المشتقات المالية الإسلامية بين التنظير والتطبيق
عبدالله \" صالح محمد \" سليمان أبو مسامح
باحث في الاقتصاد الاسلامي
الحلقة (3)
وبعد هذا الاستعراض لأنواع المشتقات المالية التقليدية، وبيان حكمها الشرعي، فإننا نورد أبرز استخداماتها على النحو التالي:
1\4: المطلب الرابع: استخدامات المشتقات المالية التقليدية:
لقد استخدم أنصار المشتقات المالية تلك الأدوات لتحقيق عدد من الأهداف من أهمها ما يلي([1]):
1. إدارة المخاطر(Risk Management):
حيث يجد المستثمرون الراغبون في تقليل مخاطر استثماراتهم بغيتهم في أسواق المشتقات، حيث تلعب المشتقات المالية دوراً أساسياً في نقل المخاطرة من أحد المستثمرين إلى مستثمر آخر، أو نقلها من مجموعة مستثمرين إلى مجموعة أخرى دون أن يقتضي ذلك بيع الأصول محل التعاقد، ونتيجة لذلك فإن المستثمرين الذين قد يتجنبون استثمارات معينة، أو يقومون بتصفية استثمار ما بسبب المخاطر المرتفعة من قلق أو إزعاج، أو بسبب التقلب المتزايد في أعمال المتاجرة، قد يقع اختيارهم على استخدام أدوات المشتقات كآلية لها تأثيرها على استراتيجية الاستثمار الشامل.
2. اكتشاف السعر المتوقع في السوق الحاضر(Price discovery):
حيث تعد المشتقات أداة هامة تزود المتعاملين بالمعلومات عما سيكون عليه سعر الأصل الذي أبرم عليه العقد في السوق الحاضر في تاريخ التسليم، فهي أداة لاكتشاف المستوى الذي يمكن أن يكون عليه السعر في السوق الحاضر في تاريخ التسليم.
3. المضاربة(Speculation):
توفر أسواق المشتقات وسيلة بديلة للمضاربة، فبدلاً من التعامل في الأسهم والسندات محل التعاقد فقد أصبح بوسع أي من المحترفين أو المتعاملين في هذه الأسواق أن يدخل السوق مضارباً من خلال عقود المشتقات، ويفضل الكثير من هؤلاء المضاربة بالمشتقات على استخدام الأدوات التقليدية في عمليات المضاربة.
4. كفاءة السوق(Market Efficiency):
حيث توجد علاقة تربط بين الأسعار الحاضرة وأسعار المشتقات، فقد ساهم انخفاض تكلفة المعاملات وسهولة التعامل في أسواق المشتقات على قيام عمليات المراجحة أو الموازنة (Arbitrage) فيما بين الأسواق الحاضرة وأسواق المشتقات، وهذه العمليات من شأنها إذابة الفروق السعرية بين هذه الأسواق، وإتاحة الفرصة للربحية من خلالها.
1\5: المطلب الخامس:الحكم الشرعي في المشتقات المالية التقليدية:
إن اختلاف الرأي الفقهي حول المشتقات يعود أساساً إلى الاختلاف في التفسيرات الفردية للعقود والأدوات المباحة شرعاً، والاختلاط في المعلومات حول المشتقات وهيكلياتها؛ مما ينتج عنه تباين في الآراء حول مزايا وعيوب المشتقات المالية، وحل وحرمة التعامل بها([2]).
وهنا لا بد من ذكر مسلَّمة هامة وهي أن الدور الأساسي لمنتجات المشتقات هو تحويل المخاطر من مستثمر لآخر، أو من مجموعة من المستثمرين إلى مجموعة أخرى، أي هي عقد على نقل مخاطر أصل ما (سهم أو غيره من أنواع الأصول) من طرف لآخر مقابل رسوم أو ثمن محدد، دون أن يقتضي ذلك بيعاً للأصول محل التعامل، وأن هذه الأدوات لم تصمم إلا لغرض المتاجرة في المخاطر (مخاطر السوق)، حيث يجري بيع المخاطر وشراؤها ونقلها من أولئك الذين يتوجسون خيفة من نتائجها إلى أولئك الذين يسعون في طلبها، ولديهم الرغبة في تحملها مقابل الثمن الذي يتقاضونه مسبقاً، أي عند تحرير العقد([3])، لذلك سميت " مشتقات " لأنها مبادلة لمخاطر أصل وليس لذلك الأصل؛ لذلك فإن تسوية العقد تتم غالباً من خلال فروق الأسعار، وليس نقل ملكية الأصل، وهذه المبادلات قد تتم مع ملكية الطرف المعني للأصل محل التعاقد، ويعتبر العقد حينئذٍ مغطى (covered)، والغالب الأعم أن المشتقات تكون غير مغطاة (naked)، أي أن الطرف المعني لا يملك الأصل محل التعاقد، فتكون المعاملة رهناً محضاً (Side Bet) بين الطرفين، لكن القدر المشترك بين الحالتين هو المعاوضة على تحمل الخطر، وهذه المعاوضة نتيجتها كسب أحد الطرفين وخسارة الآخر ولا بد، وهي باعتراف المختصين مبادلات صفرية، وهذا هو جوهر القمار، والرسم في الملحق رقم ( 2 ) يوضح ذلك.
كما أننا نجد الباحثين يصفون المشتقات المالية بأبشع الأوصاف، فقالوا بأنها " تسهم في رعاية القمار المقنن " وأنها " وحش المالية وديناميت الأزمات المالية " وأنها " تمثل جانب الرهان على أداء ورقة مالية أو حزمة من هذه الأوراق "، وأنها " أسلحة دمار شامل "، كما قال فيها اتحاد المصارف العربية " بأن عمليات الخيار من قبيل الرهان والقمار الحقيقي، وهو علم له أصوله وفنونه ولاعبوه ونتائجه "([4])، وأنها " قنابل زمنية موقوتة بالنسبة للمتعاملين بها، وبالنسبة للاقتصاد ككل "([5]).
كما وإن من أبرز سلبيات المشتقات المالية أن لها أثراً كبيراً جداً في تقلبات الأسعار، بل وصفها John Shad– الرئيس السابق للجنة الأوراق المالية والبورصة في الولايات المتحدة الأمريكية - بقوله: " بأن تأثيرها على تقلب أسعار الأوراق المالية قد فاق كل التوقعات "([6]).
وبلا شك فقد لعبت المشتقات المالية الدور الأكبر في تأجيج شرارة الأزمة المالية العالمية الأخيرة عام 2008م، نتيجة لتفاقم خطر التركيز في الإقراض على قطاع واحد وهو قطاع العقارات مما نتج عنه زيادة في أحجام الإقراض، فنتج عن ذلك قيام البنوك الدائنة بتصكيك ديونها – القروض – وبيعها للمستثمرين، وبالتالي القيام بالمضاربة على فروق الأسعار في أسواق المشتقات طلباً للربح السريع؛ فكان نتيجة لذلك أن انهارت فقاعة العقارات، وتوقف المدينين عن السداد، وحصول الكساد العقاري، وإفلاس شركات التأمين، تلتها البنوك، تلتها البورصات، ثم التوسع الأفقي الدولي بالانهيار.
ويتبين مما تقدم أن المشتقات المالية تشتمل على العديد من التعاملات المحرمة منها الربا، والقمار، والغرر، والطمع، والاستغلال، فالعقود المستقبلية وعقود الاختيارات كلها عقود محرمة.
وجاء في قرار المجمع رقم (6) من نفس الدورة جواز عقود المستقبليات إذا اتخذت إحدى الصورتين التاليتين([7]):
1. أن يتضمن العقدحق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجودالسلع أوإيصالات ممثلةلهافي ملك البائع وقبضه.
2. أن يتضمن العقدحق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهمابضمان هيئة السوق.
كما جاء في ذات القرار بخصوص عقود الخيارات ما ينص على حرمتها، وقد تقدم معنا.
وعلى هذا يترجح القول أن المشتقات المالية بصورتها الراهنة لا تجوز شرعاً، وذلك لأسباب عدة منها([8]):
1. أنها من جنس الربا المحرم شرعاً، فحصول أحد المتعاقدين على مال بغير عوض يمثل مصلحة زائدة فيها رباً واضح.
2. أنها من جنس القمار والرهان الذي حرمته الشريعة.
3. ينتفي فيها الملك والقدرة على التسليم، ويسوى الفرق ربحاً أو خسارة، أو يتم نقل المراكز ببيع ما اشترى أو شراء ما يبيع كل ذلك دون قبض، وهذه العقود من قبيل بيع الإنسان ما ليس عنده، وبيع ما لم يقبض، وبيع الكالئ بالكالئ.
4. الإيجاب والقبول فيها يتم على محض المراهنة على ارتفاع الأسعار أو انخفاضها في السوق أثناء فترة العقد، مما ينافي مقصود العقد، والذي هو مقصود الشارع.
5. تنطوي عقود المشتقات على الصورية، فهي لا يترتب عليها تمليك ولا تملك، ولا تهدف للحصول على السلعة؛ بل على تسوية الفروق – التسوية النقدية - من غير دفع ثمن ولا استلام سلعة.
6. قيامها على مبدأ المبادلات الصفرية، حيث إن أرباح أحد الأطراف تمثل خسارة الطرف الآخر، وهذا منافٍ لقاعدة منع الضرر.
7. العقود المستقبلية ليست من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، ففي بيع السلم يكون الثمن معجلاً، بينما في المستقبليات لا يدفع الثمن مقدماً بل يؤجل إلى موعد التصفية، كما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه، بينما نجد المبيع قد بيع عدة بيوعات وهو في ذمة البائع الأول وقبل أن يحوزه المشتري الأول.
8. المعقود عليه في الخيار ليس مالاً ولا حقاً مالياً يجوز الاعتياض عنه؛ لذا فإنه عقد غير جائز شرعاً – تقدم نص قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي بهذا الخصوص –.
9. عقد الاختيار يختلف عن الخيار الشرعي، حيث أن عقد الاختيار عقد مستقل عن عقد البيع ومحله حق لمشتريه والتزام على بائعه، وليس معاوضة على سلعة معينة، بينما الخيار الشرعي ليس له وجود مستقل فهو يتعلق بعقد البيع ومحله سلعة معينة، وهو دون مقابل، كما أن خيار الشرط الإسلامي وارد على أصل حقيقي مملوك لصاحبه وقت العقد، أما عقد الخيار فهو وارد على أصل مالي غير مملوك لصاحبه وقت العقد غالباً([9]).
10.عقد الاختيار ( اختيار الشراء Option) يختلف عن بيع العربون في العمليات الشرطية البسيطة تحديداً، فالعربون يحتسب كجزء من ثمن السلعة عند التنفيذ، وليس كذلك في في الاختيار (Option) فعلاوة الاختيار هي حق أو التزام، كما أن العربون وارد على أصل حقيقي مملوك لصاحبه وقت العقد، أما عقد الاختيار فهو وارد على أصل مالي غير مملوك لصاحبه وقت العقد غالباً([10]).
وقد رأى بعض من يجيز المشتقات – مثل: اختيار الشراء واختيار البيع([11]) - أنها جائزة إذا كانت تستخدم للتحوط ( أي لتجنب المخاطر )، وليس للمجازفة ( أي للتعرض للمخاطر من أجل الربح )، أي أنهم يفرقون بين التحوط والمجازفة، وهذا رأي فيه تناقض مع منهج التشريع في تقويم المعاملات المالية، وذلك أنه لا يمكن تصور وجود تحوط دون مجازفة؛ لأن من يطلب تحمل المخاطر وزيادتها إنما يفعل ذلك طلباً للربح لذلك يطلب ثمناً مقابل تحمله للمخاطر، أي أنه لا يمكن أن يتخلص شخص من المخاطر إلا إذا وجد آخر يقبلها بمقابل، وهذه هي طبيعة المجازفة (Speculation) فالقول بجواز العقد للتحوط لا للمجازفة تناقض لأنه لا يوجد الأول إلا إذا وجد الثاني.
ثم إن هذا يناقض منهج التشريع في العقود، فالشرع حدد ضوابط العقود المشروعة والممنوعة، فإذا كان العقد ممنوعاً لم يحل الدخول فيه، سواء كان لهدف مشروع أو لا، فالغاية لا تبرر الوسيلة، كما إن ضابط القمار هو أن العقد لا يسمح بانتفاع الطرفين فيكون مآل العقد أن يقول أحدهما للآخر: " قمرتني " كما نص عليه الفقهاء، وهذا هو الحاصل في المشتقات عموماً([12]).
وبعد بيان الموقف الشرعي من عقود المشتقات المالية، فإنه لا بد من النظر في المشتقات المالية الإسلامية، وهل تصلح كبديل كفوء عن المشتقات المالية التقليدية؟ أم أنه ثمة قضايا لا بد من بحثها وعلاجها في المشتقات المالية الإسلامية لتكون قادرة على حمل زمام المبادرة كبديل ناجح؟
2\: المبحث الثاني: المشتقات المالية الإسلامية:
2\1: المطلب الأول: تساؤلات مشروعة وعامة حول الموضوع:
قبل الخوض في قضايا المشتقات المالية الإسلامية فهناك سؤال يتوجب طرحه، وهو هل هناك وجود لما يعرف بالمشتقات المالية الإسلامية؟ أم هي بدائل عن المشتقات المالية التقليدية، ولكن درج استخدام لفظ المشتقات في حقها؟.
يقول الدكتور عبدالرحيم الساعاتي: يستطيع النظام المالي الإسلامي الإفادة من ميزات وفوائد المشتقات المالية والمتمثلة في التوفير الكبير في تكاليف المعاملات، وفي إدارة المخاطر العامة والسيطرة عليها، وفي التكامل مع المنظومة المالية الدولية، والاستفادة من فرص استثمار الأموال الإسلامية، ومن فرص التمويل المتاحة في سوق رأس المال العالمي والذي تحتاج إليه الشركات والمؤسسات وكذلك حكومات الدول الإسلامية في تنمية اقتصادياتها، وحتى يتسنى لها ذلك لا بد من أن تعمل على تطوير مشتقات مالية إسلامية وفق الشروط التالية([13]):
1. يجب أن تكون المشتقات المالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية.
2. يجب أن تحقق الفوائد والمنافع التي تحققها المشتقات المالية.
3. يجب أن تكون قابلة للتداول في أسواق المال الدولية.
كما ويجب على المؤسسات المالية الإسلامية والسلطات النقدية في الدول الإسلامية أن تؤسس وحدات للبحث والتطوير، وذلك لتحقيق الأهداف التالية([14]):
1. استحداث مشتقات مالية تحقق المتطلبات السابقة.
2. تطوير وسائل ومعايير فعالة لقياس المخاطر التي تنخفض أو تنشأ باستخدام المشتقات المالية الإسلامية.
3. تطوير طرق محاسبية جديدة لإظهار وتجسيد مخاطر التغير، ومستوى التقلب في قيم أصول وخصوم المؤسسات المالية، وعلى المؤسسات المالية تبني هذه الطرق لتحقيق الشفافية، ولتعكس الوضع الحقيقي لأصولها وخصومها، وحجم المخاطر التي تتعرض لها.
4. تتبنى ضوابط وسياسات استقرار فعّالة تتمشى مع المرونة المتزايدة للمؤسسات المالية ومقدرتها على الحركة عبر النظام المالي الدولي، ولكي تتمشى أيضاً مع التغير الديناميكي للمشتقات المالية الإسلامية.
ويفهم من هذا أن ثمة مشتقات مالية إسلامية بحاجة لإيجاد أو لتطوير، ولكن بالرجوع إلى مفهوم المشتقات المالية التقليدية نرى أنه لا بد من تحقق حدود التعريف – عناصره - حتى يقال بأن الأداة هي مشتق مالي، وهذه الحدود هي:
1. يجب أن تكون المنتجات مشتقة من المنتج الأصلي (أي الموجودات التي تقوم عليها).
2. يجب أن تكون المشتقات قابلة للتداول في السوق.
لذلك يرى بعض الباحثين أنه يجب على الأجهزة التنظيمية ألا تطلق عليها اسم المشتقات الإسلامية، وإنما يجب تسميتها " التحوط الإسلامي "([15])، وتقدم معنا أن التحوط يعتبر أداة من أدوات الهندسة المالية الإسلامية المعتبرة في إدارة المخاطر.
في حين يرى أنور حسون – نائب رئيس وكالة موديز للتصنيف الائتماني – أن توظيف المشتقات بعناية سيزيد من كفاءة عمل المؤسسات المالية الإسلامية، كما سيوفر لها مزيداً من التنافسية، وستكون أكثر جاذبية للعملاء، وفي تقرير لوكالة موديز (Moody,s) ذكرت فيه أن المشتقات لها دور كبير في تحسين الجدارة الائتمانية للمؤسسات المالية الإسلامية، وتقليل تعرضها للمخاطر، ويضيف التقرير أن الحاجة الملحة للتحوط ضد المخاطر أوجدت ردة فعل لدى المؤسسات المالية الإسلامية بعدم قبول أي هيكلية جديدة يكتنفها الغموض، وهو ما دعا الفقهاء المحافظين إلى رفض المشتقات بشكل عام، لأنهم يعتبرون عمليات التحوط مجرد عمليات مراهنة تخمينية على حركة العملة والأسهم، وهو ما يتعارض مع أحكام الشريعة في تحريم المقامرة([16]).
ويرى بعض الخبراء أن أهمية التحوط تكمن في السيطرة على المخاطر؛ ومن هنا يتوجب على المؤسسات والشركات المالية المختلفة وضع خطط استراتيجية للسيطرة على المخاطر والتحوط لها، إذ إن ذلك يحقق لها مزايا عدة منها([17]):
1. أن التحوط يؤدي إلى استقرار التدفقات النقدية وعدم تقلبها، وهذا يعطي الشركة ميزة تنافسية، ويجنبها تقلب العوائد، ويقلل احتمال إفلاسها وإخفاقها.
2. التحوط يؤدي إلى قدرة الشركة على تجنب تأجيل استثماراتها المخطط لها حين تنخفض تدفقاتها النقدية، وتجنبها تغيير استراتيجياتها الاستثمارية؛ مما يساعد على ارتفاع قيمة الشركة وأسهمها في السوق.
3. إن استقرار وعدم تقلب التدفقات النقدية للشركة بسبب سياسات التحوط يزيد من درجة الثقة في مقدرتها، ويزيد من جدارتها الائتمانية.
4. إن سياسات التحوط تتجاوز مزاياها من الشركة إلى المتعاملين معها، حيث يزداد اطمئنانهم إلى إمكانية الشركة في سداد ديونها.
وعلى النقيض من ذلك، فعدم وجود أدوات مالية إسلامية مخصصة للتحوط، وبتكلفة مالية منخفضة يجعل المؤسسات والشركات التي تلتزم بالتعليمات الشرعية أقل كفاءة، وأكثر كلفة؛ وبالتالي لا تستطيع منافسة المؤسسات غير الملتزمة، كل ذلك يحتم على المؤسسات والشركات المالية الملتزمة أن تتخذ كافة الأسباب لرفع كفاءتها وخفض تكلفتها حتى تتمكن من المنافسة، وكذلك يتوجب على المؤسسات المالية الإسلامية، ومنظري الاقتصاد الإسلامي والفقهاء أن يعملوا على تلبية احتياجات الشركات الإسلامية المعاصرة من الأدوات المالية لإدارة المخاطر التي تتعرض لها بكفاءة أعلى وتكلفة أقل([18]).
وقد أفاد أحد خبراء الاقتصاد الإسلامي([19])بعدم قبول أي نوع من أنواع المشتقات المالية، كما ونقل القول بحرمتها عن المجامع الفقهية، وأكد على عدم وجود مشتقات مالية إسلامية؛ معللاً ذلك بأن المتاجرة بالمخاطر لا تجوز شرعاً فهي مبنية على عقود محرمة أو على عقود استثنائية لا يجوز القياس ولا البناء عليها، كما ويرى أن التحوط في التمويل الإسلامي إنما يكون عن طريق هيكلة المنتجات، أي المزاوجة بين عقود التمويل الإسلامي بما يحقق تخفيف المخاطر أو درأها في معاملة معينة، والتحوط يعمل على إعادة توزيع المخاطر بين الأفراد ولا يلغيها، ولا يتم التخلص منها عن طريق المشتقات، لأن الهندسة المالية غير معنية بالتحوط، كما وأكد بأن من أهم ميزات المؤسسات المالية الإسلامية هو خلوها من المشتقات المالية.
(يتبع: في الحلقة 4)
[1]. المشتقات المالية في الرؤية الإسلامية، مرجع سابق، ص13.
[2]. عيسى، آمال حاج، حوير، فضيلة (مايو 2009م): المشتقات المالية من منظور النظام المالي الإسلامي، بحث مقدم للمؤتمر الدولي الثاني حول الأزمة العالمية الراهنة والبدائل المالية والمصرفية " النظام المصرفي الإسلامي نموذجاً "، والمنعقد في الفترة بين 5-6 مايو 2009م، معهد العلوم الاقتصادية وعلوم التسيير، الجزائر، ص19.
[3]. المشتقات المالية في الرؤية الشرعية، مرجع سابق، ص15.
[4]. المرجع السابق نفسه، ص16.
[5]. دور الهندسة المالية الإسلامية في علاج الأزمة المالية، مرجع سابق، ص8.
[6]. الفكر الحديث في إدارة المخاطر، مرجع سابق، ص24.
[7]. بوقري، عادل بن عبدالرحمن بن أحمد (2005م): مخاطر صيغ التمويل التجارية الإسلامية في البنوك السعودية، أطروحة دكتوراة، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، شعبة الاقتصاد الإسلامي، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، السعودية، ص193.
[8]. المشتقات المالية في الرؤية الإسلامية، مرجع سابق، ص17. و المشتقات المالية في الممارسة العملية وفي الرؤية الشرعية، مرجع سابق، ص33.
[9]. حنيني، محمد وجيه (2010م): تحويل بورصة الأوراق المالية للعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية – دراسة تطبيقية، عمان، الأردن، دار النفائس، ص107.
[10]. المرجع السابق نفسه، ص105.
[11]. وقد تقدم الكلام حول ( خيار الشراء وخيار البيع ) وأنهما عبارة عن حق مجرد لذاته، وهو حق متعلق بذاته وليس بحق مالي، فهو لا يمثل بحقيقته شيء؛ لذا كان صورياً، وهو أحد أوجه الانتقاد لهياكل الصكوك.
[12]. السويلم، سامي إبراهيم (إبريل 2011م): مدخل إلى أصول التمويل الإسلامي، جدة، السعودية، مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي،ص95.
[13]. الساعاتي، عبدالرحيم عبدالحميد (1999م): نحو مشتقات مالية إسلامية لإدارة المخاطر التجارية، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الإسلامي، مجلد 11،ص56.
[14]. المرجع السابق نفسه، ص57.
[15]. مجلة المصرفية الإسلامية الإلكترونية (IFI) (2009م): المشتقات المالية .. فقهاء يعارضون وخبراء يؤيدون، العدد: 8، 1/12/2009م، تمت الاستفادة من المقال في 7/2/2010م،
www.almasrifiah.com/.../article_310071.print[16]. مجلة المصرفية الإسلامية الإلكترونية (IFI) (2010م): المشتقات .. بين إدارة المخاطر والمقامرة، العدد: 14، 1/6/2010م، تمت الاستفادة من المقال في 10/1/2011م،
www.almasrifiah.com/.../article_400598.print[17]. نحو مشتقات مالية إسلامية لإدارة المخاطر التجارية، مرجع سابق، ص65.
[18]. المرجع السابق نفسه، ص66.
[19]. الدكتور معبد الجارحي – أمين ومستشار هيئة الفتوى والرقابة الشرعية في سوق دبي المالي، (في لقاء سابق للباحث معه).