشترك للغات CEFR. مبادرات تعمل جميعها على توحيد مقاييس التّقييم اللّغوي لكلّ لُغة، تُشبه وحدات قيس المسافات و الوزن ...فمثلا من أجل انتداب أشخاص لعملٍ ما، يكفي أن يذكُر باعث العرض أنه من بين الشروط هو الحصول على مستوى C1 في الإنجليزية و B3 في الفرنسية. و بالتالي، يختصر المُشغّل الوقت الكثير في التقييمات النسبية للمترشّحين ويحسم أمره بحصر الاختيار في المُترشحين الذين يتوفّرون على هذه الشروط مهما كانت جنسياتهم.
تصوّروا أنّه وسط هذا التّدافع على ترسيخ اللّغات في مجتمعاتها الأم و العمل على نشرها و فتح كل الأبواب لاستقطاب الآخر، ما زالت بلداننا العربيّة تتعثّر ولم تتوصّل بعد إلى دعم مشروع قومي يُرسي إطارا لغويا مرجعيا يستر حال الأمة على الأقلّ في هذا الجانب.
صحيح أنّ هناك بعض المحاولات المتناثرة لكنّها تكاد تقودنا إلى تصديق استنتاج مُرّ "اتّفق العرب على أن لا يتّفقوا".
الجزيرة وتعليم اللغة
ووسط هذا الفشل تتوه مبادرات النّهوض باللغة و إقناع الأجيال الصّاعدة بقيمة هذه الثّروة التي يقبل عليها أجانب يقتفون أثر الكلمة الصّواب و النّطق السّليم. فقر معرفي تفطّنت له الجزيرة مُبكّرا، فعملت على دعمه، وأنشات موقعا مُتميّزا جعل من خدماته تعليم العربية للناطقين بغيرها مُراعيا كالعادة؛ المهنية العالية والتوجّه الى فضاء الجمهور الرّحب عربا كانوا أو عجما.
من الطبيعي إذن أن يضع العديد من الرّاغبين في تعلّم اللغة العربية ثقتهم في هذه المُؤسسة، ويتأثّرون حتى بأداء بعض نجومها إعجابا. ربّما مُشكلة قطر هي أنها سعت مُبكّرا إلى الرّيادة في مجال الإعلام والثقافة والمعرفة في بيئة خالية من التّنافس، مجال لم يراهن عليه خُصومها واستثمروا في ما جادت به قرائحهم. فاستفردت الإمارات بالارتفاع بأبراجها وتوفير مالذ وطاب و حُرِّم بسخاء وبالشكل الذي يجعلها نقطة لقاء عالمي لكل طالبي اللّذة والمولعين بمراكمة الأموال بطرق لا يعلمها إلا الله.
أمّا السعودية فحضورها في الأذهان هنا لا يتجاوز كونها بلد التناقضات. أشبه بالقفص الذهبي فهو البلد الذي يسطّر نظام حياة خانق لإناث مملكته باسم الدّين ويفرش رجاله الأشاوس السّجاد الأحمر و ينحنون أمام ابنة ترامب وزوجته باسم السياسة، ومُغدقين عليهن أموال البلد باسم السياسة والصفقات أيضا.
عبير الفقيه
كاتبة ومترجمة تونسية، تقيم في إسبانيا، عضو المنتدى العربي الثقافي الإسباني