مسجد جد الرسول صل الله عليه وسلم بغزة
02 أكتوبر 2014 10056 7
فلسطين المحتلة: عامر أبو شباب
مدينة غزة الساحلية في فلسطين المحتلة، تربط بين الشام ومصر، وقارة آسيا بأفريقيا، وتعتبر غزة شاهد تاريخي هام يحكي تاريخ من الحضارات والحروب التي لم تتوقف، ومن أهم صفحات غزة انتسابها إلى هاشم بن عبد مناف الجد الأعلى للرسول صل الله عليه وسلم عندما طلب جسده ثرى أرضها في رحلة الشتاء والصيف، ليتحول قبره الى مسجد من أهم مساجد قطاع غزة.
هنا في مدينة غزة تتمتع برؤية شواهد التاريخ والسير على خط الصالحين واحفادهم الشهداء، ويأسرك مسجد السيد هاشم جد النبي محمد (ص)، فغزة تصفها كتب بانها "دهليز الملك" أو سرداب الحكم، فلا يستطيع أي قائد أو غازي السيطرة على الشام أو مصر دون التحكم في مدينة غزة، التي مر عليها كل الفاتحين والغزاة
ويقول مدير دائرة التوثيق والمخططات بوزارة الأوقاف الفلسطينية عبد اللطيف أبو هاشم، أن مدينة غزة تعد من أكثر مدن فلسطين مساجد وقد يعود ذلك لكثرة الحروب التي تعرضت لها المدينة وكثرة الغزاة .
وعن قدوم هاشم بن عبد مناف جد الرسول محمد صل الله عليه وسلم، أوضح أبو هاشم لـ "الشروق العربي" عندما حدثت مجاعة في مكة جاء لإحضار الطعام من الشام ومر بغزة ومات ودفن فيها، ونسبت المدينة اليه وتشرفت بالنسب لجد الرسول الاعظم.
واعتبر الباحث أبو هاشم أنه أهم مسجد بمدينة غزة رغم وجود مساجد أقدم منه وذلك تكريما للرسول وتقديرا للربط بين مكانة مكة وفلسطين حتى قبل الاسلام.
وقد ذكر ذلك الشاعر الجاهلي مطرود بن كعب الخزاعي الذي ذكر غزة في قصيدة رثاء لهاشم بن عبد مناف بالقول:
وهاشم في ضريح وسط بلقعة ... تسفي الرياح عليه عند غزّات (غزة)
وكان السيد هاشم بن عبد مناف تاجراً صدوقاً اعتاد أن يمر بمدينة غزة في رحلاته للتجارية إلى الشام، في ذهابه وإيابه، فيقيم فيها أياماً وليالي، وفي إحدى الرحلات مرض السيد هاشم وهو في غزة ثم توفِّي فيها، وعمره 25 عاماً.
وتفيد الروايات التاريخية أن السيد هاشم مدفون بمغارة بجانب والده، وقال ابن هشام: ومات عبد مناف بغزة، وهو أول من سنّ الرحلتين لقريش للتجارة، وكان في كل سنة يأتي لمدينة غزة ويقيم فيها مدة الصيف، وفي آخر مرة من رحلته توفي بها، ودفن بإجماع المؤرخين، ولذلك نسبت المدينة إليه، وكان مدفنه بموضعه المعروف، وكان بلقعاً لا بناء فيها بالقرب من سور المدينة من الجهة الشمالية القريبة".
وفي العصر الإسلامي بدأ أهل غزة بدفن موتاهم في المنطقة المجاورة للقبر تيمناً بالسيد هاشم، وفي أوائل القرن الثاني عشر الميلادي، أزيلت المغارة "الكهف" وأحيط القبر بالجدران تعلوها رقبة ثمانية الشكل تضللها قبة كبيرة، وبعدها قرر السلطان عبد المجيد الأول عام 1855م، إنشاء بيت للصلاة، وذلك بعد أن قدم مفتي الأحناف في غزة أحمد بن محيي الدين الحسيني طلباً بهذا الخصوص للسلطان.
وبني المسجد وفق الطراز المملوكي بنظام العقود "الأقواس"، وبيت الصلاة هو شبه مربع ومغطى بعقود متقاطعة، وبه محراب يتجه نحو القبلة, ومنبر، ويتربع في الجهة الشرقية من المسجد.
خلال جولتنا حدثنا مؤذن سابق للمسجد، أن المسجد يزوره السياح من كل أنحاء العالم، باعتباره من أقدم مسجد غزة مع مسجد عثمان بن عفان وكاتب ولايتي.
ويرتبط الكثير من الفلسطينيين في غزة بالمسجد ويداومون على زيارته للشعور بالطمأنينة والسكينة، والاحساس بكرامة المكان.
بدورها قالت هيام البيطار رئيس قسم المتاحف في وزارة السياحة والآثار، أن مسجد السيد هاشم مسجد أثري في حي الدرج القديم بغزة بني في العهد العثماني في عهد السلطان عبد المجيد الأول وأسس على الطراز المملوكي،
وأضافت لـ "الشروق العربي" أن المسجد تضرر خلال الحرب العالمية الاولى عندما أصابت محراب الصلاة قنابل الطائرات البريطانية أثناء قصفها غزة، وبعدها قام المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين بإعماره وأرجعه إلى أحسن ما كان عليه
وقالت البيطار المسجد احتوى على مكتبة مهمة فيها مخطوطات وكتب نفسية، وكان في الجامع مدرسة موجودة أنشأها المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى في فلسطين من مال الوقف.
وعندما تدخل المسجد الذي تبلغ مساحته 2400 متر مربع، تقابلك ساحة ذات أرضية رخامية تتوسط المسجد تحيط بها الأروقة التي تحيط بالساحة من الشمال والجنوب والغرب، وتمتد على طول الأروقة أعمدة رخامية على الطراز الكورنثي، تشكل "أقواس" حملت فوقها القباب عددها 19الملحقة بالقبة الرئيسية للمسجد، كنموذج عثماني اسلامي عثماني، وفق رئيس قسم المتاحف في وزارة السياحة والآثار هيام البيطار.
وتحيط بالأروقة الثلاثة غرف كانت تستخدم كمدرسة لتعليم المذاهب، وكانت تشمل تلك الغرف، أما طريقة بناء مئذنة المسجد التي تعلو من بيت الصلاة، فهي تعبر عن نمط بناء المآذن المملوكية، وتتسم قاعدتها بأنها مربعة الشكل، ثم حورت لتكون ثمانية الشكل.
ومن جهة الرواق الغربي من المسجد يتربع ضريح السيد هاشم داخل غرفة هي الأروع في التصميم المعماري من الداخل كونها مربعة الشكل وتعلوها قبة كبيرة أصغر نسبياً من القبة الرئيسية للمسجد.
وجرت عمليات ترميم عدة على مسجد السيد هاشم على مدار السنوات الماضية، بسبب تأثر بعض جوانبه ومرافقه بالعوامل الجوية والبيئية، وجرت كافة الترميمات بإشراف وزارة الأوقاف والشؤون الدينية كي لا يتم الإضرار بالطابع الأثري التاريخي للمسجد.
وفي عهد الاحتلال الاسرائيلي بعد عام 1967 تعرض المسجد للاعتداء ومنع سلطات الاحتلال المواطنين الصلاة في المسجد ودروس العلم، وتهاجم جنازات الشهداء بعد الصلاة عليهم في المسجد.
ويقول الباحث أبو هاشم أن عمر مدينة غزة خمسة الاف عام ضاربة تاريخها في الحضارة، ودلت على اسمها النقوش التي وجدت في كثير شبه جزيرة العرب والأردن.
غزة ليست مكان للحروب والموت وليست سجنا كبيرا للمحاصرين، فغزة تمتد في عمق حضارات عريقة طردت الغزاة وصفعت المحتلين واحتضنت بعشق أهلها الصابرين.