صرخة أنثى
كوثر صحراوي
الاثنين 21 غشت 2017
أخجلُ من جنسي في مجتمع لا تُحترَم فيه النساء، ليتني مصْحفٌ لا يفكر فيه إلا اﻷتقياء، ليتني مسجدٌ لا يَتوجه إليه إلا المؤمنين، ليتني سجادة صلاة لا يَحملها إلا اﻷنقياء؛ عقلا وقلباً، تبًّا لزمن صرنا نغبِط الجماد على نعمة الجمود والتشييء، تبًّا ليوم لا زالتْ روحي فيه تشهق وتزفر حتى ترى هذا المنكر.
فلتأت يا أماه...
فلتنزلي مِن بُرجكِ العالي إلى ما تسمينه "بلية النصارة"، لتعلمي لِم كنتُ دائماً أتصرفُ كالرجال... فلتنزلي مِن بُرجك العالي لتعلمي لِمَ أتكلم بصوت رجولي عمْداً أثناء محادثتي مع الأغيار. فلتتواضعي يا أماه، افتحي لنفسك حساباً على الفيسبوك، لتجيبي عن أسئلة طالما كانت محور صراعنا في البيت:
- لِمَ ترتدين الجينز والقوبية والحذاء الرياضي أكثر من التنورات واﻷقمصة النسائية؟! - لِمَ تصرين على تسريحة لاعبين كرة القدم عِوَض تسريح شعرك وإرساله دون ربطة الشعر؛ مثل فلانة وعلانة؟! - علاش كاتعوجي شلاقمك "شفايف" ملي كاتكون تهضري... بحال شمكار؟ - لِم تتمشين في الشارع كأنك عبد القادر ولستِ كوثر؟ لِمَ لا تخطين خطواتك؛ مثل الفتيات اللواتي في سنك؟ لم...؟ ولم...؟ولم...؟
وكثيراً ما كنتِ تصرخين في وجهي وتوبخنني: (ليِّني صوتك وأنتِ تحدثينني أيتها "المسخوطة"، ستبقين في عنقي).
أقول لك يا من تقضِي يَوْمَها في البيت تحتَ جناح رجل طيِّب حنون يرفق بك حتى ظننت بأن كل أبناء جنسه مثله؛ أقول لك: أفضلُ أن أبقى في عنقك لا ذكر ولا أنثى، أريد أن أكون جماداً، أريد أن أكون لا شيء.... وأحيطكِ علماً، وفي ظل سخطك علي، بأنه كثيراً ما أدعوك إلى الرحمان سرّاً؛ ﻷنك أتيتِ بي إلى هذه الغابة، التي لا حارس فيها ولا رجال أمْن، فقط ذئاب وثعالب تقضي وطرها في الحمير واﻹنسان، ليتني مت مع إخواني قبل أن أخترق بويضتك. كثيراً ما آلمني غضبك مني حين ترددين عبارات؛ من قبيل:
- "سأموتُ وأنا ساخطة عليك..." - "ستقتلينني..." -"سعدت أنا ووالدك حين أخبرتنا الممرضة أنكِ أنثى، وأن اللهِ وهبنا أنثى لنذوق حلاوة إنجاب الذكور والإناث وتربيتهما معاً... يا ليتك لم تولدي ما دمتِ ستكونين كالولد...فالله رزقني بالذكور، وأريد أن أحس بأن لي أنثى مثلي في البيت..." "أنجبتك فتاة يا "الزوفري" ولم أنجبك ولداً حتى تميلين إلى الذكورة وتدفنين أنوثتك..." "يالا خجلي... أمام العائلة وأنت تبحثين عن "القوبية" و"الشكارة"، في الوقت الذي تخرج فيه بناتهم مبرد اﻷظافر وأحمر الشفاه... من حقائب وردية ذات مقابض ذهبية اللون..." "يا لا خجلي... حين يتعمدن إحراجي بمواعيد خطوبة بناتهن في الوقت الذي تملئين لي كل زوايا البيت بالكتب؛ كأنك ستقودين البلد بدراستك..." وهَلُمَّ جرّا...
الكلمة لي اليوم يا أماه: بماذا يتميز قواد البلد، حتى تحسبين لهم ألف حساب؟. سأجيبك أيتها الساذجة: يتميزون بالنوم، بالجمود المتعمد، بنهب أموال اﻷوفياء/الأغبياء/ المغفلون مثلك؛ الذين يستيقظون باكراً يوم الانتخابات ليقوموا بالواجب الوطني، والذين يدعون لهم في صلواتهم الخمس بالنصر والعمر المديد. أي نصر يا أماه تدعين الله بأن يمنحهم إياه، في ظل هذا المنكر؟ ألا تقولي كلما منعتك من التصويت "مساكن هازين مسؤوليتنا"، أي مسؤولية يا أماه لا تضع حارس أمْن في حافلات يتعرض فيها المواطنون، للسرقة بشكل يومي، وتهتك فيها أعراضهم، وتغتصَبُ بناتهم؟ أي مسؤولية يا أماه لا تحرص على موظفي المراقبة في الحافلات على الصعود في كل محطة؟ أي مسؤولية يا من تقضي يومها في خدمة بيتها وزوجها دون الاطلاع إلى ما يجري في الشارع؟ عذراً يا من نجحتِ في جعل بيتها جنة، فجهنم لا تبعد كثيراً عن جنتك، بينكما ذاك الباب الذي تغلقينه كلما ودعت زوجك أثناء خروجه للعمل أو تفتحينه حين تستقبليه بابتسامتك البريئة. عذراً يا من تصرخ في وجهي صباح مساء "لن تكوني ذكراً مهما تمنيت ذلك"... أخبركِ، اليوم وأمس وغداً وكل العمر يا أماه فلم أعد أغبط الذكور، ولن أتشبه بهم في القادم من اﻷيام، سأصبح لا شيء، سأحبس أنفاسي حتى لا تخرج من فمي فقد أغتصَبُ يوماً، وأتهم بإثارة الغريزة بزفير أو شهيق.